القطاع الخاصّ دون حلّ ابتكاري والقطاع العامّ في غيبوبة

بالتأكيد إن نقولا شمّاس من رجال الاعمال المميزين بعلمهم وخبرتهم، وفي حديث تلفزيوني قبل أيام صرّح بأن ال#لبنانيين الذين توجّهوا للعمل في الخارج خاصة في دبي وأبو ظبي وأسّسوا أعمالاً تستند الى خبراتهم في لبنان إنما ينقلون #الاقتصاد اللبناني الى الخارج وبالتالي يحافظون على القدرة لاستعادة النشاط مستقبلاً في لبنان.

برغم الصداقة التي تربطني بنقولا وتقديري لدوره العام أخالفه في الاعتقاد بأننا ننقل الاقتصاد اللبناني الى الخارج، فاللبنانيون العاملون في الخارج قبل 2019 عام الإعلان عن الانتفاضة، كانوا يشكلون نسبة 30-35% من عدد القوة العاملة في لبنان.

 

هذا المقياس هو الاوفر دلالة على دور اللبنانيين، خاصة أن نسبة منهم من أصحاب الخبرات والكفاءات والقدرات على التسويق والإنتاج في مختلف بقاع العالم، والتوجه الى دول الخليج العربي كان ولا يزال بسبب التقارب في اللغة والعادات والتفاعل مع أعداد الوافدين من العالم العربي خلال سنوات الخير واستعادة صورة الحداثة في لبنان بعد أحداث 1975-1990 التي كسرت التفاهم اللبناني-اللبناني.

لبنان في وجهه الحضاري على مشارف القرن الـ21 تطوّر ليصبح المستشفى الاول للبلاد العربية، والمقصد السياحي للعرب والاوروبيين، وتطوّر العمل التلفزيوني، والنشر، والتوثيق واحتواء مراكز ثقافية نادرة، مثل المركز الألماني لدراسات المشرق، وتمتع لبنان بأربع جامعات تتوافر لكلّ منها شهادات الاعتراف بالمستويات الدولية من هيئات أميركية، وبريطانية وفرنسية وعربية.

هويّة لبنان ليست فقط اقتصادية. فعلى سبيل المثال وقبل الهجرة المستحدثة بسبب الاستقطاب السياسي خاصّة مع ما يسمّى دول الممانعة، وحتى تاريخه لا نعرف سوريا ممانعة ومواجهة لإسرائيل، ولم تطلق رصاصة في الجولان منذ عام 1974 وما زال بعض أهل الجولان يكتسبون العلم في دمشق وينتقلون ما بين الجولان والداخل السوري، ولا نعرف ما دور إيران في الممانعة، ما عدا تسمية فوج مسلح بأنه المسؤول عن تحرير القدس، وإيران في حربها مع العراق استوردت الاسلحة والمعلومات المصوّرة جوّياً من إسرائيل.

أفضل مثال على نجاح لبنان في القرن الواحد والعشرين في توفير خدمات استراتيجية ومالية، يتمظهر بشركة MUREX المملوكة أساساً من أبناء المرحوم ميشال إده، وهم تمتعوا بعلومهم في أفضل المؤسسات العلمية في الولايات المتحدة، واختاروا مهنة قياس أوضاع الاقتصاد والمال على نطاق عالمي ومقارعة أمثال شركة رويترز وبلومبيرغ.

وشركة موريكس التي لديها مكتب ملحوظ في بيروت ونسبة مقبولة من التمثيل اللبناني في موظفيها، تعمل في مكاتب تمتدّ من موسكو، الى نيويورك، ولندن، ودول الخليج، واليابان، والصين وقبرص الخ، لكن مركزها الرئيسي هو في إيرلندا. والسؤال المطلوب من السلطات اللبنانية هو لماذا اختيار إيرلندا لتأسيس المركز الرئيسي للشركة التي بالمناسبة وبعد ضمور حجم الانتاج القومي في لبنان، أصبحت تنتج معلوماتياً ما يقارب ملياري دولار أي 8% من حجم الدخل القومي اللبناني حالياً.

إن هذه الشركة التي من مؤسّسيها إضافة إلى أبناء المرحوم ميشال إدّه، صهر العائلة ابن المرحوم بيار حلو، وللذكر فقط نشير إلى أن ميشال إدّه، حينما واجه ضغطاً مالياً في لبنان وبعد تولّيه الوزارة، اختار الانتقال الى أفريقيا واستطاع بحنكته تشجيع شركات من النمسا على إنجاز معامل لإنتاج الكهرباء في بلد أفريقي، وبيار حلو عمل بنشاط ونجاح في السعودية.

أبناء الرجلين تمتعوا بقدرات علمية تسمح لهم بالنجاح في العالم العربي لكنهم اختاروا التمكّن من خدمات معلوماتية اقتصادية ومالية وأرفقوها بتقديراتهم التحليلية غير متخوّفين من المنافسة الدولية. وهنا تكمن إمكانات لبنان المستقبلية التي لا تعتمد على تحفيزات من الحكومات المتتالية على لبنان والتي لا يزال غالبية أعضائها مغيّبين عن الإنجاز وقفزات العلوم التي أصبحت تسيّر العالم، وتطوّر الخدمات التي كانت أساسية للبنان ولا تزال في حال تطويرها، أي خدمات التعليم، والتطبيب والانخراط في عالم المعلوماتية لا فقط حول الاقتصاد بل الطبّ ووسائل التعليم والتدريب الحديثة.

أفضل مثال على نجاح اللبنانيين المثقفين والمنفتحين على التطوّرات العالمية هو السبيل لنجاح لبنان، لكن هذا النجاح لن يؤدّي الى تطوّر الاقتصاد اللبناني لسبب رئيسي.

دور الدولة في لبنان بجهازها الوظيفي والتقاعدي يشمل تأمين المعاشات والتعويضات لـ320 ألف موظف ومتقاعد، وهذا العدد هائل لبلد صغير كلبنان، وما كان يسمح بتحمّل أكلاف الموظفين والمتقاعدين في السابق كان تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، الذين كانت أعدادهم حوالى 350 ألفاً أصبحوا بعد الازمة المستمرّة منذ تولّي الرئيس عون زمام القيادة، حوالى 400 ألف لبناني ولبنانية، وإمكانات تحويلاتهم للبنان، التي بلغت في وقت من الأوقات 10 مليارات دولار سنوياً تدنّت الى 7 مليارات خلال السنوات الاخيرة، ومع انخفاض الدخل القومي والمستوردات بنسبة 50% لم نشهد محاولة لرسم سياسة مقنعة للسلطات الدولية ومؤسسات الإقراض العالمية تسهم في استعادة لبنان بريق استقطاب الزوار العرب، بصورة خاصّة، للاصطياف في لبنان، أو الالتحاق بجامعاته، أو لإنجاز البرامج، أو طباعة الكتب أو الاستمتاع بنقاوة جوّه، وقد أصبحت المياه في لبنان ملوّثة.

التقهقر التام حصل في وقت وجيز، لكن هذا الوقت كان كافياً لأبو ظبي ودبي لوضع مخططات لتوسيع نطاق الخدمات الحديثة على نطاق عالمي وإقرار الزواج المدني، وتفحّص آفاق الفضاء… والحاكم في لبنان في غيبوبة واللبنانيون يسعون للهجرة.

مروان اسكندر