أميركا تحشد لحرب تجارية جديدة مع الصين

تتأهب مجموعة السبع لخوض نقاشات هامة يوم الخميس، قد تسفر عن تشكيل جبهة موحدة للحرب التجارية في مواجهة الصين، والتي ربما ينضم إليها آخرين على رأسهم روسيا.

ومع اقتراب انتهاء فترته الرئاسية الأولى بالبيت الأبيض، يفتح الرئيس الأميركي جو بايدن أبواب الحرب المرتقبة على عدة أصعدة، لا تبدأ من حجب التكنولوجيا المتقدمة عن بكين، ولا تتوقف عند فرض رسوم جمركية مضاعفة على السيارات الكهربائية أو الصلب أو الألومنيوم أو منتجات الطاقة الشمسية، بل هي أبعد بكثير لتقليص قدرات “التنين” الصيني.

ورغم معارضته المتكررة لنهج سلفه في البيت الأبيض، ومنافسه الأكبر في الانتخابات المقبلة، الرئيس السابق دونالد ترامب، من حيث الحرب التجارية ومعركة الرسوم الجمركية مع الصين، وما تلاها من جبهات للحمائية التجارية شرقاً وغرباً حتى أنها امتدت إلى مواجهة مع حلفاء تقليديين على غرار الاتحاد الأوروبي نفسه في أحد المراحل… يعود لبايدن للمربع الأول قبل نحو 6 أشهر من الانتخابات الرئاسية.

في وقت سابق من هذا الشهر ، ذكرت رويترز أن وزارة التجارة الأميركية تدرس أيضاً دفعة تنظيمية جديدة لتقييد تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي المملوكة أو مغلقة المصدر، والتي يتم الاحتفاظ ببرامجها وبياناتها التي تم التدريب عليها طي الكتمان – إلى الصين تحديداً.

وعقب إعلان البيت الأبيض في منتصف شهر مايو / أيار الجاري عن زيادات حادة للرسوم الجمركية، تعهدت الصين بالرد الحاسم. وفي ظل خطورة الوضع والتوقعات اللاحقة، وصل الأمر إلى أن ينتقد صندوق النقد الدولي علانية، في حدث نادر، قرار الإدارة الأميركية ويحذر من زيادة التوتر بين أكبر اقتصادين ما يهدد النمو العالمي والتجارة الدولية. وقالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك الأسبوع الماضي، إن أميركا “ستستفيد بشكل أفضل إذا حافظت على سياسات تجارية منفتحة”.

حملة بقيادة يلين

تقود الحملة الأميركية الخارجية هذه المرة بشكل كبير وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، وفي مدينة فرانكفورت الألمانية، دعت يلين يوم الثلاثاء إلى توحيد الصف الغربي في مواجهة الصين. قائلة إن الولايات المتحدة وأوروبا بحاجة للرد على الطاقة الصناعية الفائضة لدى الصين “بطريقة استراتيجية وموحدة” للحفاظ على قدرة الشركات المصنعة على البقاء على جانبي المحيط الأطلسي.

وأبلغت يلين الصحافيين أن وزراء مالية مجموعة السبع يشاركون الولايات المتحدة مخاوفها بشأن جهود الصين للسيطرة على صناعات الطاقة النظيفة، لكنهم يحتاجون إلى “تنسيق” بشأن الإجراءات التجارية بعد فرض رسوم جمركية أميركية باهظة على البضائع الصينية.

وقالت يلين: “أعتقد أن المخاوف بشأن استراتيجية الصين مشتركة، وكل ما أقترحه هو أنه بالنظر إلى أن العديد من الدول تشترك في هذه المخاوف، فمن الأقوى التصدي للصين كمجموعة”.

قدرات الصين تهدد الشركات الأميركية

وفي تصريحات حول التحالف الأميركي الأوروبي في فرانكفورت، قالت يلين إن القدرة الصناعية الفائضة للصين تهدد الشركات الأميركية والأوروبية وكذلك التنمية الصناعية في دول الأسواق الناشئة. وأضافت: “قد تبدو السياسة الصناعية للصين بعيدة ونحن نجلس هنا في هذه القاعة، ولكن إذا لم نرد بشكل استراتيجي وبطريقة موحدة، فإن جدوى الشركات في بلدينا وفي جميع أنحاء العالم يمكن أن تتعرض للخطر”.

وكانت يلين قد حذرت المسؤولين الصينيين خلال رحلة إلى قوانغتشو وبكين في أبريل/ نيسان الماضي من أن الولايات المتحدة لن تقبل إنتاجهم الزائد من عدد من السلع الذي من شأنه أن يغرق الأسواق العالمية بصادرات رخيصة. وعلقت من فرانكفورت يوم الثلاثاء بأن الإنتاج الصيني في بعض القطاعات تجاوز الطلب العالمي بشكل كبير، مما يهدد تطوير صناعات الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم.

وأضافت أن إدارة بايدن تتخذ إجراءات لحماية العمال والشركات الأميركية من التعرض للمنافسة الاقتصادية الصينية غير العادلة. وأن القدرة الصناعية الصينية ستكون محور الاجتماعات المالية لمجموعة السبع في وقت لاحق هذا الأسبوع في ستريسا بإيطاليا.

وقالت يلين: “نريد أن نرى قطاعات صحية للتكنولوجيا الخضراء، من الشركات الناشئة المبتكرة إلى مصانع التصنيع الخضراء، في الولايات المتحدة وأوروبا وفي جميع أنحاء العالم، وليس فقط في الصين”.

رد الصين

ومن جانبها تؤكد الصين أنها تعارض زيادة الرسوم الجمركية من جانب واحد، وأنه “انتهاك لقواعد منظمة التجارة العالمية”، متعهدة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة”.

كما أشارت بكين إلى أن تأكيدات الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الطاقة الفائضة هي “حمائية تجارية صريحة”، وإن الجهود المبذولة لتقييد صادرات الطاقة الجديدة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم ستحبط الجهود العالمية لمعالجة تغير المناخ.

وقال هي يادونغ، المتحدث باسم وزارة التجارة، يوم الخميس الماضي: “لا يمكن وصف دولة ما بأنها تتمتع بقدرة فائضة لمجرد أن لديها قدرة أكبر مما تحتاج إليه… إن الإنتاج والاستهلاك عالميان، ويجب أن يتطابق العرض والطلب وأن يتم تعديلهما وفقًا لمنظور عالمي”.

من يدفع الثمن

وبعيداً عن رأي الطرفين في الأزمة، فإن كثير من المراقبين يرونها بالفعل أزمة كبرى سيدفع العالم ثمنها… بداية من المستهلكين الأميركيين أنفسهم، والذين سيتحملون الجانب الأكبر من كلفة رفع الرسوم الجمركية.

ويقول أصحاب هذا الرأي إلى أنهم يستندون بالفعل إلى نتائج تجربة الإدارة السابقة، حيث لم تفلح حرب الرسوم مع الصين في تقليص حجم الصادرات الصينية أو إضعاف اقتصادها، بل أسهمت بشكل كبير في إضافة وقود سريع الاشتعال لأزمة التضخم العالمي التي أشعل فتيلها وباء “كوفيد-19″، ليدفع المواطن الأميركي الثمن -أو أغلبه.

قلق من روسيا

جانب آخر من القلق المتنام يرفعه المراقبون والخبراء الاستراتيجيون، إذ أن كل هذا التصعيد يتزامن مع الزيارة الأخيرة المفاجئة والتاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين، والتي أكد خلالها بما لا يدع مجال للشك أنه ونظيره الصيني شي جينبينغ حلفاء استراتيجيون، وشركاء اقتصاديون وتجاريون وسط أوضاع عالمية مربكة.

ويزيد من التشاؤم الغربي في هذا الصدد أن نقاشات مجموعة السبع، ستتطرق إلى موضوع شديد الحساسية يتعلق بالأصول الروسية المجمدة، وما إذا كان من الممكن المضي قدما في استخدامها أو استخدام عوائدها لتمويل الجبهة الأوكرانية خلال الحرب ضد موسكو… وهو أمر قد يعجل من الاندفاعة الروسية لتحالف أوسع وأعمق مع الصين في وجه “جبهة العقوبات” الغربية.