الاستثمار الأكثر أماناً… لم يعد كذلك

في عام 2007، وبعد عامين من انتقال ملكية أسهم والدها إليها، أصبحت الصينية يانغ هيوان أغنى امرأة في آسيا وهي لا تزال ابنة 26 ربيعاً. وتمكنت يانغ من إدراج شركتها العقارية «كانتري غاردن» في سوق هونغ كونغ ورفعت بعدها القيمة السوقية للشركة من 19 مليار دولار عام 2007 إلى أكثر من 46 مليار دولار عام 2018، وذلك بفضل النمو المطّرد لقطاع العقار الصيني. ولكن الوضع لم يستمر على حاله ليانغ، فقطاع العقار الصيني تعرض لهزة عنيفة خلال العام الماضي، تسببت في خسارة يانغ أكثر من نصف ثروتها البالغة 23.7 مليار دولار، لتصل الآن إلى 11.3 مليار. خسارة ملياردير لنصف ثروته خلال عام واحد ليست بالحدث البسيط، وهي ناتج لأزمة عميقة في قطاع العقار الصيني، فكيف حدثت هذه الأزمة لقطاع يعدّه الكثيرون الاستثمار الأكثر أماناً؟ وما تبعات هذه الأزمة على بقية العالم؟
نمو الاقتصاد الصيني أدى إلى زيادة الطبقة المتوسطة، وهو ما رفع الطلب على المنتجات العقارية، ونتيجة لذلك زاد نشاط الشركات العقارية التي اتبعت نموذج عملٍ متهور هو أحد أسباب الأزمة اليوم. فكانت هذه الشركات تشتري الأراضي الشاسعة بسعر باهظ، ومن ثم تبيع المساكن للعملاء قبل البدء بأعمال البناء. وتُموّل هذه الشركات المشاريع من الدفعات الأولى للمشترين ومن القروض الميسّرة من البنوك. هذا النموذج زاد ديون الشركات العقارية وبالتالي زيادة معدل الخطر فيها، ولذلك، وعندما التفتت الحكومة الصينية إلى هذا السلوك الخطر بداية هذا العام وقررت إيقاف الديون الميسّرة على هذه الشركات وتحديد سعة ديونها، دخلت هذه الشركات في دوامة تسببت في عجز الكثير منها عن سداد ديونها، لتصل الديون المتعثرة لدى البنوك الصينية اليوم إلى أكثر من 430 مليار دولار.
الأثر الواقعي لهذه الأزمة كان إيقاف الأعمال على الكثير من المنشآت السكنية في الصين، وهو أمر أدركه المشترون، فقرروا قبل عدة أسابيع عدم سداد أقساط المساكن كنوع من الاحتجاج على الوضع الراهن، وهو ما فاقم أزمة الشركات التي لم تعد تجد السيولة الكافية لتسيير أعمالها وسداد ديونها. وما حدث لـ«كانتري غاردن» هو أمر مشابه لذلك، فلم تستطع الشركة الاقتراض من البنوك، ولم يشفع لها أن مالكتها هي أغنى امرأة في آسيا، ولذلك قررت الشركة بيع نسبة من الأسهم بسعر مغرٍ للحصول على سيولة تبلغ 343 مليون دولار، ولكن هذا الإجراء أكد للسوق أن الشركة لا تملك السيولة لتسيير أعمالها وسداد ديونها، فانخفض سعر السهم بنحو 15 في المائة، وانخفضت قيمة الشركة بـ1.7 مليار دولار في يوم واحد.
وقطاع العقار له نسبة لا يستهان بها في الناتج المحلي الصيني، فنسبته تشكل ما بين 18 و30 في المائة منه، أي أن ربع الناتج المحلي الصيني (في المتوسط) من قطاع العقار. والعالم لم ينسَ بعدُ كارثة 2008 المالية التي لم تختلف مسبباتها كثيراً عن الحال في الصين، وعلى الرغم من أن الأزمة الحالية قد لا تتفاقم إلى أزمة عالمية، حسب آراء الخبراء، فإن أثرها قد لا يكون بسيطاً في العالم بأسره، فحينما يتأثر قطاع حجمه يقترب من 4 تريليونات دولار، فإن العالم سيتأثر بلا أدنى شك من هذا التأثر. ويبدو أن الحكومة الصينية أدركت أن أثر احتجاجات الملّاك بعدم الدفع قد يزيد الوضع سوءاً، ولذلك فقد أعلنت عن حزم مساعدات للقطاع العقاري بنحو 44 مليار دولار على عدة مراحل، وهو أمر يصب في مصلحتها بشكل مباشر.
إن خسارة يانغ لنصف ثروتها ما هو إلا رمز على عمق أزمة الديون في العالم، وأزمة العقار في الصين بشكل خاص. وهو دليل على أن الاستثمارات المعتمدة على الديون بشكل كامل هي استثمارات خطرة على الاقتصاد، والدليل أن الأزمة الحالية هي أزمة لقطاع يعد أحد أكثر القطاعات أماناً من الناحية الاستثمارية، وأثره السلبي كان على ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهو إثبات على أن نفس الأثر قد يحدث على أي اقتصاد في العالم، ولأي استثمار يستند إلى الديون بشكل كلي. وها هي صورة يانغ أصبحت رمزاً لانهيار العقار، بعد أن كانت مثالاً للمرأة الآسيوية الناجحة.

د. عبد الله الردادي

السياسة النقدية والسيادة اللبنانية: هل الدولرة الشاملة بعد الفوضى الشاملة؟

أصعب ما تشهده السياسة النقدية في لبنان يكمن في ثلاثية الضغوط التي تسببّت منذ سنوات وتحديدًا بشكل متفاقم منذ العام 2011، بتكبيل المصرف المركزي وتضييق هامش القرار فيه بين انهيار السياسة المالية للحكومات المتعاقبة وغياب إقرار الموازنات، وخصوصاً قطع الحسابات واللجوء للتمويل المباشر من مصرف لبنان حتى اليوم، والتمسّك بنظام سعر الصرف المبني على ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي بنفس المستوى، أيًا يكن وضع ميزان المدفوعات، واستمرار الاستيراد على أساسه لسنوات، واستمرار تقديم سلفات خزينة خصوصاً منها للكهرباء على أساسه… فضلًا عن ضغط الدولرة الجزئية التي تحكم المصرف المركزي بتثبيت سعر الصرف نظرًا للتداول بالعملتين في الأسواق… اليوم بعد سقوط نظام ربط سعر الصرف من الطبيعي أن يعتقد البعض أنّ البديل هو تحرير سعر الصرف. إلّا أنّ هذا الخيار مستحيل في ظل ارتفاع الدولرة الجزئية التي تتطوّر لتصبح رسميًا.. فكانت ردة فعل السوق فرض الدولرة كأمر واقع ولو بشكل فوضوي بغياب القرار الرسمي…ما هي أبرز التحدّيات لاتخاذ القرار وإشكالية السيادة في السياسة النقدية؟ وكيف الهروب عبر ترك الدولرة الشاملة تتحقق كأمر واقع؟

من الملفت في الأدبيات الاقتصادية الحديثة التي تناولت لبنان، مقالة علمية للاقتصادي المتخصّص بالدولرة، لا سيما في البلدان النامية، جان فرنسوا بونسوJean Francois Ponsot (2019)، الذي صنّف لبنان للمرة الأولى في سلسلة مقالاته، ضمن خانة البلدان التي تتسّم بالدولرة الرسمية ولو الجزئية… فيما أكثرية القراءات تتجّه اليوم لاعتبار لبنان على طريق الدولرة غير الرسمية، والتي قد تصبح شاملة، بعد تزايد نسبتها في الأسواق والقطاعات يومًا بعد يوم، وتقبّل لا بل المطالبة بسيطرة الدولار في السوق، إن من حيث التسعير أو التداول والدفع، فضلًا عن عملة الإدخار…

 

سياسيًا، في لبنان وفي بعض البلدان النامية التي شهدت ميلًا نحو الدولرة تدريجيًا، يشكّل هاجس «السيادة الاقتصادية» لدى السلطات الرسمية نوعًا من الـ Tabou في اتخاذ القرار رسميا بشأن الدولرة كـ»نظام الربط الصارم» لسعر صرف العملة الوطنية، بعد الوصول إلى لحظة اللارجوع في افتقاد الثقة بالسياسات الاقتصادية التي تعكسها قيمة العملة الوطنية.. وذلك بعد سقوط حتى نظام التثبيت، من خلال نظام الربط المرن للعملة الوطنية بعملة أجنبية دولية مثل الدولار، في ظل دولرة جزئية ناتجة من تجربة تضخّم مفرط وانهيار سعر الصرف…

 

سياسيًا، صحيح أنّ العملة الوطنية الخاصة بكل بلد لها رمزية ودلالة على استقلال وسيادة اقتصادية، مثلها مثل وجود علم ونشيد وطني للبلد المعني… إلّا أنّ الأدبيات العملية وتجارب البلدان، أظهرت أنّ الدولرة الشاملة ما هي إلّا نظام ربط صارم Hard Peg يتمّ الوصول إليه كأمر واقع، بعد صعوبة تأمين الاستقرار النقدي، حتى عبر الربط المرن Soft Peg في ظل دولرة جزئية وانعدام الثقة لدى العملاء الاقتصاديين… وبالتالي، على الرغم من صعوبة اتخاذ القرار باعتماد «عملة أجنبية» رسميًا إلى جانب أو ربما مكان العملة الوطنية، إلّا أنّ «غياب القرار» لا يلغي واقع أنّ العملة الجيّدة تطغى على العملة الضعيفة» عند تواجدها في نفس السوق La bonne monnaie chasse la mauvaise monnaie

المصدر: Ponsot, J. F. (2019). Économie politique de la dollarisation. Mondes en développement, 188(4), 51-68.

 

 

السلطات الرسمية تعرف تمامًا أنّه في ظل دولرة جزئية مرتفعة لا يمكن اللجوء إلى تحرير سعر الصرف واعتماد «النظام العائم» لسعر الصرف، لأنّ كل الأدبيات الاقتصادية والتجارب الدولية أثبتت أنّ هكذا خيار هو الأخطر على اقتصاد البلد المعني، حيث السوق يتّسم فقط بالطلب على الدولار دون أي طلب على العملة الوطنية.. مما يجعل من المستحيل توقّع مستوى التوازن في تلاقي العرض والطلب لتحديد سعر صرف حقيقي مقبول في السوق، يضمن صمود العملة الوطنية…

 

وقد أظهرت مجمل الدراسات حول الدولرة منذ السبعينات والثمانينات، أنّ الدولرة في الاقتصادات النامية ترافقت مع عملية تفكّك نقدي، كان التضخم المفرط هو الشكل الأكثر شيوعاً. وتميل التحليلات الأخيرة إلى التركيز على قضية الدولرة الشاملة، والتي لا يتمّ تفسيرها على أنّها تمحو المخاوف المتعلقة بالتضخم المفرط وفوضى التسعير والتداول في الأسواق… وتتعارض الدولرة بحكم الواقع، أو غير الرسمية، مع الدولرة القانونية أو الرسمية.. إذ تتوافق الدولرة الواقعية مع الوضع الذي يستخدم فيه العملاء الاقتصاديون العملة الأجنبية، على الرغم من عدم وجود غطاء قانوني. إنّه خيار عفوي يأتي من اختيار القطاع الخاص.

 

فيما تتميّز الدولرة الرسمية بحكم القانون، مع الوضع الذي يتمّ فيه الاعتراف رسميًا باستخدام العملات الأجنبية من قِبل السلطات.. إنّها دولرة مؤسسية تعكس اختيار السلطات العامة. ولكن يُلاحظ عادة، أنّ معظم التحليلات لا تحترم هذا التمييز. هناك اتجاه يتمّ الخلط فيه عموماً بين الدولرة الجزئية والدولرة الواقعية والدولرة الكاملة مع الدولرة الرسمية.

 

وهناك نوعان من الدولرة الرسمية يمكن تحديدهما من جانب واحد، عن طريق استبدال عملة وطنية بعملة أجنبية بحتة. وببساطة من خلال منح هذه الأخيرة سلطة تحرير غير محدودة في كل أنحاء البلاد، أو اختفاء العملة المحلية أو اختزالها بأدوار محدّدة (دفع الضرائب، رواتب القطاع العام، رسوم المعاملات الرسمية…). في تعميق التمييز المزدوج بين: الدولار الجزئي والدولار الكامل من جهة؛ ومن ناحية أخرى، الدولرة بحكم الواقع والدولرة (الرسمية) القانونية، من المهم الإشارة إلى معيارين للتمييز: المعيار الأول، يتعلّق بدرجة تغلغل معدل الدولرة في الممارسات النقدية للبلد المعني، فيما المعيار الثاني يتعلّق بدرجة إضفاء الطابع الرسمي أو المأسسة على دولرة الاقتصاد. ويؤدي الجمع بين معياري التمايز إلى أربعة أنظمة قياسية للدولرة.

 

أما هروب المؤسسات الرسمية من اتخاذ القرار بالدولرة الشاملة تحت راية «السيادة النقدية والاقتصادية» فما هو الّا مسألة وقت بانتظار «الإقرار» بخيار السوق فرض الدولرة الشاملة كأمر واقع، في ظلّ فوضى عارمة بين الأسواق والقطاع والتعامل بين المواطنين وانهيار الاستقرار الاجتماعي نتيجة الهوة وقلة العدالة الاجتماعية التي تنتج من «حرمان» جزء من الموظفين من العملة الصعبة، فيما جزء آخر من المواطنين «يتمتع» بالحصول عليها وفرض التسعير والتداول بها و»تهميش» كل من لا يملكها، أو يملك ما يوازيها وفق سعر السوق الموازي، من إمكانية الحصول على أبسط الأساسيات (بنزين ودواء وتغطية صحية وطبابة وتعليم ولباس.. وحتى غذاء، متى اشتدت الأزمة).

 

في الوقت عينه، تحقّق الكثير من الشركات والمؤسسات الأجنبية والمحلية مردودًا بالعملة الأجنبية واضحًا في عقودها (من شركات الاستيراد والتصدير والتأمين وإعادة التأمين ومكاتب السفر والشركات العاملة في المطار والمرفأ والمؤسسات المالية الدولية ومكاتبها في لبنان، والمنظمات الدولية ذات الموازنات بالعملات الأجنبية والرواتب بالعملات الأجنبية…)، وهي لا تزال تسدّد الضرائب للدولة اللبنانية بالعملة الوطنية وعلى أساس سعر صرف رسمي.. مع كل ما يشكّل ذلك من خسارة إيرادات محقّة للدولة، كان يمكنها استخدامها لتغطية تكاليفها بالعملة الأجنبية وجزء من رواتب القطاع العام بالعملة الصعبة، لو يتمّ الاعتراف بالدولار الأميركي كعملة رسمية للتسعير والتداول وتسديد الضرائب المحقّة لخزينة الدولة، في أكثر وضع اختناقًا لماليتها وإضرب مفتوح لموظفيها!

 

علماً أنّ لبنان وقبل الأزمة الحالية وبعد الأزمة النقدية في الثمانينات، يشهد دولرة جزئية مرتفعة لم تتراجع حتى طيلة فترة 22 عامًا من تثبيت سعر الصرف، مما يدلّ إلى صعوبة استعادة الثقة في أكثر الفترات استقرارًا على جميع الصعد، فكيف بالحري اليوم؟ ولذلك تمّ مطلع التسعينات إنشاء غرفة مقاصة للشيكات بالدولار إلى جانب المقاصة للشيكات بالليرة اللبنانية، كما كانت تجري عملية تعبئة الصرافات الآلية بالدولار الأميركي إلى جانب الليرة اللبنانية، لا بل كان يُسمح للمودعين إجراء التحويلات أوتوماتيكيًا بين العملتين وسحب المبلغ المطلوب ورقيًا عبر الصرافات الآلية دون رقيب أو حسيب أو سقوف تحول دون «تنشيف» السوق من «الدولار الورقي» وجعلها مادة سهلة للمضاربة في السوق السوداء في أي «ساعة صفر»…

 

كل الخيار اليوم محصور بين تنظيم الانتقال التدريجي باتجاه الدولرة الشاملة وفق خارطة طريق (سبق نشرها في صحيفة «الجمهورية» بالذات بتاريخ 11 أيار 2022) مما يوفّر على لبنان ومواطنيه عناء الفوضى، وبين «غياب قرار» وترك الأسواق تفرض الأمر الواقع للإقرار به لاحقاً، بعد صراع اجتماعي لا يمكن تحديد مداه ومخاطره مسبقًا بين الشرائح التي يصلها الدولار، وتلك التي تختنق لافتقاده ويضيق حالها بالوصول لأبسط حقوقها المعيشية اليومية وعلى رأسها حق الطبابة المدولرة كليًا اليوم…

 

يبقى القول إنّ السياسة النقدية هدفها الأساس تأمين الاستقرار في قيمة العملة الوطنية وقدرتها الشرائية، مما يتطلّب استقلالية المصرف المركزي، لاسيما تجاه السلطة المالية، للتحرّر من مخاطر الضغط عليه لطباعة العملة الوطنية وتمويل عجز الخزينة ومديونيتها.. ولكن، في ظلّ تكبيل السياسة النقدية بالسياسة المالية وتفادي غياب القرار بشأن نظام سعر الصرف، لا يبقى من هامش تحرّك بالأدوات التقليدية لتأمين الاستقرار النقدي.. فهل تكون مسألة وقت فقط للاعتراف رسميًا بالدولرة الشاملة بعد الفوضى الشاملة؟

د. سهام رزق الله

الركود لن يطال شركات التكنولوجيا الكبرى

عندما أصرّ الرئيس الأميركي ووزير الخزانة ومسؤولون آخرون في إدارة بايدن الأسبوع الحالي على أن الاقتصاد الأميركي حالياً لا يعاني من الركود، تعرضوا للسخرية لتمكنهم من درء الأخبار السيئة عن أنفسهم فقط لأسباب إجرائية، كمن أفلت من العقاب لنقص في الإجراءات. فقد أعلنت وزارة التجارة، الخميس، أن المقياس الأوسع للنشاط الاقتصادي، الناتج المحلي الإجمالي، انخفض للربع الثاني على التوالي خلال العام، في إجماع لتعريف واسع الانتشار، وإن كان غير رسمي، على حدوث الركود. صحيح، بحسب المحيطين بالرئيس بايدن، أن الحَكم الرسمي للركود في البلاد، «المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية»، لم يعلن حدوث الركود صراحة لأنه يعتمد على العديد من المؤشرات الأخرى، فقد بدا الأمر كما لو أن فريق بايدن يبحث عن حجج ولو واهية لتعزيز موقفه.
على الرغم من ذلك، فقد قضيت خلال الأيام القليلة الماضية وقتاً أطول من اللازم في الاستماع إلى شرح الرؤساء التنفيذيين عن أعمالهم خلال بيانات أرباح الشركات الفصلية. (ماذا يمكنني أن أقول؟ كنت سعيداً لقضاء وقت ممتع.)، لكنى فوجئت بما سمعت. أقنعني المديرون التنفيذيون أن طاقم بايدن لديهم وجهة نظر، ناهيك عن جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي قال أيضاً الأسبوع الحالي، إن الركود ربما لم يبدأ بعد.
الاقتصاد في وضع غريب حقاً. فهناك بالتأكيد مؤشرات تدل على المشاكل. ففي بعض أكبر الشركات في البلاد – لا سيما في صناعة التكنولوجيا – يكاد يصل الوضع إلى حد الكآبة. وعلى العكس، ففي الشركات التي تعاني حقاً، لم تكن الأرقام بالسوء الذي كان يخشاه المستثمرون.
في بداية الأسبوع، أبلغت المسؤول عن تحرير مقالاتي، أنني سأكتب عن الكيفية التي قد تواجه بها صناعة التكنولوجيا واحدة من أسوأ حالات التباطؤ منذ عقدين. بحلول نهاية الأسبوع، وجدت نفسي أتراجع عن أي شيء مثير. نعم، تمر بعض الشركات بأوقات عصيبة بشكل غير معتاد؛ نماذج الأعمال تتفجر، المنافسة تحتدم، المنظمون يزدادون صرامة، التوظيف يتباطأ، يُطلب من العمال أن يفعلوا المزيد بموارد أقل. وكل هذا نراه على «فيسبوك» فقط.
ولكن هناك أيضاً دلائل على أن بعض الشركات الضخمة تبحر ببراعة وسط أمواج عاتية في «بيئة اقتصاد كلي صعبة» دفعت الرؤساء التنفيذيين لتبني إجراءات جعلتني أقول إنهم ربما اعتمدوها في اجتماع سري.
لنأخذ في الاعتبار بعض النقاط الأكثر إشراقاً: ذكرت شركة «كوالكوم»، عملاق صناعة الرقائق، أنه على الرغم من «بيئة الاقتصاد الكلي الصعبة»، فقد نمت الأرباح بأكثر من 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي بسبب المبيعات القوية لمعالجاتها المستخدمة في الهواتف والسيارات. وذكرت شركة «فورد»، أن المبيعات الضخمة لسيارات الدفع الرباعي و«الكروس أوفر» دفعت أرباحها المعدّلة قبل الضرائب والفوائد إلى أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي. وفي الوقت نفسه، أفادت شركات «فيزا» و«ماستركارد» و«أميركان إكسبرس» بأن الأميركيين ما زالوا ينفقون كما لو أنه ليس هناك غد. وذكر فاسانت برابهو، كبير المسؤولين الماليين بشركة «فيزا»، أمام المستثمرين «لا نرى أي دليل على تراجع إنفاق المستهلكين».
كان الكثيرون في «وول ستريت» قلقين بشكل خاص بشأن النتائج من الشركات العملاقة، مثل «أبل» و«بيغ تيك» و«مايكروسوفت» و«أمازون» و«ألفابيت» و«ميتا»، وهي الشركات الأم لـ«غوغل» و«فيسبوك». هذه الكيانات من بين الشركات الأميركية الأكثر قيمة، وقد ارتفعت قيمها خلال فترة الوباء. لكن نمو الشركات الكبرى للتكنولوجيا تباطأ العام الحالي، وانهارت أسعار أسهمها. في هذا الصدد، قال دان آيفز، المحلل في مؤسسة «ويدبوش سيكيوريتيز» الذي كان متفائلاً بشأن عمالقة التكنولوجيا، إن المشاعر بين مستثمري التكنولوجيا كانت الأكثر سلبية منذ عام 2009.
ثم حدث الثلاثاء أن أعلنت شركتا «مايكروسوفت» و«ألفابيت» أرقامهما وقلبتا الأمر رأساً على عقب، حيث ذكرت «ألفابيت»، أن إيراداتها نمت بواقع 13 في المائة مقارنة بالعام الماضي – أقل من المعتاد لشركة مثل «غوغل» التي تدر مكاسب باهظة، ولكن ليس أقل بكثير مما توقعه المحللون وأفضل مما كان يخشى الكثيرون. قال آيفز، إن نتائج «غوغل» غير السيئة تشير إلى أن سوق الإعلان عبر الإنترنت كانت متماسكة.
كانت نتائج «مايكروسوفت» أيضاً أقل مما توقعه المحللون، لكن المستثمرين كانوا سعداء بهذه النتائج، لا سيما النمو بنسبة 40 في المائة في أعمال الخدمات السحابية لشركة «مايكروسوفت». في هذا السياق، قال آيفز «نظراً لأن عمل (مايكروسوفت) الأساسي يتمثل في توفير خدمات تقنية للشركات الكبيرة، فقد ألقى الرقم السحابي القوي الخاص بها ضوءاً إيجابياً على الاقتصاد بأكمله»، مضيفاً «ربما كانت هذه واحدة من أهم نقاط البيانات منذ سنوات لقطاع التكنولوجيا».
الأربعاء الماضي، ذكرت «ميتا» سبب وجود بعض الأرقام الكئيبة للغاية. فمن بين أمور أخرى، سجلت الشركة لأول مرة انخفاضاً في الإيرادات الفصلية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. لكن التوقعات كانت منخفضة للغاية بالنسبة لـ«فيسبوك»؛ إذ انخفض سهم الشركة العام الحالي بعد أن ذكرت، أن ميزات الخصوصية الجديدة لشركة «أبل» قد أعاقت قدرتها على جمع البيانات عن المستخدمين. لقد واجهت أيضاً منافسة مستمرة من «تيك توك». ولأن مارك زوكربرغ، مؤسس «فيسبوك» والرئيس التنفيذي، ينفق المليارات لتحويل الشركة من شبكة اجتماعية إلى عالم «ميتافيرس» الافتراضي – لا تزال قيد التطوير ويعتقد أنها ستكون يوماً ما في قلب تجربتنا الحاسوبية – فإن مستقبل شركته يبدو أكثر من مجرد كئيب. لكن كان هناك ضوء مشرق في تقرير «ميتا» الكئيب؛ إذ قال زوكربرغ، إن شركة «ريلز»، منافسة «تيك توك» والتابعة لـ«غوغل»، تكتسب شعبية بين المستخدمين والمعلنين، كما أن أرقام مستخدميها لا تزال صامدة. كانت «ميتا» تتعامل مع الكثير من الأخبار السيئة – أعلنت «لجنة التجارة الفيدرالية» الأسبوع الحالي، أنها ستقاضي لمنع الشركة من شراء شركة صغيرة ناشئة في الواقع الافتراضي – وبالكاد يمكن أن تنخفض التوقعات. وقال آيفز «كان الشارع يتوقع كارثة أسطورية مؤكدة». لكن بالمقارنة مع الإعصار المتوقع للأرباح الرهيبة، فإن أرقام «فيسبوك» كانت أشبه بـ«عاصفة مطيرة صغيرة»، على حد قوله.
بعد إغلاق الأسواق، الخميس، أبلغت «أمازون» و«أبل» عن أرقامهما الفصلية. خمّن ماذا قالت؟ هم أيضاً في الغالب يبلون بلاء حسناً، حيث ذكرت «أمازون»، أن أعمالها السحابية نمت بنسبة 33 في المائة مقارنة بالعام الماضي. وصرح المدير التنفيذي لشركة «أبل» لشبكة «CNBC» الإخبارية، بأن الشركة تتوقع «تسريع» الإيرادات في الربع المقبل.
جادلت العام الحالي، بأنه على الرغم من التباطؤ الأخير، كان عهد شركات التكنولوجيا الكبرى في بدايته. ومع تراجع الاقتصاد على مدار العام، بدأت أشك في صحة توقعاتي الجريئة. لكني الآن أصبحت أضاعف من توقعاتي. قد يواجه عمالقة التكنولوجيا، شأن باقي قطاعات الاقتصاد، أوقاتاً عصيبة قريباً. لكن «أمازون»، و«أبل»، و«مايكروسوفت»، و«غوغل»، وحتى «فيسبوك»، تتغلب على الأوقات الصعبة بشكل أفضل بكثير مما كان متوقعاً.
لن تختفي شركات التكنولوجيا الكبيرة في أي وقت قريب.

البنك الدولي: النظام المالي للبنان في قبضة مخطط “بونزي”.. والتداعيات تُسبب ألماً اقتصادياً غير مسبوق

 

 

 

اتهامات صريحة وجهها البنك الدولي لنظام المالية العامة في لبنان مؤكداً أن النظام لدى البلد الذي يمر بأزمة مالية طاحنة ليس إلا مخطط “بونزي

 

ويعتمد مخطط الاحتيال المعروف باسم “بونزي” على جذب المستثمرين عبر تقديم الوعود بتحقيق عائد كبير دون مخاطرة، لكنه في واقع الأمر يعتمد على استخدام أموال المستثمرين الجدد لدفع مستحقات المستثمرين السابقين من أجل كسب ثقتهم.

ويشهد لبنان العام الثالث من الانهيار المالي الذي تسبب في سقوط كل 8 أشخاص من بين 10 أشخاص في براثن الفقر، التقرير لم يكتف بذلك بل شدد أن هذا الانهيار ربما كان متعمداً وأن تلك الفترة هي واحدة من أسوأ ثلاثة أعوام في التاريخ الحديث.

زمة اقتصادية متعمدة

اتهامات البنك الدولي ليست الأولى هذا العام إذا سبق أن وبخ السياسيين الحاكمين في لبنان في يناير كانون الثاني بسبب اتهامات بتدبير انهيار اقتصادي كارثي للبلاد عبر إحكام قبضتهم على الموارد.

وتأتي تلك الاتهامات بعد دراسة المالية العامة للبنان من عام 1993 وحتى 2019، إذ يرى البنك أن الأزمة الاقتصادية على مدار الثلاثين عاماً الماضية كانت من تصميم النخب ومقصودة من جانبهم.

كما يرى أن تلك النخب استولت على السلطة من أجل تحقيق مكاسب مالية خاصة بهم وسمحت لهم في الوقت نفسه بتراكم السلطة السياسية عبر استبدال الدولة لتوفير الخدمات للشعب.

وقد أدى هذا الانهيار إلى خسارة بأكثر من 90% لقيمة العملة المحلية للبنان.

وقال التقرير نصاً: الشعارات السياسية بشأن قدسية الودائع هي مجرد شعارات جوفاء وانتهازية، في الواقع فإن إساءة استخدام السياسيين لهذا المصطلح أمر قاس.

لا يقتصر الأمر فقط على التناقض الصارخ مع الواقع بل إن الوضع الذي شهده لبنان يمنع الحلول لحماية معظم المودعين الصغار والمتوسطين إن لم يكن جميعهم.

تحركات متأخرة

وبحسب البنك الدولي، فإن السياسيين اللبنانيين غالباً ما يقولون إنه يجب الحفاظ على حقوق المودعين في أي خطة لمعالجة خسائر حوالي 70 مليار دولار في النظام المالي، حتى لو فقدت مدخراتهم نحو 80% من قيمتها بفعل الانهيار.

وأضاف: كان ينبغي قبول الخسائر وتحملها من قبل مساهمي البنوك وكبار الدائنين، الذين استفادوا بشكل كبير خلال الثلاثين عاماً الماضية من نموذج اقتصادي غير متكافئ للغاية.

وأكد أن كل من الفقراء والطبقة الوسطى لم يحصلوا على خدمة جيدة في ظل هذا النموذج وأنهم من يتحملون العبء الرئيسي لهذا الإفلاس.

وشدد على أن تلك الأمور كانت لابد حدوثها في بداية الأزمة للحد من الآلام الاقتصادية والاجتماعية.

كما أوضح أن قسماً كبيراً من مدخرات الناس أسيء استخدامه وكذلك إنفاقه على مدار الأعوام الثلاثين الماضية.

وواصل: أقرضت البنوك اللبنانية الدولة بكثافة إذ تراكم عليها ديوناً ضخمة نتيجة الفساد وسوء الإدارة.

ما تداعيات هذا الإخفاق على الخدمات؟

وتسببت تلك الأزمات المتلاحقة في وصول التضخم إلى مستويات بالغة الارتفاع إلى جانب اكتناز البضائع الأساسية وانقطاع شامل في إمدادات الطاقة ونقص إمدادات المياه في جميع أنحاء البلاد وكذلك انهيار التعليم والصحة والخدمات الأساسية.

وبحسب التقرير، يعد عدم كفاية الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه من العوامل الرئيسية التي تسهم في كل من المشاكل الاقتصادية في لبنان وسجل الحكومة.

وأشار التقرير إلى أن تقديم خدمات متداعية هي مسألة مقصودة تهدف تعزيز الامتياز ما بين القطاعين العام والخاص لدعم المستفيدين الرئيسيين من اقتصاد ما بعد الحرب الأهلية في لبنان.

هذا ويتوقع البنك الدولي وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 272% بحلول نهاية العام الجاري وفقاً لسيناريو يفترض عدم اتخاذ إجراءات بشأن السياسة.

وبحسب هذا السيناريو فمن المتوقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 6.5% في 2022 إلى 14.162 مليار دولار مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة عند 55.27 مليار دولار.

الفشل يلاحق خطط الإصلاح.. ومخطط بونزي يبسط هيمنته

وضعت الحكومة السابقة خطة لمعالجة الخسائر في عام 2020 لكن اعتراضات القطاع المصرفي والبنك المركزي وكذلك الفصائل الطائفية التي لها الكلمة في بيروت نسفت هذه الخطة.

الخطة الجديدة التي تمت الموافقة عليها في مايو أيار واجهت اعتراضات كذلك.

ويريد صندوق النقد الدولي من لبنان الموافقة على خطة إعادة هيكلة مصرفية كأحد الشروط المسبقة للموافقة على مسودة اتفاقية التمويل.

وتساءل التقرير إلى أي مدى لبّت السلطات احتياجات التمويل من خلال مخطط “بونزي”، مؤكداً أنه كلما تم تنفيذ الإصلاحات الضرورية بصورة مبكرة كلما كانت تكلفة مخطط بونزي أقل إيلاماً للبنانيين.

صندوق النقد مُحاصَر: ثرثرة وشكاوى ومصالح

تحوّل صندوق النقد الدولي الى حائط مَبكى، والى صندوق بريد للرسائل المشفّرة، والى حلبة صراع نقل اليها اللبنانيون تجاذباتهم الداخلية. انها «لعنة» اللبننة التي انتقلت الى واشنطن، من دون أن يعني ذلك، انّ قرارات ادارة الصندوق تتماهى مع عشرات وربما مئات الآراء والاجتهادات التي تَرد اليها بشكل دائم من جهات لبنانية.

قد يكون الجانب المُضيء في سياسة صندوق النقد الدولي التي تطورت مع الايام والتجارب، مرتبطاً بمسألتين أساسيتين تمّ تعديلهما:

أولاً – اعتماد سياسة الأنسنة في التفاوض مع الحكومات على برامج التمويل، وهذا الامر لم يكن قائماً في السابق. وهو يعني انّ سياسة الصندوق باتت تُلزم المفاوضين من قبله بإلزام الحكومات بإجراءات لحماية الطبقة الفقيرة في المجتمع. وفي العادة، يكوّن الفقراء اكثرية في البلدان التي تحتاج الى مساعدة صندوق النقد. ومن هنا، يمكن تفسير الشروط التي يضعها الصندوق لجهة تخصيص قسم كبير من الانفاق في الموازنة لدعم الطبقات المسحوقة في المجتمع، او التي ستتضرّر بقوة جرّاء الخطوات الاصلاحية المطلوبة لإعادة الانتظام الى المالية العامة في الدولة. ورغم ان البعض يعتبر ان اعتماد هذا النهج، لم يكن بدافع انساني، بل يستند الى تجارب سابقة أدّت فيها إجراءات سحق الفقراء الى اضطرابات امنية وثورات وحركات عصيان ساهمت في تعطيل مفاعيل خطط الانقاذ، إلا أنّ النتيجة جيدة، لأن تخفيف معاناة المواطنين حيال مفاعيل الاجراءات الاصلاحية الموجعة امر ايجابي في النتيجة.

ثانياً – توسيع مروحة التفاوض حول خطط الانقاذ، بحيث لا تنحصر في الحكومات والجهات الرسمية، بل تتعداها الى القوى السياسية المتنوعة والى المجتمع المدني بكل تلاوينه وجمعياته ومنظماته وتناقضاته. وهنا ايضا يقول البعض ان هذا النهج يهدف الى ضمان خفض مستوى الاعتراضات الشعبية على خطط الانقاذ التي يتم التفاهم على تنفيذها. في حين ان الصندوق يعتبر في فلسفته انّ هذا النهج يساعده على تَفهُّم وضع كل بلد على حدة، والاطلاع على الرأي والرأي الآخر، والافادة من الافكار والمقترحات التي قد تقدمها جهات من المجتمع المدني تمتلك الرؤية للمساعدة في خطط الانقاذ المالي والاقتصادي.

انطلاقاً من النقطة الثانية، ولأنّ المجتمع اللبناني مجتمع ديناميكي ناشط، ولديه ما هبّ ودبّ من الافكار والخطط والملاحظات والاعتراضات والنميمة، تحوّل البريد الالكتروني في صندوق النقد المخصّص للتواصل مع الملف اللبناني الى ساحة صراعات لا تهدأ. كما ان كل مسؤول في الصندوق تعرّف الى طرف لبناني، بات في موقف صعب لأنه يتلقى الرسائل او الاتصالات من هذا الطرف للاستفسار او ابداء الرأي او الاعتراض…

واذا كانت خطة الانقاذ في حدّ ذاتها هي بيت القصيد في هذا الصراع اللبناني على «أرض» صندوق النقد، فإنّ الملفات المتفرّعة تحظى بدورها بنصيبها الوافر من التجاذبات. وكل اجراء مطروح ضمن الخطوات المطلوب من لبنان تنفيذها لتمهيد الطريق امام الاتفاق مع صندوق النقد، يتحوّل الى مواجهة متعددة الأطراف، تصبّ كلها في بريد صندوق النقد. وهذا الأمر حصل على سبيل المثال، في ملف تعديل قانون السرية المصرفية، بحيث ان صندوق النقد تلقى مئات الرسائل حول هذا الموضوع. وتراوح مضمون «الرسائل» بين المؤيّد لإلغاء السرية المصرفية بالكامل، الى المُطالِب بالتمسّك بنقطة المفعول الرجعي لأنها تتيح المحاسبة، الى من يقول ان المشكلة تكمن في المرجعية التي يحق لها تنفيذ رفع السرية المصرفية، الى من يعتقد ويقترح الابقاء على القانون كما هو لأن المشكلة في مكان آخر، وتكمن في استقلالية القضاء…

ورغم ان صندوق النقد سبق وعَيّن مندوباً دائماً مقيماً في لبنان لكي يتولى عملية التواصل مع الداخل اللبناني، إلا أن ديناميكية اللبنانيين، سمحت لهم حتى الان، بإشغال المندوب والادارة المركزية للصندوق في آن.

في النتيجة، لا يعني هذا النشاط الاستثنائي أنه سلبي في المطلق، فهو في جانب منه مفيد فعلاً، ويساعد الصندوق واللبنانيين في آن. لكن ما هو مقيت انّ قسماً من هذا النشاط تحوّل الى نميمة وتصفية حسابات لا علاقة للصندوق بها. هذا المناخ من الثرثرة الرخيصة، قد يؤثر سلباً على قدرة الصندوق على التفاعل عملياً مع الآراء الجيدة، وقد يذهب الصالح بجريرة الطالح، بحيث يصمّ الصندوق آذانه عن الاستماع، تحاشياً للانخراط في لعبة اللبننة، التي يمكن الدخول اليها بسهولة، لكنّ المشكلة تكمن في الخروج منها بلا خدوش وكدمات وأضرار.​

أنطوان فرح

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات