اجتماع يوليو لن يكون الأخير لـ”الفدرالي” في رحلة رفع الفائدة

توقع استطلاع لـ CNBC عربية، أن يجري الفدرالي الأميركي، زيادة أخرى في معدلات الفائدة بخلاف الارتفاع المرتقبة في اجتماع الـ 26 يوليو الجاري.

وأوضح الاستطلاع الذي شمل 12 محللاً، ذهبت غالبية آراء المحللين التي وصلت نسبها إلى 58.3% إلى إجراء الفدرالي زيادة جديدة خلال الـ 3 اجتماعات المرتقبة في 2023، فيما ذهب آراء  41.7% منهم إلى اكتفاء الفدرالي بزيادة واحدة فقط خلال العام الحالي في اجتماع 26 يوليو الجاري.

وكان الفدرالي الأميركي قد رفع معدلات الفائدة منذ مارس 2022، بمقدار 500 نقطة أساس، ليصل بمعدلات الفائدة بأعلى مستوى منذ 2008.

وأوضح الاستطلاع، أن 75% من آراء المحللين اتجهت نحو قيام الفدرالي بخفض الفائدة في 2024، وتحديداً في النصف الثاني من العام المقبل، بينما 16% من المشاركين في الاستطلاع توقعوا أن يبدأ بسياسة خفض التشديد النقدي نهاية 2023، فيما استبعد محلل واحد من المشاركين بالاستطلاع بدء خفض معدلات الفائدة في 2024.

أسبوع البيانات الاقتصادية الرئيسية المهمة

تتهيأ الولايات المتحدة لأسبوع حافل بالنشاطات وقرارات أسعار الفائدة والبيانات الاقتصادية والمزيد من النتائج حول أرباح الشركات الكبرى، التي تمثل 50 في المائة من القيمة السوقية. كما تستعد دول أخرى لاجتماعات مهمة وبيانات اقتصادية سوف يكون لها وقعها في اتخاذ القرارات.

بداية من الاجتماع الشهري للجنة المفتوحة للسوق المالية (FOMC) التابعة للاحتياطي الفيدرالي في 25 يوليو (تموز) و26 منه، والذي يتوقع على نطاق واسع أن يقرر زيادة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه الذي يختتم بمؤتمر صحافي لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.

ومن شأن هذا القرار أن يرفع النطاق المستهدف لأسعار الفائدة إلى ما بين 5.25 في المائة و5.50 في المائة، وهو أعلى مستوى له في نحو 22 عاماً.

وكان الاحتياطي الفيدرالي قدم 10 زيادات متتالية في سعر الفائدة، ثم توقف مؤقتاً باجتماع اللجنة في يونيو (حزيران).

وسيقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة يوم الأربعاء، ولكن يبدو أنه غير ملزم بما سيفعله في سبتمبر (أيلول) المقبل في ظل المواقف المتعارضة بين أعضائه، بين من يدافع عن رفع لمرتين متتاليتين بدءاً من هذا الشهر، لضمان هزيمة التضخم، فيما آخرون يرون أنه يجب التوقف عند هذا المستوى كي لا يتضرر النمو أكثر، علماً بأن باول قال الشهر الماضي، بعد انتهاء الاجتماع، إن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال لديه مزيد من العمل للقيام به، وهو نفسه لم يستبعد رفع أسعار الفائدة بشكل متتالٍ.

أما الأسواق، فباتت تتعامل مع المسألة على أنها سوف تكون الزيادة الأخيرة. ولكن يبقى تقريران آخران للتضخم قبل أن يقرر الاحتياطي الفيدرالي أن مزيداً من رفع أسعار الفائدة لم يعد ضرورياً.

صحيح أن اجتماع الاحتياطي الفيدرالي هو نجم الأسبوع، لكنّ هناك كثيراً من المؤشرات الاقتصادية المهمة الأخرى والأرباح التي يمكن أن تحرك الأسواق.

فيوم الاثنين، يصدر تقرير مؤشر مديري المشتريات الذي يقيس مستوى نشاط مديري المشتريات في قطاع التصنيع، حيث تشير التوقعات إلى أنه قد يظهر أن قطاعي التصنيع والخدمات يستمران في التراجع، مع استمرار بقاء الخدمات بمنطقة التوسع.

ويمكن لتقرير ثقة المستهلك الصادر عن مجلس المؤتمر (Conference Board) يوم الثلاثاء، أن يغذي توقعات الهبوط الناعم.

ويوم الخميس، من المتوقع أن تظهر القراءة الأولى للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني انخفاضاً في النمو إلى 1.8 في المائة، من 2 في المائة مع انخفاض الإنفاق الاستهلاكي.

ويوم الجمعة، تصدر بيانات الدخل والإنفاق الشخصي مع مقاييس التضخم والأجور المفضلة لدى الاحتياطي الفيدرالي. ومن المتوقع أن ينخفض مؤشر تكلفة التوظيف في الربع الثاني إلى 1.1 في المائة من 1.2 في المائة، بحسب «ماركيت بولس» حول البيانات الاقتصادية المتوقعة هذا الأسبوع.

أما أرباح الشركات، فستكون ضخمة هذا الأسبوع، مثل «إيرباص»، و«إسترازينيكا»، و«إم3»، و«أ تي آند تي»، و«بوينغ»، و«شيفرون»، و«جنرال إلكتريك»، و«ألفابيت»، و«ميتا»، و«مايكروسوفت»، و«بروكتر آند غامبل»، و«هيرميس الدولية»، و«ماكدونالد»، وغيرها…

منطقة اليورو
في اجتماعه الخميس، يتوقع أن يقرر المصرف المركزي الأوروبي زيادة بمقدار 25 نقطة أساس، في وقت يدور فيه النقاش حالياً عمّا بعد هذا الاجتماع. وتشير التعليقات الأخيرة من صانعي السياسات إلى أن التعليق قد يكون مطروحاً في سبتمبر، على خلفية بعض التقدم في بيانات التضخم مؤخراً.

إذ استمر معدل التضخم بالتراجع في منطقة اليورو في يونيو، مع انخفاض تكاليف الطاقة ليبلغ 5.5 في المائة على أساس سنوي من 6.1 في المائة في مايو (أيار).

وكان المصرف المركزي الأوروبي يتخذ موقفاً متشدداً بعد اجتماعاته، لكن الأسبوع المقبل قد نلمس تغيراً في خطاب رئيسته كريستين لاغارد وبعض زملائها، حيث إنهم قد يتركون الباب موارباً أمام توقف رفع الفائدة في الاجتماع التالي.

وفي اليوم التالي لاجتماع المصرف المركزي الأوروبي، ستصدر بيانات التضخم من بعض الدول الأعضاء، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا. بينما سيبدأ الأسبوع بمؤشرات مديري المشتريات من ألمانيا وفرنسا ومنطقة اليورو.

المملكة المتحدة
تشهد المملكة المتحدة أسبوعاً هادئاً بعد أسبوع أظهر فيه التضخم انخفاضاً بأكثر من المتوقع إلى 7.9 في المائة، وهو أدنى مستوى له منذ 15 شهراً، في تطور قد يخفف الضغوط على بنك إنجلترا لرفع أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة. وسوف يكون التركيز هذا الأسبوع على استطلاعات مؤشر مديري المشتريات.

اليابان
تترقب الأسواق يوم الجمعة، نتائج اجتماع مصرف اليابان، وما يحمله من اتجاهات ربما تكون مغايرة للسياسات التيسيرية التي يتبعها المصرف، وفي ظل التراجع الحاد بقيمة الين، وما يفرضه من ضغوط هائلة.

ويتوقع أن يحافظ المصرف المركزي على سياسته النقدية الرئيسية كما هي، عندما يجتمع أعضاء مجلس إدارته يومي 27 و28 يوليو الحالي، رغم أن عدداً من المحللين يرون أنه قد يُدخل تعديلات على برنامجه للتحكم في منحنى العائد، ويتخلى بالتالي عن جهوده للحفاظ على عوائد السندات قريبة من الصفر.

وأدت هذه التكهنات إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات الجمعة، إلى أعلى مستوى لها في 4 أشهر ونصف الشهر.

وكانت تسارعت وتيرة ارتفاع أسعار المستهلكين باليابان في يونيو، الأسبوع الماضي، في مؤشر جديد على استمرار التضخم الراسخ قبل اجتماع المصرف المركزي. إذ ارتفعت الأسعار، باستثناء أسعار المواد الغذائية الطازجة، بنسبة 3.3 في المائة على أساس سنوي، بوتيرة متسارعة قليلاً مقارنة بالارتفاع المسجل في مايو.

ومن المتوقع أن يرفع المصرف توقعاته الخاصة بتضخم أسعار المستهلكين للسنة المالية الحالية إلى 2.3 في المائة في اجتماع هذا الأسبوع، مقارنة مع 1.8 في المائة حالياً، وفقاً لاستطلاع أجرته وكالة «بلومبرغ نيوز» لآراء الاقتصاديين.

وفي اليوم نفسه، ستصدر بيانات مؤشر أسعار المستهلك الرائدة في طوكيو لشهر يوليو. ومن المتوقع أن ينخفض الإجماع على التضخم الأساسي في طوكيو (باستثناء الأغذية الطازجة)، إلى 2.9 في المائة على أساس سنوي، من 3.2 في المائة على أساس سنوي في يونيو. ومن المتوقع أن ينخفض التضخم الأساسي في طوكيو (باستثناء الأغذية الطازجة والطاقة) قليلاً إلى 2.2 في المائة على أساس سنوي من 2.3 في المائة على أساس سنوي في يونيو.

وقبل ذلك، يصدر يوم الاثنين، مؤشر مديري المشتريات التصنيعي والخدمات لشهر يوليو. ومن المتوقع أن يتحسن النمو في قطاع الصناعات التحويلية بشكل طفيف إلى 50 من 49.8 في يونيو، بينما من المتوقع أن ينخفض النمو في قطاع الخدمات بشكل طفيف إلى 53.4 من 54.0 في يونيو.

الصين
لا توجد بيانات اقتصادية رئيسية، ولكن يترقب المحللون صدور إعلان من الحكومة حول تدابير تحفيز مالي أكثر تفصيلاً. وفي الأسبوع الماضي، أعلن كبار صانعي السياسة في الصين عن عدد كبير من الخطط واسعة النطاق لتعزيز الإنفاق الاستهلاكي ودعم الشركات الخاصة في قوائم الأسهم ومبيعات السندات والتوسع في الخارج، ولكن هذه الخطوات تفتقر إلى التفاصيل.

تركيا
يتوقع المحللون صدور تقرير التضخم ربع السنوي في تركيا، الذي يأتي على خلفية تراجع العملة المحلية والقرارات الأخيرة للمصرف المركزي.

مناخ الاستثمار والأداء الاقتصادي

يعد المناخ الاستثماري نتاج تفاعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تؤثر على ثقة المستثمر وتعمل على تشجيعه وتحفيزه على استثمار أمواله في دولة ما دون الأخرى، إلا أن نصيب أي دولة من الاستثمارات يعتمد على عوامل كثيرة، أهمها المناخ الاستثماري للدولة الجاذبة للاستثمارات والمحفزة للاستثمار، حيث تعرف البيئة الاقتصادية المستقرة والمحفزة والجاذبة للاستثمار بأنها في تلك الدولة التي تتميز بعدم وجود عجز في الميزانية العامة ويقابله عجز مقبول في ميزان المدفوعات، ومعدلات متدنية للتضخم وسعر صرف غير مغالى فيه وبنية سياسية ومؤسسية مستقرة وشفافة.

إن خلق البیئة الاستثماریة المناسبة، التي تساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبیة المباشرة، يعد غایة تسعى إلیها الدول، حیث یتطلب منها إجراء الكثير من الإصلاحات وتقدیم الحوافز والضمانات للمستثمرین وتطویر البنیة التحتیة وتحسین مناخ وبیئة الأعمال، وإجراء الإصلاحات الاقتصادیة المناسبة، إضافة إلى قیامها بعقد الاتفاقات مع الدول، بما يساهم في حریة حركة التجارة الدولیة، واتخاذ كل التدابیر التي تعمل على تحفیز المستثمرین للقیام بالمشاریع الاقتصادیة.

ويعد حجم السوق أحد أهم العوامل في جذب الاستثمارات الأجنبیة، حیث یتم تعریف حجم السوق في الأدبیات الاقتصادیة، إما بالناتج المحلي الإجمالي أو بحجم السكان أو بنصیب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ویلعب كُبر حجم السوق دورا هاما في زیادة الطلب على المنتجات السلعیة والخدمیة، وكذلك إمكانیة البیع والربح في تصریف السلع والخدمات التي یتم تقدیمها، إضافة إلى توفیر وخلق الكثير من فرص العمل، وبالتالي یساعد كبر حجم السوق على استقطاب المستثمرین الأجانب لإقامة مشاریعهم الاستثماریة سواءً التجاریة والصناعیة والزراعیة والخدمیة، وهذا یعني أن اقتصادیات السوق الكبیرة تجذب المستثمرین، إضافة إلى أن الأسواق الكبیرة لدیها القدرة على تصریف المنتجات السلعیة، وبالتالي إمكانیة توفر المزید من فرص الربح.

وتكمن أهمية مناخ الاستثمار وبيئة أداء الأعمال في الاقتصاديات الوطنية، في كونه المسؤول عن معدل تراكم رأس المال، ومن ثم فهو يلعب دورا هاما في توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، والتي لا يمكن بلوغها إلا من خلال الاعتماد على الاستثمار المحلي والمباشر العربي والأجنبي.

واعتمادا على تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2022، واستنادا إلى 14 مؤشراً اقتصادياً ومالياً خلال عام 2021، استقر المتوسط العام لترتيب الدول العربية عالميا في تلك المؤشرات عند المركز 89 خلال عام 2021، وحلت 9 دول عربية في مستوى أفضل من المتوسط العام العربي لهذه المؤشرات، إذ جاء أفضل متوسط ترتيب للدول العربية في مؤشر صافي الإقراض والاقتراض كنسبة من الناتج، ومؤشر خدمة الدين كنسبة من صادرات السلع والخدمات والدخل الأولي، ومؤشر الناتج المحلي الإجمالي وفق تعادل القوة الشرائية.

كما تصدرت كل من الإمارات والسعودية المرتبة الأولى عربيا بمتوسط ترتيب بلغ 46 في أهم مؤشرات الأداء الاقتصادي الداخلي والخارجي الأربعة عشر لعام 2021، تلاهما كل من الكويت وقطر، ثم ليبيا والعراق والبحرين والمغرب، وصولا إلى الجزائر بمتوسط ترتيب 86.

وعلى صعيد الدول العربية التي حلت في مراكز متقدمة في المؤشرات الاقتصادية، حلت ليبيا في المرتبة الأولى عالميا وعربيا في مؤشري معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وإجمالي الاستثمارات كنسبة من الناتج، والثانية عالميا (الأولى عربيا) في مؤشري صافي الإقراض، ورصيد الحساب الجاري من الناتج.

كما تصدرت الجزائر المرتبة الأولى عالميا وعربيا في مؤشر إجمالي خدمة الدين كنسبة من صادرات السلع والخدمات والدخل الأولي، والعاشرة عالميا (الثانية عربيا)، في مؤشر إجمالي الاستثمارات كنسبة من الناتج. وجاءت البحرين في المرتبة الثالثة عالميا والأولى عربيا في مؤشر معدل التضخم، كما حلت قطر في المرتبة الرابعة عالميا والأولى عربيا في مؤشر نصيب الفرد من الناتج وفق تعادل القوة الشرائية، وفي المرتبة السابعة عالميا في مؤشر صافي الإقراض كنسبة من الناتج، كما حلت جيبوتي في المرتبة الخامسة عالميا في مؤشر إجمالي خدمة الدين كنسبة من صادرات السلع والخدمات والدخل الأولي.

في الختام، يشكل مناخ الاستثمار والأداء الاقتصادي، مصدراً هاماً لتدفق رؤوس الأموال وزيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية، التي تلعب دوراً كبيراً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، والمساهمة في النمو الاقتصادي بشكل عام في الدول العربية.

 

د. ثامر محمود العاني

دقّت ساعة النظام النقدي في لبنان: وقف الترقيع وقبول الخيار العلمي

أما وقد استُنزفت على حدّ سواء مهل الإصلاح واحتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية وإمكانية الاستمرار بنظام ربط الليرة باللبنانية بالدولار الأميركي، والذي لم يحقّق يوماً أي تراجع بمستوى الدولرة التي لم تنخفض عن حدود الـ70%، حتى في ظلّ تثبيت سعر الصرف طيلة 22 عاماً ليعاود حالياً التحليق لأكثر من 85%، مستعيداً معدّله إبان أزمة الثمانينات، ولكن هذه المرة بعد دولرة جزء من الدين العام والعجز عن سداده، ومع فقدان القدرة على استخدام ودائع الناس بالعملات الأجنبية في المصارف، ومع تنامي سوق قطاع موازٍ يتأمل المصرف المركزي ضبطه مع وقف الهندسات والبهلوانيات في التدخّل الموصل عبر منصّة صيرفة التي زادت أسعار الصرف بدل توحيدها…

طبعاً يبقى للاقتصادات المدولرة جزئياً والـ«مدمنة على الدولرة» مثل لبنان منذ أربعين سنة، خصوصية تجعل من الضروري بعد فترة انتقالية، التوصّل إلى سعر صرف فعلي يعكس حقيقة السوق، واعتماده كسعر مرجعية للانتقال الى نظام الربط الصارم (مجلس نقد أو دولرة رسمية شاملة). ولكن قبل ذلك، لا بدّ من إنجاح العودة عن ربط عملة وطنية بعملة أجنبية، وإعادة تحرير تسعيرها في السوق، بعد فترة تثبيت والحدّ من تدخّل المصرف المركزي واستنزاف باقي احتياطاته الإلزامية المتبقية من ودائع الناس.

وتدخّل مركزي في سوق القطع له شروط بارزة، تبدأ بتأمين التوقيت المناسب المتزامن مع صدمة إيجابية تجعل من هذا الخيار نتيجة تلقائية مطمئنة إلى ثبات سعر الصرف، من دون الحاجة لتثبيته بتدخّلات منتظمة في سوق القطع… ولا تنتهي بتوفّر عوامل مساعدة من مؤشرات إقتصادية مستقرّة، تسمح بإعادة التعويم السلس من دون إثارة أي قلق أو بلبلة في الأسواق، ومن دون إفساح مجال للمضاربة أو التلاعب بالأسعار لتسجيل الأرباح من فروقات العملة والتأثير الإقتصادي والنفسي من تقلّب التوقّعات… وأساس النجاح دائماً مرتبط بحرّية الاختيار والتوقيت، للانتقال نحو تعويم العملة وليس الاضطرار إلى التعويم، نظراً لفقدان إمكانية المحافظة على التثبيت، لأنّ الثبات يحتاج أولاً الى الثقة والطمأنينة لقدرة السلطة النقدية على الحفاظ على الاستقرار النقدي ودور العملة الوطنية في تحديد الأسعار وتأمين التبادل التجاري والمحافظة على قدرتها الشرائية… الأمر الذي لا يمكن أن يكون على عاتق المصرف المركزي وحده، كلاعب وحيد، منذ انفجار الأزمة، بل يتطلّب تحمّل المالية العامة مسؤوليتها في الإصلاح ووقف اللجوء الى البنك المركزي، إن لطبع الليرة اللبنانية وإن لطلب استخدام المزيد من احتياطي الدولار، ويستدعي تحمّل السلطة السياسية مسؤوليتها في إقرار «كابيتال كونترول» يبرمج علاقة الناس بالمصارف وحجم السيولة المقبول سحبه والتداول به…

وقد قامت بعض البلدان بالانتقال من نظام سعر الصرف الثابت إلى نظام سعر الصرف المرن بشكل تدريجي وسلس، حيث تبنّت أنواعًا من أنظمة أسعار الصرف المتحرّك بهوامش معتدلة، والأنظمة الأفقية والزاحفة، والأنظمة العائمة والمُدارة بانتظام – قبل السماح للعملة بالتعويم بحرّية. فيما كانت التحوّلات الأخرى فوضوية، أي أنّها تتميز بانخفاض حاد في قيمة العملة.

تشير تجارب البلدان إلى أنّ هناك حاجة إلى 4 مكوّنات بشكل عام من أجل الانتقال الناجح إلى مرونة سعر الصرف:

• سوق عملات أجنبية يتمتّع بالعمق والسيولة.

• سياسة متماسكة تحكم تدخّل البنك المركزي في سوق الصرف الأجنبي (ممارسة شراء أو بيع العملة المحلية للتأثير على سعرها أو سعر صرفها).

• أنظمة هوامش سعرية اسمية معتدلة بديلة مناسبة لتحلّ محل سعر الصرف الثابت.

• أنظمة فعّالة لمراجعة وإدارة تعرّض القطاعين العام والخاص لمخاطر العملة.

يختلف التوقيت والأولوية الممنوحة لكل مجال من هذه المناطق بشكل طبيعي من بلد إلى آخر حسب الظروف الأولية وهيكلية الاقتصاد وتطوير سوق الصرف الأجنبي…

يتطلّب تطبيق نظام سعر الصرف المرن وجود سوق صرف أجنبي يتسمّ بالسيولة الكافية والفعالية، للسماح لسعر الصرف بالاستجابة لقوى السوق، ويحدّ من عدد ومدة فترات التقلّب المفرط والانحرافات عن سعر الصرف المتوازن (المعدّل الذي يتماشى مع الأساسيات الاقتصادية للبلد)».

بشكل عام، يتألّف سوق القطع من سوق المصارف، حيث تتمّ عمليات التداول الأساسية بين ممثلي الوسطاء المعتمدين (عادة المصارف والمؤسسات المالية الأخرى) مع بعضهم البعض ومع سوق التجزئة، حيث يجري المكلّفون المعتمدون المعاملات مع العملاء النهائيين مثل الأسر والشركات.

وتُعرف سيولة السوق بهوامش عرض ضيّقة نسبيًا ؛ انخفاض تكاليف المعاملات، معدل دوران كافٍ للحدّ من تأثير التبادلات الفردية على الأسعار ؛ أنظمة التداول والمقاصة والتسوية التي تسهّل التنفيذ السريع للأوامر؛ ومجموعة واسعة من المشاركين الناشطين في السوق…

خطوات من شأنها أن تساعد أي دولة في تحسين عمق وسيولة سوق الصرف الأجنبي لديها:

• السماح ببعض المرونة في سعر الصرف (على سبيل المثال، ضمن نطاق تقلّبات) لتحفيز نشاط الصرف الأجنبي… والعمل على تعزيز الإحساس بمخاطر سعر الصرف في اتجاهين – مخاطر ارتفاع قيمة العملة أو انخفاضها.

• تقليص دور صانع القرار للبنك المركزي، من خلال تقليص تبادلاته مع المصارف وتدخّلاته، لترك السوق للاعبين الآخرين في السوق. يجب ألّا يتفاوض البنك المركزي مع العملاء غير الماليين.

• زيادة معلومات السوق عن مصادر واستخدامات العملات وعن اتجاهات ميزان المدفوعات، لتمكين المشاركين في السوق من تطوير وجهات نظر موثوقة حول سعر الصرف والسياسة النقدية وأسعار صرف العملات بشكل فعّال.

ومن الضروري أن تكون للسلطات أيضًا أنظمة معلومات ومنصّات التداول التي توفّر عروضًا وعروضًا مقابلة في الوقت الفعلي في سوق ما بين البنوك.

• إلغاء اللوائح التي تعوق نشاط السوق. قد تشمل الخطوات المهمّة إلغاء متطلبات تحويل إيصالات النقد الأجنبي إلى البنك المركزي، والضرائب والرسوم الإضافية على معاملات الصرف الأجنبي، والقيود المفروضة على التجارة بين المصارف؛ توحيد سوق الصرف الأجنبي المقسّم؛ وتخفيف القيود المفروضة على ضوابط رأس المال لإنعاش النشاط في سوق القطع. ومع ذلك ، يجب تخفيف ضوابط رأس المال تدريجياً ، توحيد وتبسيط تشريعات الصرف الأجنبي وتجنّب التغييرات المتكرّرة في القوانين، وذلك لتحسين شفافية السوق وتقليل تكاليف المعاملات.

• تحسين البنية المجهرية للسوق من خلال تقليل تجزئة السوق، وزيادة كفاءة وسطاء السوق وضمان تسوية موثوقة وفعّالة للأنظمة.

علماً أنّ تطوير وتعميق سوق القطع يكون يكون أكثر تعقيدًا عندما يضطر بلد ما إلى التخلّي عن سياسة التثبيت وربط سعر الصرف تحت الضغط، بحيث لا يكون لديه الوقت للاستعداد المنظّم لتعويم العملة.

وبالتالي، فإنّ السلطة التي تنتقل إلى نظام مرن، يجب أن تصوغ سياسات بشأن أهداف وتوقيت ومقدار التدخّلات.

علماً أنّه قد يصعب اكتشاف الاختلالات، ولا يوجد إجماع على منهجية لتقدير توازن سعر الصرف. المؤشرات الأكثر استخدامًا – القيمة الاسمية وأسعار الصرف الفعلية الحقيقية والإنتاجية ومقاييس أخرى للقدرة التنافسية وشروط التبادل التجاري وميزان المدفوعات وفروق أسعار الفائدة وأسعار الصرف في السوق الموازية – وعادة، لا يسمح ذلك لصانعي القرار بتقييم درجة الاختلال بدقّة لمساعدتهم في تحديد توقيت وكمية التدخّل.

وحتى عندما يكتشف صانعو السياسة اختلالًا في سعر الصرف أو تقلّبًا مزعزعًا للاستقرار، فقد لا يصحح تدخّل البنك المركزي المشكلة دائمًا. إنّ الأدلة التجريبية على فعالية التدخّل في التأثير على سعر الصرف مختلطة ، ويبدو تأثير التدخّل على مستوى سعر الصرف قصير الأمد. أظهرت الدراسات التجريبية أيضًا، أنّ التدخّل يميل إلى زيادة تقلّب سعر الصرف بدلاً من تقليله. وبالتالي، فإنّ تقّلبات أسعار الصرف قصيرة الأجل قد لا تبرّر التدخّل.

عند الانتقال إلى تحرير سعر الصرف، ثمة عوامل مخاطر ينبغي أخذها بالحسبان بالنسبة الى قيمة العملة الوطنية وفعالية السياسة النقدية… بذلك يشكّل سعر الصرف مرآة لها، مما يسمح بالإستنتاج أنّ لبنان سار بسعر الصرف عكس سير مخاطر البلاد والمؤشرات الاقتصادية ووضع الأصول الخارجية…

محدّدات مخاطر الدولة:

وفقًا للأدبيات الإقتصادية، يرتبط مستوى الفارق بشكل إيجابي كبير بمؤشر الدين/الناتج القومي الإجمالي وخدمة الدين، كما يرتبط بشكل سلبي بنسبة الاحتياطيات الأجنبية/ الناتج القومي الإجمالي والميل إلى الاستثمار. كما يُعتبر نمو الناتج المحلي الإجمالي ونمو الصادرات من المحدّدات الهامة، كذلك الملاءة المالية وحجم الدين العام. كذلك يتبيّن أنّ أنظمة أسعار الصرف المختلفة لها تأثيرات مختلفة على فرق الأسعار واحتمال إصدار سندات الخزينة في أوقات أزمة الديون، وتستمر سياسة العملة في التأثير على فرق الأسعار، كما هناك صلة قوية بين أزمات العملة والتخلّف عن السداد في البلدان النامية.

عندما تقوم دولة ما بالدولرة، يتمّ تحويل ديونها تلقائيًا إلى دولارات. قد تزداد مخاطر البلد التي كانت قائمة على الديون بالدولار، حيث أصبحت الآن هي الخطر على ديون البلد ككل. ثانياً، الدولرة، وبدرجة أقل، أنظمة مجالس العملة، ترفض إمكانية تمويل نفسها من خلال التضخم.

الخلاصة، بعد مرور حوالى ثلاث سنوات على سقوط نظام ربط سعر الصرف، من المستحيل الاستمرار بسعر صرف مصطنع، معتمداً على تدخّل متواصل لمصرف لبنان وتعدّد أسعار الصرف التي زادتها صيرفة بدلاً من توحيدها… تعويم سعر الصرف مع الدولرة المرتفعة التي تخطّت اليوم 80% في لبنان خطر، ولكن مؤقتاً يمثّل إجراء اضطرارياً لمعرفة حقيقة سعر صرف السوق… فهل يتمّ تأكيد تعويم سعر صرف الليرة نصاً وتطبيقاً أياً يكن مسار الدولار وتداعياته على الاقتصاد؟ أم نعود للتمييز بين النص والواقع؟ أم يُعترَف بحقيقة الدولرة رسمياً للحدّ من ازدواجية التعامل بعملتين

د. سهام رزق الله

تبادل الرسائل بين صندوق النقد والدولة

صدر في أواخر الشهر الماضي، (حزيران 2023)، التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، فكانت مناسبة لتبادل الرسائل المباشرة وغير المباشرة بين الدولة اللبنانية والمنظمة المالية الدولية.

نذكّر أنّ هذا التقرير يُعدّ إجراءً روتينياً للصندوق في البلدان المتواجد فيها، لكن الواقع المرّ أنّ كل التقارير منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة حتى تاريخه تتلاحق وتتوالى، من دون أي تغيير، لا بل تسوء يوماً بعد يوم.

في هذا التقرير الأخير، شدّد الصندوق على أن هذه الأزمة هي الأكبر دولياً ومعتمدة، ورغم أنه ليس من واجبه أن يكون محقّقاً ليُحدّد المسؤولية، لكن عليه أن يوضح الحقائق والأرقام بكل شفافيّة وموضوعية.

وشدّد التقرير على أن الليرة اللبنانية خسرت 98 % من قيمتها، وأن التضخُّم في لبنان وصل إلى ثلاثة أرقام، أي ما يُسمّى بالإنكليزية Triple digit inflation، أي التضخّم المفرط، وهو الأكبر من بين بلدان العالم، فضلاً عن أن كلفة العيش تضاعفت بنحو 20 مرّة على الأقل، وتدهورت نسبة العيش.

كما شدّد أيضاً على أن الخسائر في الإقتصاد وفي الناتج المحلي، تراوحت بين 50 % و60 % من حجمهما، وستحتاج البلاد إلى سنوات طويلة، لا بل إلى عقود، لإعادة تكوّنهما من جديد، والوصول إلى توازن اقتصادي ومالي ونقدي مقبول ومُستدام.

وذكر أيضاً أن المصرف المركزي خسر أيضاً ثلثي عملاته الأجنبية التي كانت في حوزته، واستُكمل النزف من دون أي إصلاح أو خطة أو استراتيجية، منذ بدء الإنهيار، أي منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة.

وشَدّد الصندوق اللهجة في هذا التقرير، وحمّل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة للحكام والمسؤولين السياسيين الذين لا يزالون يطمرون رؤوسهم بالتراب، من دون أي نيّة واضحة للإصلاح، أو للتغيير، ومتابعة الوضع الراهن، من دون أن يرف لهم جفن. فاستعمل للمرّة الأولى، لهجة عنيفة، لكن برأينا (كانت لطيفة) بالنسبة إلى حجم الأزمة، وعدم تحمُّل المسؤولية، من دون أي قلق.

الرسالة المباشرة التي تقدّمها الدولة والمسؤولون في لبنان واضحة جداً، وهي أنهم ليسوا مهتمّين بالصندوق، ولا بتقاريره، ولا حتى بأمواله وبتمويله الضعيف، بالنسبة إليهم، وليسوا لاهثين وراء أي تفاوض أو اتفاق أو مشروع مع الصندوق، لأنهم يُدركون تماماً بأن أي اتفاق مع صندوق النقد يعني التدقيق حيال كل الوزارات، وكل مداخيل الدولة، وملاحقة المشاريع والتنفيذ، وإعادة الهيكلة، وإقفال كل مزاريب الهدر والفساد.

فلا مصلحة للدولة اللبنانية برأيهم وأفكارهم السوداء وأجنداتهم الملغومة، لبضع ثلاثة أو أربعة مليارات دولار، التي برأيهم لن تغيّر شيئاً في الواقع، لكن الذي يجهلونه هو أن إعادة لبنان على السكة الصحيحة سيجذّب أضعافاً من هذه المبالغ والإستثمارات، على المدى القصير، المتوسط والبعيد. لكن تعوّدنا عليهم، إذ همّهم الأول والوحيد هو الإستفادة الشخصية والسريعة والسهلة، وليس البناء والإنماء والنمو.

رسالة السلطات اللبنانية واضحة، لمتابعة الواقع الأليم والتدهور المزمن، لأن ضمن الخسائر الكبيرة، هناك استفادات وأرباح ضخمة. وباستبعاد المستثمرين وروّاد الأعمال يجذبون الفاسدين والمبيّضين والمروّجين.

أما رسالة الصندوق الواضحة أيضاً فهي أنه لا يُمكن تمويل، أو استثمار سنت واحد، قبل تنفيذ الإصلاحات بجدّية، وملاحقة دقيقة لكل المطالب التي بقيت حبراً على ورق منذ عقود.

في المحصّلة، الواضح أن الأهداف والرسائل المباشرة وغير المباشرة بين صندوق النقد الدولي والدولة اللبنانية جليّة جداً، وتقودنا إلى النتيجة عينها: لا أحد يريد مشروع الصندوق، ولا تمويله، ويتبارون أمام الشاشات بشعارات وهميّة، تدعم الصندوق، لكن وراء الستار كل المسؤولين يعملون ليلاً ونهاراً، عكس المطلوب، ولا يريدون حتى ظل مشروع الصندوق، لأن أي مشروع مالي دولي، يعني التدقيق، والملاحقة، وإعادة الهيكلة، ووقف الهدر والفساد، وكل العبارات التي لا توجد في قاموسنا السياسي الداخلي.

 

د. فؤاد زمكحل

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات