الدولرة الكاملة من الحلول المطروحة للنقاش

الدولرة بمفهومها العالمي هي عندما تبدأ الدولة بالاعتراف بالدولار الأميركي أو أي عملة أخرى، كوسيلة للتبادل أو المناقصة القانونية، إلى جانب أو بدل عملتها الوطنية. ويتمّ اعتماد الدولرة عادة، عندما تصبح العملة المحليّة غير مستقرّة وتفقد فائدتها كوسيلة للتبادل في معاملات السوق.

منذ نهاية نظام «بريتون وودز» لأسعار الصرف الثابتة منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، أصبحت المعضلة التي تواجه الدول تكمن في إيجاد ترتيبات عمليّة لتبادل العملات أكثر تحدّياً وصعوبة.

وأصبحت الخيارات أكثر تنوّعاً، لاسيّما وأنّ التجارة العالميّة وأسواق رأس المال بدت أكثر تكاملاً. لذلك ظهرت مشاكل جديدة لمسألة أفضل نظام للتبادل، من أجل تعزيز أهداف التنمية لكلّ البلد. وقد تكون أحدث هذه الحلول هي الدولرة الكاملة، والتي بموجبها تتخلّى الدولة رسمياً عن عملتها الخاصّة، وتتبنّى عملة أكثر إستقراراً لبلد آخر -الدولار الأميركي هو الأكثر شيوعاً- كعملة قانونيّة لها. هذا ومن منظور أي بلد يعمل بالعملة الصعبة، قد تبدو الدولرة الكاملة أكثر جذرية مما هي عليه وتعني الدولرة الكاملة.

مستوى أعلى من الثقة

إتخاذ الخطوة التالية من الدولرة غير الرسمية والمحدودة إلى الاستخدام الرسمي الكامل للعملة الأجنبية – الدولار الأميركي- في جميع المعاملات.

وعامل الجذب الرئيسي للدولرة الكاملة هو القضاء على مخاطر حدوث انخفاض مفاجئ وحاد في سعر الصرف في البلاد، وتخفيض علاوة المخاطر المرتبطة بالاقتراض الدولي، ويمكّن الاقتصادات الدولارية من أن تتمتّع بمستوى أعلى من الثقة بين المستثمرين الدوليين وفروق أسعار فائدة أقل على الاقتراض الدولي وانخفاض التكاليف الماليّة والمزيد من النمو والإستثمار.

والسؤال الذي يطرح نفسه! هل يمكن لهذه المزايا أن تعوّض تكاليف تخلّي بلد عن عملته؟ الإجابات معقّدة، وفي النهاية تتحوّل إلى الظروف الخاصّة بكل بلد. لكن وعلى ما يبدو، المزيد والمزيد من البلدان تدرس، وبجديّة، الدولرة الكاملة، كونها تتعامل مع التغيّرات في الاقتصاد العالمي، لاسيّما على مدى السنوات العشرين الماضية.

وخلال ثمانينات القرن الماضي، عصفت بالعديد من الدول مشكلة التضخّم، الأمر الذي أثار الجدل حول أنظمة الصرف ودور ربط أسعار الصرف بعملة أو مجموعة عملات أجنبية، لاسيّما تلك الخاصّة بالشركاء التجاريين لهذه الدول. (ألدول الإفريقيّة والتي جعلت عملاتها مرتبطة بالفرنك الفرنسي). وعلى هذه الخلفية ومع ازدياد مشاكل الدول الاقتصاديّة، إقترح في العام 1999 الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم، أن تتبنّى الأرجنتين الدولار الأميركي كحلّ نهائي لتاريخها الطويل من الصعوبات مع السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. وفي كانون الثاني من العام 2000 إعتمدت الإكوادور، في سياق أزمة اقتصاديّة وسياسيّة عميقة، الدولار الأميركي كعملة قانونيّة لها.

وهنا تختلف الآراء، ولكن وعلى ما يبدو، يتّفق الاقتصاديّون البارزون على القول، بأنّ جميع البلدان النامية يجب أن تستخدم الدولرة. وقد تمّ حثّ بعض الدول الصناعيّة على النظر في ذلك، والأمثلة هنا كثيرة، لاسيّما تخلّي الدول الأوروبيّة عن عملاتها الوطنيّة واستعمال اليورو، واقتراح البعض على كندا أن تتبنّى الدولار الأميركي مع تطوّر إتفاقيّة التجارة الحرّة لأميركا الشماليّة (NAFTA)، بينما بنما هي الدولة الوحيدة التي استخدمت الدولار الأميركي كعملة قانونيّة، لاسيّما وأنّ لها روابط تاريخيّة وسياسيّة واقتصادّية وثيقة جداً بالولايات المتّحدة. أمّا تقييم هذه العمليات وخيارات أسعار الصرف، فيجب أن تكون على فترات طويلة، وذلك لأنّ الدولرة شبه الكاملة وفوائدها لا يمكن جنيها إلّا على المدى الطويل.

«لا يوجد غذاء مجّاني»

وقد أصبحت الدولرة الكاملة واحدة من أكثر البدائل السياسية إثارة للجدل، لاسيّما في ظلّ انهيار مالي ونسب تضخّم مرتفعة وعدم يقين اقتصادي. وعلى سبيل المثال، إقترح الخبير الإقتصادي ستيف هانكي الدولرة الكاملة، باعتبارها واحدة من الأمور الضروريّة للمساعدة في حلّ أزمة الأرجنتين. ولكن، هل فوائد الدولرة الكاملة أكبر من تكاليفها. إنّ قرار الدولرة الكاملة من عدمه يعيد إلى الأذهان عبارة «لا يوجد غذاء مجّاني»، لاسيّما وأنّ الفوائد تأتي بكلفة. علماً أنّ فوائدها المتدنية كما سبق وذكرنا، هي تراجع معدّلات التضخّم والقضاء على مخاطر إنخفاض قيمة العملة المحليّة وتعزيز ملحوظ لصدقية السياسة الإقتصاديّة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل لبنان بحاجة لمثل هذه السياسة، كونها الأنسب لمشاكلنا الاقتصاديّة والنقديّة الحاليّة، أم أنّه يبقى الأفضل التعافي مع الدولار الأميركي بهذا الشكل الجزئي، والذي لا يخدم كثيراً الإقتصاد إلّا من ناحية تصويب مسار التضخّم؟

كلّها أمور يجب التطلّع اليها في ظلّ أوضاع معيشيّة واقتصاديّة ونقديّة باتت لا تُطاق ولا تُحتمل. ونحن في الوضع هذا أمام العديد من الاحتمالات تكون فيها الدولرة الكاملة منفذاً للخلاص ولإعادة الثقة وتطوير سياسات اقتصاديّة أكثار كفاءة.

بروفسور غريتا صعب

إستقرار الليرة نسبياً بانتظار دولارات عطلات نيسان… والصيف

400 ألف وافد سيضخّون الكثير من الدولارات في خلال شهر

 

ارتفع متوسط التداول على منصة صيرفة في 3 أسابع من متوسط يومي يبلغ 23 مليون دولار الى 39 مليوناً ثم الى ما بين 85 و95 مليوناً كما الحال هذه الأيام. وهذا ما يفسر هبوط سعر صرف الدولار من ذروة بلغها عند 143 الف ليرة الى 110 آلاف ثم الى نحو 98 الفاً كما أمس. وهناك تعويل على قدوم 400 الف وافد خلال فترة العطلات لضخ المزيد من الدولارات التي يمكن ان يجمع منها مصرف لبنان كميات يضخها على منصة صيرفة، على أمل الوصول في هذه المعادلة الى فصل الصيف ايضاً والذي يتدفق معه الوافدون الى لبنان بأعداد تزيد على 1.5 مليون وافد.

 

قراءة تاريخية

 

بيد أنه تاريخياً، ومنذ إطلاق عمل منصة صيرفة في ايار2021، ومصرف لبنان يحاول جاهداً من خلال هدر الدولارات، مواكبة سعر صرف السوق السوداء وجعل سعر صرف صيرفة السعر الرسمي الوحيد المتداول به في السوق. إلا ان محاولاته منذ عامين ما زالت تبوء بالفشل رغم ان احتياطيه الصافي بالعملات الاجنبية وفقاً لما تظهره ميزانيته انخفض من 16 مليار دولار في ايار 2021 الى حوالى 9 مليارات دولار في اواخر آذار 2023، وبالتالي فان 7 مليارات دولار قد أُنفقت، بجزء كبير منها لتمويل صيرفة وجزء لتمويل بعض نفقات الدولة، ولكن من دون جدوى مالية او اقتصادية في الحالتين.

 

ترقيعات لم تنجحرنى سعرتي

 

لم تنجح سياسات الترقيع تلك، تارة عبر رفع سعر صيرفة بين ليلة وضحاها بقرار منفرد من قبل الحاكم، وطوراً عبر دعوة الجماهير لشراء الدولارات عبر المنصة وبسقوف غير محدودة، في استقرار سعر الصرف عند أي مستوى بلغه، ولا تزال الليرة تنهار بشكل متواصل رغم ان محاولة البنك المركزي الاخيرة مع نهاية كلّ شهر، نجحت في رفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار من سقف قياسي عند 143 الفاً وصولا الى 98 الف ليرة، بعد ضخه حوالى 423 مليون دولار خلال آخر 5 ايام عمل للمنصة. ورغم ان سعر صرف صيرفة اصبح 88 الف ليرة، قرر البنك المركزي تسديد رواتب القطاع العام على سعر صرف 60 الف ليرة هذا الشهر، مراكماً خسائر اضافية عليه. علما ان هذين التبديد والتبذير في ما تبقى من احتياطي البنك المركزي من العملات الاجنبية او طباعة العملة وزيادة التضخم، لا يحظيان بموافقة كل اعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان وفقاً لما اكدته مصادر معنيّة. حيث ان قرارات الإنفاق على سياسات الترقيع لتثبيت سعر الصرف وغيرها هي قرارات منفردة تقريباً يتخذها حاكم البنك المركزي، مع الاشارة الى ضرورة التنبّه الى ان التعاميم والقرارات ذات الصلة لا تحمل توقيعات المجلس المركزي لمصرف لبنان، مع ذريعة ان للحاكم صلاحية خاصة في هذا الشأن وفقاً لقراءة خاصة لقانون النقد والتسليف.

 

باستطاعته التحكم لبعض الوقت أيضاً

 

في هذا الاطار، عزا عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال ارتفاع سعر صرف الدولار فوق 140 الف ليرة اواخر الشهر الماضي الى تدخل مصرف لبنان والمصارف لشراء الدولارات المعروضة في السوق بالاضافة الى الدولارات المخزنة، عبر رفع السعر والتحفيز على بيعها. ورأى ان حجم الدولارات التي اشتراها البنك المركزي في الآونة الاخيرة يخوّله التحكم بسعر الصرف لفترة أطول من المرات السابقة، في وقت يشهد فيه السوق التجاري طلباً ضعيفاً على الدولار للاستيراد، نتيجة تراجع الاستهلاك ورفع الرسوم الجمركية بالاضافة الى تراجع القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام بسبب تراجع قيمة رواتبهم بالدولار. (مصادر اخرى اشارت الى ان تراجع الاستيراد متعلق ايضاً بما تم تخزينه قبل رفع الدولار الجمركي).

 

كما اعتبر رمّال ان تقليص الفارق بين سعر صرف صيرفة وسعر السوق السوداء حدّ أيضا من عمليات المضاربة في السوق، وبالتالي تراجع الطلب على الدولار.

 

سيعود الدولار إلى الإرتفاع

 

وشدد على ان مصرف لبنان قادر لغاية اليوم على التحكّم في سعر الصرف، ولكنها فترة موقتة الى حين نفاد السيولة بالعملات الاجنبية التي كوّنها، حيث سيعاود سعر صرف الدولار الارتفاع طالما لا توجد مؤشرات سياسية او مالية او اقتصادية ايجابية. مشيراً الى ان البنك المركزي لا يستخدم احتياطيه للتدخل عبر صيرفة، والدليل على ذلك ان النقص بالدولار الذي تظهره ميزانية مصرف لبنان الاخيرة بين موجوداته ومطلوباته، زهيد ما بين 50 و60 مليون دولار، مما يدلّ على انه لا يستخدم احتياطيه لتمويل صيرفة وتسديد الرواتب والاجور بل لتمويل نفقات الدولة الاساسية، في حين ان عملية تمويل القطاع العام تتم من خلال السوق السوداء.

 

السيولة 17 مليار دولار

 

من جهته، شرح المصرفي محمد فحيلي ان تحسّن سعر صرف الليرة ليس له بالضرورة انعكاس ايجابي على معدل التضخم المتزايد، مشدداً على ان الارتكاز على حركة الدولار كمؤشر لتحسّن الاوضاع الاقتصادية هو مفهوم خاطئ.

 

واشار الى ان لبنان يتلقى 7 مليارات دولار سنوياً من التحويلات المالية من المغتربين وحوالى 3 مليارات من التحويلات المباشرة غير الرسمية، مما يعني ان التحويلات المالية من لبنان الاغتراب تشكل 50 في المئة من حجم الناتج القومي بالاضافة الى 3 مليارات دولار متأتية من الصادرات وما يقارب 4 الى 6 مليارات دولار مخزنة في البيوت يتم استخدامها لدى ارتفاع سعر صرف الدولار. موضحاً ان هناك سيولة بالعملة الاجنبية بحوالى 17 مليار دولار في لبنان، تشكل مدماكاً اساسياً وحاجزاً اساسياً بوجه اي ارتفاع جنوني في سعر صرف الدولار على غرار الارتفاع الذي بلغه عند 140 الف ليرة، وهي بمثابة ضوابط اقتصادية لسعر الصرف الدولار مقابل الليرة.

 

صيرفة سعر مركب

 

ورأى ان اي ارتفاع جنوني وغير طبيعي في سعر الصرف هو تفوّق لعامل اللاثقة على العوامل الاقتصادية، “إلا ان سعر الصرف عاود بلوغ مستوياته الطبيعية هذه الايام متأرجحاً بين 90 و 100 الف ليرة”.

 

ولفت فحيلي الى ان سعر صرف صيرفة ليس سعراً ناتجاً عن حجم العرض والطلب بل انه سعر مركب يحدده مصرف لبنان ويبيع على اساسه الدولار ولا يشتريه. علما ان البنك المركزي يشتري الدولار من السوق الموازي ويعتمد على احتياطيه من العملات الاجنبية من توظيفاته في الخارج وغيرها للتدخل في صيرفة. وقال انه عند موعد تسديد رواتب واجور القطاع العام، يعرض مصرف لبنان الدولارات في السوق، ويعاود بعد ذلك شراءها لاعادة تكوين كتلة نقدية توازي قيمة الرواتب والاجور بالدولار.

 

حاجات القطاعين العام والخاص

 

واوضح فحيلي ان الاجراء الاستثنائي الذي أضيف على عمل صيرفة (التعميم 161) أتاح تدخل مصرف لبنان في السوق من خلال المنصة بهدف تمكين موظفي القطاع العام من الانخراط بالدورة الاقتصادية بشكل فعال، بعد ان تمكن القطاع الخاص من التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية ودولرة ايراداته ونفقاته في حين عانى القطاع العام من الاستبعاد الاقتصادي. لذلك، استُخدمت صيرفة لدعم استهلاك القطاع العام من خلال تسديد رواتب الموظفين وفقاً لسعر صرف دولار مدعوم على ان يتم بيع تلك الدولارات في السوق السوداء والاستفادة من فروقات السعر. واعتبر ان تدخلات مصرف لبنان الاستثنائية عبر صيرفة، ليست لضبط سعر صرف الدولار، بل بانتظار ان تضع الدولة حدّا للافراط في الانفاق واصدار موازنة متوازنة تخفف من عبء تمويل نفقاتها الملقاة على عاتقه من خلال طباعة العملة. واضاف: وبما ان تمويل نفقات الدولة عبر طباعة العملة يزيد من الضغوطات التضخمية، يسعى مصرف لبنان الى تسديد رواتب القطاع العام بالدولار للحدّ من تلك الضغوطات. إلا ان المشكلة الحالية تتمثل بان دولار صيرفة المدعوم هو دولار “سياسي” لان فروقات سعر الصرف بين السوق السوداء وصيرفة، يسجّل ديناً على الخزينة اللبنانية.

رنى سعرتي

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات