تحرير الليرة “كلام فارغ”

بعدما أضحى سؤال، “قديش الدولار اليوم”، كالرغيف اليومي، طالع حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الشعب اللبناني بتحرير سعر الصرف المرتقب، ليوضح لاحقاً أن التحرير مرهون بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. التوضيح وما قبله يصبان في الإطار ذاته، “انتهاء عصر تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار”، لكن كيف ينعكس الأمر على الاقتصاد اللبناني والمواطن المنهكين أساساً؟

بالعودة إلى أساس المعضلة التي ستحُل بتلبية أول شروط نقد الدولي بتحرير سعر الصرف، يرى الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، أن “الخطأ الأساسي بدأ عام 1993 مع اعتماد مصرف لبنان المركزي سياسية تثبيت سعر الصرف، عبر تقويته بقرار مركزي وتثبيته لاحقاً من خلال اعتماد سياسة الفوائد المرتفعة جداً التي رُبطت عضوياً بثبات سعر صرف الليرة اللبنانية”.

“سياسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كانت مكلفة جداً”، برأي يشوعي، معتبراً أنه “كان يجب تثبيت سعر الصرف لغاية عام 1995 ومن ثم اعتماد نظام القطع المرن، إذ انفقنا عشرات ملايين الدولارات لدعم سعر وهمي لليرة اللبنانية، ما فصل النقد عن الاقتصاد على الرغم من عدم انفصالهما، ومنع بناء اقتصاد منتج”.

يؤكد الخبير الاقتصادي، أن “ثبات سعر صرف النقد يتعارض مع السياسة الاقتصادية النقدية العالمية بعد سقوط اتفاقBretton woods ، وربط سعر العملات بنتائج الاقتصاد ولا بقرارات المصرف المركزي أو الذهب. هذا الخطأ دمّر اقتصاد لبنان وفاقم الديون على القطاعين العام والخاص، ولم يعد للمركزي قدرة السيطرة على سعر الصرف، إذ نشأت السوق الحقيقية ـ أي الحرة ـ التي تحدد سعر الصرف المرن”، مشيراً إلى أن “الدولار مفقود بسبب فجوة الـ54 مليار دولار الموجودة في البنك المركزي”.

“سقط قرار المركزي بتحرير سعر الصرف، لصالح اقتصاد السوق الحرة وسوق العرض والطلب، إذ ان الأسواق تفرض نفسها”، بهذه الكلمات يختصر يشوعي في حديثه لموقعنا، موضوع تحرير سعر صرف الليرة.

“لينزل سلامة عن منصاته”

السوق الحرة وإمكانية حكومة جديدة باستقدام الرساميل من الخارج، يحددان سعر الصرف، بحسب يشوعي، الذي ينتقد منصة مصرف لبنان، قائلاً “لينزل سلامة عن منصاته”، مشيراً إلى أن أسعار المنصة غير مجدية وغير واقعية.

ويعتبر الخبير الاقتصادي أن سعر الصرف في لبنان تحرر أصلاً، والحديث عن تحرير سعر الصرف “كلام فارغ”، موضحاً أن “المركزي اليوم أصبح أضعف من أضعف مضارب في السوق الحرة، مع الأسف”.

لا سقف لسعر الصرف

للحفاظ على سقف الـ8500 ليرة لبنانية أو أدنى للدولار الواحد، يطالب يشوعي باسترداد الـ18 مليار دولار أي الرصيد المتبقي للناس عند مصرف لبنان، إذ يسترد المودعون بالدولار الذي يبلغ عددهم ما يقارب المليون، أموالهم تدريجياً من خلال استرداد المصارف لهذه الأموال تدريجياً من المركزي. ويشدد الخبير الاقتصادي على استرداد الأموال قبل التفريط بها وتوزيعها منافعاً يميناً ويساراً، محذراً من أن عدم اتباع الخطوات أعلاه، لن يبقي سقفاً لسعر صرف الدولار.

وعن تصحيح الرواتب والأجور كما الضرائب، و”زوال صيغة الـ1515 والـ3900″، يشرح يشوعي، أن تصحيح الدولة للضرائب بما يتناسب وسعر صرف السوق الحرة وتراجع قيمة الليرة أمام دولار، سيضعنا أمام ثورة شعبية، ويسأل، “مين معو يدفع ضرائب مضروبة بـ5 أضعاف؟”.

“سيتهرب الناس أكثر وأكثر من دفع الضرائب عندها، إذ ان المواطن بالكاد يدفع ما يتوجب عليه للدولة اللبنانية”، يقول يشوعي، ويتابع “لو ان الاقتصاد سليم لرُفعت نسبة الصادرات 5 أو 6 مرات مما يسمح بتصحيح الأجور في القطاعين الخاص والعام”. ويضيف، “المصارف قد تخفض سقوف السحوبات أكثر وأكثر وتعدل قيودها لأنها متوقفة عن الدفع، بما يتناسب والواقع”.

ولادة فئات جديدة من الأوراق النقدية؟

“لا قيمة لفئات جديدة من الأوراق النقدية، إذ ان الأمر تقني وعملاني، لا أكثر ولا أقل، ولا يؤثر على قيمة الليرة”، يشرح يشوعي، ويعطي مثلا عن الفرنك الفرنسي عندما كبرت الكتلة النقدية تم استحداث قيمة جديدة للفرنك.

ويبقى استقدام رساميل جديدة بالعملة الصعبة من دون ديون جديدة كما تلزيم الخدمات العامة بآلية دولية، بعيداً عن تدخل الحكومة لمنع المحاصصة والتنفيعات، من دون بيع، الحل الوحيد لـ”بناء رأس المال الوطني”، بحسب الخبير ذاته.

فراس صليبا