أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

لا اتفاق مع الصندوق بلا كابيتال كونترول

من المفترض ان تكون الحكومة منشغلة في تهيئة الارضية لعقد برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي، في حين انّها أشبه بوضعية تصريف أعمال، وسط شلل يصيب انعقاد جلساتها، خصوصاً انّها بعثت برسالة إلى الصندوق عبّرت فيها عن اهتمامها بوضع برنامج تمويل معه.

الاجتماعات مع وفد الصندوق والجهات الدولية كافة والخطط التي تضعها الحكومة في الكواليس، ولا تعلن عنها، حول نظرتها للخروج من الأزمة، لا يمكن ان تتبلور في حال بقي الجمود السياسي على حاله، وفي حال عدم تطبيق الحدّ الأدنى من الإصلاحات المطلوبة للحصول على التمويل، إن عبر الادارات الرسمية او عبر المنظمات غير الحكومية، أوّلها قانون الكابيتال كونترول الذي لم يبصر النور لغاية اليوم، والذي استوجب نصّ مسودات واقتراحات عديدة للقانون، لم يفلح المسؤولون في الاتفاق على واحدة منها منذ اندلاع الأزمة في 2019. هذا العقم أدّى الى تعميق المشكلة، وخروج مليارات الدولارات من البلاد، ساهمت في مفاقمة الوضع المالي والنقدي، وسرّعت في الانهيار، مما استوجب بعدها، انشاء لجان تحقيق في الاموال المهرّبة بالاضافة الى اقتراح قانون يرمي الى استرداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحولة الى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019 والذي ناقشته لجنة المال امس.

 

بالاضافة الى الاموال التي تمّ تحويلها الى الخارج نتيجة عدم اقرار قانون الكابيتال كونترول في الوقت المطلوب، تتعرّض المصارف لغاية اليوم، وبسبب غياب قانون الكابيتال كونترول، الى دعاوى قضائية من قِبل مودعين لبنانيين واجانب لتحرير اموالهم، آخرها قرار الغرفة التاسعة للمحكمة القضائية في باريس، والذي قضى بتسديد جميع المبالغ المودعة، بما يعادل 2.5 مليون يورو، من قِبل مواطن سوري أقام في فرنسا لمدة 45 عاماً، من قِبل بنك سرادار. وكان هذا القرار متوقعاً بسبب وجود معاهدة ثنائية لحماية الاستثمار بين فرنسا ولبنان، والتي تُلزم البنوك اللبنانية إعادة الأموال إلى الأشخاص المقيمين في فرنسا.

 

في هذا الاطار، تساءل مسؤول مالي دولي، عمّا إذا كان معظم النواب اللبنانيين على دراية بالأهداف وراء إقرار قانون الكابيتال كونترول، «لأنّهم لو يعلمون، لكانوا أصدروا قانوناً مؤقتاً بحالة الطوارئ، في تشرين الاول 2019 عندما كان مصرف لبنان يملك حوالى 30 مليار دولار من احتياطيات العملات الاجنبية». وقال لـ»الجمهورية»: «إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على قانون لضبط رؤوس الاموال بعد ما يقرب من عامين من النقاش، هل يعتقدون أنّهم سيكونون قادرين على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ؟».

 

اضاف: «عادة ما يتمّ تطبيق قوانين ضبط رأس المال بشكل سريع ومؤقت في بداية الأزمات الاقتصادية والمصرفية، لحماية المودعين وإدارة ظروف الاقتصاد الكلي في البلاد».

 

واعتبر انّ صياغة مثل هذا القانون للبنان في هذه المرحلة، أمر معقّد، لأنّ مصرف لبنان يفرض في الحقيقة اقتطاعاً كبيراً على الودائع ويفرض ضوابط غير رسمية على رأس المال. كما أنّ جميع التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان منذ تشرين الأول 2019 تعقّد صياغة مثل هذا القانون. «وبالتالي لا يسعنا سوى الاعتقاد انّ التأخير في صياغة مثل هذا القانون منذ العام 2019، متعمّد، لأنّه سمح للسياسيين والأفراد النافذين بتحويل الأموال إلى الخارج دون انتهاك قانون الكابيتال كونترول».

 

وختم المسؤول الدولي مؤكّداً، انّ اقرار قانون فعّال لضبط رأس المال في 2019 كان من الممكن أن يحدّ من الانهيار السريع في قيمة الليرة اللبنانية والى احتواء الهجوم الذي حصل على المصارف الى حين استعادة الثقة.

 

رنى سعرتي

إما توحيد سعر الصرف… إما الدولرة الرسمية

لا نزال نعاني يومياً تدهوراً متواصلاً وضربات موجعة ومؤلمة للعملة الوطنية، لأسباب عدة، منها نقدية وإقتصادية، داخلية، وأخرى مشبوهة وحتى إقليمية ودولية.

في مواجهة هذه الأزمة الكارثية التي تزيد الفقر والإنهيار، لا يوجد لدى المسؤولين أي خطة ولا إستراتيجية، على المدى القصير، المتوسط والبعيد. أمام هذا الإنزلاق المرعب، نشهد إصدار «خلق» تعميم تلو الآخر، لا نكاد نقرأ ونفهم الأول، ليُلحقوننا بالتالي، من دون خطة واضحة ولا رؤية لهذا الضباب الحالك السواد.

بالتوازي، نشهد تضخماً خطراً على الإقتصاد اللبناني، وعلى نحو متصاعد، في ظل تعاظم الكتلة النقدية في السوق المحلية، حيث الليرة اللبنانية تنهار يوماً بعد يوم، فيما يصعب إنقاذها بعد اليوم.

إنّ الخيارات لم تعد كثيرة لإعادة الدورة الإقتصادية. فالحل الأول، إما توحيد سعر الصرف وفق المنصة الرسمية، مع مراقبة دقيقة وضوابط، وإما الدولرة الرسمية للتعامل والتبادل النقدي.

أما الحل الثالث، فهو ترك اللبنانيين تحت رحمة السوق السوداء، والتي لا نعرف مَن هو وراءها ولا مّن يُديرها، ولا مَن يتلاعب بمصير اللبنانيين وحياتهم.

فإذا كان القرار هو التمسّك بالليرة الوطنية، فإنّه لا يُمكن أن يتحقق ذلك من دون الإتفاق الموحّد على توحيد المنصّة الرسمية، وحتى إذا كان السعر والتداول عائماً، لكن تحت مراقبة وضوابط مالية ورسمية، عوضاً عن المنصّات المدمّرة والمتفلتة والعشوائية والمشبوهة.

أما في حال عدم إتخاذ هذا القرار البديهي، فلنذهب إلى سوق مدولرة بإمتياز رسمياً، وتحويل كل المداخيل والتبادل التجاري، وجزء من الودائع إلى عملات صعبة، والتحول رسمياً إلى سوق مدولرة والتي لا هروب منها، وتصبح حقيقة يوماً بعد يوم شئنا أم أبينا.

في هذه الحال، تتحول الرواتب والأجور شيئاً فشيئاً إلى الدولار، وتُثبّت أسعار السلع الضرورية بالعملة الأجنبية، من دون تضخّم. وترجع العملة الصعبة للتداول الرسمي في جيوب اللبنانيين، وحتى في المصارف. وتُعود الدورة الإقتصادية الى العملات الصعبة، آملين في إعادة النمو لتحسين نسبة العيش.

أما في القطاع العام، فيُخلق صندوق مدعوم من البلدان المانحة والصديقة، لدفع أجور القوى العسكرية والأمنية والجيش بالعملات الصعبة، وأيضاً صندوق للقضاء والقضاة، لتوفير مداخيلهم من صناديق الدعم الدولية. أما باقي مؤسسات الدولة، فعلينا أن نُحولها إلى شركات خاصة على طريقة الـ BOT – BUILD OPERATE TRANSFER والتي تعني البناء، والتشغيل والتحويل، من قِبل شركات خاصة، والتي ستستثمر وتقدّم الخدمات المنتجة والبنّاءة للشعب اللبناني، حيث تبقى الملكية للدولة اللبنانية.

في المحصلة، هناك خيارات عدة لمواجهة الأزمة ومحاولة إعادة النمو، لكننا نتعايش مع الخيارات الأسوأ، وهي قرارات عشوائية لن نفهم أساسها ولا تطبيقها، والتي تدعم السوق السوداء وتضرب الإقتصاد أكثر فأكثر وتزيد مخاطر على اللبنانيين.

نتمنى خطة وإستراتيجية واضحة وشفافة على المدى القصير، المتوسط والبعيد، وفي حال عدم سلوك هذه الطريق، فإننا نكون في مرحلة زيادة المخاطر والإنهيار.

 

 

د. فؤاد زمكحل

ما سرّ تفاؤل بعض «الزوار» بحلّ الأزمة؟

توحي المؤشرات بأنّ مسار الدولار التصاعدي الذي شهدناه في الشهرين الأخيرين من العام 2021 قد توقف، وانّ الدولار سيُنهي السنة على سعر قريب من سعره الحالي. لكن السؤال، كيف سيكون وضع النقد في العام 2022، وهل ينبغي ان نتوقّع عاماً اسوأ، على المستويين المالي والاقتصادي؟

بدأت مفاعيل التعميم 161 تظهر بوضوح في سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ويبدو انّ التجديد لهذا التعميم قد يستمر شهراً بعد آخر وصولًا الى موعد الانتخابات النيابية في ايار المقبل. وهناك احتمال، وفي حال الوصول الى اتفاق إطار مع صندوق النقد الدولي في نهاية شباط، كما يأمل السفير بيار دوكان، والذي نقل رغبته هذه الى المسؤولين اللبنانيين عندما التقاهم في بيروت، ان يُصار الى وقف العمل في التعميم، استناداً الى المراهنة على العوامل النفسية الإيجابية التي قد تساهم في حينه، في تخفيف الضغط على الليرة.

لكن التعميم 161، ورغم إفادة الموظفين من مفاعيله، الّا انّه قد لا يكون كافياً، وستكون هناك حاجة الى مواصلة تعزيز مداخيل موظفي القطاع العام، ومن ضمنهم العسكر، لضمان الصمود المجتمعي في المرحلة الفاصلة عن تغيير المشهد، والانتقال الى مسار التعافي بعد الانتخابات، إذا حصلت. والرهان على الانتخابات لا يعني انّ المنتظرين يتوقعون سقوط ما يُعرف بالمنظومة، بل يكفيهم سقوط الأكثرية الحالية من بين يدي «حزب الله»، وتكوين كتلة من الوجوه المستقلة القديمة والجديدة، بحيث تصبح هذه الكتلة بيضة القبان، قادرة على منح الأكثرية النيابية الى الفريق الذي تميل اليه. وبالتالي، سيطمئن المجتمع الدولي الى انّ أي اتفاق مع صندوق النقد سيُنفّذ، ولن يُعلّق ويتعرقل في مجلس النواب، بدفعٍ من قوى لا ترفض الاتفاق علناً، لكنها تعمل ضمناً على إجهاض أي برنامج يموّله الصندوق.

من هنا، يبدو المشهد في النصف الاول من 2022، شبيهاً بالمشهد الذي شهدناه في كانون الاول من 2021، اي استمرار المراوحة، واستمرار المحاولات لكبح جماح الدولار، ومنعه من التفلّت، ولو انّه سيواصل حتماً ارتفاعه التدريجي، ولو البطيء.

في المقابل، ستكون هناك استحقاقات اخرى حسّاسة الى جانب زيادة الاجور تحت مسمّيات مختلفة (مساعدات او خلاف ذلك)، تتعلق بتحسين المالية العامة للدولة. إذ انّ صندوق النقد يتوقّع إنجاز موازنة يتمّ خفض العجز فيها الى مستويات قياسية. وهذا المطلب، وهو إجراء ضروري لتمهيد الارض لخطة التعافي، يستوجب إلغاء او خفض الدعم عمّا تبقّى من سلع. وباستثناء القمح (الخبز)، سيكون مطلوباً وقف دعم الكهرباء من خلال تحسين الجباية، ورفع التعرفة، خصوصاً وفق نظام الشطور، الى مستويات تحقيق التوازن المالي في المؤسسة لتمكينها من تمويل نفسها.

كذلك سيتحتّم إلغاء ما تبقّى من دعم على البنزين. ومن المتوقّع رفع تعرفة الاتصالات والانترنت. ولن يبقى الدولار الجمركي على تسعيرة 1500 ليرة للدولار، وسيتمّ رفعه على معظم السلع الاستهلاكية.

لكن الامر الغامض في هذا المسار هو التوقيت. هل تُقدِم الحكومة على إجراءات من هذا النوع قبل الانتخابات النيابية، ام انّها ستحاول التملّص من هذه الاستحقاقات بانتظار تمرير استحقاق الانتخابات، تحاشياً لإثارة غضب الناس؟

في الاعتماد على ما يسمعه الزوار من المسؤولين، لن تحول الانتخابات دون اتخاذ اي إجراء ضروري للوصول في اسرع وقت الى خطة التعافي. صحيح انّ الاعتماد على الوعود فيه شيء من السذاجة، بناءً على كل التجارب السابقة، خصوصاً منذ مؤتمر «سيدر» حتى اليوم، لكن الصحيح ايضاً، انّ الزوار الأجانب الذين يبدون تفاؤلّا اكثر من اللبنانيين أنفسهم، يستندون في تفاؤلهم، من دون الإعلان عن ذلك، على العقوبات الجاهزة في وجه اي مسؤول سيتبيّن انّه عرقل مسيرة التقدّم نحو الإنقاذ. ويبدو انّ بعض الزوار أبلغ هذه الحقائق مباشرة الى من يعنيهم الأمر، وانّ المسؤولين يصدّقون هذه المرة انّ التهديدات ستُنفّذ، ولن تبقى مجرد تهويل. انّه الأمل الوحيد الذي قد يدعو الى التفاؤل بأنّ العام 2022، ورغم انّ الظروف المعيشية للناس لن تتحسّن، لكنه قد يكون بداية نقطة التحوّل التي ستقود الى الخروج التدريجي من الهاوية. فهل تصحّ التوقعات، وتنجح العقوبات في إنجاز ما فشلت في تحقيقه كل الإجراءات الأخرى؟

أنطوان فرح

القطاع الخاصّ دون حلّ ابتكاري والقطاع العامّ في غيبوبة

بالتأكيد إن نقولا شمّاس من رجال الاعمال المميزين بعلمهم وخبرتهم، وفي حديث تلفزيوني قبل أيام صرّح بأن ال#لبنانيين الذين توجّهوا للعمل في الخارج خاصة في دبي وأبو ظبي وأسّسوا أعمالاً تستند الى خبراتهم في لبنان إنما ينقلون #الاقتصاد اللبناني الى الخارج وبالتالي يحافظون على القدرة لاستعادة النشاط مستقبلاً في لبنان.

برغم الصداقة التي تربطني بنقولا وتقديري لدوره العام أخالفه في الاعتقاد بأننا ننقل الاقتصاد اللبناني الى الخارج، فاللبنانيون العاملون في الخارج قبل 2019 عام الإعلان عن الانتفاضة، كانوا يشكلون نسبة 30-35% من عدد القوة العاملة في لبنان.

 

هذا المقياس هو الاوفر دلالة على دور اللبنانيين، خاصة أن نسبة منهم من أصحاب الخبرات والكفاءات والقدرات على التسويق والإنتاج في مختلف بقاع العالم، والتوجه الى دول الخليج العربي كان ولا يزال بسبب التقارب في اللغة والعادات والتفاعل مع أعداد الوافدين من العالم العربي خلال سنوات الخير واستعادة صورة الحداثة في لبنان بعد أحداث 1975-1990 التي كسرت التفاهم اللبناني-اللبناني.

لبنان في وجهه الحضاري على مشارف القرن الـ21 تطوّر ليصبح المستشفى الاول للبلاد العربية، والمقصد السياحي للعرب والاوروبيين، وتطوّر العمل التلفزيوني، والنشر، والتوثيق واحتواء مراكز ثقافية نادرة، مثل المركز الألماني لدراسات المشرق، وتمتع لبنان بأربع جامعات تتوافر لكلّ منها شهادات الاعتراف بالمستويات الدولية من هيئات أميركية، وبريطانية وفرنسية وعربية.

هويّة لبنان ليست فقط اقتصادية. فعلى سبيل المثال وقبل الهجرة المستحدثة بسبب الاستقطاب السياسي خاصّة مع ما يسمّى دول الممانعة، وحتى تاريخه لا نعرف سوريا ممانعة ومواجهة لإسرائيل، ولم تطلق رصاصة في الجولان منذ عام 1974 وما زال بعض أهل الجولان يكتسبون العلم في دمشق وينتقلون ما بين الجولان والداخل السوري، ولا نعرف ما دور إيران في الممانعة، ما عدا تسمية فوج مسلح بأنه المسؤول عن تحرير القدس، وإيران في حربها مع العراق استوردت الاسلحة والمعلومات المصوّرة جوّياً من إسرائيل.

أفضل مثال على نجاح لبنان في القرن الواحد والعشرين في توفير خدمات استراتيجية ومالية، يتمظهر بشركة MUREX المملوكة أساساً من أبناء المرحوم ميشال إده، وهم تمتعوا بعلومهم في أفضل المؤسسات العلمية في الولايات المتحدة، واختاروا مهنة قياس أوضاع الاقتصاد والمال على نطاق عالمي ومقارعة أمثال شركة رويترز وبلومبيرغ.

وشركة موريكس التي لديها مكتب ملحوظ في بيروت ونسبة مقبولة من التمثيل اللبناني في موظفيها، تعمل في مكاتب تمتدّ من موسكو، الى نيويورك، ولندن، ودول الخليج، واليابان، والصين وقبرص الخ، لكن مركزها الرئيسي هو في إيرلندا. والسؤال المطلوب من السلطات اللبنانية هو لماذا اختيار إيرلندا لتأسيس المركز الرئيسي للشركة التي بالمناسبة وبعد ضمور حجم الانتاج القومي في لبنان، أصبحت تنتج معلوماتياً ما يقارب ملياري دولار أي 8% من حجم الدخل القومي اللبناني حالياً.

إن هذه الشركة التي من مؤسّسيها إضافة إلى أبناء المرحوم ميشال إدّه، صهر العائلة ابن المرحوم بيار حلو، وللذكر فقط نشير إلى أن ميشال إدّه، حينما واجه ضغطاً مالياً في لبنان وبعد تولّيه الوزارة، اختار الانتقال الى أفريقيا واستطاع بحنكته تشجيع شركات من النمسا على إنجاز معامل لإنتاج الكهرباء في بلد أفريقي، وبيار حلو عمل بنشاط ونجاح في السعودية.

أبناء الرجلين تمتعوا بقدرات علمية تسمح لهم بالنجاح في العالم العربي لكنهم اختاروا التمكّن من خدمات معلوماتية اقتصادية ومالية وأرفقوها بتقديراتهم التحليلية غير متخوّفين من المنافسة الدولية. وهنا تكمن إمكانات لبنان المستقبلية التي لا تعتمد على تحفيزات من الحكومات المتتالية على لبنان والتي لا يزال غالبية أعضائها مغيّبين عن الإنجاز وقفزات العلوم التي أصبحت تسيّر العالم، وتطوّر الخدمات التي كانت أساسية للبنان ولا تزال في حال تطويرها، أي خدمات التعليم، والتطبيب والانخراط في عالم المعلوماتية لا فقط حول الاقتصاد بل الطبّ ووسائل التعليم والتدريب الحديثة.

أفضل مثال على نجاح اللبنانيين المثقفين والمنفتحين على التطوّرات العالمية هو السبيل لنجاح لبنان، لكن هذا النجاح لن يؤدّي الى تطوّر الاقتصاد اللبناني لسبب رئيسي.

دور الدولة في لبنان بجهازها الوظيفي والتقاعدي يشمل تأمين المعاشات والتعويضات لـ320 ألف موظف ومتقاعد، وهذا العدد هائل لبلد صغير كلبنان، وما كان يسمح بتحمّل أكلاف الموظفين والمتقاعدين في السابق كان تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، الذين كانت أعدادهم حوالى 350 ألفاً أصبحوا بعد الازمة المستمرّة منذ تولّي الرئيس عون زمام القيادة، حوالى 400 ألف لبناني ولبنانية، وإمكانات تحويلاتهم للبنان، التي بلغت في وقت من الأوقات 10 مليارات دولار سنوياً تدنّت الى 7 مليارات خلال السنوات الاخيرة، ومع انخفاض الدخل القومي والمستوردات بنسبة 50% لم نشهد محاولة لرسم سياسة مقنعة للسلطات الدولية ومؤسسات الإقراض العالمية تسهم في استعادة لبنان بريق استقطاب الزوار العرب، بصورة خاصّة، للاصطياف في لبنان، أو الالتحاق بجامعاته، أو لإنجاز البرامج، أو طباعة الكتب أو الاستمتاع بنقاوة جوّه، وقد أصبحت المياه في لبنان ملوّثة.

التقهقر التام حصل في وقت وجيز، لكن هذا الوقت كان كافياً لأبو ظبي ودبي لوضع مخططات لتوسيع نطاق الخدمات الحديثة على نطاق عالمي وإقرار الزواج المدني، وتفحّص آفاق الفضاء… والحاكم في لبنان في غيبوبة واللبنانيون يسعون للهجرة.

مروان اسكندر

هل يمكن إنقاذ لبنان باستعادة النمو والاستثمار؟

لقد كنتُ على مدى عشر سنين احذر من تداعيات عجز #الكهرباء على الاحتياط ومن تحوّل حسابات ميزان المدفوعات الى العجز المتنامي، وطالبت باستيراد الكهرباء من الاردن بعد انجاز حقل بطاقة 1000 ميغاواط لانتاج الطاقة من اختزان الطاقة الشمسية. والاهم من كل ذلك كان توصل رفيق الحريري عام 2004 الى اتفاق رباعي شمل مصر وسوريا والاردن و#لبنان لاستيراد الغاز من مصر، وكان مقدرًا ان تبدأ التسليمات عام 2006، لكن طاقة مصر على تصدير الغاز تناقصت بسبب التزامات لتسليمات لاسرائيل، وتوقف معمل لانتاج الغاز.

عام 2007 اكتشفت شركة “ايني” الايطالية اكبر حقل مكتشف حتى تاريخه في حوض البحر المتوسط واصبحت امكانات تصدير الغاز افضل، فتحقق للبنان استيراد الغاز المصري عام 2009 وكان انجاز خط لنقل الغاز المصري الواصل الى سوريا قد تم بإنجاز خط من قرب حمص الى معمل كهرباء نهر البارد، وتوقفت العملية بعد ذلك لان حاجات سوريا تعاظمت مع انخفاض معدلات انتاجها من الغاز والنفط، وهذا الانخفاض تحول منذ عام 2013 الى فقدان هذه الموارد مع احتلال القوات الاميركية لمناطق انتاج النفط والغاز في سوريا وتأمين مداخيل الانتاج للاكراد اكثرية سكان المنطقة. وهنا لجأت سوريا الى الاعتماد على مستوردات مشتقات النفط عبر لبنان، فارتفعت فاتورة استيراد المشتقات ما بين 2013 و2014 من 4.8 مليارات دولار خصصها لبنان للاستيراد الى 8.8 مليارات دولار، وبدأ استنزاف الاحتياط اللبناني لمصلحة سوريا، وتعاظم مع اقرار برامج الدعم. وهذه النتيجة تسببت بتفاقم عجز مؤسسة كهرباء لبنان من دون اي معالجة، ولا زلنا حتى تاريخه مترددين في استيراد ما يعادل مليون طن من النفط من العراق، لخلاف ما بين الطرف اللبناني المصرّ على انجاز عمليات تحويل النفط الخام الى مشتقات، وموقف العراقيين المشجع على تنفيذ الاتفاق واشرافهم ذاتيًا على عمليات التكرير تفاديًا لاية اخطاء تقنية او محاسبية، وسيتوافر الغاز من مصر خلال بضعة اشهر لكن طاقة معملي الكهرباء المنجزين من قِبل الرئيس الحريري اواخر التسعينات غير كافية لتغطية حاجات عام 2021/2022 واستيراد الكهرباء، وانجاز حقول انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية حاجة ملحّة ولا يمكن تحقيقها خلال الفترة المتبقية من هذا العهد الذي اورثنا العجز الكهربائي و65% من الدين العام اللبناني.

 

مقابل عجز التجهيز والاستفادة من عروض من الكويت عام 2013 ومن المانيا عام 2019 بتنا نواجه ضيقًا في تأمين العملات الاجنبية لتغطية حاجاتنا لاستيراد المنتجات الطبية، والمحروقات، والمعدات لتجهيز بعض المصانع القائمة او قيد الانشاء، واصبح بلدنا يعتبر من البلدان المارقة بعد قرار حكومة حسان دياب ايقاف دفع فوائد دين اليوروبوند في آذار 2020، وكان هذا القرار من اسوأ قرارات حكومة دياب الذي افتخر هو ووزيرته للعدل التي تصدت للمشاكل المالية التي تجهلها بالفعل. وبعد تصنيف لبنان بين الدول المارقة اصبح امر توافر العملات الاجنبية سواء للاستثمار او لتغطية حاجات الاستيراد الملحّة مسألة مستعصية، وتفشت ممارسات تجارة العملات وفروق سعر الصرف بين يوم وآخر، الامر الذي طاول ثقة المواطنين بعملتهم، وهذه الاوضاع دفعت حكومة دياب ومن بعده حكم الرئيس عون الذي استمر دون مساندة من مجلس وزراء مكتمل، وحاصل على التزامات دعم بمستوى 11.8 مليار دولار بواسطة سعد الحريري منذ نيسان 2018، وهذا الوعد لم يتحقق لان نفسية الرئيس عون كانت بعيدة عن تقبل رئاسة الحريري الذي حظي بأكثرية النواب وتابع مساعيه دون نتيجة، فاصبح لبنان ليس بلدًا مارقًا فقط بل بلدًا عاجزًا عن تأمين حاجات سكانه الى مواد ضرورية لاستمرار الحياة المدنية بكفاية وعناية.

بعد كل ذلك وادعاءات حكومة حسان دياب وتوقف الحياة السياسية بسبب تصريحات وزير الاعلام المستقيل قبل ان يتسلم الوزارة، اصبحت كارثة العجز تصفع اللبنانيين في حياتهم اليومية، وتوقعاتهم المستقبلية. فكيف لنا ان نفكر باستعادة لبنان النمو واستقطاب الاستثمارات، وبالتالي نعدد بعض الامكانات:

اولاً: الهجرة المستمرة لاصحاب القدرات والخبرات الى بلدان الخليج بالذات، والتي تشهد نموًا نتيجة التخطيط واستقطاب نشاطات الاقتصاد المتصلة بكفاءات استعمال المعلوماتية في حياتنا، سواء للتسوق، او المعالجات الصحية، او تطوير البرامج الدراسية. واللبنانيون من المهندسين، والاطباء، والمعلوماتيين الذين تجاوز عدد منتسبيهم الـ 50 الفًا لا بد ان يسهموا في زيادة التحويلات الى لبنان، وبالتالي بدلاً من 7 مليارات دولار توافرت عام 2020 سيرتفع الرقم الى 8-9 مليارات عام 2022.

ثانيًا: المستوردات انخفضت بنسبة النصف، وتوافر الغاز المصري والكهرباء من الاردن سيساهمان في انخفاض العجز المالي بما يساوي او يزيد على المليار دولار سنويًا.

ثالثًا: تراجع تعليقات الكارثة المستديمة، وتحول مجلس النواب في سنته الاخيرة لادراك معطيات النجاح التي منها الابتعاد عن اصدار قانون ضبط التحويلات حفاظًا على الاحتياط، فهكذا قانون يكرس الاقتصاد اللبناني في خانة الاقتصاد السوري، وكلنا يعلم ما اصاب سوريا من اضرار، ويجب ان يبتعد عن المطالبة باسترجاع الاموال المنهوبة، فالتحويلات التي انجزت الى الخارج كانت قانونية ولا تزال، لكن اللاقانون هو امتناع المصارف عن تحويل اموال المودعين، والقانون يسمح بذلك لكن البنوك تتمنع عن التحويل، واذا استمر الوضع كذلك نقترب من النظام السوري اكثر فاكثر. فهل هذا ما يريده اللبنانيون؟

رابعًا: يجب وقف التشكيك بمصرف لبنان وقيادته، واهم سبب يدفع الى هذه التوصية هو الامر الآتي والذي لم يثره اي من المعلقين الذين يرددون المعزوفة نفسها ويعتبرون حاكم مصرف لبنان المسؤول عن انهيار سعر صرف الليرة.

حبذا لو ان بعض المنظرين يتذكرون ان سعر صرف الليرة اللبنانية كان يوم انتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميل 3.7 ل.ل للدولار، وما بين 1982 و1992 وفي عهدة الحاكم ادمون نعيم والحاكم ميشال الخوري انخفض سعر صرف العملة مئة ضعف اذ بلغ في ايلول 1992 حوالى 3000 ل.ل للدولار.

المشكلة المالية الدولية اليوم هي حجم ديون البنوك المركزية في اوروبا، والولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند الخ… والمشكلة هي التي تسمى ديون التريليون، والتريليون ايها السادة يوازي الف مليار، ونحن نبحث عن 10-15 مليار دولار لاستعادة القدرة على التحرك، والاقتصاديون الجدد وحتى من لديهم خبرة، يعتبرون ان دين مصرف لبنان البالغ 80 مليار دولار هو حصيلة سياسات المصرف، والواقع ان هذا الدين مترتب على الدولة اللبنانية التي بالغت في الانفاق وفي تقبل عجز الموازنة سنة بعد سنة رغم تحذيرات رئيس لجنة المال من هذه الوضعية ودعوته الى ضبط العجز.

ان العجز لدى مصرف لبنان، حضرة الاقتصاديين الجدد، هو حصيلة ممارسات الحكم وهذا الحكم بالذات الذي هو مسؤول عن 65% من الدين العام لدعم الكهرباء من دون ان يتبنى حتى تاريخه خطة منطقية لتأمين الكهرباء وضبط العجز.

عجز البنوك المركزية الاوروبية، والاميركية، واليابانية وعجز البنك المركزي في كوريا الجنوبية يبلغ 32 تريليون دولار، ورئيسة البنك المركزي الاوروبي نبهت ولا تزال الى كارثة توسيع عجز الدول المعنية عن القيام بالتزاماتها. ووزيرة المال الاميركية التي كانت رئيسة البنك المركزي الاميركي نبهت اعضاء الكونغرس الى ضرورة رفع مستوى مديونية الولايات المتحدة، والا لن تكون هنالك معاشات للموظفين قبل عيد الميلاد، وحاكم البنك المركزي الالماني الذي استمر 8 سنوات في الحاكمية استقال بسبب مخاطر هذا الدين.

المطلوب من رئيس الجمهورية ومن يستشير من الخبراء الاقتصاديين الاطلاع على هذه المشكلة والادراك ان دين البنك المركزي هو دين على الدولة وقد تراكم من اجراءات زيادة الاجور من دون احتساب وقعها عام 2013، والامر ذاته يجري اليوم وهذا الوعي ربما يبعث لدى الحكم ادراك السبب الحقيقي للعجز الذي نشهده ونعلم انه ليس من صنع رياض سلامة، بل ان العجز في السنوات الـ 12 الاخيرة كان من ممارسات وزارة الطاقة التي كانت في عهدة ممثلي “التيار الوطني الحر” الذين لم يسهموا في توسيع نطاق الانتاج ولا في استعمال الغاز، وادراك السبب الرئيسي لعجز الاقتصاد اللبناني ربما يمهد لنهضة مع اقتراب نهاية عهد التبديد.

الامل في التحسن افضل من السابق لان نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي يعرف لبنان جيدًا منذ سنوات وكذلك وزير المال يوسف خليل الاقتصادي المطلع ووزير التربية، اضافة الى رئيس الوزراء، الذين يوفرون الفريق المناسب للبحث مع بعثة صندوق النقد الدولي.

مروان اسكندر

أيمتى ضاع لبنان؟

 

لبنان النموّ، لبنان تنوّع الكفاءات، لبنان بلد الإنتاج، هذا الوطن المميّز بخصائصه الطبيعية، ارتهن للمصالح الانتخابية الضيّقة منذ أن أصبح دور الدولة اقتصادياً هو الشطر الأكبر من الدخل القومي.

خلال السنوات التراجعية على صعيد الخدمات ومعدلات النمو وحسابات ميزان المدفوعات، أي منذ 2014 حتى 2021، خسر لبنان التميّز على أي صعيد، وبالتالي أصبحنا نفتقد الإنجاز على صعيد الخدمات الرئيسية للمواطنين، ومن هذه توافر الكهرباء المستقر لقاء أكلاف معقولة، تحسّن الطرقات لزيادة اطمئنان المتنقلين لسلامة السير، الحفاظ على البيئة، ممارسة الحكم بسلطات غير متداخلة أي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. ومنذ اتفاقات الدوحة، التي نتجت عن سيطرة السلاح على القرارات المصيرية وحتى تاريخه تسارعت التحوّلات التي أسهمت في تكريس القوة غير قوة الدولة على تصرّفات اللبنانيين. والأمر الذي أسهم في تكريس هذه الوضعية إقبال اللبنانيين على الهجرة الى بلدان الخليج، والقارة الافريقية وأوروبا الغربية، وألمانيا، وكندا والولايات المتحدة، حتى هنالك نزر بسيط من اللبنانيين هاجروا الى نيوزيلاندا أرقى الدول في ممارسة السلطة من أصغر رئيسة لبلد حضاري متطوّر.

مقابل كل ذلك تابعنا في لبنان توظيف المطواعين للأحزاب وحتى للدول. فسوريا الأسد (الأب) سيطرت على مجرى السياسة منذ عام 1976 وتكليفها من قبل الولايات المتحدة بالإشراف على الشؤون اللبنانية، وبعد الفوج الاول من ممثلي القيادة السورية وخطأ العراق في مهاجمة الكويت وخيار الأسد (الأب) مناصرة القوات الاميركية لدحر القوات العراقية التي احتلت الكويت وهدّدت القسم الشرقي من المملكة العربية السعودية ومناصرة سوريا لهذا القرار الاميركي، أصبح لبنان ولاية سورية بالفعل وما زالت آثار ومعالم هذا التحول ترسم معالم الحياة السياسية في لبنان.

الهجرة كانت ولا زالت باب تنشّق الحرية ومحاولة اكتساب النجاح، وأصبح عدد اللبنانيين العاملين وعائلاتهم في بلدان الهجرة الحديثة يفوق نسبة 25-30 في المئة من مجمل عدد السكان، واللبنانيون المهاجرون سعياً للارتزاق أصبحوا المرتكز الاول لاكتساب العملات الصعبة، وبلغت تحويلات اللبنانيين 10 مليارات دولار في السنة، ومن التحويلات 24 مليار دولار، من حسابات اللبنانيين في أوروبا عام 2009 حينما كانت الازمة المالية العالمية متوسّعة وكبيرة التأثير على السياسات النقدية والمالية في البلدان المعنية، وأقبلت البلدان المتطورة على تأمين الموارد المالية عبر الاقتراض والاستثمار في استمرارية المؤسسات، وهكذا أنقذت بنوك مثل الكريدي سويس، واتحاد البنوك السويسرية، حتى إن بنك الكريدي سويس واجه عام 2021 خسارة بلغت 10 مليارات دولار من عمل شركتين للمضاربة تعملان انطلاقاً من لندن. للتذكير فقط، هذا المبلغ الذي نسعى للحصول عليه من صندوق النقد الدولي.

رغم مآسينا وخياراتنا السيّئة منذ عام 2013 سواء بالسماح لتردّي خدمات الاتصالات ورفع أكلافها، أو تقبّل العجز في نطاق إنتاج الكهرباء وتوزيعها دون إضافة طاقة ميغاوات واحد لطاقة الإنتاج، وتقبّل تحويلات لمصلحة الكهرباء 1999 وسيطرة التيار الوطني على شؤون الكهرباء حتى تاريخه، وإهمال قيد أي محاسبة منذ عام 2013، تاريخ رُفضت فيه مساهمة كويتية في زيادة طاقة الإنتاج بـ3000 ميغاوات خلال سنتين، منذ ذلك التاريخ وعجز إدارة شؤون الكهرباء والتحكم بأذونات إنشاء مراكز إنتاج بطاقة 10 كيلووات أو أكثر إلا بموافقة السلطات ونحن ندفع جزية الانحدار نحو الإفلاس.

برنامج إصلاح الهدر وتطوير شبكة إنتاج وتوزيع الكهرباء معروف، وقد تقدّم به مهندس كهربائي واقتصادي لبناني هو نزار يونس منذ 2013 ولم يؤخذ بنصائحه، ومن ثم تولّى عبر شركته وبالمشاركة مع شركة مصرية شؤون إصلاح الشبكة الكهربائية من شمال بيروت حتى طرابلس، وحقق وفورات وتجهيزات إلكترونية لقياس استهلاك الكهرباء أسهمت في ضبط الهدر وخفضه من نسبة 50% الى نسبة 25%، وكان بإمكانه مع تحسينات إضافية، خفض العجز الى معدل 15% فقط.

إمكانات تأمين الكهرباء، وبالتالي الاتصالات الإلكترونية الضرورية للشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا المتطورة ومن هذه البنوك، أهدرت ولم تخضع للمحاسبة وهي سبب تعريض لبنان للإفلاس بقرار من حكومة حسّان دياب.

رغم ميل الحكم الى تضخيم عدد الموظفين بحيث أصبح يبلغ 320 ألف موظف إضافة الى 120 ألف متقاعد، الأمر الذي يعني تبديد 50% من موارد الميزانية على اللاإنتاج، لم نشهد أي تطور يدفع أي شركة معروفة للعمل في لبنان، وأصبح شبابنا المعطاء من أركان الشركات العالمية في كندا وفرنسا والولايات المتحدة وسويسرا، وحتى في أوكرانيا، والحكم غافل عن موجبات النجاح والانضباط.

الوزارة الجديدة التي لا تنعقد ولا يبدو أن لديها برنامجاً مدروساً، كما لا يبدو أنها ملتزمة الإصلاحات المطلوبة رغم تكرار رئيسها وتأكيده أنها ستقرّ برنامجاً إصلاحياً واحداً، هي اليوم عاجزة عن العمل لولا قدرة عدد من وزرائها على ابتكار ترتيبات تتناسب مع شروط الدول المانحة. وزيران تمكنا من تأمين تقديمات بالغة الأهمية، لوزارة التربية من جهة ولوزارة الصحة من جهة أخرى.

وزير التربية المعروف بأخلاقه وعلمه، استطاع استقطاب عشرات ملايين الدولارات لتأمين زيادة معاشات الاساتذة وأكلاف انتقالهم، ولم يتمكن من ذلك سوى بسبب أخلاقه واندفاعه رغم الصعاب، وهو بالتالي حقق مبادرة ربما بالإمكان تحقيق ما يماثلها في قطاع الكهرباء، السبب الرئيسي للهدر.

الوزير الثاني الذي حقق الحصول على معونات تشتدّ الحاجة إليها هو وزير الصحة، وهو معروف بأياديه البيضاء على اسمه منذ تولّى الإشراف على مستشفى رفيق الحريري الذي أصبح مركز العلاج الأساسي لمرضى الوباء الذي استحكم باللبنانيين، وبسبب استعداده لإيلاء الجهات المتبرّعة بالمعونة وإخضاعه وسائل التحقق لممثلي هذه الجهات، استطاع تأمين 500 ألف لقاح فايزر لمعالجة الوباء وخصّص الأسبوع المنصرم وقبله لما سُمّي يوم ماراتون التلقيح.

إضافة إلى ذلك، استطاع تأمين أدوية للأمراض المزمنة ولعلاج السرطان، وشرّع الأبواب لجميع المحتاجين للقاحات أو الأدوية المزمنة.

بالفعل، وزيرا الصحة والتربية يوفران المثال على إمكانات الإنجاز بسبب ثقافتهما من جهة وانتظام أخلاقهما، وهما دون شك يتكاملان مع نائب رئيس مجلس الوزراء الذي هو اقتصادي متمرّس عمل في لبنان ممثلاً لصندوق النقد الدولي لسنوات وهو يؤدّي عمله بهدوء ومن دون ضجة، وإن كان لنا أمل في الحصول على تسهيلات إضافية (بعد حصولنا على 1.2 مليار دولار من صندوق حقوق السحب الخاصة التابع لصندوق النقد الدولي)، فسوف يكون الفضل في التوعية والالتزام لنائب رئيس مجلس الوزراء.

مروان اسكندر

مصير التدقيق الجنائي بعد عشرة أيام

في نهاية العام الجاري، أي في غضون عشرة ايام، تنتهي مدّة نفاذ قانون تعليق العمل بقانون السرّية المصرفيّة لمدّة سنة بهدف التدقيق في حسابات مصرف لبنان والوزارات والإدارات والمؤسّسات العامّة الأخرى. أين أصبح التدقيق الجنائي، وهل تمكن المراهنة على استكماله، وما هي الحقائق والأوهام المحيطة بهذا الملف؟

لا يختلف اثنان على انّ انطلاقة مشروع التدقيق الجنائي كانت غير طبيعية من حيث الظروف التي واكبته، سواء لجهة الشكل او المضمون، أو حتى اسلوب التعاطي السياسي معه. والأزمة الأخيرة التي برزت، واستدعت اجتماعاً طارئاً في القصر الجمهوري، تعهّد في نتيجته مصرف لبنان بإعطاء شركة Alvarez & Marshal Middle East Limited A&M كل البيانات والمعلومات المطلوبة، عكست واقعاً لم يكن معروفاً بعد، وهو انّ الشركة التي تعهدت تقديم تقرير اولي في غضون ثلاثة اشهر من بدء التدقيق بعد استكمال الحصول على كل المعلومات المطلوبة، لا تزال في مرحلة تجميع الوثائق، في حين انّ مهلة نفاذ صلاحية القانون الرقم 200 /2020، (تعليق السرية المصرفية)، شارفت على الانتهاء.

بصرف النظر عن الثغرات والإعاقات الواردة في مضمون الاتفاقية التي وقّعتها الدولة اللبنانية مع الشركة، ومن ضمنها ما يذكره القانونيون حول نقاط عديدة باتت تمثل شُبهة، في حق من وقّع العقد، من الطرفين (الدولة والشركة)، فإنّ الأهم في هذا الملف، هو ان يصل الى خواتيمه، لكي يعرف اللبنانيون كيف تدرّجت الأزمة وصولاً الى الافلاس والانهيار، وربما ما هو أسوأ إذا طال الوقت، وبقيت الامور في مسارها الحالي، خصوصاً منذ آذار 2020، موعد الاعلان عن التوقّف عن دفع الديون.

في الواقع، لا يمكن اعتبار مضمون العقد والشواذات الموجودة فيه، هي الأسوأ في هذا الموضوع، ولا حتى طريقة تعاطي البعض معه. ولا يكمن الأسوأ، في هدر الاموال العامة (مليونان و740 الف دولار للعقد الثاني + 250 الف دولار نتيجة فسخ العقد الاول) من دون التأكّد من صلاحية العقد، وإمكان الوصول الى نتيجة، الأسوأ يكمن في الهدف من المشروع. إذ يُفترض، ان يكون الهدف الاول، معرفة الاسباب التي تسبّبت بفجوة مالية تقارب الـ70 مليار دولار. ومن يريد ان يعرف اين تبخّر مبلغ بهذا الحجم، لا يبحث في رواتب موظفي مصرف لبنان، بل يتجّه الى العناوين الرئيسية، ويصدر فيها تقريره الأولي بعد ثلاثة أشهر، ومن ثم يُبنى على الشيء مقتضاه، بحيث يتمّ اللجوء الى التدقيق الجنائي المُفصّل، والذي قد يستغرق سنوات، ويُمنح القضاء الاستقلالية الضرورية لكي يحوّل تباعاً، نتائج التدقيق الى محاكمات وأحكام.

المقصود بهذا الكلام، انّ المطلوب من شركة A&M، أو هكذا كان يُفترض ان ينصّ العقد، ان تعمد الى طلب وثائق وملفات تتعلق بالنقاط التالية:

اولاً- عمليات تدخُّل مصرف لبنان لدعم الليرة طوال السنوات العشر الأخيرة.

ثانياً- كل العمليات المالية التي حقّقت ارباحاً للمصرف في الفترة نفسها.

ثالثاً- الكلفة الإجمالية للقروض المدعومة التي تولّاها البنك المركزي وفي مقدّمها القروض السكنية، التعليم، اقتصاد المعرفة…

رابعاً- عمليات السواب التي قام بها المركزي، أو التي فُرضت عليه من قِبل السلطة السياسية، لتخفيف العجز ظاهرياً في المالية العامة.

خامساً- كل عمليات الدعم التي نفّذها مصرف لبنان لمصلحة الدولة ومشتقاتها.

وبنتيجة المعطيات المتعلقة بهذه النقاط الخمس، يمكن اصدار تقرير اولي، قد يعطي اللبنانيين فكرة مبدئية عن حجم الخسائر المتراكمة، واذا ما كانت تتماهى مع الفجوة المُعلن عنها اليوم، للتفاوض مع صندوق النقد الدولي ام لا.

أما البحث في كومة القش عن إبرة، اي البحث عن وجود مزاريب فساد وهدر، استفاد منها افراد او جماعات، من خلال العمليات التي جرت في مصرف لبنان، وإهمال الموضوع الأساسي المتعلق بالفجوة التي أدّت إلى ضياع اموال اللبنانيين، وإلى افلاس البلد، وإلى وصوله الى جهنم، فلا يشبه في شيء ملف البحث عن الفساد للمحاسبة، بل يبدو أقرب الى التعمية على أساس الكارثة، والاتجاه نحو تفاصيل، ولو انّها مهمّة وليس مطلوباً اهمالها، الّا انّها تبقى مجرد ملفات فردية يعالجها القضاء المختص، ولا تشكّل المرتكزات الضرورية للإنقاذ.

ما يريده اللبنانيون اولاً، هو البدء في مسيرة الإنقاذ، أما من يبحث عن الانتقام أو الزكزكة السياسية او المكاسب الانتخابية، فليبحث عن أهدافه خارج اطار اطالة أمد إقامة الناس في جهنم.

أنطوان فرح

قرار السحب بالدولار: الهيركات الصريح والمباشر

بعد أن أدّى قرار رفع سعر صرف السحوبات إلى موجة جديدة من التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، أصدر حاكم مصرف لبنان قراره الأساسي الذي قضى بتسليم المصارف حصّتها الشهريّة من السيولة بالدولار النقدي عوضًا عن الليرة اللبنانيّة، على أن تقوم المصارف بدفع هذه الدولارات للمودعين بحسب سعر المنصّة، بدل الليرات الناتجة عن السحوبات الشهريّة من الودائع. وكمعظم قرارات مصرف لبنان التي تأتي من ضمن عالم أسعار الصرف المتعددة، تمّت صياغة التعميم بعبارات ملتبسة وغامضة. وهذا ما فرض مراجعة الآليّات التطبيقيّة في المصارف لفهم مضمونه وطريقة تنفيذه.

الهدف من هذا القرار المستجد لم يكن سوى خلق موجة إيجابيّة في سوق الصرف الموازية، لإعادة التوازن إلى سعر صرف الليرة اللبنانيّة، وعكس مسار التدهور السريع في قيمة الليرة الذي خلقه قرار رفع سعر صرف السحوبات. فترجمة القرار الجديد من الناحية العمليّة يفترض أن يكون ضخ كميّات من السيولة بالعملة الصعبة في السوق، مقابل الحد من تدفّق الليرات النقديّة إلى الأسواق. وهذا إجراء يفترض أن يدفع السوق إلى ترقّب تحسّن في قيمة الليرة، وبالتالي زيادة الطلب عليها. وبذلك، يراهن حاكم مصرف لبنان على إنهاء حالة الطلب الكثيف على الدولار التي تلت قرار رفع سعر صرف السحوبات، والذي تلقّفته السوق بسلبيّة شديدة من جهة ترقّب حجم السيولة بالليرة، التي سيؤدّي القرار إلى ضخها في السوق، وما سينتج عن هذه الكتلة من ضرر على قيمة الليرة.

الهيركات المباشر
لم يكن من السهل فهم مندرجات تعميم السحوبات بالدولار، خصوصًا أن صياغته جاءت بعبارات تشبه الطلاسم التي يصعب فهم أثرها المباشر على المودع، أو طريقة تطبيقها العمليّة داخل الفروع المصرفيّة. في خلاصة الأمر، وفي حال طلب عميل المصرف سحب مبلغ 1,000$ دولار من حسابه، فسيظل المصرف يحوّل قيمة السحب إلى الليرة وفقًا لسعر 8000 ليرة للدولار الواحد، ما سيُنتج للعميل مبلغ 8,000,000 ليرة لبنانيّة. لكنّ العميل وعوضًا عن استلام الملايين الثمانية بالليرة النقديّة، سيستلم ما يوازيها بالدولار النقدي، وبحسب سعر منصّة صيرفة البالغ نحو 22,400 ليرة للدولار اليوم، ما سيجعل حصيلة العمليّة 357 دولار نقدًا. في النتيجة، سيُقيّد على حساب العميل 1,000 دولار أميركي، مقابل استلام 357 دولار فقط، أي بنسبة هيركات صريحة تبلغ حدود 64.3 في المئة.

في الواقع، يمكن القول إن آليّة تطبيق القرار الجديد يمكنها أن تمثّل تحسّناً محدوداً جدّاً للمودع، لكونها تخفّض قيمة الاقتصاص من قيمة السحوبات إلى نحو 64.3 في المئة، مقارنة بنسبة اقتصاص تصل إلى حدود 70 في المئة في عمليّات السحب المباشر بالليرة على أساس سعر صرف 8000 ليرة للدولار، إذا ما أخذنا في الاعتبار الفارق بين سعر صرف السحوبات وسعر صرف السوق الموازية. لكنّ هذا التحسّن المحدود مرهون بسعر صرف المنصّة المعتمد لتحديد قيمة الدولارات النقديّة التي يتقاضاها المودع. وهذا السعر لا يعتمد على أي آليّة شفّافة لتحديده في مصرف لبنان.

أما الإشكاليّة الأساسيّة في القرار الجديد، فتتمثل في انتقاله إلى الهيركات الصريح، على شكل فارق واضح بين قيمة الدولارات التي يتقاضاها المودع وتلك التي تم تقييدها على حسابه. مع العلم أن آليّات السحب السابقة كانت تنطوي على اقتصاص ضمني وغير مباشر، من خلال الفارق بين سعر الصرف المعتمد للسحوبات وسعر الصرف الفعلي في السوق السوداء، فيما يرفض مصرف لبنان الاعتراف به كسعر صرف واقعي. ولذلك، وبدلاً من التحجج بعدم توفّر الدولارات لدفع قيمة السحوبات بالليرة وبأسعار صرف منخفضة كما كان يجري سابقًا، انتقل مصرف لبنان اليوم إلى دفع الدولارات، إنما بعد الاقتصاص منها علناً بألاعيب أسعار الصرف المتعددة في عمليّة السحب الواحدة.

إشكاليّات التنفيذ
قبل أن يتفاءل المودع بالتحسّن الطفيف في قيمة الاقتصاص من قيمة السحب، بعد تحويل الاقتصاص إلى هيركات صريح، ثمّة إشكاليّات عديدة تتصل بآليّات تنفيذ هذا التعميم. فبحسب بنود التعميم، من المفترض أن يتم العمل بهذه الآليّة من اليوم وحتّى نهاية الشهر الحالي، على أن تتقاضى المصارف ما تبقى من حصّتها الشهريّة من السيولة من مصرف لبنان بالدولار النقدي، بدلاً من الليرات النقديّة، من أجل تنفيذ هذه العمليّات.

لكنّ الإشكاليّة الأولى بحسب العديد من المصادر المصرفيّة تكمن في أن الغالبيّة الساحقة من المصارف اللبنانيّة، استنفدت حصّتها من السيولة لهذا الشهر، بعد أن استفادت منها بالليرات الورقيّة. مع الإشارة إلى أن المصارف تستعمل في العادة القسم الأكبر من هذه الحصّة الشهريّة في بداية الشهر لتغطية سحوبات الرواتب الموطّنة، واستفادة المودعين من سقوف السحب الشهريّة. ولهذا السبب، من الموقّع أن تشكّل هذه الحقيقة الذريعة الأولى لعدم تطبيق مندرجات التعميم، والاستمرار بتأمين السحوبات بالليرات الورقيّة، بالاستفادة من المبالغ التي سحبتها المصارف سابقًا بالعملة المحليّة من حصتها من السيولة من مصرف لبنان.

أما الإشكاليّة الثانية التي تصب في اتجاه عدم استفادة المودع من التعميم، فتكمن في أن غالبيّة المودعين استفادوا كالعادة من سقف سحوباتهم منذ بداية الشهر، وخصوصًا بالنسبة للحسابات التي تستفيد من توطين الراتب بالدولار المصرفي (اللولار). مع العلم أن بعضاً آخر من أصحاب الودائع سارعوا إلى استعمال حصّتهم من السحوبات النقديّة بالليرة بعد أن قام مصرف لبنان بإصدار قرار رفع سعر صرف السحوبات النقديّة من 3900 و8000 ليرة مقابل الدولار، للاستفادة من السحوبات وفق سعر الصرف الأعلى نسبيّاً. ولهذا السبب بالتحديد، من المتوقّع أن تستفيد نسبة قليلة جدًّا من المودعين من القرار الجديد، حتّى لو بادرت المصارف إلى فتح باب الاستفادة منه.

أخيراً، لم تبادر الفروع المصرفيّة، حتّى بعد ظهر يوم الجمعة 17 كانون الأول الجاري، إلى البدء بتطبيق آليّات تنفيذ القرار، بحجّة عدم استلامها أي تعليمات من إدارتها بخصوص كيفيّة تطبيق التعميم. ومع احتساب أيام العطل المتبقية حتّى نهاية الشهر، يتبيّن أن المصارف بالكاد تملك نحو ثمانية أيّام عمل لتنفيذ هذا التعميم، في حين أن غالبيّة الفروع المصرفيّة لا تملك حتّى آليّات للقيام بعمليّات صيرفة متصلة بمنصّة مصرف لبنان، ما يعني أن الفترة لن تكون كافية حتّى لمباشرة العمل بالتعميم.

قنبلة صوتيّة
ببساطة، نحن أمام قنبلة صوتيّة أراد منها حاكم مصرف لبنان وقف تدهور سعر صرف الليرة بأساليب استعراضيّة، من خلال الإيحاء بنيّته ضخ الدولار النقدي في السوق ووقف عمليّة خلق النقد بالليرة. مع العلم أن الحاكم نفسه يعلم أنّه لن يتمكّن من تنفيذ القرار بشكل جدي بسبب محدوديّة الفترة الزمنيّة التي يشملها القرار، وبسبب شح العملة الصعبة الذي لن يسمح له بتمويل هذا النوع من السحوبات لجميع حسابات المودعين. وعلى أي حال، من الواضح أن هذه القنبلة الصوتيّة لم يتجاوز مفعولها بالنسبة إلى سعر صرف السوق الموازية مدّة 24 ساعة فقط، بدلالة عودة سعر صرف الدولار مقابل الليرة للارتفاع بعد ظهر يوم الجمعة، أي في اليوم الذي تلا صدور القرار.

أخيرًا، يبقى من الضروري الإشارة إلى أن أكثر ما يخشاه المودعون اليوم هو استنسابيّة تنفيذ هذا التعميم، وحصر عمليّات بيع دولارات المنصّة بفئات معيّنة من المودعين دون سواهم. أما المسألة التي تدفع المودع للخشية من هذه الاستنسابيّة، فهي آليّات عمل المنصّة المعتمدة طوال الفترة السابقة، التي حصرت عمليّات بيع الدولار بحلقة ضيّقة من التجّار المخظيين، من دون أن تتضح المعايير التي تم على أساسها اختيار المستفيدين من دولارات المنصّة. ولهذا السبب، فمن الطبيعي أن نتوجّس من تحوّل التعميم الأخير إلى باب من أبواب هدر احتياطات مصرف لبنان المتبقية، لتنفيع شريحة صغيرة من النافذين.

علي نور الدين

مشهد عقاري حزين… والتوقعات غير مشجعة

 

تغيّرت كثيراً معالم الاحياء والشوارع في المدينة، فالأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا ادتا الى هجرة المؤسسات والمكاتب وإقفال العديد من المحلات التجارية والمطاعم والمصارف لا سيما في العاصمة وجوارها… فالاحياء باتت شبه فارغة والمناطق التي كانت بالأمس تعجّ بالحياة باتت اليوم هادئة اكثر من اللزوم.

وفق شركة «رامكو» العقارية وصل معدل الشغور (أي حصة المباني الفارغة) إلى مستويات قياسية بسبب انخفاض الطلب، إذ ان معظم الشركات، وفي محاولة منها للحد من نفقاتها، لجأت الى خفض عدد فروعها في العاصمة كما في المناطق، وتقليص انتشارها خصوصاً القطاع المصرفي. فقد عمدت غالبية المصارف الى اغلاق عدد كبير من فروعها ومكاتبها بين ليلة وضحاها بعدما كانت تشغل الاف الامتار في العاصمة، منها على سبيل المثال مبنى بنك عوده وسط المدينة، وقد ولّد هذا الشغور مخزونا كبيرا للتأجير.

في هذا السياق، يقول الخبير العقاري رجا مكارم لـ»الجمهورية» ان مبنى بمساحة 50 مترا مربعا في شارع المقدسي في الحمرا كان ايجاره في عام 2019 نحو 22 ألف دولار سنويا بينما يُعرض الآن بسعر 10000 دولار سنويا، وأفضل عرض حصل عليه مالكه حتى الآن هو 8000 دولار في السنة.

ولفت الى ان الايجارات التجارية تنقسم الى قسمين: ايجار المكاتب والمؤسسات وايجار المحلات. وكشف ان ارتفاع عمليات الإغلاق ادى إلى انخفاض إيجارات المكاتب الى ما بين 50% وحتى 60% مقارنة مع العام 2019. والملاحظ ان الشركات باتت تتجه نحو مناطق تكون فيها الكلفة التأجيرية أقل، والبعض حصل على عقود تأجيرية منخفضة الكلفة ولم يشغلها بعد ليحتفظ بهذه الاسعار الى مرحلة لاحقة.

أما ايجار المحلات التجارية فتراجع بنسبة تتراوح ما بين 20 و 30% مقارنة مع العام 2019 والطلب قليل بنتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.

مشاريع عقارية
من جهة أخرى، اعتبر مكارم انه من الصعب اليوم، لا بل من المستحيل الانطلاق بمشاريع عقارية جديدة، عازيا ذلك الى اختفاء بعض العوامل التي كانت تشجع المطور على البناء، فاليوم عدا عن ان اي مشروع تطوير عقاري يحتاج الى fresh money، ما عاد ممكنا الاستعانة بالتمويل الذي يتأتى عادة من البيع المسبق على الخريطة لأن الشراة يطالبون بالحصول على سند الملكية قبل الدفع النقدي. ناهيك عن تعذّر الحصول على قرض مصرفي لتمويل هكذا مشاريع. وبالتالي، يمكن القول ان اجواء العمل ما عادت ملائمة للمطور الذي بات مجبرا على تأمين النقدي لشراء الارض ثم للبناء، بينما في السابق كان يؤمّن ثلث المبلغ من المصرف والثلث الثاني من البيع على الخريطة ويؤمّن المبلغ المتبقي من رأسماله. وأشار الى ان الاستثمار في القطاع راهناً بات ينطوي على الكثير من المخاطر.

وردا على سؤال، أكد مكارم ان الشراء بواسطة «اللولار» انتهى، وان مخزون الشقق الذي كان متوفرا ابان بدء الأزمة عام 2019 بيع بالكامل بواسطة الشيكات المصرفية التي مكّنت المطورين من تسديد ديونهم والتزاماتهم تجاه المصارف. وعليه، انتقلت ملكية ما بين 2000 الى 3000 شقة في السوق الى صغار المستثمرين الذين بِتملّكهم لشقتين او ثلاث حَموا انفسهم من تدهور قيمة العملة، ويعرض هؤلاء شققهم للايجار اليوم ليؤمنوا مردوداً مالياً وسنداً لهم في هذه الضائقة الاقتصادية. ولفت الى ان طالبي الـ fresh dollar كبدل ايجار قلائل وهم في غالبيتهم من اللبنانيين الذين يدفعون بالعملة الصعبة، أما الاجانب في لبنان فيتراوح عددهم ما بين 100 و 200 اجنبي على 3000 شقة معروضة للايجار، ويمكن الاستنتاج من ذلك انه سيظل لدينا مخزون كبير من الشقق المعروضة للايجار انما من دون مستأجرين.

انطلاقاً من ذلك، نرى ان هذا المعروض الكبير من الشقق للايجار والذي يفوق الطلب سيضطر اصحاب الشقق الذين يحتاجون الى الاموال النقدية الى عرضها للبيع، لذا نتوقع ان يرتفع الطلب على بيع الشقق في المرحلة المقبلة بعملة الـ fresh money ما سيطرح مشكلة بالاسعار. وشرح مكارم ان الاسعار التي يطمح اليها البائع اليوم هي اقل بـ 40 الى 50% من قيمة ما كانت عليه الشقة عام 2019 بالدولار الفعلي ورغم ذلك لا يزال يرى الشاري ان هذا الانخفاض قليل مقارنة مع بقية اسعار السلع والخدمات التي تراجعت ما بين 70% الى 85%، فالشاري يطالب بمزيد من الخفوضات متسلحاً بالنقدي الذي يملكه، والبائع يرفض ان يخفّض اسعار الشقق اكثر من نصف ثمنها الا اذا كان بحاجة ماسة لتسييل شقته الى نقدي وبالنتيجة لا يشهد السوق اي عمليات بيع ملحوظة، فالمعروض من الشقق اكبر بكثير من الطلب، جازما ان البيوعات اليوم هي حصراً لمن يملك الـfresh money. وعن بورصة اسعار الشقق، رأى مكارم انها تميل نحو الانخفاض في المرحلة المقبلة لأنّ العرض اكبر من الطلب

ايفا ابي حيدر

خارطة طريق طويلة وشاقة للخروج من الأزمة

 

الهدف الرئيسي من إستراتيجية إعادة هيكلة المصارف هو إعادة الجسم المصرفي إلى الربحية والملاءة المالية. وتنطوي هذه الإستراتيجية على تعزيز المصارف القادرة على البقاء، وتحسين بيئة التشغيل لجميع المصارف وحلّ المتعثرة أو غير القابلة للحياة.

تحتاج عملية إعادة الهيكلة الى مسار طويل لسنوات عدة، وتتطلب تنقيح القوانين والمؤسسات ووضع إستراتيجيات لتصفية البنوك أو دمجها، واسترداد الأصول المصرفية وإنشاء تدفقات نقدية إيجابية.

مع العلم أنّ إعادة الهيكلة تؤدي إلى تقلص كبير في النظام وتغييرات في الملكية. لذلك يتطلب الامر إنشاء سلطة واحدة رفيعة المستوى لهذه الغاية، تتمتّع بالإلتزام والحيادية وعلى مستوى رفيع. سلطة من هذا النوع، قد تكون قادرة على هذا العمل الذي بات ضرورياً في ظل إنهيار دور المصارف كملاذ آمن، وكونها أصبحت تفتقر العنصر الأساس، والذي هو الأمان والصدقية. ونظراً لضرورة التحرّك بسرعة، قد يكون الإعتماد على المؤسسات القائمة فعّالاً من حيث التكلفة، لا سيما وأنّ إنشاء هيئات متخصّصة جديدة تكون مسؤولة عن تنفيذ إعادة هيكلة المصارف قد يؤدي إلى تشتيت الإنتباه وقد تستغرق وقتاً طويلاً. من هنا، يجب إنشاء مؤسسات متخصصة تتولّى إدارة المصارف المتداخلة وإعادة هيكلتها مؤقتاً. كذلك ينبغي إستعراض الأطر القانونية وتعديلها عند الضرورة، وقد تكون هناك حاجة إلى إدخال تغييرات على القوانين لأسباب عديدة قد يكون أبرزها:

– تسهيل التدخّل في المصارف الضعيفة.

– تنظيم تقييم الأصول ونقل حقوق الملكية وحقوق الدائنين دعماً لإستراتيجية إعادة هيكلة البنوك.

– تحديث قواعد الممارسة والتدقيق وقواعد تقييم القروض والضمانات.

– تعزيز قوانين الإفلاس بما في ذلك تحسين التوازن في حقوق المدينين والدائنين.

– تعزيز التشريعات المتعلقة بالعقود والممتلكات والشركات. وتبقى العملية الأساس وهي تشخيص الحالة المالية الخاصة لكل مصرف.

وتتمثل هذه المهمة في تحديد حجم الخسائر. وبما أنّ البيانات قد تكون قديمة ولا تعكس الأثر الإقتصادي الكامل للأزمة، فقد يحاول المشرفون تحديث المعلومات المتاحة إستناداً الى معايير تقييم موحّدة.

كذلك سوف يعمد المشرفون إلى تجميع المعلومات المتعلقة بملكية المصارف العامة أو الخاصة الأجنبية أو المحلية للمساعدة في تحديد نطاق الدعم المقدّم من المالكين الجدد.

لذلك، لا بدّ من القول إنّها عملية تستغرق وقتاً طويلاً، ولا نفعل الآن سوى إضاعة الوقت في ظل غياب أي رقابة واختفاء الدور الأساسي للمصارف.

كذلك، ومنذ أن قرّر لبنان التخلّف عن سداد ديونه برزت المصارف المحلية إلى الواجهة، نظراً لتعرّضها الشديد لمخاطر الديون السيادية، ولكي تستطيع البقاء يجب إعادة الهيكلة. كذلك سيكون من الضروري إعادة تقييم مبلغ الرسملة اللازم لتحقيق الحدّ الأدنى من نسبة الملاءة المالية البالغة 8% والمطلوب بموجب شروط “بازل l”.

الظروف كما هي
للمرة الأخيرة، تبقى الظروف كما هي. خطة إنقاذ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة شفافة للدين العام، بما في ذلك الميزانية العمومية للمصرف المركزي، ونعني في القول إنّ القطاع المصرفي قد يواجه سنوات صعبة جداً قبل أن يتمكن من التعافي بشكل كامل.

لقد تخلّفت بلدان كثيرة عن سداد ديونها وتعافت (تخلّفت الأرجنتين عن السداد 8 مرات)، ولكن الأهم من ذلك هو تعلّم الدروس من الماضي من أجل عدم تكرارها مرة أخرى. كل هذا مع قائمة طويلة من الإصلاحات التي تحتاج إلى إجراءات عاجلة، خصوصاً أنّ البلاد بدأت محادثات مع صندوق النقد الدولي وتواجه إحتياطات اجنبية ضئيلة جداً، وفي ظل تقديرات لـ”غولدمن ساكس” حول خسائر البنوك اللبنانية التي تبلغ 65 مليار دولار. ويعتقد تقدير المؤسسة المالية أنّ الجزء الأكبر من هذه الخسائر سوف يقع على عاتق المودعين. كذلك، لا مفرّ من إقتطاعات على سندات اليوروبوند، ومن المرجح أن تكون كبيرة جداً.

لذلك، تبدو الأمور معقّدة وطويلة الأمد، ويبدو أنّ الدولة اللبنانية غائبة عن السمع في ظل تناحر قائم بين أعضاء حكومتها العتيدة، والذين يصّرون على إقحام القضاء في الأمور السياسية. علماً أنّ المحادثات مع الصندوق لا تزال في مراحلها الأولى، وقد تواجهها عقبات كبيرة أقلّها كاف لزعزعة ثقة الصندوق في صدقية الدولة للقيام بإصلاحات طويلة الأمد. هذه الاصلاحات المطلوبة قد تستغرق وقتاً طويلاً، إلّا أنّها قد تعيد لبنان إلى خط طبيعي، كما فعلت اليونان والأرجنتين وغيرهما من الدول التي تخلّفت عن سداد ديونها، واستطاعت إستحضار مساعدات من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة، ضمن إستراتيجية للتعامل مع الخسائر المتأصلة في النظام المالي، وتحقيق الإستقرار في الإقتصاد والمالية العامة، وضمان بقائها على أساس مستدام.

إنّها أمور تقنية وتتطلب وقتاً ومجهوداً مضنياً، إلاّ أنّها بارقة أمل لإعادة بلاد نخرها الفساد والمحسوبية والسرقة، والمسؤولون فيها موضع شبهة من قِبل المؤسسات العالمية، وبعضهم متهم بتهريب الأموال وعرضة للعقوبات. هذا هو القليل القليل مما نراه منهم ومن أسلوبهم في التعاطي مع الشأن العام. إنّها رحلة الألف ميل، لكنها تبقى ضرورية وملحّة وتستلزم فريق عمل من أخصائيين حياديين ولفترة طويلة، علماً إنّها رحلة مضنية.

 

بروفسور غريتا صعب

الدولار لن يحلّق بسبب رفع سعر السحب

في هذه المرحلة التي يُفترض انّها مرحلة مشاروات فنية مع صندوق النقد الدولي تسبق بدء المفاوضات الرسمية للوصول الى اتفاق على برنامج إنقاذي، دخل البلد الزمن الانتخابي. فهل تستطيع أي مؤسسة رسمية اتخاذ الإجراءات التمهيدية المطلوبة للوصول الى مرحلة توقيع اتفاق تمويل مع صندوق النقد؟

 

ما جرى في قانون الكابيتال كونترول، يقود الى استنتاج اولي مفاده انّ السلطة، بشقيها التنفيذي والتشريعي، أصبحت عاجزة عن اتخاذ اي إجراء ناجع في ملف تهيئة الارض للوصول الى خطة انقاذية يموّل قسماً منها صندوق النقد الدولي. والكلام الذي قيل، ولا يزال، في مسألة الحرص على اموال المودعين، أشبه برسم كاريكاتوري سمج، غير مفهوم وغير مُضحك.

 

وبصرف النظر عن الخلافات في تقييم أهمية هذا القانون في هذا التوقيت، وإذا ما كان ضرورياً، او يُستحسن ان يأتي ضمن سلة متكاملة يشملها برنامج الإنقاذ المنتظر، أكدّت طريقة مقاربة الملف من قِبل النواب، استحالة التقدّم في اتجاه تهيئة الأجواء لبدء مفاوضات جدّية مع صندوق النقد. وكان لافتاً الاسلوب الذي اعتُمد في الشق المتعلّق بالجهة التي ينبغي ان تحدّد سقوف السحوبات من الودائع. وتمّ التعاطي مع مصرف لبنان، وكأنّه كيان معادٍ للدولة. واستسهل البعض التصويب على هذه النقطة، انطلاقاً من الجو الشعبي العدائي حيال البنك المركزي. وهنا ينبغي طرح السؤال التالي: اذا كان التعاطي مع مصرف لبنان ينطلق من واقع انّ السلطة السياسية لا تثق برياض سلامة تحديداً، فمن باب الأولى التركيز على استبدال حاكم مصرف لبنان، لأنّه لا يجوز ان تذهب المؤسسة المستقلة المسؤولة عن السياسة النقدية بجريرة الانتقام من فرد، بصرف النظر عمّن يكون هذا الشخص. اما اذا كان اعتراض السلطة على دور مصرف لبنان وليس على حاكمه، فمن الضروري التعاطي مع هذا الموضوع بعقلانية، وبناءً على القانون وعلى تجارب الدول. ولعلّ تجربة الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان في التعاطي مع مصرف بلاده المركزي، تشكّل نموذجاً يفيد من يتناسى أهمية هذه المؤسسة ككيان مستقلّ في كل اقتصادات الدول. كذلك يمكن استقاء العِبَر من تجربة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب مع حاكم الفدرالي.

 

هذا الكلام يقود الى حقيقة مفادها، انّ السياسيين في غالبيتهم يتعاطون مع مأساة البلد وناسه بكيدية وتبسيط وولدنة. ولعلّ قضية تعديل سعر السحب من الودائع الدولارية من 3900 الى 8000 ليرة يشكّل نموذجاً لهذه العقلية المريضة. قبل التغيير، كان هناك من ينادي برفع سعر السحب وإنصاف المودعين، لا سيما الصغار منهم الذين يضطرون الى السحب من اموالهم للإنفاق اليومي. بعد التعديل، الاشخاص انفسهم شنّوا حملات انتقاد شعواء على رفع سعر السحب، ومن ضمنهم نواب مُمثلون عبر احزابهم في لجنة المال والموازنة، التي بُحّ صوت رئيسها وهو يطالب برفع سعر السحب!

 

هذا الكلام لا يستهدف الدفاع عن القرار، بل تسليط الضوء على العقلية التي يتعاطى فيها البعض مع كارثة بحجم الكارثة التي يعاني منها اللبنانيون في هذه المرحلة. وبالمناسبة، سعر صرف الدولار لن يحلّق كما يقول البعض، بسبب هذا القرار في الايام القليلة المقبلة. لكن مسيرة الارتفاع قائمة ومستمرة، مع تعديل سعر الصرف او من دونه.

 

وبالمناسبة، ماذا ستقول السلطة للمبعوث الفرنسي بيار دوكان الذي جاء الى بيروت ليستطلع اخبار الإصلاحات الموعودة؟ وماذا ستكون اجوبة السلطة عن الاسئلة التالية:

 

اولاً- ماذا فعلتم بالكهرباء، وهي ممر الزامي لكل الإصلاحات الاخرى؟ هل حسمتم موقفكم برفع التعرفة ووقف مزاريب الهدر في القطاع؟ ام انّ رفع التعرفة ليس شعبياً في هذه المرحلة الانتخابية، وتريدون التلطّي بالبنك الدولي لاتخاذ القرار؟

ثانياً- كيف تنوون إصلاح المالية العامة، وهي وفق التشخيصات الاقتصادية الداخلية والخارجية، أساس الأزمة، والسبب الرئيسي للوصول الى الانهيار والإفلاس؟ كيف ستقرّون موازنة خالية من العجز اذا كنتم عاجزين عن رفع الإيرادات، لأنكم لا تريدون إغضاب الناس قبل الانتخابات؟

 

ثالثاً- كيف ستحمون المودعين وتحفظون حقوقهم كما تدّعون، إذا كنتم تعيقون الوصول الى خطة للإنقاذ؟

 

رابعاً- كيف ستؤمّنون استمرار الحياة في البلد، اذا كانت الدولة مهدّدة بالوصول الى وقت تعجز فيه عن جمع النفايات وإصلاح الطرقات وإيصال المياه وإنجاز المعاملات؟

 

خامساً- الى متى تستطيعون ضمان الأمن في البلد، إذا كنتم عاجزين عن ضمان بدل نقل لرجال الأمن للوصول الى مراكز عملهم؟

 

المشهد لا يبشّر بالخير. وصار من حق الناس ان يشكّكوا بكل ما يُقال لهم في شأن التقدّم الذي تمّ إحرازه في ملف إعداد خطة للتعافي، تستند الى ارقام موحّدة للخسائر، خصوصاً عندما يسمعون انّ رئيس الجمهورية مُعترض على محاولة اقصائه عن تفاصيل هذه الخطة. إذ لم يعد معروفاً، من يُقصي من، في دولة تتحلّل وتتلاشى يوماً بعد يوم.

أنطوان فرح

إجراءات ترقيعية للدولار المتفلّت مقابل الليرة…والقرار غامض

إجتمعت عوامل عدة، بالإضافة الى العامل الاساسي المرتبط بالوضع المالي والاقتصادي الكارثي، لتساهم في تسريع انطلاقة سعر صرف الدولار وصولاً الى 28 الف ليرة، قبل ان يعاود الانخفاض قليلاً. هل ما جرى بريء، ام انّه، في جانب منه على الأقل، مفتعل؟

بعد اعلان مصرف لبنان عن قرار رفع سعر صرف السحوبات النقدية المصرفية من 3900 الى 8000 ليرة، واصل الدولار الارتفاع الذي كان بدأه قبل ايام من اعلان تعديل التعميم 151، متخطياً الـ28 الف ليرة، ومرتفعاً في غضون 4 ايام من 24 الفاً الى 28 الف ليرة، مما جعل الامور تخرج عن السيطرة، وأجّج احتجاجات شعبية، ولو بسيطة، وحفّز عمليات السرقة والنهب في وضح النهار. مع التأكيد انّ انهيار الليرة بشكل أكبر كان منتظراً ومتوقعاً مع ومن دون رفع سعر صرف السحوبات النقدية المصرفية، نتيجة عوامل عديدة، منها التأزّم السياسي وعمل الحكومة المعطّل بسبب تعذّر انعقاد جلسات مجلس الوزراء، بالإضافة الى عدم بروز أي بصيص أمل جدّي في ما يتعلق بتسوية العلاقات مع دول الخليج، وتحرير استيراد البنزين تدريجياً على غرار المازوت، مع زيادة نسبة الدولارات التي يتوجب على مستوردي البنزين تأمينها من السوق السوداء، من 10 الى 15 في المئة حالياً، مما زاد الطلب على العملة الصعبة في السوق في مقابل تراجع العرض.

وبما انّ لجم انهيار الليرة أمر غير وارد من دون البدء في تطبيق الاصلاحات واعلان خطة الحكومة للنهوض من الأزمة والشروع في تنفيذ برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، إلّا انّ سياسة القرارات العشوائية والترقيعية والمجتزأة ما زالت متّبعة من قِبل المسؤولين، حيث خلص اجتماع رئيس مجلس الوزراء مع وزير المالية وحاكم مصرف لبنان امس الاول، الى اتخاذ تدبيرين للجم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، وهما:

– سيقوم مصرف لبنان بتزويد المصارف العاملة بحصتها النقدية لما تبقّى من هذا الشهر بالدولار الأميركي النقدي بدلاً من الليرة اللبنانية، وذلك على سعر صرف منصة صيرفة. وسوف يطلب مصرف لبنان من المصارف بيع الدولارات المشتراة على سعر صيرفة كاملة الى مختلف عملائها عوضاً عن الليرات اللبنانية التي كانت مرصودة لدفعها بالليرة اللبنانية.

– سوف يقوم مصرف لبنان بتنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الاجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدّد في التعميم 151 أي 8000 ل.ل. حالياً، ما يساعد في خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق.

في التفاصيل، اشارت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية»، انّه لا يمكن فهم كيفية تطبيق التدبيرين قبل إصدار مصرف لبنان تعميماً حول آلية تنفيذهما، وانّ المصارف بدورها لا تملك تفسيراً واضحاً لهما لغاية الآن، معتبرة انّ التدبيرين متضاربان، وانّ واحداً يمكن ان يساهم في لجم انهيار الليرة، إلّا انّ الثاني انعكاساته مختلفة. واوضحت، انّ التدبير الاول متعلّق بالتعميم 158 الذي تسدّد بموجبه المصارف 400 دولار نقداً و400 بالليرة على سعر صرف صيرفة، حيث انّه يمكن ان يعطي المصارف الأموال المخصصة للجزء الذي يتمّ تسديده بالليرة الى العملاء المستفيدين من التعميم، بالدولار بدلاً من الليرة، على ان تقوم المصارف ببيع تلك الدولارات لمن يرغب من عملائها، إلّا انّ مدّة تطبيق هذا الإجراء تمتد لغاية أواخر العام الحالي اي لفترة 15 يوماً فقط.

اما في ما يتعلّق بالتدبير الثاني، أوضحت المصادر، انّه يستهدف قروض الشركات فقط، وليس القروض الاخرى، لا السكنية ولا الشخصية… مشيرة الى انّ المصارف تشترط تسديد القروض التجارية بعملة القرض نفسه. وبما انّ معظمها بالدولار، فإنّ تسديدها يتمّ، منذ بدء انهيار سعر الليرة، من خلال الشيكات المصرفية بالدولار، والتي باتت تباع اليوم (سعر الصرف بين 26 و27 الف ليرة) بسعر يبلغ حوالى 20 في المئة من قيمة الشيك في حال يتمّ شراؤها بالدولار الـfresh، او على سعر صرف الـ5500 ليرة تقريباً، في حال يتمّ شراؤها بالليرة. أي انّ القرض الذي تبلغ قيمته على سبيل المثال 100الف دولار، يمكن تسديده بكلفة 20 الف دولار fresh أو 550 مليون ليرة نقداً (شيكات مصرفية بالدولار). وشرحت انّ قرار مصرف لبنان سداد القروض التجارية بالعملات الاجنبية بالليرة نقداً، سيرفع كلفة تسديدها حوالى 30 في المئة تقريباً، حيث انّ الـ100 الف دولار التي كانت تُسدّد بكلفة 550 مليون ليرة (شراء شيك مصرفي بالدولار) ستُسدّد اليوم بكلفة 800 مليون ليرة نقداً (على سعر صرف الـ8000 ليرة). علماً انّ الـ800 مليون ليرة تعادل حوالي 30 الف دولار fresh على سعر صرف الـ26 الف ليرة، في حين انّ الشيك المصرفي يمكن شراؤه بـ20 الف دولار fresh. ولفتت المصادر الى انّه لا يمكن فرض تسديد القروض التجارية بالليرة نقداً فقط ورفض تسديدها من خلال الشيكات المصرفية بالدولار، لانّ هذا الامر مخالف للقانون لأنّ العقود تنص على تسديد القرض بالعملة نفسه ولا تمنع تسديدها من خلال الشيكات. مستغربة كيف سيقوم مصرف لبنان بتنظيم تلك العملية وحث المقترضين على سدادها بالليرة نقداً رغم انّ الكلفة ستكون أكبر من كلفة شراء الشيكات.

وشدّدت المصادر على انّ التدابير والتعاميم والإجراءات يمكن ان تساهم في امتصاص السيولة النقدية بالليرة من السوق لمنع المضاربة، إلّا انّ أحداً لا يتدارك انّ الدولارات التي يتمّ شراؤها محلياً، مصيرها التحويل الى الخارج، حيث انّها تُستعمل إما للتخزين او الإيداع في الخارج او للاستيراد. في المقابل، فإنّ الليرة لا يمكن استخدامها سوى محلياً، وبالتالي مهما حاول البنك المركزي امتصاصها من السوق، ستعود اليه وسيعيد ضخها من جديد لاحقاً عبر الرواتب والاجور وغيرها.

رنى سعرتي

بين ميزان المدفوعات ومالية الدولة: كيف أصبح سعر الصرف «إصطناعياً»؟

بات معلوماً أنّ العام 2011 شكّل نقطة مفصلية باتجاه الانقلاب السلبي في جميع المؤشرات الاقتصادية، لاسيما منها وضع ميزان المدفوعات الذي تحوّل من فائض يفوق الـ 7 مليارات دولار، الى تراكم عجوزات بمليارات الدولارات، باستثاء العام 2016، الذي تمّ فيه تسجيل «فائض اصطناعي» في ميزان المدفوعات جراء استقطاب دولارات من الخارج لتوظيفها في الداخل تحديداً في الأوروبوند، وشهادات إيداع المصرف المركزي بالعملات الأجنبية عبر «الهندسات المالية»، بمحاولة شراء الوقت في غياب الإصلاحات المالية والادارية الفعلية، ومع بداية تضييق «مصادر الدولار» الى لبنان بعد اندلاع الأزمة في سوريا من جهة وإسقاط حكومة لبنان عام 2011 وتبدّل مناخ الاستقرار السياسي… إلّا أنّ الملفت أيضاً، أنّه في صلب مرحلة انقلاب الموازين السياسية المؤثرة مباشرة على المناخ الاستثماري، وتضاعف عوامل المخاطرة في البلاد (المؤثرة على الفوائد وعلى التصنيف السيادي، كما ذكرت حينها جميع تقارير مؤسسات موديز، فيتش، ستاندرد بورز…)، وزيادة انغماس الجهاز المصرفي في تمويل العجز المتمادي للدولة ولسدّ حاجات المصرف المركزي من احتياطات الدولار… تمّ الإبقاء على تثبيت سعر صرف الدولار الى الليرة اللبنانية على أساس 1507.5 كسعر وسطي وكأنّ أي شيء في المشهد الاقتصادي لم يتبدّل. ومهما كان ثمن هذا التثبيت، كيف انتقل سعر الصرف من أن يكون انعكاساً حقيقياً لوضع الاقتصاد ليصبح مؤشراً «وهمياً» لا علاقة له بمتانة الاقتصاد وديناميكيته؟ وأكثر من ذلك، كيف استمر التمسّك بهذا الخيار من جميع الأفرقاء والمسؤولين حتى اليوم، على الرغم من انكشاف الواقع الاقتصادي وانفلاش السوق الموازي وتعدّد أسعار الصرف؟

بعد طي صفحة الحرب الداخلية مطلع التسعينات، شهد لبنان حالة من المديونية المفرطة، ومنها جزء متزايد بالدولار الأميركي وسياسة جذب رؤوس الأموال بالعملة الأجنبية لتزويد الإحتياطي الأجنبي لمصرف لبنان بقدرته على الحفاظ على ربط سعر صرف الليرة بالدولار، لاسيما منذ العام 1997 على أساس 1507.5 ليرة لبنانية/ الدولار الأميركي. وقد ظلّ الوضع مقبولاً حتى عام 2011 عندما اندلع الصراع في سوريا وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين على لبنان مع تدهور النمو الاقتصادي، وبدأ منحى تراكم عجز ميزان المدفوعات. منذ عام 2011، ارتفعت نسبة الدين العام/الناتج المحلي الإجمالي بشكل مستمر، لتتجاوز 176% في نهاية عام 2019 مع تدهور وضع المالية العامة وزيادة الدين العام مع تراجع معدل النمو الاقتصادي من حوالى 8.5% في 2011 إلى أقل من 1% في نهاية 2019. في الواقع، يظهر التفاوت الكبير في أوضاع الدين العام عبر العالم، صعوبة تحديد عتبة إفلاس أو عدم استدامة الدين العام، ويتعلق ذلك بإثنين من “معايير ماستريتش” للمالية العامة: سقف 3% من العجز المالي الى الناتج المحلي، وسقف 60% نسبة الدين العام الى الناتج المحلي.

ومع التبدّل الجذري في مناخ الاستقرار السياسي منذ العام 2011 وانقلاب فائض ميزان المدفوعات، الى تراكم عجز متزايد، يعني سنوياً خروجاً صافياً للدولار الأميركي من لبنان، جاء الفراغ الرئاسي لحوالى سنتين ونصف والتشنج السياسي والأمني المتنقّل بين المناطق والتجاذب السياسي على كل الملفات، ليدهور مناخ الاستقرار الأساسي للاستثمار وجو الثقة والصدقية تجاه البلدان المانحة التي شهدت عدم الالتزام بأي من الإصلاحات الاقتصادية التي كان سبق واقترحها لبنان في أوراقه السابقة من باريس 1، 2، 3 وصولاً الى “سيدر”، خصوصاً في ما يخص قطاع الكهرباء، الذي تسبّب بعجوزات مالية بين 1.5 و2 مليار دولار سنوياً، حتى جمعت مع تراكم الفوائد عليها أكثر من 43 مليار دولار، قاربت نصف قيمة الدين العام، وكانت تتغطّى على شكل سلفات خزينة بالدولار الأميركي من المصرف المركزي دون إمكانية تسديدها ولا حتى معالجة ملف الكهرباء، فيما كانت تستنزف إحتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. ويتراجع تصنيف لبنان السيادي من قِبل جميع مؤسسات التصنيف الدولية “فيتش” “موديز” “ستاندر بورز”… ما يعني قرع جرس العجز عن سداد الديون بالدولار تحديداً…

علماً أنّ ميزان المدفوعات يتشكّل من مجموع الميزان التجاري وميزان الرساميل. ومن المعروف تاريخياً أنّ كل فائض في ميزان المدفوعات كان ينتج من فائض كبير في ميزان الرساميل (الفرق بين حركة دخول وخروج الرساميل)، يتمكّن من التعويض بفائض أكبر عن عجز الميزان التجاري (الفارق بين الاستيراد والتصدير)، الذي لطالما عرف تاريخياً تراكم عجوزات في لبنان حيث يفوق الاستيراد أضعاف التصدير، نظراً لأسباب بنيوية استراتيجية وليس لعوائق ظرفية قابلة للتبدّل بسهولة.

ومن أبرز العوامل التي أدّت الى هذا العجز المتزايد في الميزان التجاري، هو أنّ لبنان بلد مستهلك من الدرجة الاولى، وحاجة استهلاكه الى السلع المستوردة في تزايد مستمر، بفعل ارتفاع القوة الشرائية لدى السكان، وخصوصاً في الفترة التي كانت فيها عملته “مدعومة” عبر ربطها بالدولار (1507.5) منذ العام 1997، ولكون لبنان بلد سياحة وخدمات، يزوره الإجانب بأعداد كبيرة ويزيدون من استهلاك مختلف الماركات العالمية، ليمثّل الاستيراد أكثر من 80 % من الاستهلاك في لبنان.

كذلك يبرز ضعف قدرة لبنان على التصدير. إذ على الرغم من التوسع الكبير الذي حصل في السنوات الاخيرة في ميدان الانتاج الصناعي والزراعي، وبالرغم من الزيادة الملحوظة في حجم الصادرات اللبنانية الى الخارج، فإنّ العناصر والإمكانات الإنتاجية المتوفرة في لبنان لا تزال ضعيفة لأسباب عدة، نظراً للحاجة الى استيراد المواد الأولية للمنتوجات الصناعية ومختلف التجهيزات وصولاً الى التغليف، كما لارتفاع كلفة عناصر الإنتاج من كلفة الرأسمال، أي معدّل الفائدة على كلفة الأجور، كذلك بسبب ضيق السوق اللبناني وصعوبة تحقيق ما يُعرَف في عالم الاقتصاد بـ”إقتصاد الكم” الذي يقلّص كلفة الوحدة المنتجة كلما زاد عدد الوحدات المنتجة. كما هناك مشكلة تأمين المياه الكافية لجميع المناطق وضعف شبكات الري، وطبعاً بشكل أساسي أزمة قطاع الكهرباء، وكل ما ينتج منها من عراقيل انتاجية تقلّص القدرة التنافسية للمنتج اللبناني.

ومع ذلك، طالما كان ميزان المدفوعات في مسار تصاعدي، ظلت فجوة النمو بين ودائع العملات الأجنبية والموجودات الخارجية للنظام المصرفي مضبوطة، وبالتالي انخفضت نسبة الودائع إلى الأصول الخارجية من 1.7 عام 1997 إلى 2.0 في نهاية 2011.

أما أخيراً، وبحسب إحصاءات الجمارك اللبنانية، انخفض العجز التجاري بنسبة 37% ليبلغ 9780 مليون دولار مقارنة مع 15508 ملايين دولار في 2019. وقد أدّى ذلك الى تراجع في الاستيراد بنسبة 25.9%، وارتفاع في التصدير بنسبة 19.4%، لكن اللافت أنّ حصّة السلع المدعومة من مجمل الواردات كانت تبلغ 46.9%، وبالتالي فإنّ باقي السلع لم تنخفض بأكثر من 27.8% في عزّ الانهيار المصرفي والنقدي والاقتصادي.

وتشير الإحصاءات، إلى أنّ واردات لبنان بلغت 14240 مليون دولار في نهاية 2020 مقارنة مع 19239 مليوناً في 2019، في مقابل صادرات بقيمة 4458 مليون دولار في 2020 وبقيمة 3731 مليوناً في 2019.

التراجع الذي طرأ على الاستيراد بدأ يظهر اعتباراً من الشهر الثالث من السنة الماضية، واستمر بوتيرة متراجعة إلى أكثر من النصف حتى شهر تشرين الثاني الذي كاد أن يبلغ مستوى الاستيراد المسجّل في الأشهر نفسها من 2019. وهذا الأمر مرتبط إلى حدّ ما بالانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب.

يمثّل عجز الميزان التجاري الجزء الأهم من عجز ميزان المدفوعات. لذا، فإنّ تراجع عجز الميزان التجاري ضروري ومهم، باعتباره يفسّر جانباً أساسياً في ميزان المدفوعات يتعلق بخروج العملات الأجنبية من لبنان. التراجع في العجز التجاري بنسبة 37% لا يمكن التعويل عليه كثيراً. صحيح أنّ العجز تقلّص بقيمة 5728 مليون دولار، إلّا أنّ حجم العجز ما زال كبيراً ويبلغ 9780 مليون دولار. العجز يمثّل حاجة لبنان إلى حجم كبير من الدولارات يوازي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي المقدّر من صندوق النقد الدولي بنحو 18.6 مليار دولار.

اللافت أنّ كمية السلع المدعومة المستوردة إلى لبنان في 2020 تبلغ 6680 مليون دولار (مدعومة بنسبة 90% للبنزين والدواء والقمح والمستلزمات الطبية والغاز والمازوت والفيول، أي باستثناء 960 مليون دولار مواد غذائية مدعومة بنسبة 100% على أساس 3900 ليرة لكل دولار، وتُموّل من احتياطات مصرف لبنان بما قيمته 5148 مليون دولار)، أي ما يوازي 68.3% من العجز التجاري، ونحو 46.9% من مجمل الواردات.

وبالتالي، فإنّه بعد استثناء الكميات المدعومة من فاتورة الاستيراد، يتبيّن أنّ الاستيراد تراجع في عام 2020 بنسبة لا تزيد عن 28.7%. فبحسب أرقام الجمارك، إنّ لبنان استورد بقيمة 7.7 مليارات دولار من السلع غير المشمولة بدعم الاحتياطات بالعملات الأجنبية، وفي عام 2019 استورد من هذه السلع بقيمة 10.7 مليارات دولار، ما يعني أنّ التراجع قيمته 3 مليارات دولار فقط.
تراجع بهذا المستوى مستغرب جداً في ظل تطورات سعر صرف الليرة. سعر الليرة انخفض بنسبة 85%، بينما تضاعف سعر الدولار مقابل الليرة بنحو 8.6 مرات. كل هذه الخسائر لم تحتّم تراجعاً كبيراً في الاستيراد والاستهلاك. فمن مفاعيل الأزمات أنّها تضرب القدرة الشرائية ما ينعكس سلباً على الاستهلاك، وبما أنّ الجزء الأكبر من استهلاكنا مستورد، فإنّه ينعكس سلباً على الاستيراد.

من أبرز المتغيرات التي أثّرت في الميزان التجاري وبالتالي ميزان المدفوعات منذ اندلاع الأزمة، أنّ هناك بعض السلع التي تراجع استيرادها، من أبرزها استيراد السيارات الجديدة والمستعملة، وبعض السلع المعمّرة الأخرى، بينما لا يزال استيراد اللبنانيين من باقي السلع شبه مستقرّ. وتشكّل تحاويل الدولار الواردة الى لبنان، سواء من تحويلات المغتربين أو باقي التحويلات الرأسمالية بما فيها الأموال التي تدخل إلى لبنان نقداً، تأمين استمرارية تمويل الاستيراد، كونها تصل الى أيدي الجهات التي تستعملها من أجل تمويل الحركة الاستهلاكية. لم يستفِد لبنان من هذه الأموال سوى في تحريك الاستهلاك وإسباغ نوع من الاستقرار على الاستيراد.

علماً أنّه بعد زلزال بيروت حصل ضخّ كبير للأموال إلى المقيمين في بيروت، لا سيما عبر المنظمات غير الحكومية، بغض النظر عمّا وصل منها فعلياً بالعملات الأجنبية الى المتضررين مباشرة أو الذين تضرّروا جزئياً. مصدر هذه الأموال كان من الدول والمنظمات الدولية مباشرة أو عبر مؤسسات المجتمع المدني، وبعضها لا يزال قائماً إلى اليوم. هذه الأموال حفّزت حركة الاستهلاك والاستيراد قليلاً، من أجل تغطية بعض الأضرار أو لمساعدة السكان على الصمود.

ولكن مع اختتام العام 2021، وتحقّق معظم شروط صندوق النقد الدولي حتى قبل المحادثات معه (مع توقّف دعم المنتجات ولو بنتيجة نفاد احتياطي العملات الأجنبية وليس بفعل قرار اقتصادي استراتيجي هادف، وتقلّص عجز ميزان المدفوعات، ولو بفعل العجز عن تأمين الدولارات للمزيد من الاستيراد، وضبط عجز الكهرباء نظراً لتوقّف الإضاءة والانتقال الى المولّدات بشكل شبه كامل والاضطرار الى تصحيح التعرفة قريباً، والاعتراف التدريجي بضرورة أن يعكس سعر الصرف حقيقة السوق)، هل يكون عام 2022 عام تصحيح الخيارات الاقتصادية تلقائياً، ولو على طريقة “مكره أخاك لا بطل”؟!

د. سهام رزق الله