حدثان كبيران سرقتا الأضواء، وإنْ بنسبٍ متفاوتة وأحجامٍ مختلفة، في الأسبوع المنصرم: تفاقم القلق من انتشار فيروس «كورونا»، ومغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسمياً. بدا واضحاً أنَّ الحدث الصيني تحول مصدرَ قلقٍ أو هلعٍ على مستوى العالم كله، وأنَّ الحدث البريطاني اعتبرَ منعطفاً حاسماً على الصعيدين البريطاني والأوروبي، مع انعكاساته الدولية. لا شيء يربط بين الحدثين سوى ما كشفه تزامنهما من هشاشة في الوضع الاقتصادي العالمي وخطورة تعرضه في اية لحظة الى مطبات قادرة على قلب الصورة رأسا على عقب.
حين نتكلَّم عن الصين، لا نستطيع إلا أن نتذكر حجمها وصعودها: الدولة الأولى في عدد السكان في العالم، وصاحبة الاقتصاد الثاني فيه. ولهذا كنَّا نقرأ قبل أسابيع فقط ما يكتب من سنوات عن «اقتراب العصر الصيني» و«صعود الصين» وانتقال مركز الثقل في العالم إلى الشق الآسيوي منه.
فجأة، وبسبب فيروس «كورونا»، صرنا نقرأ عن فيروس يعزل الصين أو يحاصرها: دول تُجلِي رعاياها، وتنصح مواطنيها بعدم التوجه إلى الصين؛ شركات طيران تلغي رحلاتها، وحديث متزايد عن الأثمان الباهظة لظهور الوباء، وانعكاساته على الاقتصاد الصيني وأسعار الطاقة والتبادل التجاري. في غضون أسابيع فقط، اهتزت الصورة التي أنفقت الصين عقوداً في بنائها أو استحقاقها.
المعطيات المتوفرةمن آسيا متضاربة صباح اليوم. بورصات اليابان وهونج كونج سجلت إيجابيات ، بينما بورصة شانغهاي سلبية. السلبيات ظلت مستوعَبة ولعل الفضل يعود الى الدعم المالي الاستباقي الذي قررته الحكومة للشركات التي ستواجه مصاعب بفعل ازمة الفيروس الخطرة.
في الاسواق الاوروبية وبعد تراجعات نهاية الاسبوع الماضي توحي البشائر ببداية جيدة في مرحلة تصحيح ولو طفيفة. هذا يظهرأيضًا على أسعار العقود الآجلة هذا الصباح. رد فعل السوق الصيني المضبوط قد يدعم الانتعاش الحالي في الأسواق الأخرى. في غضون ذلك ، أعلنت الحكومة الصينية أنها ستقدم ما يقرب من 1.6 مليار دولار من السيولة للشركات بسبب التراجع الاقتصادي المتوقع.
ومع ذلك ، لا يبدو أن انتشار فيروس كورونا قد بلغ ذروته بعد ، وإذا لم يكن الأمر كذلك وكان عدد الحالات في ازدياد ، فمن المرجح أن تظل الأسواق غير مستقرة. هذا ولا ينبغي المبالغة في تقدير البيانات الحالية من الصين لأنها لا تشمل الآثار الكاملة للفيروس في العام الجديد. وعلى الارجح اننا لن نعرف ما يفيد من معلومات على هذا الصعيد قبل نهاية شهر فبراير.
على جبهة البيانات الاقتصادية سنكون هذا الاسبوع امام استحقاقات مهمة: بيانات سوق العمل الأمريكية (ADP و NFPS) من الولايات المتحدة الأمريكية تاتي يومي الاربعاء والجمعة. بالإضافة إلى ذلك ، كما هو الحال في كثير من الأحيان ، سوف يجذب مؤشر مديري المشتريات ISM الكثير من الاهتمام بداية الاسبوع مع قطاع التصنيع ولاحقا مع قطاع الخدمات يوم الاربعاء وهنا من المفيد رصد نتائج مكون التوظيف كاشارة مسبقة لبيانات يوم الجمعة..
في اوروبا وبخاصة المانيا، فإن المراجعة الثانية لمؤشر PMI مدرجة في جدول المواعيد اليوم الاثنين وتلقي رئيسة البنك المركزي الأوروبي لاجارد بعض الخطب خلال الأسبوع.
يتخذ البنك المركزي الأسترالي قرارًا بشأن أسعار الفائدة ويتم عرض الميزان التجاري من الصين في نهاية الأسبوع .
على صعيد موسم صدور نتائج الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان إيجابيا جزئيا حتى الان. ارتفع إجمالي نمو أرباح ستاندرد آند بورز 500 إلى – 0.3 ٪ يوم الجمعة ، بعد – 1.8 ٪ في الأسبوع السابق و- 0.6 ٪ يوم الأربعاء. 45 ٪ من جميع الشركات قد أبلغت اعتبارا من الأسبوع الماضي ، لذلك لا يزال هناك عدد قليل من الأرقام القادمة. في ظل هذه الظروف ، من غير المرجح أن تجلب التقارير دوافع إيجابية دائمة ومن المستبعد ان يشكل هذا الاستحقاق سببا وجيها لارتفاعات محترمة في الاسواق.
وماذا عن اليورو؟
من الواضح ان الضغوط على البيع نقذت وتراجعت حماسة الرهانات التراجعية منذ ان بلغ اليورو ال 1.1000 مقابل الدولار. امر كنا قد اشرنا اليه في تقريرسابق وكان ان اندفع اليورو في حركة صعودية نهاية الاسبوع الماضي.
تراجع الضغوط بدت على اليورو اذ انه وعلى الرغم من النشر المخيّب للآمال لبيانلت النمو في منطقة اليورو يوم الجمعة والنشر المطمئن للنمو في الولايات المتحدة فان السوق لم يقدم على بيع اليورو وشراء الدولارولكن العكس هو الذي حدث.
منطقيا ، ينبغي أن تكون هذه المنشورات قد دعمت الطلب على الدولار وبالتالي شددت الضغوط على اليورو ، ولكن هذا لم يكن هو الحال اذ ارتد زوج منذ اختباره للدعم النفسي عند 1.10 دولار يوم الخميس .
يشير رد فعل السوق هذا إلى أن المراهنين على التراجع يفقدون قوتهم ، مما يدل على أن المراهنين على الارتفاع يمكنهم استعادة السيطرة بالمدى المنظور. هذا مع ضرورة تتبع المستجدات المؤثرة من بيانات ومواعيد اقتصادية الى سواها من مؤثرات قد تكون طارئة.
وبالمحصلة ما تقدم يعني ان التراجعات في ظل الظروف الحالية يصح اعتبارها حالات شراء لليورو.