أرشيف التصنيف: المقالات العامة

مَن استفاد من حمى الذهب؟

تُعدّ مرحلة «حمى الذهب» إحدى المراحل التي شكلت ولاية كاليفورنيا؛ فقد غير اندفاع العالم نحو التنقيب عن ذهب جبال كاليفورنيا مسار الولاية بشكل راديكالي. ففي عام 1847، أي قبل استكشاف الذهب بنحو عامين، لم يزد عدد سكان الولاية على 500 نسمة، وعندما ذاع خبر اكتشاف الذهب، شهدت الولايات المتحدة أكبر موجة هجرة في تاريخها، حيث انتقل أكثر من 100 ألف للسكن في كاليفورنيا بحثاً عن الذهب في فترة لا تزيد على 20 شهراً. وجاء المهاجرون من الولايات المتحدة في البداية، وتوسع نطاق المهاجرين بعد ذلك ليشمل مهاجرين من فرنسا والصين وتشيلي وغيرها من دول العالم.

«حمى الذهب» فيها العديد من الدروس على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ فعندما تنازلت المكسيك عن كاليفورنيا لأميركا قبل «حمى الذهب» بسنوات قليلة، لم تكن كاليفورنيا مؤهلة لتكون ولاية، ولكن الهجرة الجماعية لها مكَّنتها من ذلك، وأهَّلتها لتكون إحدى أقوى الولايات الأميركية من الناحية الاقتصادية. فمع النزوح الجماعي للمنقبين عن الذهب، ظهرت الحاجة إلى إنشاء طرق جديدة، فازدهرت وسائل المواصلات وسكك الحديد وغيرها، كما ازدهرت الزراعة مع عدم نجاح كثير من المهاجرين في التنقيب وتحولهم للزراعة، خصوصاً أولئك الذين كانوا في الأصل مزارعين ووجدوا في كاليفورنيا بيئة مناسبة للزراعة، وساعد في ذلك النمو السكاني وزيادة الطلب المحلي على الأغذية، الذي ساهم كذلك في نمو تجارة الجملة والتجزئة. كذلك فإن حاجة المهاجرين للتواصل مع ذويهم في بلدانهم أوجد فرصة لإنشاء شركات للخدمات البريدية.

وتطورت صناعة آليات التعدين والمعدات للعمليات الهيدروليكية، فاستوردت الولايات المعدات في البداية، ولم تلبث أن أصبحت مركزاً لهذه الصناعات، وساهمت في ازدهار صناعة الأخشاب. كما دعت الحاجة إلى استحداث ملابس تتناسب مع مهنة التنقيب، فانتعشت صناعة الملابس والجلود، وانبثقت عن هذه الحقبة إحدى أشهر شركات تصنيع بناطيل «الجينز»، وهي شركة «ليفاي».

ولكن ماذا عن المنقبين أنفسهم؟ والذين ساهموا في كل هذا الحراك الاقتصادي؟ هل كوَّنوا ثروات من التنقيب عن الذهب؟ الواقع أن قصص المنقبين عن الذهب ليست مشرقة كما هو متوقَّع، فالعديد منهم عاد إلى بلاده مُفلِساً، والبعض الآخر تحول إلى صناعات أخرى. وخسر غالبيتهم سنوات من عمره في اللحاق وراء سراب الذهب دون أن يجمع أي ثروة حقيقية.

أما المستفيد الأكبر من هذا الحراك، كان التجار الذين استفادوا من بيع المنتجات التي يحتاج إليها المنقبون ابتداء من الأغذية والملابس وحتى معدات الحفر والتنقيب. ولعل إحدى أشهر قصص المستفيدين من هذه الحقبة قصة «صامويل برانان» الذي قد يكون أول مليونير في تاريخ الولاية؛ فعندما علم «برانان» باستكشاف الذهب، حاول جاهداً نشر هذا الخبر، وفي الوقت نفسه، قام بشراء معدات الحفر الموجودة في الولاية، وبدأ في طلب معدات من ولايات أخرى. كل ذلك كان قبل توافد المهاجرين إلى كاليفورنيا، وما إن وصل المنقبون، بدأ «برانان» في بيع سلعته بكل نجاح، حتى وصلت مبيعاته الشهرية في ذلك الوقت إلى نحو 150 ألف دولار (وهو ما يعادل 4 ملايين دولار في الوقت الحالي). ولكن «برانان» نفسه لم يستمر بهذا الثراء، ويقال إنه أفلس قبل وفاته حتى لم يجدوا من أمواله ما يغطي تكاليف جنازته، وهي نهاية حزينة أخرى من هذه الحقبة.

وبالنظر إلى حميات مشابهة في العصر الحديث، نجد أن المستفيد الأكبر من أي اندفاع خلف قطاع معين هو القطاعات المساندة له، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك. أول هذه الأمثلة، وبما أن الحديث عن التعدين، «حمى بتكوين»، حيث يعدّن الأفراد بحل الخوارزميات المعقدة للحصول على العملات المشفرة. ولكن هامش ربح المعدنين منخفض للغاية، فما بين تكاليف الكهرباء المستخدمة لعمليات التعدين، وتكاليف الأجهزة المتقدمة التي تحل الخوارزميات، لا يبقى للمعدن إلا الفتات. بالمقابل، فإن الرابح الأكبر من هذه الحمى شركات أشباه الموصلات، وشركات المعالجات الدقيقة التي تصنع «وحدات الغرافيكس»، بل حتى متداولو العملات المشفرة غالباً ما يحققون أرباحاً أكثر من المعدنين أنفسهم.

إن ما حدث في «حمى الذهب» يتكرر في العصر الحالي في العديد من القطاعات، مع التوجه الكثيف للذكاء الاصطناعي، حيث تندفع الشركات لتطوير أدوات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، بينما لا تتعرض شركات القطاعات المساندة للمنافسة ذاتها، مثل قطاعات الحوسبة السحابية وتحليل وتخزين البيانات. كذلك يتكرر الأمر ذاته في قطاع المطاعم والمقاهي، حيث تكون أغلب المنافسة في المحلات التجارية، حيث يخسر كثيرون أموالهم بسبب شراسة المنافسة، بينما تكسب الشركات المزودة للأجهزة والأنظمة المشغلة، وهي في العادة مَن يسوق لنجاح هذه القطاعات لمصلحتها في انتعاشه، وقد انتشرت مقولة أثناء «حمى الذهب» في كاليفورنيا، قد تنطبق على العصر الحالي، وهي «أثناء حمى الذهب… بِـع المعاول».

د. عبد الله الردادي

خرافة نهاية النفط وتغيير النظام

«دعونا لا نسيّس النفط!».

كم مرة سمعت هذا التحذير؟ صيغت هذه العبارة للمرة الأولى نهاية القرن الـ19، عندما بدأ النفط في الظهور بوصفه زيت التشحيم الرئيسي داخل المجتمع الصناعي الحديث. بدأت صناعة النفط بوصفها مشروعاً جديداً على يد مجموعة من رواد الأعمال من القطاع الخاص، إلا أنها سرعان ما نجحت في جذب اهتمام جميع الدول الصناعية الكبرى. وبحلول مطلع القرن العشرين، كانت غالبية هذه الدول قد أنشأت شركات نفط وطنية، أي مملوكة للدولة، ما أضفى على صناعة النفط صبغة سياسية، في الوقت الذي ظلت هذه الدول تشدد على ضرورة عدم تسييس النفط. (الولايات المتحدة الوحيدة التي لم يكن لديها، ولا تزال لا تملك، شركة نفط وطنية). ومنذ البداية، تضمن تاريخ النفط موضوعاً آخر: الخوف من نفاد النفط في العالم. على سبيل المثال، في ثلاثينات القرن الماضي، حذّر تقرير صادر عن الأميرالية البريطانية من أن النفط ربما يصبح «مورداً نادراً» في غضون عقدين.

الخوف من نفاد النفط سيطر على النظام النازي في ألمانيا. وبعد الاستيلاء على حقول النفط الرومانية، حاولت ألمانيا النازية السيطرة على حقول نفطية عبر القوقاز في عملية أدت إلى كارثة ستالينغراد للرايخ.

عام 1970، تنبأ «نادي روما»، الذي حشد «أفضل العقول» على مستوى أوروبا، بنفاد النفط من العالم بحلول عام 2000. في ذلك الوقت، بلغ الاستهلاك العالمي للنفط نحو 46 مليون برميل يومياً. عام 2023، من المتوقع أن يصل استهلاك النفط العالمي إلى 100 مليون برميل يومياً. عام 1995، أخبرني وزير النفط السعودي آنذاك، علي النعيمي، في مقابلة بيننا، أن النفط قد يفقد مكانته المهيمنة في غضون ثلاثة عقود، ليس بسبب تضاؤل الاحتياطات، وإنما جراء تطور مصادر الطاقات البديلة.

من جهته، نشر باتريك دينين من جامعة «جورج تاون» في واشنطن العاصمة كتاباً بعنوان «لماذا فشلت الليبرالية؟»، عام 2018، ادّعى خلاله أنه مع نفاد النفط في العالم، تجابه المجتمعات الليبرالية الغربية تهديداً وجودياً. من بين الأفكار المكررة والمبتذلة في هذا السياق أيضاً، أن الدولة المثالية المنتجة للنفط هي دولة تتسم بعدد سكان ضئيل واحتياطيات ضخمة من النفط.

وغنيّ عن القول إن أياً من هذه الادعاءات لم تثبت صحتها، ذلك أن النفط كان ولا يزال يتسم بطابع سياسي، أو على الأقل جيوسياسي. الحقيقة أن النفط لا ينفد من العالم، أما المصادر البديلة للطاقة فلا تزال تبدو مجرد وعود، أكثر من كونها واقعاً يمكن بناء ما وصفه دينين بـ«نظام ما بعد ليبرالي» عليه. علاوة على ذلك، فإن التوازن بين سكان الدول المنتجة للنفط وصادراتها النفطية شهد تحولاً جذرياً. على سبيل المثال، بدأت إيران تصدير النفط عام 1908، في وقت كان عدد سكانها 9 ملايين نسمة فقط. اليوم، يقدَّر عدد سكانها بـ90 مليون نسمة. وبالمثل، ضاعفت دول أخرى منتجة للنفط، مثل المكسيك وإندونيسيا وفنزويلا ونيجيريا، عدد سكانها أربع مرات. عام 2021، كانت الولايات المتحدة وروسيا أكبر منتجي النفط في العالم، ولا يمكن النظر إلى أيٍّ منهما بوصفه قزماً ديمغرافياً. في الوقت ذاته، فإن التعامل مع النفط بوصفه أداة للسياسة الدولية ظهر جلياً في عدد من المواقف. مثلاً، عام 1951، أمَّمت إيران نفطها، ورفضت تقديم تعويضات للشركة البريطانية التي كانت تستغله، ما أشعل أزمة استمرت أربع سنوات، أرَّقت عواقبها الإيرانيين طوال سبعة عقود تالية. بعد ذلك، جاءت «الصدمة النفطية» عام 1973، تلتها محاولات لتأديب نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من خلال حرمانه من النفط. مثال آخر نجده في العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ضد صناعة النفط الإيرانية، والتي شكَّلت خطوة سياسية واضحة، ونجحت في كبح جماح روح المغامرة المجنونة لدى الجمهورية الإسلامية لفترة قصيرة. وبالمثل، جاء قرار الرئيس جو بايدن بتجاهل تلك العقوبات، والسماح لإيران ببيع أكبر قدر ممكن من النفط، معظمه للصين والهند، وكذلك ما تسمى «السوق البنّية»، سياسياً هو الآخر. وسعى القرار لإحياء الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع طهران.

جاء أحدث استخدام للنفط بوصفه سلاحاً سياسياً مع الحظر الذي فرضته قوى غربية ضد روسيا. أسفر تسييس النفط، هذه المرة أيضاً، عن عواقب غير مقصودة، والتي حملت طابعاً سياسياً، فقد وجدت روسيا نفسها مضطرة إلى بيع نفطها للصين بسعر جذاب يساعد الاقتصاد الصيني على تجنب الركود الذي توقعه النقاد.

من ناحيتها، تستفيد الهند هي الأخرى من النفط الروسي الرخيص، من خلال خفض تكاليف الطاقة. في الوقت ذاته، تبيع جزءاً من النفط ذاته للأوروبيين بأسعار السوق الحقيقية. وفي مرحلة ما خلال التسعينات، في أعقاب انهيار الإمبراطورية السوفياتية، كان الحضور في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يدرسون التعامل مع النفط بوصفه «شيئاً يخص البشرية جمعاء كالهواء الذي نتنفسه».

كان ذلك كلاماً سياسياً أيضاً -لكنه فارغ من أي معنى حقيقي. تأتي المحاولة الأخيرة لاستغلال النفط، أو «نهايته الوشيكة»، لأسباب سياسية مرة أخرى من المنظّر دينين في كتاب جديد بعنوان «تغيير النظام: نحو مسار ما بعد الليبرالية».

يقوم الكتاب على افتراض ضمني مفاده أن الأنظمة الليبرالية لا يمكنها الازدهار، أو حتى البقاء، من دون نفط رخيص. تتكون النخبة القائدة الحالية داخل الديمقراطيات الغربية، بخاصة الولايات المتحدة، من أفراد متوسطي المستوى يسيطرون على الأمة، بفضل الازدهار الذي يضمنه النفط الرخيص والابتكارات التي صنعها أشخاص موهوبون يعملون بمفردهم.

وعليه، ثمة انفصال بين القلة المسيطرة على الحكومة، وبفضل قوتها، جزء كبير من الاقتصاد الوطني، وبين الكثيرين الذين يدفعون ثمن أخطاء هذه القلة.

كانت مسألة العلاقات بين القلة والكثرة من القضايا الساخنة في الفكر السياسي منذ أفلاطون الذي دافع عن نظام يحظى فيه الفلاسفة، أي القلة بحكم التعريف، بالسلطة. وصاغ المفكرون السياسيون في الإمبراطورية الرومانية حجة مماثلة لإظهار أن الأرستقراطيين يجب أن يسيطروا على العامة. في الفكر اللينيني، تعمل البروليتاريا التي يمثلها «حزب الطليعة» بوصفها القلة التي تقود الكثيرين. في الخمينية، آيديولوجية النظام الإيراني الحالي، يجري إيجاز القلة بشكل أكبر في شخص «المرشد الأعلى». وفي خطاب ألقاه حديثاً آية الله علي خامنئي، قال إن «الناس العاديين» لا يمكنهم أن يحسموا قضية مهمة. من جهته، يقترح دينين «إنشاء نخبة جديدة واعية بذاتها»، والتي يسميها «الأرستوي» لرعاية «الناس العاديين» الذين يفتقرون إلى المعرفة والخيال، ولا يريدون شيئاً سوى الاستقرار والاطمئنان إلى الاعتماد على سلطة قوية. بمعنى أننا بحاجة إلى حكومات استبدادية، قادرة على التخلص من المحن والفتن التي تحملها معها الديمقراطية، وضمان مستويات معيشية جيدة لشعوبها -بخاصة إذا نفد النفط.

أمير طاهري

سقف الدين وقوة الدولار

في السنوات الأخيرة يشهد الاقتصاد العالمي تغيرات كبيرة في ظل صعود اقتصادات الأسواق الناشئة خاصة في آسيا، وتنفيذها خطوات إنمائية ضخمة، في نفس الوقت الذي تتراجع فيه هيمنة الدول الكبرى، إذ على الرغم من أن أكثر التوقعات تشير إلى استمرار صعود اقتصادات دول مثل الصين واليابان لتعزز مكانتها ضمن أكبر الاقتصادات العالمية في السنوات القادمة، فإن الخبراء يرجحون أيضاً أن تستمر أميركا في الاحتفاظ بصدارة أكبر الاقتصادات في العالم. ووفقاً لخبراء مؤسسة «فوكس إيكونوميكس» فمن المتوقع أن تأتي الهند في المركز الخامس ضمن أكبر الاقتصادات العالمية بحلول عام 2023 بناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 4.3 تريليون دولار، متجاوزة بذلك كلا من فرنسا والمملكة المتحدة.

ومن المتوقع أن تحتفظ ألمانيا بالمركز الرابع بناتج محلي إجمالي يبلغ 4.6 تريليون دولار، إلا أن تراجع نموها السكاني -نفس الأزمة التي تعاني منها اليابان- قد يؤثر على نموها الاقتصادي، كما ستظل اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 5.7 تريليون دولار في 2023، ورغم ذلك فمن المحتمل أن تخسر الدولة الآسيوية بعضاً من نفوذها لصالح منافسيها من الدول المتقدمة والأسواق الناشئة، وأيضا أن تأتي الصين في المركز الثاني بعد أميركا، بناتج محلي إجمالي متوقع يبلغ 19.5 تريليون دولار في 2023.

وستبقى أميركا محتفظة بلقبها كأكبر اقتصاد في العالم، إذ يرجحون أن يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 24.9 تريليون دولار في 2023، ورغم ذلك سوف يتراجع نفوذ أميركا لصالح دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، إذ إن إجمالي اقتصاد دول البريكس أكبر بنسبة 10 بالمائة من اقتصاد أميركا.وفي سياق متصل، استبعدت رؤى خبراء اقتصاديين قدرة الاقتصاد العالمي على كسر هيمنة الدولار الأميركي، وتخفيف الاعتماد عليه، وسيطرته على أغلب التجارة العالمية الدولية، خصوصاً على المديين القريب والمتوسط، إذ إن الدولار فرض نفسه على الاقتصاد الدولي عبر تمويله 80 في المائة من التجارة الدولية، وتشكيله 60 في المائة من احتياطيات البنوك المركزية، وحجم الاقتصاد الأميركي الذي يتجاوز 30 في المائة من الاقتصاد العالمي، وكذلك تقويم أهم السلع والمواد الخام العالمية كالنفط والذهب بالدولار، إلا أنهم يرون أن هيمنته لن تدوم إلى الأبد، لكنها تحتاج إلى خطط طويلة المدى لكسر هيمنته، وإزاحة سيطرته على الاقتصاد العالمي.

إن تزايد المناداة بالانتقال لعملة أو عدة عملات لتحل محل الدولار يعكس عدم الارتياح العالمي للهيمنة المستمرة له، ورغبة بعض الاقتصادات في تخفيف اعتمادها على الدولار، في ظل التحولات الاقتصادية الدولية، وربما يأتي في بعض الأحيان بدوافع سياسية. وإن صعوبة ظهور بديل قريب للدولار الأميركي تكمن في استمرار القبول العام للدولار مقارنة بغيره من العملات، وهو شرط ضروري لنجاح أي عملة تنافسه، إذ إن التحديات ما زالت كبيرة أمام اليورو ليكون بديلاً له، كما أن اليوان الصيني يعاني فجوة ثقة رغم زيادة نسبته في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.

وإن استمرار البنك الفيدرالي الأميركي في استخدام سياسات نقدية متشددة ورفع سعر الفائدة، حتى وصلت إلى 5.25 في المائة، وسيطرة الدولار على أهم مفاصل التجارة العالمية، هو ما أدى إلى تفكير بعض الدول والاقتصادات العالمية في الخروج من دائرة الدولار، واستبدال عملات الاقتصاديات الكبيرة مثل الين واليوان واليورو وغيرها به.

إن صعوبة الخروج من دائرة الدولار الأميركي في المديين القريب والمتوسط، لكونه سيؤدي لتعرض استثمارات الدول الخارجية في سندات الخزينة الأميركية إلى تكبد خسائر كبيرة، قد لا تتحملها تلك الدول، لذلك من الأفضل لها أن تبقى وتحافظ على مصالحها في السوق الأميركية، إذ إنه على تلك الدول التي تنوي الخروج من دائرة الدولار التفكير في حلول منطقية ونظرة مستقبلية، ولذلك فإن أقل ما يقال عن تأثير التخلف عن السداد أنه كارثي على الاقتصاد العالمي، فالدولار هو العملة الاحتياطية الأولى في العالم، والتخلف عن السداد سيقلل من قيمته بلا أدنى شك.

وفي الختام، فإن ضبابية سياسة الدين الأميركية تجعل مستقبل اقتصاد أميركا في خطر، فحتى بعد الاتفاق على رفع سقف الدين هذه المرة، فما سيحدث في المستقبل سيكون تأثيره كبيرا على الاقتصادين الأميركي والعالمي، ويؤثر على سقف الدين في المستقبل، وأيضا قوة الدولار وموقعه في السوق الدولية، إذ سيتراجع موقع الدولار مع كل مراجعة لسقف الدين، وسيعطل تطبيق «قانون المسؤولية المالية» الذي يمدد سلطة الإقراض الحكومي، وفي النهاية الدعوة إلى خفض الإنفاق الفيدرالي غير الضروري لحفظ استقرار الاقتصاد العالمي ومكانة الدولار.

هموم الجيل «زد»

أصبح من شبه المسلّم به أن كل جيل يعيش في رفاهية أكثر من الجيل السابق له، ولذلك فإن كثيراً من الآباء يؤمنون اليوم أنهم عاشوا حياة ذات جودة أفضل من آبائهم، كما يتوقعون كذلك أن يعيش أبناؤهم حياة أفضل من حياتهم. لكن هذا الانطباع قد لا يكون صحيحاً على أي حال، فكثير من الدراسات اليوم تظهر أن الجيل «زد» – وهو الجيل الذي ولد بين عامي 1997 و2004 – قد لا يتمتع بكثير من المميزات التي امتازت بها الأجيال السابقة.

اختلاف الأجيال من الناحية الاقتصادية أمر طبيعي، ويفرض هذا الاختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية، كذلك هذه الظروف تتفاوت بحسب المناطق الجغرافية. لكن جيل «زد» له ميزة لم تمتلكها الأجيال السابقة، وهو وجود الثقافة المشتركة بين هذا الجيل حول العالم، بحكم نشأته على وسائل التواصل الاجتماعي، فمعظم هذا الجيل نشأ بعد انتشار الهواتف الذكية، وكثير منهم لا يعرفون كيفية استخدام بعض الأجهزة القديمة التي كانت تعد صيحة في التطور، مثل الفاكس وأجهزة الفيديو كاسيت!

نشأ هذا الجيل في ظل التقنية التي مكّنته من القدرة على استيعاب المعلومات، وجعلت تسخير التقنيات لحل المشكلات أشبه بالبديهيات، كما أن التقنية سهلت له تعلم تخصصات مختلفة، ونوّعت أساليب التعلم له، مقارنة بأجيال لم تجد مصدراً للتعليم إلا مقاعد الدراسة. كل هذه الظروف تقود إلى توقع واحد، هو أن المستقبل يبدو أكثر إشراقاً للجيل «زد». إلا أن نظرة هذا الجيل، وبعض التحليلات الاقتصادية، تشير إلى عكس ذلك تماماً.

ففي دراسة أجرتها شركة «ماكينزي»، أظهرت نتائجها أن نحو ربع جيل «زد» يرون أنهم قد لا يتمكنون من التقاعد على الإطلاق، وأن نسبة 41 في المائة منهم فقط يؤمنون بقدرتهم على امتلاك منزل. كما أظهرت دراسات أخرى أن هذا الجيل أقل ميلاً إلى الادخار وأكثر رغبة في الإنفاق، لأسباب، منها كثرة المغريات التي توفرها التقنيات، وسهولة وسائل الدفع. وفيما قد يلام هذا الجيل في هذه الأسباب، تظهر أسباب أخرى تدعو إلى عكس ذلك، منها أن التعليم الجامعي أكثر كلفة لهذا الجيل من سابقه، ولذلك فهو قد لا يتمكن من الادخار لدفع تكاليف التعليم. ولذلك يلاحظ أن الأجيال السابقة كانت تقترض في العادة لشراء منازل، بينما زادت القروض التعليمية في الجيل الجديد، بعد أن كانت شبه منعدمة لدى بعض الأجيال السابقة. وأظهرت بعض الدراسات نتائج أكثر تطرفاً، حيث أبدى البعض من هذا الجيل عدم رغبتهم في الادخار لمسكن، لإيمانهم التام بعد جدوى هذا الادخار لشراء مسكن.

هناك عدد من المبررات لتشاؤم الجيل «زد» تجاه المستقبل، منها أن هذا الجيل نشأ على الأزمة المالية في عام 2007، ورأى تأثيرها على أسرته وكيف خسر كثير من الموظفين وظائفهم بسببها، لذلك فهو لا يأمن بالوظائف التقليدية لتأمين مستقبله، ويرى أن خسارة الوظيفة أمر وارد. كما أن هذا الجيل عاصر الجائحة بكل ما فيها من تفاصيل، سواء كان على مقاعد الدراسة، أو في بداية مسيرته المهنية، هذه التجربة جعلته أقل اقتناعاً بالتعليم لما رآه من تساهل في التعليم عن بعد، خلال فترة الجائحة، إضافة إلى تأثره الواضح بنصائح المشاهير من غير المختصين بعدم جدوى التعليم العالي. كما أنه اكتسب ثقافة وقيم للعمل مختلفة عما سواه من الأجيال بسبب ما عاصره من أزمات، ورأى كيف خسر كثير من الناس تجارتهم ووظائفهم لأسباب خارجة عن إرادتهم بشكل كلي، ولا يلامون عليها بتاتاً.في نفس الوقت، يرى بعض أبناء الجيل «زد» أن الأجيال السابقة حمّلت الاقتصادات الحالية ديوناً عالية، سبّبتها زيادة الإنفاق الحكومي في السابق، لأسباب، منها ما يراه منطقياً، ومنها ما يراه عكس ذلك. هذه النظرة تسببت في تغيير مثير للاهتمام في بعض الدول، فبعد أن كان التصويت في الانتخابات عادة ما يكون بين قطبين مثل «الأغنياء والفقراء» أو «المحافظين والعمال» أو «الجمهوريين والديموقراطيين»، أصبحت الآن أطراف التصويت بين الكبار والصغار، وهو نتيجة لنظرة الجيل الجديد أن التوجه الحالي قد لا يخدمهم في المستقبل بأي حال.

وقد يكون الجيل «زد» هو أول جيل، منذ 100 سنة على الأقل، يعيش حياة أقل رفاهية من الجيل السابق له، وهو في الوقت الحالي يمتلك أصولاً أقل من سابقه، ويعود ذلك إلى أسباب اقتصادية هيكلية، حوّلت العقار من سلع إلى استثمار، وتسببت في تضخم أسعاره. كما أن التعليم أصبح امتيازاً لا يمكن للجميع الحصول عليه، بعد أن كان أقرب للبديهي للجيل السابق له، ولذلك فالجيل «زد» قد يمتلك شهادات أقل من سابقه، وهو بذلك قد لا يتمكن من الحصول على وظائف ذات دخل عالٍ، ما قد يقلل من دخله. وفي زمن يراهن الجميع فيه على الشباب، وبعيداً عن التقارير المكتوبة والمؤتمرات المكتظة، هل سيجد العالم حلاً للهموم الاقتصادية للجيل «زد»؟

أميركا: أزمة ديون وحرب أهلية

تبدو أزمة الديون الأميركية التي تلوح في الأفق في جوهرها أزمة سياسية، خاصة أن وزارة الخزانة باستطاعتها اقتراض كل ما تحتاجه إذا تصرفت الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب على نحو مسؤول، ورفعت سقف الديون.

ومع ذلك، جرى ببساطة قبول الفكرة القائلة بأنه إذا أخفق مجلس النواب في التوصل إلى اتفاق، فإن الولايات المتحدة تواجه احتمال التخلف عن سداد ديونها، الأمر الذي يعود لأسباب منها أن حديث وزيرة الخزانة جانيت يلين، كان مبهماً بخصوص ما إذا كان سيجري الإبقاء على مدفوعات الفائدة.

في الواقع، إذا كانت الحكومة تعاني من نقص في السيولة النقدية، يتعين على وزارة الخزانة إدارة هذا النقص عبر إعطاء الأولوية لمدفوعات الفوائد، وتقليص تمويل بنود الموازنة العادية، مثل المتنزهات الوطنية والمؤسسة العسكرية والتعليم. ومع أن هذه الإجراءات ستكون مؤلمة، بل وربما خارج نطاق القانون، فإنها تبقى أفضل الخيارات الرديئة المتاحة. المؤكد أن الدول المسؤولة تحترم مسؤولياتها تجاه سداد ديونها.

علاوة على ذلك، ثمة سابقة تاريخية في هذا الصدد، فقد واجه الكونغرس أثناء فترة الحرب الأهلية خياراً مشابهاً. حينذاك، أدرك الرئيس أبراهام لينكولن والجمهوريون داخل الكونغرس أن الحفاظ على الائتمان الأميركي يمثل المفتاح لتمويل الحرب الأهلية. وعليه، فإنه الضامن لاستمرار قوة الحكومة، بل ووجودها. واليوم، ينبغي للرئيس بايدن والوزيرة يلين الاحتذاء بحذوهم.

بطبيعة الحال، طرأت الكثير من التغييرات منذ عهد لينكولن. والأهم من ذلك، واجهت الولايات المتحدة، أوائل عام 1862، أزمة مالية حقيقية، فعندما أصبح واضحاً أن الحرب ستكون أطول (وأكثر دموية) مما كان متوقعاً، تصاعدت تكلفتها بسرعة إلى مليون دولار، ثم مليوني دولار يومياً ـ مستوى من شأنه استنزاف قاعدة الإيرادات السنوية الحكومية في غضون شهر واحد فقط.

بدا الحل الوحيد الواضح حينها الاقتراض، إلا أن الائتمان الأميركي لم يكن يحظى بتقدير كبير. وافقت الولايات المتحدة مؤخراً على فائدة بنسبة 12 في المائة (معدل مرتفع يعكس عدم ثقة المستثمرين) ـ وحتى بهذا المعدل، ظلت عروض القروض نادرة. عام 1861، من جهته، أرسل وزير الخزانة في إدارة لينكولن، سالمون بي. تشيس، مبعوثاً إلى إنجلترا وأوروبا لتحديد الفائدة على القروض، لكن جاءت الاستجابة سيئة.

على سبيل المثال، ذكرت مجلة «الإيكونوميست» بنبرة متعجرفة: «إنه أمر غير وارد على الإطلاق، من وجهة نظرنا، أن يتمكن الأميركيون، سواء في الداخل أو في أوروبا، من الحصول على أي شيء قريب من المبالغ الباهظة التي يطلبونها، لأن أوروبا لن تقرضهم…».

على النقيض من الحال اليوم، عندما يجري التعامل مع الدولار كعملة احتياطية، لم يكن باستطاعة الولايات المتحدة ببساطة طباعة الورق، وتوقع أن يقبله العالم.

إلا أنه في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، عندما نفد الذهب من البنوك الأميركية لإقراض الخزانة (التي كانت تدعم الحرب خلال أشهرها الأولى)، اقترح الكونغرس القيام بذلك تماماً: طباعة ورق العملة. ومع عدم امتلاك البنوك الخاصة أو الحكومية ما يكفي من الذهب لتمويل الحرب، اقترح الكونغرس وسيلة ثورية: طباعة النقود الورقية، بدعم فقط من الثقة الكاملة في الحكومة الأميركية، وليس الذهب. وبذلك، سيصبح المال بضمان حكومي، وهو المعيار اليوم، لكنه كان أمراً جديداً عام 1862.

بدت فكرة معيار النقود الورقية صادمة للكثيرين، بما فيهم الكثير من الجمهوريين داخل الكونغرس. ومثلما قال أحدهم، فإنه لا يمكن أن يصبح الورق نقوداً، تماماً مثلما أن عقداً لتوصيل الدقيق لا يمكن أن يجري العامل معه باعتباره دقيقاً في حد ذاته. إنه مجرد وعد بتقديم الشيء الحقيقي.

ومع ذلك، طغت حالة الطوارئ على هذه الشكوك الفلسفية، ذلك أن المال كان ينفد من الخزانة. ومع ذلك، أقر الكونغرس بأن معظم نفقات الحرب يجب أن تأتي من طريق الاقتراض. لو كانت الدولة أقدمت ببساطة على طباعة النقود لتغطية الميزانية بأكملها، لكانت قد خاطرت بخلق تضخم كارثي. ولذلك، حرص الكونغرس على قصر إصدار سندات العملة القانونية على 150 مليون دولار (لاحقاً سيجيز نوبتي إصدار أخريين) ورغم ذلك، بقيت هناك معضلة: كيف تطبع العملة القانونية وتحافظ على الائتمان الهش للأمة؟ من جهته، أعرب ويليام بيت فيسيندين، جمهوري من ماين ورئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ، عن صدمته بفكرة النقود الورقية (وقال إنها أرقته ليلاً ونهاراً)، وعبّر عن قلقه البالغ بخصوص تداعياتها على قدرة البلاد على الاقتراض، خاصة من الخارج. وعليه، اقترح فيسيندين تعديلاً جوهرياً. في مشروع القانون الأصلي، فإن العملة القانونية تكون متاحة «لسداد جميع الديون». جرى التعديل لتصبح الديون الحكومية وحدها ما يمكن سداده بالذهب.

أثار الاستثناء عاصفة من الاعتراضات. على سبيل المثال، اعترض ثاديوس ستيفينز، رئيس اللجنة المعنية بالضرائب داخل مجلس النواب، بأن التعديل سيخلق فئتين من المواطنين هما: المستثمرون (الذين سيحصلون على الذهب) والجنود والعاملون الآخرون لدى الحكومة، الذين سيحصلون على ورق. وأضاف: «هذا الأمر يخلق فئتين من العملة، واحدة للمصرفين والوسطاء، وأخرى للناس».

ومع ذلك، ظلت الحقيقة أن وزارة الخزانة بحاجة للمال. وبالفعل، جرى تمرير مشروع القانون الخاص بالعملة القانونية ووقع لينكولن عليه ـ بعد التعديل ـ وتراجعت الأزمة المالية التي كانت تواجهها الحكومة، على الأقل على نحو موقت.

وأثبتت الأيام أن التعديل الذي اقترحه فيسيندين لعب دوراً محورياً في الفوز بالحرب، فرغم أن التضخم في العملة الأميركية بلغ مستويات خطيرة قاربت 80 في المائة، لم تواجه واشنطن صعوبة تذكر في الاقتراض، لأن حاملي السندات (منهم الكثيرون كانوا من الخارج) علموا أن مدفوعات الفائدة ستكون محددة.

بحلول نهاية الحرب، قفز الدين العام إلى 2.68 مليار دولار، ما يزيد بمقدار 41 ضعفا على ما كان عليه عند بداية انفصال الجنوب. ورغم ذلك، خرجت الولايات المتحدة من الحرب وقد تحسن مستوى الائتمان لديها، وتمكنت من اقتراض المزيد بفائدة منخفضة.

اليوم، في وقت أصبحت السوق المالية أكبر بكثير وأكثر أهمية للاقتصاد العالمي، فإن الحفاظ على الائتمان الأميركي يكتسب أهمية أكبر. ونأمل أن يجري رفع سقف الدين، وتجنب هذه الأزمة.

روجر لوينستاين

مليونيران: الادخار لن يجعلك ثرياً لكن هناك طريقة أفضل

إذا كان معنى الثراء امتلاك الكثير من المال، فيجب أن يساعدك الادخار منطقيًا في الوصول إلى تلك الثروة، لكن المليونيرين العصاميين باربرا كوركوران وغرانت كاردون يختلفان مع هذا الرأي.

قالت كوركوران رائد الأعمال العقاري ونجم برنامج Shark Tank لـ CNBC: “أنا لست مؤمنًا بادخار المال، لم أدخر سنتًا واحدًا طوال حياتي”.

يوافقها كاردون الرئيس التنفيذي لشركة Cardone Capital ومؤلف كتاب The 10X Rule، وقال في تغريدة حديثة: “الادخار لن يجلب لك الثروة”.

إذن كيف تبني ثروة؟ يقول كوركوران وكاردون إن الإنفاق والاستثمار هما السبيل لذلك.

التدفق النقدي هو الملك

يمكنك التفكير في ادخار المال حتى تحتاجه، لكن كوركوران وكاردوني يقولان إنه يجب عليك الحفاظ على تدفق أموالك إذا كنت ترغب في بناء ثروة حقيقية.

قال كاردون لمتابعيه في مقطع فيديو نُشر على Twitter: “الثروة الحقيقية تأتي من خلال الاستثمار. استثمر في الأشياء التي تخلق التدفق النقدي.”

يمكن أن يكون الاستثمار مخيفًا بسبب احتمال خسارة المال، لكن كاردون يقول إن الخوف قد يعيقك عن زيادة صافي ثروتك. بدلاً من ادخار أموالك والخوف من إنفاقها، يقول إنه يجب عليك استثمارها في الأصول التي ستدر لك المزيد من الدخل.

المقولة الشهيرة التي تقول إن الاحتفاظ بنقد شيئاً أساسياً، قال كاردون في عام 2018 إن التدفق النقدي هو الأهم، مشيراً إلى أن الاستثمار في نفسك أو في عملك لتنمية دخلك هي طرق رائعة للبدء، كما يوصي بالاستثمار في الأصول مثل العقارات التي تنتج تدفقات نقدية.

وبالمثل، تقول كوركوران إن إنفاق أموالها على الأشياء الصحيحة – مثل الاستثمارات في الشركات الناشئة وشركتها العقارية – جعلها أكثر ثراءً وسعادة.

وأوضحت كوركوران: “المال يجني المال، إذا كنت على استعداد لمشاركته وإنفاقه، فهذا مفيد حقًا أو على الأقل نجح معي بالتأكيد”. “أعتقد حقًا أنك إذا أنفقت المال فسوف يعود إليك.”

لا تدع الخوف يعيقك

لم يصل كوركوران ولا كاردون إلى ما وصلا إليه اليوم بالخوف من أسوأ النتائج الممكنة. في الواقع، تقول كوركوران إنها كانت على وشك الإفلاس “للمرة الخامسة” قبل أن تفكر في فكرة جنت منها مليون دولار في يوم واحد.

تنسب ثقتها إلى والدتها التي قالت لها ألا تقلق بشأن المال.

على العكس، قال كاردون إن والديه كانا خائفين من الاستثمار لأنهما كانا خائفين من خسارة المال.

وأوضح: “لم يستغلوا الأموال في الاستثمار لأنهم كانوا خائفين من خسارة أموالهم”.

إحدى الطرق الذكية والشائعة للبدء هي الاستثمار في صناديق المؤشرات منخفضة التكلفة. تتبع أدوات الاستثمار هذه مؤشرًا معياريًا مثل S&P 500 أو Vanguard 500، إنها طريقة رخيصة وفعالة للحصول على محفظة متنوعة دون مخاطرة مثل انتقاء الأسهم الفردية.

عن الاقتصاد السياسي لاستقلال البنوك المركزية

لبعض الألفاظ وقع جميل لارتباطها بقيمة من القيم أو بأحداث تاريخية معينة ولكن عند استخدامها كمصطلح قد تُحمّل هذه الألفاظ بأكثر مما تحتمل، وقد يترتب على استخدامها بإفراط خلط في المفاهيم وتضارب عند التطبيق. ومن هذه الألفاظ ما تجده دارجاً عن استقلال البنوك المركزية، بافتراض قد يكون فضفاضاً بأنه مفهوم شارح لنفسه، وينطوي ضمنياً على حرية البنك المركزي في تحديد أهدافه واستخدام ما يراه مناسباً من أدوات لتحقيق هذه الأهداف، بعيداً عن التدخل السياسي المباشر من قِبل الحكومة.

وتنبغي الإشارة إلى ما لموضوع الاستقلال والعلاقة بين البنوك المركزية والسلطات التنفيذية من تاريخ طويل، حيث شهدت العلاقة خلال القرنين الماضيين تراوحاً بين التدخل السافر من قِبل الحكومات في أعمال البنوك المركزية، وإطلاق الحرية لها. ففي القرن التاسع عشر، حيث سادت أفكار الحرية الاقتصادية واستقرت الأسعار وكانت قاعدة الذهب هي القاعدة المحتكم إليها، تجلى استقلال البنوك المركزية، ولكن تلاحق الأزمات الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى استدعى تدخل الحكومات في أنشطة البنوك المركزية، ثم ما لبثت أن استرجعت البنوك المركزية قدراً من استقلالها مرة أخرى بعد استقرار الأوضاع الاقتصادية. ولكن ما أعقب الحرب العالمية الثانية من ترويج لوجهات النظر المحبذة للتوسع في تدخل الدولة نال ذلك، فيما ناله، من استقلال البنوك المركزية، ثم شهد العالم تحولاً بدأ في السبعينات تجاه قوى السوق وتقييداً لسلطة الحكومة في تمويل نفقاتها بالتوسع في عجز الموازنة العامة للدولة، وتعالت معها نداءات داعية إلى جعل البنك المركزي مستقلاً في اتخاذ قراره بعيداً عن تدخل الحكومة؛ حتى لا ينفلت العجز بتمويل تضخمي.

وتنحصر وظائف البنك المركزي التقليدية في مجموعتين: الأولى تتعلق بإدارة السياسات النقدية بهدف تحقيق الاستقرار النقدي والسيطرة على معدلات التضخم، والأخرى تتعلق بالرقابة والإشراف على البنوك بهدف تحقيق الاستقرار المصرفي. ومن البنوك المركزية ما يُكلف أيضاً أهداف التشغيل ودفع النمو الاقتصادي. وتذهب فرضية استقلال البنوك المركزية إلى أنه يمكّنها من أداء هذه الوظائف بشكل أكثر كفاءة، فتتحسن إدارة السياسة النقدية فيما يتعلق بالسيطرة على تضخم الأسعار. كما أن من شأن استقلال البنك المركزي أن يدعم قدراته الإشرافية والرقابية على الوحدات المصرفية.

وتكاد لا تجد خلافاً يذكر حول ضرورة استقلال البنك المركزي لضمان تحقيق الرقابة المالية الحصيفة على البنوك؛ وإن توسعت الوظائف الرقابية لبنوك مركزية بعد الأزمة المالية العالمية لتمنحها مسؤولية الاستقرار المالي بشكل عام، ولكن الخلاف يتجلى في الأمور المتعلقة بالسياسات النقدية، وإذا ما كان من الواجب أن تترك إدارة السياسة النقدية للبنك المركزي وحده.

والمدافعون عن استقلال البنك المركزي يستشهدون بأوضاع الدول التي تتمتع فيها البنوك المركزية بصلاحية تمنحها الحرية في استخدام الأدوات النقدية، مثل سعر الخصم ومعدل الاحتياطي القانوني والتحكم في المعروض النقدي وغيرها، وما ارتبط بذلك من نجاح كبير في تحقيق انخفاض مستمر في معدلات التضخم على النحو الذي قام به البنك المركزي الألماني، قبل الوحدة النقدية الأوروبية، وبنك نيوزيلندا المركزي والبنك المركزي الأسترالي. بل وذهب بعض المتحمسين لاستقلال البنك المركزي إلى تركيب رقم قياسي يعتمد على مجموعة من الشواهد والأدلة على الاستقلال، مثل الصلاحيات القانونية الممنوحة للبنك المركزي في تحديد أهدافه واستخدام أدواته، وطبيعة ملكية البنك المركزي وحوكمته وسلطة تعيين محافظه وأعضاء مجلس إدارته والشروط الواجب توافرها فيهم وفترات المجلس، والجهة التي يُسأل أمامها البنك المركزي ويقدم لها تقاريره.

ولكن هل يؤدي استقلال البنوك المركزية، خاصة في البلدان النامية، إلى تحسن في أداء السياسة النقدية؟ ويستلزم الرد على هذا التساؤل تناول الإجابة عن ثلاثة محاور:

المحور الأول يرتبط بهدف الاستقلال، فإذا كان هدف الاستقلال هو تخفيض معدلات التضخم، وأن مجرد الاستقلال القانوني للبنك المركزي سوف يؤدي تلقائياً إلى تحقيق هذا الهدف؛ فإن هذا يعدّ اختزالاً للحقائق وقفزاً لنتائج غير مساندة ببراهين ثابتة، فللتضخم في الدولة نامية أسباب تتعدى كونه ظاهرة نقدية يمكن القضاء عليها بالتحكم في عرض النقود والطلب عليها، وبإطلاق الحرية للبنك المركزي في تحقيق التحكم المنشود، فهناك عوامل هيكلية تدفع بمعدلات التضخم إلى الارتفاع بشكل لن يجدي مجرد التحكم في عرض النقود معها نفعاً، بما يحتم ضرورة التنسيق والتعاون بين الحكومة والبنك المركزي في تحديد أهداف السياسة النقدية والتنسيق بينها وبين السياسة المالية العامة مع ترك الحرية كاملة للبنك المركزي في تحديد الأدوات المناسبة لتحقيق أهداف السياسة النقدية.

أما المحور الثاني فيتعلق باعتبار الاستقلال هدفاً أم وسيلة، فالمتابع لبعض الكتابات في هذا الموضوع يرى آراء تكاد تصل إلى أن الاستقلال هدف في حد ذاته، وكأن البنك المركزي يرزح تحت نير استعمار حكومي غاشم ينبغي القضاء عليه وعلى أعوانه دون تبيان للأسباب. فالاستقلال في المقام الأول ما هو إلا حماية للبنك المركزي من التدخل السياسي في قرارات فنية بطبيعتها، وعدم تغليب الأهداف السياسية قصيرة الأجل على السعي إلى تحقيق الاستقرار النقدي والاستقرار المالي كهدفين رئيسيين له؛ فضلاً عن عدم منح الحكومة رخصة للاقتراض التلقائي منه دون ضوابط بما يضع قيداً على التوسع التضخمي في عجز الموازنة العامة للدولة. فاستقلال البنك المركزي ما هو إلا وسيلة من الوسائل المطلوبة لتدعيم مصداقيته التي من شأنها أن تعينه في تحقيق أهدافه.

أما المحور الثالث فمعني بالإجابة على سؤال يتعلق بحيثيات استقلال البنك المركزي ومدى مصداقيته في تحقيق هدف استقرار الأسعار؟ وهو سؤال تُحدد الإجابة عنه الممارسة والتطبيق الفعلي للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها البنك المركزي. وإن كانت من البديهيات أن نؤكد أن من أهمها توفر الكوادر المؤهلة بما يتناسب وطبيعة العمل الحيوي والدقيق الذي تقوم به. علماً بأن هذه الكوادر يتطلب تكوينها زمناً طويلاً ومجهوداً فائقاً وتكلفة باهظة، وإن فُقدت يصعب تعويضها.

ومن الناحية العملية، اعتادت البنوك المركزية على استخدام نماذج للتقدير والتنبؤ أفرط في الاعتماد عليها دون تطوير. كما تعرضت السلطات النقدية في بلدان متقدمة لمشكلات حادة في قدرتها على توجيه سياساتها بين البدائل المتاحة بما عرّض مصداقيتها مؤخراً لحرج بالغ فيما يتعلق بكون التضخم ظاهرة مؤقتة عارضة أم أنها مستمرة لفترة تستدعي تدخلاً حاسماً ومبكراً لاحتوائه. وهو ما لم يتم في حينه، خاصة بعد ضح تمويل ضخم ورخيص للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي صاحبت جائحة كورونا. وقد ذكر في مبررات منح الاستقلال للبنوك المركزية بأن يكون بديلاً عما تتعرض له الحكومات من ضغوط قد تستجيب لها فتتوسع في الإصدار النقدي بزيادة العجز. ولكن ما تعرضت له الاقتصادات من أزمات جعل البنوك المركزية تخوض في أدوار مباشرة بدعوى مكافحة الأزمات بما يتجاوز دورها «كملجأ أخير»، فصارت «مانحاً أول» لائتمان مباشر ميسَّر وغير ميسَّر، وتنخرط في استجلاب السيولة من النقد الأجنبي بأدوات قصيرة الأجل، وأوعية اقتراض ممتدة الآجال.

وفي كتاب مهم صدر منذ أسابيع للاقتصادي ستيفن كينغ بعنوان «نريد التحدث عن التضخم!» يستعرض مخاوف توسع نطاق عمل البنوك المركزية التي تجاوزت الدورين التقليديين للاستقرار النقدي وسلامة الجهاز المصرفي إلى الاستقرار المالي بشكل عام والتشغيل الكامل لقوة العمل والتمويل الأخضر، فضلاً عن، في حالة البنك المركزي الأوروبي، حماية اليورو كمشروع سياسي وليس اقتصادياً فقط. وهي كما يذكر الكاتب أهداف مهمة، ولكن لا توجد ضمانة لتحقيق هذه الأهداف جميعاً في وقت واحد من جهة واحدة.

وباعتبار ما جرى عملياً من توسع في نطاق نشاط البنوك المركزية ليتداخل مع أعمال الحكومات المركزية، أيضاً، أليس في هذا ما يدعو إلى مراجعة قواعد حوكمة البنوك المركزية فهي لم تعد مستقلة بحسبان ما تقوم به من مكافحة للتضخم وهو أمر كان في حد ذاته محلاً لتساؤل في سفر ضخم لنائب محافظ بنك إنجلترا الأسبق، بول تكر، عن حدود وممارسات سلطة غير منتخبة بصلاحيات ممتدة. ونتساءل مثلاً هل كان تدخل البنوك المركزية الرئيسية في الأزمة المالية العالمية للصالح العام وعموم الناس أم أنها انحازت، وفقاً لأحكام قيمية ارتأتها، لاستنقاذ البنوك من عثراتها وفقاً لمقولة ماريو دراجي الشهيرة أثناء توليه مهام البنك المركزي الأوروبي للتصدي للأزمة المالية «مهما أخذت أو كلفت»، ومن الثابت أنها أخذت فعلاً ما تجاوز ما كان مقدراً.

ويثير الاقتصادي راجو راجان، محافظ البنك المركزي الهندي، مسألة أخرى حول السياسة النقدية الأمريكية التي حبذت انخفاض أسعار الفائدة لفترة طويلة، ثم تخلت عنها فجأة بعد فترة من سخاء التيسير النقدي، بما أدى إلى فشل أربعة بنوك مؤخراً في وقت متزامن بسبب استثماراتها طويلة الأجل في أوعية منخفضة العائد بتمويل من ودائع قصيرة الأجل أغلبها غير مؤمّن عليها. وفي هذا يلوم راجان ما أطلق عليهم «الانفصاليون» في البنوك المركزية بمعنى هؤلاء الذين يفصلون بين توجه وآثار السياسات النقدية، سواء في مرحلة التيسير النقدي لدفع النمو، أو تقييد عرض النقود والائتمان في حالة مكافحة التضخم عن تداعياتها على وظيفة الرقابة المالية وتقلب الحال بين بسط للبنوك المركزية أيديها ثم «إغلال» مقيد لها، بما سببه ذلك من اضطرابات واسعة تجاوز أسواق النقد والمال إلى أوضاع الاقتصاد وأحوال عموم الناس.

يجدد هذا كله الدعوة إلى مراجعة قواعد الحوكمة والصلاحيات الممنوحة للبنوك المركزية – كسلطات مستقلة غير منتخبة – وحاجتها إلى ضوابط، منها ما جاء في اقتراح بول تكر لتفعيل حصيف لمبادئ التفويض. ومن هذه المبادئ التوافق على مجال التفويض المحدد، والالتزام بتحقيق الأهداف من التفويض ومصداقيته. ووضع فريق من المفوضين الخبراء الأكْفاء لمتابعة قيام البنوك المركزية بواجباتها وفقاً للسلطات الممنوحة لها، والاستقلال العملي والمؤسسي اللذين تتمتع بهما. على ألا تقوم البنوك المركزية بإجراءات من شأنها تجاوز مهامها المحددة، خاصة فيما يتعلق بمجالات يجب أن تكون محل اختيارات عامة، كتلك التي يترتب عليها التزامات تخل عمداً بتوزيع الدخول والثروات والحقوق، أو تؤثر في موازين القوى السياسية في المجتمع.

د. محمود محيي الدين

“اقتصاد السوق”..ما هو وكيف يعمل؟

اقتصاد السوق هو أحد الأنظمة الاقتصادية التي يتم فيها استرشاد القرارات الاقتصادية وتسعير السلع والخدمات من خلال تفاعلات المواطنين الأفراد والشركات.

قد يكون هناك بعض التدخل الحكومي أو التخطيط المركزي داخل هذا النظام الاقتصادي، ولكن عادة ما يشير هذا المصطلح إلى اقتصاد موجه بشكل أكبر نحو السوق.

الأساس النظري لاقتصاديات السوق تم تطويره من قبل الاقتصاديين الكلاسيكيين، مثل آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وجان بابتيست ساي.

ويعتقد المؤيدون عن السوق الحرة الكلاسيكية أن “اليد الخفية” لدافع الربح وحوافز السوق تقوم بتوجيه القرارات الاقتصادية عمومًا إلى مسارات أكثر إنتاجية وكفاءة تفوق التخطيط الحكومي للاقتصاد.

كما يرون أن التدخل الحكومي غالبًا ما يؤدي إلى عدم الكفاءة الاقتصادية التي تجعل الناس أسوأ حالاً

نظرية السوق

تعمل اقتصادات السوق باستخدام قوى العرض والطلب لتحديد الأسعار والكميات المناسبة لمعظم السلع والخدمات في الاقتصاد.

ويحشد رواد الأعمال عوامل الإنتاج (المساحة والعمالة ورأس المال) ثم الجمع بينها بالتعاون مع العمال والداعمين الماليين (الممولين والمستثمرين) لإنتاج سلع وخدمات للمستهلكين أو الشركات الأخرى لشرائها.

ويتفق كل من المشتريين والبائعين على شروط هذه المعاملات طواعية بناءً على تفضيلات المستهلكين للسلع المختلفة والإيرادات التي تريد الشركات جنيها من استثماراتها.

كما يتم تخصيص الموارد من قبل رواد الأعمال عبر مختلف الأعمال وعمليات الإنتاج من خلال الأرباح التي يأملون في تحقيقها عن طريق إنتاج المخرجات التي سيقدرها عملاؤهم بما يتجاوز ما دفعه رواد الأعمال مقابل المدخلات.

ويُكافأ رواد الأعمال الذين ينجحون في ذلك بأرباح يمكنهم إعادة استثمارها في أعمالهم المستقبلية، أما أولئك الذين يفشلون في تحقيق ذلك، فهم إما أن يتعلموا تحسين الأمور مع الوقت أو يتوقفون عن العمل.

كيف يعمل اقتصاد السوق حالياً؟

تعد معظم الدول المتقدمة بمثابة اقتصادات مختلطة تقنيًا لأنها تمزج بين الأسواق الحرة وبعض التدخلات الحكومية.

ومع ذلك غالبًا ما يقال أن لديهم اقتصادات السوق لأنها تسمح لقوى السوق بقيادة الغالبية العظمى من الأنشطة، وعادة ما يشارك التدخل الحكومي فقط بالقدر المطلوب لتوفير الاستقرار.

وقد تستمر اقتصادات السوق في العمل بكفاءة في وجود بعض التدخلات الحكومية، مثل تثبيت الأسعار، والترخيص، والحصص، والإعانات الصناعية.

وتتميز اقتصادات السوق باللامركزية في اتخاذ القرارات الاقتصادية من قبل المشترين والبائعين الذين يتعاملون مع الأعمال اليومية.

على وجه الخصوص، يمكن تمييز اقتصادات السوق من خلال وجود بعض الرقابة على الشركات، والتي تسمح بنقل وإعادة تنظيم وسائل الإنتاج الاقتصادية بين رواد الأعمال.

وعلى الرغم من أن اقتصاد السوق هو النظام المفضل، إلا أن هناك جدلاً كبيراً بشأن مقدار التدخل الحكومي الذي يعتبر الأمثل للأنشطة الاقتصادية الفعالة.

ويعتقد الاقتصاديون في الغالب أن الاقتصادات الأكثر توجهاً نحو السوق ستكون ناجحة إلى حد ما في توليد الثروة، وتحقيق النمو الاقتصادي، ورفع مستويات المعيشة، ولكنها غالبًا ما تختلف في الأدوار المحددة للتدخل الحكومي التي يجب بالضرورة توفيرها ضمن الإطار القانوني والمؤسسي الذي قد تحتاجه الأسواق لكي تعمل بشكل جيد.

حول العلاقة بين الثقافة والاقتصاد

حين تنظر في الخريطة الاقتصادية للعالم العربي، ربما يلفت انتباهك الانحسار المتواصل للاقتصادات القديمة، والتوسع المتسارع لأنماط الاقتصاد الحديث. بعض هذه الأنماط يملك مقومات ذاتية أو موضوعية تسمح له بالتجذر في البيئة المحلية، وبعضها الآخر مجرد نسخ سطحي من أسواق العالم.

لو تأملنا حال أي مجتمع عربي في بداية القرن العشرين، من 1901 إلى 1920 مثلاً (هذا اختيار عرضي لمجرد المقارنة)، وتساءلنا عن مصادر الإنتاج الأكثر تأثيراً، ونمط المعيشة الذي يتبعه غالبية الناس، وبموازاة هذين، نظرنا في طبيعة الثقافة السائدة يومذاك. ثم وضعنا هذه المعلومات على طاولة المقارنة، مع نظيرتها في الفترة نفسها من القرن الجديد، أي الفترة من 2001 إلى 2020.

فما الصورة التي نتوقع أن تولد من تلك المقارنات؟ وفي الأساس، لماذا نحتاج هذه المقارنة وماذا نستفيد منها؟

أنا لست خبيراً في الاقتصاد، ولذا لا أطالع الموضوع من زاوية اقتصادية بحتة. لكني أعلم أن الاقتصاد ليس عالماً مستقلاً بذاته، بل هو جزء من المنظومة الحياتية الشاملة التي نسميها «النظام الاجتماعي»، الذي يلتزم بمقولاته وحدوده غالبية أعضاء المجتمع. من هنا، فإن السؤال عن مصادر الإنتاج وأنماط المعيشة، يشكل مدخلاً لفهم الثقافة السائدة وكيفية تفاعلها مع الحياة اليومية للأفراد، وكيف يعاد إنتاج تلك الثقافة أو بدائلها، بتأثير التحولات التي يمر بها المجتمع في جانبه الاقتصادي أو السياسي. أما مقارنة نظام الحياة بين زمن وآخر، فهي تساعدنا على فهم التحولات التي جرت في هذا المجتمع، والعوامل التي حركتها أو تلك التي تسهم في استمرارها وتحدد اتجاهاتها.

بديهي أن حديثنا يتناول الثقافة بالمعنى السوسيولوجي، أي بوصفها الخلفية الذهنية التي توجه 90 في المائة من السلوك اليومي للفرد، وهي بالتالي جزء مما نسميه العقل الجمعي. الثقافة العامة لأي مجتمع هي التي تحدد المقبول والمرفوض من أنماط العيش، ما يستحق التقدير وما يستوجب اللوم، وبالتالي فهي مؤثرة جداً في تحديد نوعية الحياة والإنتاج، أي الحياة الاقتصادية لهذا المجتمع أو ذاك. وعلى الجانب الآخر، فإن هذه الثقافة لا تبقى على حال واحدة، فهي أيضاً تتحول باستمرار، ولكن ببطء. وحين تتحول، سنرى انعكاس هذا التحول على شخصيات الأفراد وعلاقتهم ببعضهم، وعلى نوعية الأعمال التي يميلون إليها أو ينفرون منها.

لقد أثرت حتى الآن قضايا كثيرة، لا يتسع المجال لشرح أي منها، وهذا عيب معروف في تناول القضايا العامة. لكن يهمني الإشارة إلى أننا بحاجة فعلاً إلى دراسة الأنماط الاقتصادية المستمرة منذ القدم، في مقابل الأنماط التي كانت ثمرة للانفتاح على أسواق العالم. وفدت بعد اتصاله بالعالم أو تغير ظروفه الاقتصادية والسياسية.

دراسة هذه الأنماط مفيدة جداً في تحديد ما هو راسخ الجذور، ثم تطويره إن كان قابلاً للتطوير، بحيث يتحول إلى مصدر إنتاج رئيسي قابل للتطور المستمر اعتماداً على تفاعلات محلية.

يمكن أن نضرب مثالاً على هذا بالسياحة (بمختلف أغراضها) والزراعة والتعدين، إضافة إلى الصناعات التي كانت في الماضي متميزة.

الذي أرى أن كثيراً من المجتمعات العربية يميل إلى التفريط في هذه الموارد، ثم يعيد استيراد وسائل إنتاجها أو منتجاتها من السوق الدولية. نحن الآن نستورد مفاهيم صناعة السياحة والفنادق، كما نستورد أساليب الزراعة وعناصر إنتاجها، وأمثال ذلك من البدائل الحديثة لقطاعات الإنتاج القديم، البدائل التي تطورت في مجتمعات مختلفة، وكان الأمثل تطويرها كجزء من نظام الحياة في مجتمعاتنا.

هل أدى هذا السلوك المزدوج إلى إضعاف روحية الإنتاج في ثقافتنا العامة (العقل الجمعي)؟ هل عزز ميلنا للاستهلاك والتفاخر بالاستهلاك؟ أم ساعدنا في التحرر من عقلية قديمة؟

 

توفيق السيف

هل «أوبك بلس» على حق؟

هل «أوبك بلس» على حق عندما فكرت في خفض الإنتاج لمدة عام كامل ثم زادته بعض الدول في التحالف بصورة طوعية؟ هذا السؤال من الأسئلة الصعبة إجابتها، لأن التحالف دائماً ما يقف موقف المتهم من قبل الإعلام الغربي والمستهلكين في باقي العالم.

نعم أسعار النفط مهمة لدى الجميع منتجين ومستهلكين، ولكن هناك نقطة الكل يؤكد عليها ولا أحد يلقى لها بالاً بشكل كبير، وهي استقرار السوق.

استقرار السوق بالنسبة لدول تتحكم في أكثر من 40% من الإنتاج العالمي للنفط أهم بكثير من مكاسب سعرية سريعة ومؤقتة. هل هذا صحيح؟ نعم إلى حد ما، ولكن ليس لكل الدول بالتأكيد، بل للدول التي لديها إنتاج ضخم وكبير.

«أوبك بلس» ليست ذات تاريخ طويل، بينما منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لديها تاريخ طويل جداً يمتد إلى أكثر من 60 عاماً في التعامل مع الأسعار والتقلبات.

«أوبك» تعلمت الكثير من الدروس القاسية، وأولها أن أسعار النفط العالية لفترة طويلة جداً ليست في صالحها. هذا السيناريو أدى إلى أزمة السوق في الثمانينات عندما دخل نفط بحر الشمال وغيره إلى السوق بكميات كبيرة، وحينها توقع بعض وزراء «أوبك» أن انخفاض الأسعار سيخرج المنتجين الهامشيين من المعادلة. هذا لم يحدث.

وتكرر الأمر مع منتجي النفط الصخري قبل 10 سنوات، وتوقعت «أوبك» أنها الوحيدة القادرة على البيع بسعر منخفض وإخراج الباقين من السوق، وهذا لم يحدث، وظل الإنتاج من خارج «أوبك» عالياً وانهارت الأسعار.

بالنسبة للدول ذات الإنتاج الضخم في «أوبك بلس» فإن الحفاظ على استقرار السوق وأمن الطلب أهم من الحفاظ على مستوى سعري عالٍ لفترة طويلة، ولهذا تتخذ قرارات صعبة أحياناً، مثل تخفيض الإنتاج لفترة طويلة. مثل ما حدث في جائحة كورونا.

إذا ما نظرنا لوضع السوق حالياً فإن السوق لا يوجد به استقرار من ناحية الطلب، ولهذا ما سيبقي أسعار النفط في مستوى مريح للمنتجين حتى من خارج «أوبك» هو الدور الذي تلعبه «أوبك بلس».

إن أسعار النفط دخلت في وضعية الكونتانغو مؤخراً، وهو ما يعني أن السوق حالياً يعتقد أن هناك تخمة في المعروض اليوم وشحا في الإمدادات في آخر العام، ولهذا فإن قرار تخفيض «أوبك بلس» يبدو منطقياً للسوق، لأنها لو لم تخفض الإنتاج فإن الأسعار ستتدهور أكثر وتصل إلى مستويات لا تشجع الاستثمار وإنتاج النفط من خارج المنظمة.

بالنهاية من يريد سوقاً ترتفع الأسعار فيه فجأة بصورة جنونية وتهبط فجأة بصورة جنونية؟ ليس الشركات بالتأكيد، ولكن المضاربين، وهذا ما لا تفضله دول «أوبك بلس»… ولكن المضاربين مثلهم مثل «أوبك بلس» جزء من تركيبة السوق، ولهذا المسؤولية تقع على الجميع لاستقرار السوق، من الدول المستهلكة والمنتجة والمضاربين.

كل هؤلاء يريدون وضوحا وبيانات سليمة يبنون عليها قراراتهم، وهنا أصبحت توقعات «أوبك» للطلب والعرض أفضل بشكل أوضح من توقعات وكالة الطاقة الدولية، وهو ما يجعل السوق مؤخراً يؤمن أن «أوبك» على حق في الكثير مما تقوله.

وائل مهدي

عملة اليورو الرقمية

احتفل البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي، بمرور 25 عاماً على إطلاق عملة اليورو، وكرر مسؤولو الاتحاد الأوروبي خلال الحفل نيتهم إصدار عملة اليورو الرقمية خلال الثلاث سنوات المقبلة. وقد شهدت أوروبا بعض الاحتجاجات بشأن هذه العملة خلال الأشهر الماضية كان أبرزها مظاهرات أمستردام في فبراير (شباط) الماضي. فما هي عملة اليورو الرقمية؟ ولماذا يحرص البنك المركزي الأوروبي على إصدار هذه العملة على الرغم من الاحتجاجات؟ وماذا عن بقية الدول؟

عملة اليورو الرقمية هي أحد أشكال (العملات الرقمية للبنوك المركزية) وهي العملات غير المرتبطة بسلعة مادية والصادرة عن الحكومات، وتشبه إلى حد ما العملات المشفرة المستقرة (Stablecoin) وهي نوع محدد من العملات المشفرة المربوطة بعملة أو سلعة أو أداة مالية للحفاظ على استقرار قيمتها. وقد زاد توجه البنوك المركزية إلى دراسة جدوى إصدار عملات رقمية خلال السنوات القليلة الماضية. وأوضحت دراسة أن نحو 90 دولة في العالم تدرس إصدار عملات رقمية، وأن بعض هذه الدول أصدرتها بالفعل مثل نيجيريا وجامايكا والصين. ولهذا التوجّه عدد من المحفزات، مثل انخفاض التعامل بالنقد خلال السنوات الأخيرة، لا سيما أثناء الجائحة، كما أن البنوك المركزية تحاول بدورها الاستفادة من زخم الابتكار الذي يحرك العالم الآن، والذي قد يفيدها في زيادة الشمولية المالية وتسريع التسوية المالية.

أما البنك المركزي الأوروبي فله مبررات عديدة بشأن إصدار هذه العملة، وهي متغيرة مع الزمن، فالبداية كانت قبل سنوات عدة، حين أعلنت شركة «ميتا» («فيسبوك» حينها) عملتها الرقمية «ليبرا»، تخوّفَ آنذاك البنك المركزي الأوروبي من أن يزيد نفوذ الشركات التقنية الأميركية في أوروبا، فأعلن هو الآخر بدء دراسة إمكانية إصدار «يورو رقمي». ولكن «ليبرا» اندثرت بعد فقدان «ميتا» الاهتمام بها. ومن ثم راقب «المركزي الأوروبي» بزوغ نجم العملات المشفرة، وأراد إيجاد بديل أكثر استقراراً من العملات المشفرة، ولكن العملات المشفرة لم تعد تهديداً الآن بعد أن انخفض سعر «بتكوين»، ملكة العملات المشفرة، واهتزاز عالم العملات المشفرة بعد انهيار عدد من شركاتها.

ومبررات الاتحاد الأوروبي اليوم مختلفة، أبرزها أنه لا يمتلك شركة مدفوعات ضخمة مثل «فيزا» أو «ماستر كارد» أو حتى «أبل باي» و«غوغل باي»، وهو لا يريد الاعتماد على هذه الشركات الأميركية، لا سيما أنه جرب ويلات الاعتماد على مصدر وحيد في الطاقة. ولذلك فهو يريد من الآن بناء نظام المدفوعات الخاص به، الذي قد يخدمه كذلك بزيادة متانة اليورو. كما يرى الاتحاد الأوروبي أن العملات الورقية قد لا تتناسب مع التطورات المستقبلية.

إلا أن هذا النظام يلاقي احتجاجات من الأفراد ومن البنوك، فالأفراد يخشون أن تكون هذه العملة وسيلة لانتهاك خصوصيتهم، لا سيما أن التعامل بين المستهلكين والبنك المركزي سيكون مباشراً، وليس عن طريق البنوك التجارية كما جرت العادة. إحدى هذه المخاوف هي أن تفرض الحكومة قيوداً على بعض المشتريات بحسب معدل الأعمار (مثل منتجات التبغ أو الكحول)، أو بحسب الأحداث المعاصرة (مثل منع السفر أثناء الجائحة). أما البنوك التجارية فقد كان تخوفها أكثر واقعية، ففي حال تعامل المستهلك مع البنك المركزي مباشرة، فإن البنك المركزي سيكون في مقام المنافس للبنوك التجارية، وقد يتسبب في التأثير سلباً في ودائع البنوك التجارية، وبالتالي على إمكانية منحها القروض.

إن جدوى العملات الرقمية للبنوك المركزية تختلف باختلاف الدول وظروفها، فالولايات المتحدة على سبيل المثال ليس لديها كثير من مبررات الاتحاد الأوروبي، ولذلك فإنها أقل إقداماً على إصدارها، لا سيما مع زيادة تكاليف إصدارها مقارنة بميزاتها القليلة. بالمقابل، فقد وجدت كل من السعودية والإمارات مبرراً لإصدار عملة رقمية مشتركة (مشروع عابر) وذلك لاستخدامها في عمليات التسوية بين البلدين، وهي عملة غير مخصصة للمستهلكين، وهدفها الرئيسي تعزيز التجارة بين البلدين. أما الصين فإنها قد تستخدم عملتها الرقمية في زيادة انتشار عملتها وزيادة الاعتماد عليها عالمياً، ويتضح أن الاتحاد الأوروبي له أهدافه السياسية خلف إصدار عملته الخاصة به، بينما أعلنت كل من كندا وسنغافورة عدم جدوى هذا الإصدار. ولذلك فإن إصدار العملة الرقمية الحكومية يعتمد بشكل جوهري على ظروف الدولة وهدفها خلف إصدار عملتها، حتى لا تكون العملة، كما وصفت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» عملة اليورو الرقمية بأنها، «حل يبحث عن مشكلة».

د. عبد الله الردادي

ماذا لو تخلفت أميركا عن سداد ديونها؟

منذ أقل من شهر، والجهات المالية الأميركية تتبادل التحذيرات من ظواهر مالية كارثية تصل إلى الإفلاس؛ لأن وزارة الخزانة الأميركية قد لا تتمكن من الوفاء بجميع التزامات ديون الحكومة، بحلول شهر يونيو (حزيران) بعد أيام قليلة. لم يتخيل أحد من الأميركيين أو من أي دولة أخرى أن الولايات المتحدة، وهي أثرى دولة في العالم، وعملتها أقوى عملة في سلة العملات الدولية، يمكن أن تكون على حافة الانهيار النقدي، وعاجزة عن سداد الديون التي تقدَّر بأكثر من 31 تريليون دولار. ولم تجد وزيرة الخزانة جانيت يلين حلاً إلا رفع سقف الدَّين العام للدولة، لكن هذا القرار الغريب والفريد يحتاج إلى مفاوضات عسيرة مع «الكونغرس» لرفع السقف بأسرع وقت ممكن. وتذكرت أن بعض وزارات المالية العربية، مثل لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، كلها عاجزة عن تسديد الديون، وليست لها سقوف بسبب الفساد المالي والسرقات الهائلة، بحيث لا تنفع معها أي سقوف أو تغطيات.

لقد حدثت أزمات مالية في الولايات المتحدة مراراً، وفي معظم الدول قد يحدث عجز هنا أو هناك، لكن أحداً لا يقترح رفع السقف، أو إزالته أصلاً وفصلاً!

المهتمون بالاقتصاد الأميركي، والمتعاملون مع شركاته، يعرفون أن أهم قطاع اقتصادي كان، إلى سنوات قليلة، قطاع تصنيع السيارات الأميركية، الذي وصفه الأميركيون أنفسهم بأنه «يجسد قمة العجرفة والغرور».

ومرّت هذه الصناعة بأزمات عديدة، وحين اختار القطاع الاقتصادي المائل «خطة إنقاذ» مالية في عام 2008، قيل إنه «أسوأ اختيار». وكانت واشنطن تستعدّ، في ذلك العام، للخروج من مستنقع الحرب على العراق واحتلاله. وفي ذلك الظرف لم يكن هناك أي حلّ لإنقاذ شركات السيارات، حتى مع نقل بعض المصانع الأميركية إلى دول آسيوية، لتخفيض التكاليف، ورخص الأيدي العاملة، وصِرنا نسمع عن سيارات شيفروليه كورية، أو علامات أخرى في ماليزيا وكندا والمكسيك وألمانيا وإنجلترا والهند والبرازيل وإيطاليا، وحتى في الصين الشعبية.

وبدا، بعد فترة، أن هذا الحل «ليس في محله»، فتحوّلوا إلى فيلم «المنقذون»، ويُقصد به شركات التأمين؛ تشبيهاً له بفيلم رسوم متحركة أنتجته شركة «والت ديزني» في عام 1977.

وتساءل الأميركيون، في ذلك الحين، إذا ساعدت الحكومة الأميركية قطاع السيارات، فلماذا لا تساعد شركات الطيران والسكك الحديدية، وشركات النفط الأميركية، وشركات التكنولوجيا الحيوية؟ وقبل كل ذلك، مَن سينقذ الأسواق العامة من التضخم أو الركود؟ وتم توجيه تهمة «العجرفة» و«الغرور» إلى هذه الشركات في تعاملها مع الزبائن أيضاً. وما زال سوق السيارات وقطاع الطيران يتشاركان تهمة واحدة؛ ليس في الولايات المتحدة فقط، وإنما حول العالم أيضاً، بعكس أسواق الأثاث المنزلي، والملابس، وحتى المزادات، والذهب والمجوهرات، والسياحة، والتعليم. وقد يذهلنا أن نعرف أن دفن الموتى في الولايات المتحدة «أغلى من الحياة نفسها»! والأعجب أن مسلمي أميركا يعانون من سوق المدافن، حيث الجنازة تكلف، على الأقل، عشرين ألف دولار في «دار الرحمة» للدفن في نيويورك! ولذلك يريد معظم المهاجرين أن يُدفنوا في الوطن الأم؛ ليس بسبب الحنين إلى الأقارب والوطن، وإنما لتخفيف الأعباء المالية.

والعجيب في أزمة السيارات الأميركية، دون ذكر الأسماء، أنها تخسر بين فترة وأخرى، وتحتاج لإنقاذ مالي، بينما شركتا سيارات يابانيتان، دون ذكر أسماء أيضاً، ومقراتهما في الولايات المتحدة، تصنعان سيارات ذات نوعية أفضل، وتصاميم أكثر أناقة، وأقل استهلاكاً للوقود، ولا تجد السيارات الأميركية في اليابان إقبالاً من اليابانيين؛ لأنهم لا يقتنعون لماذا يجب عليهم شراء سيارات تستهلك كثيراً من الوقود وذات مقود في الجانب الخاطئ من الطريق؟!

قد تطول هذه الأزمات؛ ليس في السيارات، والمدافن الأميركية فقط، ولا في الشوكولاته السويسرية، ولا في مصارعة الثيران الإسبانية، ولا حتى في كرة القدم البرازيلية، والنوادي الإنجليزية، ولا المنتجعات الأوروبية، ولا غيرها.

في سنوات تلك الأزمات والقحط، دعا متخصصون في مثل هذه الأزمات إلى إيقاف كل خطط الإنقاذ المالية فوراً؛ لأنها تزيد الطين بلّة، إلا أن الزمن يعيد نفسه مع دوران الكرة الأرضية، حتى لو جاء رئيس أميركي بهذا العمر وأَقسم أنه وجد حلاً لكل مشاكل الكرة الأرضية في «المناخ»، وعقدت العواصم هنا وهناك مؤتمرات عاجلة للمناخ، وانتشرت مظلات الأمطار، ومعاطف الرياح، وبرامج درجات الحرارة، وكثافة الثلوج، و«كورونا» القديمة والمحسّنة، ولم يتغير شيء؛ لا في السيارات، ولا في الطائرات، ولا في «العجرفة والغرور»، والورقة الوحيدة التي يمكن أن تربح هي، يا لَلغرابة، ورقة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي لا يمكن وصفه بأنه «متعجرف أو مغرور»، فهو رجل في غاية البساطة ويسعى إلى تمديد حكمه.

قد يكون «رفع السقف» حلاً أخيراً، لكن له أضراره أيضاً؛ في مقدمتها أزمة تهدد بانهيار الدولار. وقد لجأت أميركا إلى هذا الإجراء 78 مرة منذ عام 1960، وهو يبلغ حالياً 31.4 تريليون دولار، كما يؤدي إلى هبوط الأسهم وتسريح موظفين.

أكبر دولة دائنة للولايات المتحدة هي الصين، وهي تخشى تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون. وحذّرت مجلة «فورين بوليسي» من مغبّة أي تخلف، وما قد ينجم عنه من أزمة اقتصادية عالمية. وتساءلت: كيف للصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، النجاة، إذا تخلفت واشنطن عن سداد ديونها؟! وفي هذه الحالة يمكن للصين استحداث نظام مالي عالمي جديد أقل اعتماداً على الدولار. ومهما يكن الحل، فإن الصين ليست الولايات المتحدة في الاقتصاد.

داود الفرحان

«أوبك» والطلب المستقبلي

عبّر الأمين العام لمنظمة «أوبك»، هيثم الغيص، عن رؤى المنظمة لمستقبل نظام الطاقة المستقبلي، حيث من المتوقع استمرار زيادة المعدلات السنوية للطلب على الطاقة.

وذكر الغيص في مقابلات خلال الفترة الماضية مع وسائل الإعلام، أن العالم سيحتاج إلى مزيد من الطاقة مستقبلاً، مع نمو السكان والاقتصادات؛ إذ تشير دراسات «أوبك» أن الطلب العالمي على الطاقة سيرتفع بنسبة 23 في المائة حتى عام 2045، من ثم، فإن ملاقاة هذا النمو سيتطلب ضمان أمن الطاقة، وتقليص تكاليف الإنتاج، وخفض الانبعاثات العالمية بما يتماشى مع اتفاقية باريس، والتعاون غير المسبوق في استثمارات الطاقة.

وأضاف الغيص أن صناعة النفط وحدها ستشكل ما يقارب من 29 في المائة من احتياجات الطاقة العالمية بحلول عام 2045؛ الأمر الذي يعني أن الطلب على النفط سيبقى عالياً حتى حلول منتصف القرن وما بعده من عقود؛ الأمر الذي يعني بدوره أن العالم سيستمر يستهلك النفط بشكل واسع حتى بعد تصفير الانبعاثات.

وأعلن الغيص أن دراسات «أوبك» تقدر أن يبلغ إجمالي متطلبات الاستثمار الطاقوي العالمي حتى منتصف القرن نحو 12.1 تريليون دولار تقريباً، أو أكثر من 500 مليار دولار سنوياً، مشيراً إلى أن معدلات الاستثمار السنوية الأخيرة كانت أقل بكثير من هذا المبلغ بسبب الانكماش الصناعي وجائحة «كوفيد – 19» وتكاليف التشريعات البيئية.

وحذر الغيص في تصريحاته من عدم توفر «استثمار كاف في جميع الطاقات، وبالتالي فإن استدامة نظام الطاقة العالمي على المحك، ونحن في حاجة إلى مناخ طويل الأجل وصديق للاستثمار يعمل مع المنتجين والمستهلكين؛ إذ يحتاج نقص الاستثمار المزمن إلى التصحيح. لا يتعلق الأمر بانتظار الغد. يتعلق الأمر بتحقيق ذلك اليوم».

وصرح الغيص لوكالة أنباء الإمارات (وام) «نؤيد تأييداً تاماً اتباع نهج عالمي متعدد الأطراف قائم على التعاون؛ إذ نتطلع إلى الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب – 28). التي تستضيفها دولة الإمارات بنهاية العام الحالي في دبي، ودعم المؤتمر لجدول أعمال شامل، حيث يجري الحدث أول تقييم عالمي منذ اتفاق باريس».

وفي سؤال، حول ما تقوم به أقطار منظمة «أوبك»، في تحسين موقع النفط التنافسي في بيئة يستعمل فيها أقل انبعاثات كربونية ممكنة، أجاب الأمين العام لمنظمة «أوبك»: «نحن نستثمر في قدرة المنبع والمصب. ونحشد تقنيات أنظف ومجموعة واسعة من خبراتنا البشرية للمساعدة في إزالة الكربون من الصناعة. ونقوم باستثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة والقدرة الهيدروجينية واستخدام وتخزين الكربون، وتقنيات أخرى، بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد الدائري لتحسين الأداء البيئي العام».

وأوضح الغيص، تدل التجارب التاريخية على «أن تحولات الطاقة تتطور ببطء ولها مسارات عديدة»، حيث هناك أكثر من 700 مليون شخص في العالم اليوم ما زالوا يفتقرون إلى الكهرباء، وأن 2.4 مليار شخص يستخدمون أنظمة غير فعالة وملوثة.

كما أكد أمين العام لـ«أوبك» أنه فيما يتوجب أن ينصبّ التركيز العام على خفض الانبعاثات واستخدام جميع أنواع الوقود عالمياً، لكن لا يوجد هناك حل واحد يناسب الجميع في مجال مستقبل الطاقة المستدامة، حيث إن الطريق الصحيحة لواحد، قد لا يكون الطريق الصحيحة للآخر.

وليد خدوري

سقف الديون الحكومية

يترقب العالم هذا الشهر المفاوضات في الولايات المتحدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول رفع سقف ديون الحكومة الأميركية. ويطالب الرئيس بايدن برفع الحد الأعلى لديون الحكومة دون أي شروط، بينما يطالب الطرف الآخر بخفض الإنفاق لكيلا تغوص الحكومة في مزيد من الديون. وفي حال لم تصل هذا المفاوضات إلى حل، فإن الولايات المتحدة، وبحسب تصريح وزير الخزانة الأميركية، لن تتمكن من سداد الديون المستحقة عليها في بداية الشهر القادم، أي بعد أقل من أسبوعين. فكيف وصلت أميركا إلى هذا الموقف؟ وما هو سقف الديون الذي أصبح أداة ضغط بين الحزبين السياسيين؟

يهدف نظام سقف الديون إلى الحد من الإنفاق الحكومي المبالغ فيه، والحكومات عادة ما تنفق من الضرائب أو من السلع التي تصدّرها، وتقترض في حال كانت الحاجة إلى الإنفاق أكثر من الدخل، ولكن هذا الاقتراض قد يوقعها في دوامات اقتصادية تعاني منها الأجيال القادمة. وصراع الاقتراض يبدو وكأنه صراع للأجيال، فالجيل الحالي يرى ضرورة الاقتراض للنمو وزيادة الإنفاق العام الذي قد يستفيد منه الجيل الحالي والقادم، أما الأجيال القادمة فسترى أنها ورثت ديونا ضخمة لا سبيل لسدادها إلا بزيادة الضرائب التي ستؤدي إلى انخفاض رفاهها المعيشي. وتطبق عدد من الدول نظام سقف الديون لحماية الأجيال القادمة من الأعباء الضريبية التي تسببها كثرة الديون، ولعل الدنمارك إحدى أشهر هذه الدول، رغم أن هذا النظام لم يسبق له أن سبب أي مشاكل هناك. كما يطلب الاتحاد الأوروبي من دوله ألا تتجاوز ديونها 60 في المائة من الناتج القومي، رغم أن الجائحة سمحت ببعض التجاوزات في إصدار السندات لتغذية حزم المساعدات التي أعلنتها الدول. وفي كل الأحوال فإن قرار سقف الديون هو قرار اقتصادي بحت، تحتمه الأوضاع الاقتصادية واستراتيجيات الدول التي قد ترى فرصا اقتصادية لا يمكن استثمارها إلا من خلال الديون.

أما الولايات المتحدة فالوضع مختلف، فتدريجيا أصبح سقف الديون لعبة سياسية بين الحزبين وقد تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم في هذا الأمر. وقد أقرت أميركا نظام سقف الديون عام 1939، حينها كانت الديون لا تتجاوز 870 مليار دولار، وكان السقف أعلى من هذه الديون بنسبة 10 في المائة. ولكن الأرقام التي تلت هذا الرقم مخيفة جدا وقد لا توجد في دول متقدمة في العالم إلا في الولايات المتحدة. فمنذ 1960، رفع الكونغرس الأميركي سقف ديون الحكومة 78 مرة، أي بمعدل أكثر من مرة سنويا، وزادت ديون الحكومة الأميركية بشكل متسارع. وهذه بعض الحقائق عن ديون الحكومة الأميركية خلال العقود الثلاثة الماضية. فقد وصلت الديون إلى 73 في المائة من الناتج القومي عام 1998، وزادت إلى 93 في المائة عام 2017، وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد وصلت هذه النسبة إلى 128 في المائة عام 2021. ومنذ عام 2009، تضاعف الدين العام للولايات المتحدة 3 مرات. ووصلت ديون الولايات المتحدة (بعد أن كانت 870 مليار عام 1939) إلى نحو 31 تريليون دولار في يناير (كانون الثاني) 2023.

هذه الزيادة المرعبة في الديون خلال السنوات الأخيرة جعلت البعض يبدأ في التشكيك في قدرة الولايات المتحدة على الإيفاء بالتزاماتها، وهو تشكيك كان يدعو للضحك لو طرح قبل عقد أو عقدين. وما يعزز هذا التشكيك أن الفجوة بين الحزبين الأميركيين تتسع مع الزمن. وتاريخيا فإن الرؤساء الجمهوريين هم أكثر من رفع سقف الديون (49 مرة) منذ 1960، بينما كان الديمقراطيون وراء 29 زيادة. هذه الأرقام بدأت بالانتشار الآن مدعومة بالصراع بين الحزبين والذي جعل سقف الديون أشبه باللعبة التي يحاول الحزبان التنافس فيها.

ولكن الحكومة إن لم تتوصل إلى اتفاق خلال الأيام القادمة فالنتائج وخيمة، بل إن التأخر في الوصول إلى اتفاق له نتائجه كذلك، كما حدث في عهد أوباما عام 2011 حين كان الاتفاق قبل يومين فقط من التاريخ الذي حددت فيه وزارة الخزانة نفاد الأموال، وعانت الأسواق المالية حينها من تقلبات رهيبة في فترة ما قبل الاتفاق، وزادت تكلفة الاقتراض بنحو 1.3 مليار دولار بسبب التأخر في الوصول إلى اتفاق. أما نتائج عدم الوصول إلى اتفاق فهي تتجاوز الولايات المتحدة إلى العالم بأكمله وتحتاج إلى تفصيل في مقال منفرد.

د. عبدالله الردادي