إن الكتابة من قبلي في أواخر هذه السنة تنجز بعد خمسين عاماً من أول مقال حول أزمة #بنك أنترا التي أشرت إلى أنها مفتعلة وأن حلها ممكن، وهكذا كان. واليوم شركة انترا للاستثمار المملوكة بالنسبة الأكبر من مساهمين حملوا الأسهم لأنهم كانوا مودعين، وحتى تاريخه يتقاضون أرباحاً سنوية وقيمة موجودات الشركة تفوق المليار دولار. ربما ممارسة توزيع أسهم على المودعين طريقة مناسبة لمعالجة عجز المصارف عن تأمين ودائعهم دون تقنين مخالف للقانون مقنّع حالياً.
لقد لاحقت تقارير #صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وتقييم #الأمم المتحدة والعديد العديد من التعليقات، ولم أستكشف في جميع التقارير ما يوحي بحلول واقعية تنقذ البلد من السقوط في خانة الدول الممانعة أي سوريا وإيران. والبلدان يعانيان من مصاعب اقتصادية واجتماعية والتغلب على مصاعبهما يستوجب انقضاء سنوات قبل ظهور تباشير الحلول الحديثة.
دراساتي شملت إصدار كتيّب حول الأزمة المصرفية وإمكانات تجاوزها، لأن #لبنان دون مصارف متحرّكة وقادرة لن يكون مقبلاً على النموّ والتحرّر، وممارسات المصارف الجارية حالياً لا تخدم أهداف استعادة الحياة الاقتصادية لطبيعتها الحرة وممارساتها الصحية غير الخاضعة لاستهداف إنقاذ أصحاب المصارف وعدد المودعين يفوق 1.5 مليون لبناني وغير لبناني وعدد المصارف العاملة لا يتجاوز 60 منها عدد مرشح للانطواء دون خسائر ملحوظة.
هنالك تصوّران لافتان للاهتمام وقد أنجزهما مروان أديب مرشي الخبير بالأسواق المالية العالمية الذي ترأس ثاني أكبر شركة للتعامل المالي، تسويقاً وإصداراً للسندات الحكومية ومعالجة مشاكل عدد من الدول شملت الأرجنتين، والمكسيك والإكوادور وحتى السويد، التي بلغ مجموع قيمها حوالى تريليون دولار أي ألف مليار دولار في حينها. وقد عرض دراساته على عدد من المسؤولين، وأظهر الاهتمام الأساسي بحلول مروان مرشي الرئيس نبيه بري، وهو قضى ساعة مستمعاً ومناقشاً لافتراضات مروان مرشي واستشعر أن دراساته قد تكون البوابة الصالحة للمجلس النيابي الحالي الذي يشمل طاقات جديدة على السياسة وتوجهات غير تقليدية.
المصدر الثاني مذكرة مختصرة، لكن غنية بالأفكار والتوجهات غير التقليدية بل إنها تشمل انتقادات أساسية لمنطلقات وتفسيرات وتوجهات ما سُمّي خطة حسان دياب، والرجل بريء من المعرفة بشؤون الاقتصاد وإن هو ادّعى أن برنامج حكومته – بعد انقضاء شهر على تأليفها – عالج 97% من مشاكل لبنان الاقتصادية، والأمر الذي يدعو الى التنبّه بعد ادعاءات حسان دياب، أن برنامج حكومة نجيب ميقاتي بحسب تقييم الدكتور منير راشد الذي كان خبيراً في صندوق النقد الدولي، ويرأس حالياً جمعية الاقتصاديين اللبنانيين، هو أسوأ من برنامج حكومة حسان دياب، كما أن دراسته القيّمة تبيّن أن النظام اللبناني كان يسمح بتحويل الأموال دون عائق ما دامت صحة البنوك متوافرة، وهو يعتبر أن البنوك التي تحوز سيولة بنسبة 10-12 في المئة مقابل الودائع قادرة على الحياة، وهكذا كان الوضع مع بنوك عالمية خلال الأزمة المالية العالمية 2007/2008. فبنوك مثل بنك الاعتماد السويسري أو اتحاد البنوك السويسرية كانت بالفعل مفلسة لولا مسارعة الدول لإنقاذها، وأكبر بنك في إنجلترا اضطرت السلطات الى تملكه مقابل ضخ 150 مليار جنيه استرليني كانت تساوي أو تزيد على 180 مليار دولار.
يرى الدكتور منير راشد أن التحويلات التي أنجزت حتى بعد تظاهرات شهر تشرين الأول عام 2019 كانت شرعية بل هي تشكل ارضية رئيسية لاستعادة تدفق الأموال الى لبنان، وهو يعتبر أن برنامج صندوق النقد الدولي غير صالح، وهنا أقتبس بضعة أسطر من استخلاصات الدكتور منير راشد الذي يقول:
“سياسات صندوق النقد الدولي التي تحصر دور المصارف هي غير مناسبة حالياً. فاقتراحات صندوق النقد الدولي تشمل الاعتراف بخسائر كبيرة في القطاع… وتوصي بتضييق الاعتماد على المصادر التابعة للدولة. وهذا الاقتراح مخالف لقانون النقد والتسليف حيث ينص القانون في المادة 113 على أن الدولة مسؤولة عن تغطية خسائر مصرف لبنان (ومنها ودائع المصارف) وعلى الدولة واجب ضمان جميع الموجودات المالية”. وقد بيّن حاكم مصرف لبنان أن 65% من الدين العام مترسّب من التحويلات لعجز الكهرباء وفوائدها، وربما هنا سبب التهجمات البذيئة على الحاكم.
برنامج دراسة مروان مرشي ينطلق من ضرورة معالجة قرض اليوروبوند في المكان الأول وهو يشير الى أن بداية الأزمة انطلقت من توصيات حكومة حسان دياب بالامتناع عن تسديد فوائد هذا الإصدار بتاريخ أواسط شهر آذار من عام 2020.
وبعد تظاهرات شهر تشرين الاول التي انطلقت وتمنّع لبنان عن دفع مستحقات الفائدة كان الطلب الذي أطلقته الجماهير، استعادة حوالى 10 مليارات دولار حُوّلت لحسابات أصحابها في الخارج، والواقع أن هذه الأموال وغيرها ممّا يتوافر للبنانيين قد تكون، عند استعادة الثقة بالحكم وقطاع المصارف، النواة الضرورية لإحياء الاقتصاد اللبناني.
بالمناسبة نشير الى أن تحويلات اللبنانيين الى لبنان خلال 2007/2008 بلغت 24 مليار دولار وساعدت على تحقيق فوائض على حساب ميزان المدفوعات حتى عام 2013.
إضافة إلى برنامج مروان مرشي لاستعادة نبض الحياة الإنتاجية خلال 3 سنوات، ظهرت بوادر المطالبة بتأسيس صندوق وطني تتكوّن موجوداته من المؤسسات المملوكة والمسيّرة من القطاع العام، وقد طالبت شخصياً بمعالجة قضيّة الكهرباء بتحويل مسؤولية الإنتاج والإمداد وتركيب العدادات الإلكترونية والفوترة والجباية الى القطاع الخاص منذ عشر سنوات، ولم يكن هنالك من متحمّس لهذه الخطوات… وبالتالي لا بدّ من التشديد على ما يأتي:
الابتداء بمعالجة دين اليوروبوند البالغ أساساً 32 مليار دولار قبل احتساب الفوائد والذي يحظى بخطة متكاملة في معالجة مروان مرشي، والمبادرة الى تأليف هيئة مستقلة لشؤون الطاقة – أي الكهرباء والمياه ومعالجة النفايات، ثم التدرّج في تخصيص خدمات الهاتف والانترنت وتخصيص نسبة ملحوظة من الريجي وإنجاز اتفاقات تسيير وإدارة المرافئ وتخصيص المصفاتين في طرابلس والزهراني ومطار رينه معوض، وتعزيز خدمات الصحة – في عهد الأوبئة الصحية والحكمية – وإعطاء لبنان وأهله بصيص الأمل، وكل ذلك يستوجب حكومة لا تشمل من يماثل نائب رئيس مجلس الوزراء أو وزير الطاقة، وصاحب الصوت العالي وزير الشؤون الاجتماعية.