هل يمكن إنقاذ لبنان باستعادة النمو والاستثمار؟

لقد كنتُ على مدى عشر سنين احذر من تداعيات عجز #الكهرباء على الاحتياط ومن تحوّل حسابات ميزان المدفوعات الى العجز المتنامي، وطالبت باستيراد الكهرباء من الاردن بعد انجاز حقل بطاقة 1000 ميغاواط لانتاج الطاقة من اختزان الطاقة الشمسية. والاهم من كل ذلك كان توصل رفيق الحريري عام 2004 الى اتفاق رباعي شمل مصر وسوريا والاردن و#لبنان لاستيراد الغاز من مصر، وكان مقدرًا ان تبدأ التسليمات عام 2006، لكن طاقة مصر على تصدير الغاز تناقصت بسبب التزامات لتسليمات لاسرائيل، وتوقف معمل لانتاج الغاز.

عام 2007 اكتشفت شركة “ايني” الايطالية اكبر حقل مكتشف حتى تاريخه في حوض البحر المتوسط واصبحت امكانات تصدير الغاز افضل، فتحقق للبنان استيراد الغاز المصري عام 2009 وكان انجاز خط لنقل الغاز المصري الواصل الى سوريا قد تم بإنجاز خط من قرب حمص الى معمل كهرباء نهر البارد، وتوقفت العملية بعد ذلك لان حاجات سوريا تعاظمت مع انخفاض معدلات انتاجها من الغاز والنفط، وهذا الانخفاض تحول منذ عام 2013 الى فقدان هذه الموارد مع احتلال القوات الاميركية لمناطق انتاج النفط والغاز في سوريا وتأمين مداخيل الانتاج للاكراد اكثرية سكان المنطقة. وهنا لجأت سوريا الى الاعتماد على مستوردات مشتقات النفط عبر لبنان، فارتفعت فاتورة استيراد المشتقات ما بين 2013 و2014 من 4.8 مليارات دولار خصصها لبنان للاستيراد الى 8.8 مليارات دولار، وبدأ استنزاف الاحتياط اللبناني لمصلحة سوريا، وتعاظم مع اقرار برامج الدعم. وهذه النتيجة تسببت بتفاقم عجز مؤسسة كهرباء لبنان من دون اي معالجة، ولا زلنا حتى تاريخه مترددين في استيراد ما يعادل مليون طن من النفط من العراق، لخلاف ما بين الطرف اللبناني المصرّ على انجاز عمليات تحويل النفط الخام الى مشتقات، وموقف العراقيين المشجع على تنفيذ الاتفاق واشرافهم ذاتيًا على عمليات التكرير تفاديًا لاية اخطاء تقنية او محاسبية، وسيتوافر الغاز من مصر خلال بضعة اشهر لكن طاقة معملي الكهرباء المنجزين من قِبل الرئيس الحريري اواخر التسعينات غير كافية لتغطية حاجات عام 2021/2022 واستيراد الكهرباء، وانجاز حقول انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية حاجة ملحّة ولا يمكن تحقيقها خلال الفترة المتبقية من هذا العهد الذي اورثنا العجز الكهربائي و65% من الدين العام اللبناني.

 

مقابل عجز التجهيز والاستفادة من عروض من الكويت عام 2013 ومن المانيا عام 2019 بتنا نواجه ضيقًا في تأمين العملات الاجنبية لتغطية حاجاتنا لاستيراد المنتجات الطبية، والمحروقات، والمعدات لتجهيز بعض المصانع القائمة او قيد الانشاء، واصبح بلدنا يعتبر من البلدان المارقة بعد قرار حكومة حسان دياب ايقاف دفع فوائد دين اليوروبوند في آذار 2020، وكان هذا القرار من اسوأ قرارات حكومة دياب الذي افتخر هو ووزيرته للعدل التي تصدت للمشاكل المالية التي تجهلها بالفعل. وبعد تصنيف لبنان بين الدول المارقة اصبح امر توافر العملات الاجنبية سواء للاستثمار او لتغطية حاجات الاستيراد الملحّة مسألة مستعصية، وتفشت ممارسات تجارة العملات وفروق سعر الصرف بين يوم وآخر، الامر الذي طاول ثقة المواطنين بعملتهم، وهذه الاوضاع دفعت حكومة دياب ومن بعده حكم الرئيس عون الذي استمر دون مساندة من مجلس وزراء مكتمل، وحاصل على التزامات دعم بمستوى 11.8 مليار دولار بواسطة سعد الحريري منذ نيسان 2018، وهذا الوعد لم يتحقق لان نفسية الرئيس عون كانت بعيدة عن تقبل رئاسة الحريري الذي حظي بأكثرية النواب وتابع مساعيه دون نتيجة، فاصبح لبنان ليس بلدًا مارقًا فقط بل بلدًا عاجزًا عن تأمين حاجات سكانه الى مواد ضرورية لاستمرار الحياة المدنية بكفاية وعناية.

بعد كل ذلك وادعاءات حكومة حسان دياب وتوقف الحياة السياسية بسبب تصريحات وزير الاعلام المستقيل قبل ان يتسلم الوزارة، اصبحت كارثة العجز تصفع اللبنانيين في حياتهم اليومية، وتوقعاتهم المستقبلية. فكيف لنا ان نفكر باستعادة لبنان النمو واستقطاب الاستثمارات، وبالتالي نعدد بعض الامكانات:

اولاً: الهجرة المستمرة لاصحاب القدرات والخبرات الى بلدان الخليج بالذات، والتي تشهد نموًا نتيجة التخطيط واستقطاب نشاطات الاقتصاد المتصلة بكفاءات استعمال المعلوماتية في حياتنا، سواء للتسوق، او المعالجات الصحية، او تطوير البرامج الدراسية. واللبنانيون من المهندسين، والاطباء، والمعلوماتيين الذين تجاوز عدد منتسبيهم الـ 50 الفًا لا بد ان يسهموا في زيادة التحويلات الى لبنان، وبالتالي بدلاً من 7 مليارات دولار توافرت عام 2020 سيرتفع الرقم الى 8-9 مليارات عام 2022.

ثانيًا: المستوردات انخفضت بنسبة النصف، وتوافر الغاز المصري والكهرباء من الاردن سيساهمان في انخفاض العجز المالي بما يساوي او يزيد على المليار دولار سنويًا.

ثالثًا: تراجع تعليقات الكارثة المستديمة، وتحول مجلس النواب في سنته الاخيرة لادراك معطيات النجاح التي منها الابتعاد عن اصدار قانون ضبط التحويلات حفاظًا على الاحتياط، فهكذا قانون يكرس الاقتصاد اللبناني في خانة الاقتصاد السوري، وكلنا يعلم ما اصاب سوريا من اضرار، ويجب ان يبتعد عن المطالبة باسترجاع الاموال المنهوبة، فالتحويلات التي انجزت الى الخارج كانت قانونية ولا تزال، لكن اللاقانون هو امتناع المصارف عن تحويل اموال المودعين، والقانون يسمح بذلك لكن البنوك تتمنع عن التحويل، واذا استمر الوضع كذلك نقترب من النظام السوري اكثر فاكثر. فهل هذا ما يريده اللبنانيون؟

رابعًا: يجب وقف التشكيك بمصرف لبنان وقيادته، واهم سبب يدفع الى هذه التوصية هو الامر الآتي والذي لم يثره اي من المعلقين الذين يرددون المعزوفة نفسها ويعتبرون حاكم مصرف لبنان المسؤول عن انهيار سعر صرف الليرة.

حبذا لو ان بعض المنظرين يتذكرون ان سعر صرف الليرة اللبنانية كان يوم انتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميل 3.7 ل.ل للدولار، وما بين 1982 و1992 وفي عهدة الحاكم ادمون نعيم والحاكم ميشال الخوري انخفض سعر صرف العملة مئة ضعف اذ بلغ في ايلول 1992 حوالى 3000 ل.ل للدولار.

المشكلة المالية الدولية اليوم هي حجم ديون البنوك المركزية في اوروبا، والولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند الخ… والمشكلة هي التي تسمى ديون التريليون، والتريليون ايها السادة يوازي الف مليار، ونحن نبحث عن 10-15 مليار دولار لاستعادة القدرة على التحرك، والاقتصاديون الجدد وحتى من لديهم خبرة، يعتبرون ان دين مصرف لبنان البالغ 80 مليار دولار هو حصيلة سياسات المصرف، والواقع ان هذا الدين مترتب على الدولة اللبنانية التي بالغت في الانفاق وفي تقبل عجز الموازنة سنة بعد سنة رغم تحذيرات رئيس لجنة المال من هذه الوضعية ودعوته الى ضبط العجز.

ان العجز لدى مصرف لبنان، حضرة الاقتصاديين الجدد، هو حصيلة ممارسات الحكم وهذا الحكم بالذات الذي هو مسؤول عن 65% من الدين العام لدعم الكهرباء من دون ان يتبنى حتى تاريخه خطة منطقية لتأمين الكهرباء وضبط العجز.

عجز البنوك المركزية الاوروبية، والاميركية، واليابانية وعجز البنك المركزي في كوريا الجنوبية يبلغ 32 تريليون دولار، ورئيسة البنك المركزي الاوروبي نبهت ولا تزال الى كارثة توسيع عجز الدول المعنية عن القيام بالتزاماتها. ووزيرة المال الاميركية التي كانت رئيسة البنك المركزي الاميركي نبهت اعضاء الكونغرس الى ضرورة رفع مستوى مديونية الولايات المتحدة، والا لن تكون هنالك معاشات للموظفين قبل عيد الميلاد، وحاكم البنك المركزي الالماني الذي استمر 8 سنوات في الحاكمية استقال بسبب مخاطر هذا الدين.

المطلوب من رئيس الجمهورية ومن يستشير من الخبراء الاقتصاديين الاطلاع على هذه المشكلة والادراك ان دين البنك المركزي هو دين على الدولة وقد تراكم من اجراءات زيادة الاجور من دون احتساب وقعها عام 2013، والامر ذاته يجري اليوم وهذا الوعي ربما يبعث لدى الحكم ادراك السبب الحقيقي للعجز الذي نشهده ونعلم انه ليس من صنع رياض سلامة، بل ان العجز في السنوات الـ 12 الاخيرة كان من ممارسات وزارة الطاقة التي كانت في عهدة ممثلي “التيار الوطني الحر” الذين لم يسهموا في توسيع نطاق الانتاج ولا في استعمال الغاز، وادراك السبب الرئيسي لعجز الاقتصاد اللبناني ربما يمهد لنهضة مع اقتراب نهاية عهد التبديد.

الامل في التحسن افضل من السابق لان نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي يعرف لبنان جيدًا منذ سنوات وكذلك وزير المال يوسف خليل الاقتصادي المطلع ووزير التربية، اضافة الى رئيس الوزراء، الذين يوفرون الفريق المناسب للبحث مع بعثة صندوق النقد الدولي.

مروان اسكندر