عائدات الغاز تلامس الشعبوية… «أوعا» الأجيال المقبلة

لا نكتشف البارود عندما نقرر أن نُنشئ صندوقاً خاصاً بإدارة العائدات النفطية المتوقعة. ومن البديهي ان نستنسخ تجارب دول ناجحة لوضع هيكلية الصندوق وطريقة ادارة الاصول، لكنّ الاستنساخ لا يُغني عن التعاطي مع الخصوصية اللبنانية بعناية، وهذا هو بيت القصيد في نجاح مشاريع الصناديق المطروحة أو فشلها.

ما قامت به اللجنة الفرعية النيابية برئاسة النائب ابراهيم كنعان مميّز، لجهة البنية الهيكلية والتنظيمية التي أقرّتها لقانون الصندوق السيادي المتعلق بعائدات النفط والغاز المستقبلية. لكن، والى جانب تفاصيل الحوكمة والشفافية، لا بد من مراعاة مسألة اساسية ترتبط بالأزمة المالية والاقتصادية. اذ لا يكفي ان نَقتبِس نسَباً مئوية من التجارب الناجحة، (20% للتنمية، و80% للادخار والاستثمار)، لأن المطلوب من كل الخطوات التي يقوم بها المشرّع اليوم، أو حتى السلطة التنفيذية، ان تأخذ في الاعتبار اولوية تأمين الخروج الآمن من النفق، وضمان الانتقال الى وضع مالي واقتصادي طبيعي، ضمن جدول زمني مرتبط، بطريقة أو بأخرى، بخطة التعافي التي سيتم الاتفاق عليها في النتيجة.

وهنا لا بد من التركيز على أنّ مقولة ان عائدات النفط من حق الاجيال المقبلة، كلام حق، لكن لا يمكن تأمين هذا الحق من خلال نقل العائدات الى المستقبل فحسب. اذ انّ ضمان حقوق الاجيال يكمن في تأمين وطن قابل للحياة، ودولة سليمة يمنح اقتصادها هذه الاجيال الفرص الحياتية اللائقة. أمّا أن نفصل بشكل عَمودي بين الاحتفاظ بالعائدات للمستقبل، ونترك الاقتصاد مدمّراً، بذريعة عدم المَس بهذه الاموال، فهذه تصبح خطيئة لا تغتفر. والمقصود هنا، ليس التشجيع على انفاق العائدات، بل التسليم بأن الاولوية في كل ما تنتجه الدولة اليوم، يجب ان يصبّ في خانة الانقاذ وتطوير الدولة، لأنها الارث الأثمن الذي يمكن منحه للأجيال الطالعة.

ولا بد على الهامش من التأكيد انه مهما كانت قوانين الصندوق محبوكة بعناية لضمان الشفافية والحوكمة، فإنّ خطر الهدر يبقى قائماً في هيكلية الدولة بمفهومها السياسي، اي من خلال سلطاتها. والمقصود هنا، ورغم انّ قانون الصندوق يمنع ان تقترض منه الدولة المال، لزوم سَدّ حاجاتها المالية، لكن ذلك لا يؤدي الى مكان، لأنّ الدولة تستطيع ان تقترض من اي مكان آخر، وستكون اموال الصندوق مكشوفة لتغطية هذه القروض لاحقاً، طالما انها اموال عامة. ولا ننسى ان هذه الدولة اقترضت الاموال من الناس بالتحايُل، من خلال مصرفها المركزي، وهي تحاول اليوم التملّص من مسؤولية اعادة هذه الاموال لأصحابها. في حين ان الوضع سيكون مختلفاً مع الصندوق، لأنّ امواله ملك الدولة، بصرف النظر عن القوانين التي تحكم ادارة أصوله. هذا الكلام لا يقلّل من اهمية سنّ قانون مُحكَم لإدارة اصول الصندوق، بل يسلّط الضوء على ضرورة معالجة أصل المشكلة، أي فَرض الحوكمة والشفافية في السلطة التنفيذية، وبقية السلطات التي تتكوّن منها هيكلية الدولة.

ولأنّ الاولوية هي للانقاذ، وبناء دولة للأجيال المقبلة، لا بد من انشاء صندوقين إضافيين الى جانب صندوق النفط. واذا كانت تسمية صندوق تثير حساسية البعض بالنظر الى التجارب المريرة مع صناديق الهدر والفساد التي أُنشئت في السابق، يمكن استخدام كلمات اخرى، مثل مؤسسة او هيئة… والمقصود هنا، مؤسسة تدير كل اصول الدولة ومؤسساتها العامة، بقيادة قطاعٍ خاص قادر على تحقيق نقلة نوعية تسمح بزيادة العائدات بنسَب مرتفعة، وتؤدي الى زيادة قيمة هذه الاصول بنسَب مرتفعة ايضا. وهذه النتائج مضمونة، لأنّ عائدات الدولة وقيمة اصولها منخفضة جداً نتيجة الادارة السيئة القائمة منذ عقود من الزمن.

كذلك، ينبغي انشاء مؤسسة متخصصة لادارة الاحتياطي من الذهب، والذي وصلت قيمته حالياً الى اكثر من 18 مليار دولار. هذا الاحتياطي، وإن كان اللبنانيون يحرصون على منع التصرّف به، انطلاقاً من قناعتهم بأنه سيهدر كما هدرت اموال المودعين، من قِبل سلطة جاهِلة وغير مسؤولة، إلا انه لا بد من تغيير نمط التعاطي مع هذه الاصول، للافادة منها في تأمين عائدات اضافية، سواء من خلال حركة البيع واعادة الشراء ضمن ادارة استثمارية متخصصة قادرة على تأمين أرباح، او من خلال تجيير هذه الاصول الى مؤسسات استثمارية تضمن عائدات ثابتة ومضمونة، ولو انها قد تكون اقل من عائدات الاستثمار المباشر في السوق. ولا بد من التذكير انّ الذهب من الاصول الاكثر تحركاً وتأرجحاً هبوطاً وصعوداً، ولا بد من مواكبة هذه الحركة لتكبير الثروة. وعلى سبيل المثال، وصلت قيمة الذهب اللبناني في خلال العام 1999 الى حوالى مليارين ونصف مليار دولار، في حين ارتفعت الى حوالى 17 مليار دولار في العام 2011. هذه الارقام تعطي فكرة عن نسبة التغيير الدائمة في سعر المعدن الاصفر. وبالتالي، لا بد من الافادة من هذا الواقع لضمان عائدات وضمان نمو الثروة الذهبية.

ضمن هذا المثلّث: عائدات النفط والغاز المستقبلية، ادارة خاصة لأصول ومؤسسات الدولة، وادارة استثمارية للذهب، وفي ظل حوكمة وشفافية في الدولة، يمكن ضمان بناء دولة للمستقبل القريب والبعيد. امّا الاكتفاء بمقولة الثروة من حق الاجيال المقبلة، والمزايدات في هذا الاتجاه، فلا تختلف عن اللغة الشعبوية التي لا يجيد سواها غالبية من يتعاطى الشأن السياسي. والمشكلة الاكبر، انّ قسماً كبيراً من اللبنانيين يحبّذون هذه اللغة على لغة الوقائع والحقائق!

هموم الجيل «زد»

أصبح من شبه المسلّم به أن كل جيل يعيش في رفاهية أكثر من الجيل السابق له، ولذلك فإن كثيراً من الآباء يؤمنون اليوم أنهم عاشوا حياة ذات جودة أفضل من آبائهم، كما يتوقعون كذلك أن يعيش أبناؤهم حياة أفضل من حياتهم. لكن هذا الانطباع قد لا يكون صحيحاً على أي حال، فكثير من الدراسات اليوم تظهر أن الجيل «زد» – وهو الجيل الذي ولد بين عامي 1997 و2004 – قد لا يتمتع بكثير من المميزات التي امتازت بها الأجيال السابقة.

اختلاف الأجيال من الناحية الاقتصادية أمر طبيعي، ويفرض هذا الاختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية، كذلك هذه الظروف تتفاوت بحسب المناطق الجغرافية. لكن جيل «زد» له ميزة لم تمتلكها الأجيال السابقة، وهو وجود الثقافة المشتركة بين هذا الجيل حول العالم، بحكم نشأته على وسائل التواصل الاجتماعي، فمعظم هذا الجيل نشأ بعد انتشار الهواتف الذكية، وكثير منهم لا يعرفون كيفية استخدام بعض الأجهزة القديمة التي كانت تعد صيحة في التطور، مثل الفاكس وأجهزة الفيديو كاسيت!

نشأ هذا الجيل في ظل التقنية التي مكّنته من القدرة على استيعاب المعلومات، وجعلت تسخير التقنيات لحل المشكلات أشبه بالبديهيات، كما أن التقنية سهلت له تعلم تخصصات مختلفة، ونوّعت أساليب التعلم له، مقارنة بأجيال لم تجد مصدراً للتعليم إلا مقاعد الدراسة. كل هذه الظروف تقود إلى توقع واحد، هو أن المستقبل يبدو أكثر إشراقاً للجيل «زد». إلا أن نظرة هذا الجيل، وبعض التحليلات الاقتصادية، تشير إلى عكس ذلك تماماً.

ففي دراسة أجرتها شركة «ماكينزي»، أظهرت نتائجها أن نحو ربع جيل «زد» يرون أنهم قد لا يتمكنون من التقاعد على الإطلاق، وأن نسبة 41 في المائة منهم فقط يؤمنون بقدرتهم على امتلاك منزل. كما أظهرت دراسات أخرى أن هذا الجيل أقل ميلاً إلى الادخار وأكثر رغبة في الإنفاق، لأسباب، منها كثرة المغريات التي توفرها التقنيات، وسهولة وسائل الدفع. وفيما قد يلام هذا الجيل في هذه الأسباب، تظهر أسباب أخرى تدعو إلى عكس ذلك، منها أن التعليم الجامعي أكثر كلفة لهذا الجيل من سابقه، ولذلك فهو قد لا يتمكن من الادخار لدفع تكاليف التعليم. ولذلك يلاحظ أن الأجيال السابقة كانت تقترض في العادة لشراء منازل، بينما زادت القروض التعليمية في الجيل الجديد، بعد أن كانت شبه منعدمة لدى بعض الأجيال السابقة. وأظهرت بعض الدراسات نتائج أكثر تطرفاً، حيث أبدى البعض من هذا الجيل عدم رغبتهم في الادخار لمسكن، لإيمانهم التام بعد جدوى هذا الادخار لشراء مسكن.

هناك عدد من المبررات لتشاؤم الجيل «زد» تجاه المستقبل، منها أن هذا الجيل نشأ على الأزمة المالية في عام 2007، ورأى تأثيرها على أسرته وكيف خسر كثير من الموظفين وظائفهم بسببها، لذلك فهو لا يأمن بالوظائف التقليدية لتأمين مستقبله، ويرى أن خسارة الوظيفة أمر وارد. كما أن هذا الجيل عاصر الجائحة بكل ما فيها من تفاصيل، سواء كان على مقاعد الدراسة، أو في بداية مسيرته المهنية، هذه التجربة جعلته أقل اقتناعاً بالتعليم لما رآه من تساهل في التعليم عن بعد، خلال فترة الجائحة، إضافة إلى تأثره الواضح بنصائح المشاهير من غير المختصين بعدم جدوى التعليم العالي. كما أنه اكتسب ثقافة وقيم للعمل مختلفة عما سواه من الأجيال بسبب ما عاصره من أزمات، ورأى كيف خسر كثير من الناس تجارتهم ووظائفهم لأسباب خارجة عن إرادتهم بشكل كلي، ولا يلامون عليها بتاتاً.في نفس الوقت، يرى بعض أبناء الجيل «زد» أن الأجيال السابقة حمّلت الاقتصادات الحالية ديوناً عالية، سبّبتها زيادة الإنفاق الحكومي في السابق، لأسباب، منها ما يراه منطقياً، ومنها ما يراه عكس ذلك. هذه النظرة تسببت في تغيير مثير للاهتمام في بعض الدول، فبعد أن كان التصويت في الانتخابات عادة ما يكون بين قطبين مثل «الأغنياء والفقراء» أو «المحافظين والعمال» أو «الجمهوريين والديموقراطيين»، أصبحت الآن أطراف التصويت بين الكبار والصغار، وهو نتيجة لنظرة الجيل الجديد أن التوجه الحالي قد لا يخدمهم في المستقبل بأي حال.

وقد يكون الجيل «زد» هو أول جيل، منذ 100 سنة على الأقل، يعيش حياة أقل رفاهية من الجيل السابق له، وهو في الوقت الحالي يمتلك أصولاً أقل من سابقه، ويعود ذلك إلى أسباب اقتصادية هيكلية، حوّلت العقار من سلع إلى استثمار، وتسببت في تضخم أسعاره. كما أن التعليم أصبح امتيازاً لا يمكن للجميع الحصول عليه، بعد أن كان أقرب للبديهي للجيل السابق له، ولذلك فالجيل «زد» قد يمتلك شهادات أقل من سابقه، وهو بذلك قد لا يتمكن من الحصول على وظائف ذات دخل عالٍ، ما قد يقلل من دخله. وفي زمن يراهن الجميع فيه على الشباب، وبعيداً عن التقارير المكتوبة والمؤتمرات المكتظة، هل سيجد العالم حلاً للهموم الاقتصادية للجيل «زد»؟

Goldman Sachs: حصة أسهم الأسواق الناشئة من السوق العالمية ستفوق وول ستريت العقد المقبل

سوف تستحوذ أسهم الأسواق الناشئة على حصة أكبر من سوق الأسهم العالمية مقارنة بالأسهم الأميركية بحلول العقد المقبل، وفقًا لتقديرات بنك Goldman Sachs.

توقع الاقتصاديون في البنك أن تشكل الأسواق الناشئة – التي تشمل دولًا مثل الصين والهند – 35% من رسملة سوق الأسهم العالمية بحلول عام 2030، و47% بحلول عام 2050، و55% بحلول عام 2075.

وفي الوقت نفسه، ستشكل الأسهم الأمريكية 35% من القيمة السوقية العالمية في عام 2030، و27% في عام 2050، و22% فقط بحلول عام 2075.

حاليًا، تمثل الولايات المتحدة 42% من السوق العالمية، بينما تمثل الأسواق الناشئة 27%.

قال الاقتصاديون في مذكرة نشرت الخميس 22 يونيو/حزيران إن هذا لا يُترجم بالضرورة إلى أداء أفضل للأسهم في حد ذاتها، على الرغم من أن البنك يتوقع عمومًا أن تتفوق أسهم الأسواق الناشئة على أسهم الأسواق المتقدمة على المدى الطويل.

سيكون هذا التحول مدفوعاً إلى حد كبير بنمو الدخل الأسرع في البلدان الناشئة، مما سيؤدي بالاقتصادات الناشئة إلى اللحاق بالركب وانخفاض حصة الأسهم الأميركية في السوق في نهاية المطاف.

قيادة صينية

وتوقع الاقتصاديون أن تقود الصين هذه الطفرة إلى حد كبير، ومن المتوقع أن يحل اقتصادها محل أميركا كأكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2035.

لكن خبراء اقتصاديين قالوا إن هذا المسار قد يتعرض للخطر بسبب الحمائية المتزايدة في دول الأسواق الناشئة، في إشارة إلى سياسات مثل تلك الموجودة في الصين، التي اتخذت إجراءات صارمة ضد الشركات الأجنبية العاملة في البلاد بسبب قوانينها الجديدة لمكافحة التجسس.

وأشار المسؤولون الصينيون أيضًا إلى أن الدولة يمكن أن تنتقم على وجه التحديد من الشركات الأميركية، إذا استمرت شركاتها في مواجهة معاملة قاسية في الولايات المتحدة.

يمكن أن يتأثر النمو السريع للأسواق الناشئة أيضًا بالازدهار في الذكاء الاصطناعي، الذي حدث إلى حد كبير في الأسواق المتقدمة مثل أميركا.

يُعزى الأداء القوي للأسهم الأميركية هذا العام إلى حد كبير إلى الضجيج الخاص بالذكاء الاصطناعي، والذي تسبب في تحقيق بعض شركات التكنولوجيا الضخمة مكاسب مرتفعة.

متابعة قراءة Goldman Sachs: حصة أسهم الأسواق الناشئة من السوق العالمية ستفوق وول ستريت العقد المقبل

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات