قراءة هادئة للآتي . 13th July 2004
|
ان كلّ مدقق في واقع الحال الاقتصادي الاميركي يقع على جقيقة لا مفرّ من الاعتراف بها ولا مهرب من الوقوف عندها . إنّ أكبر اقتصاد في العالم يمر في حقبة استثنائية لم يعرفها منذ وقت غير قريب . هو من الحساسية والهشاشة بحيث يصعب عليه تحمّل أي زيادة في الفائدة ، وهو كذلك من الضعف والسقم بحيث يستحيل عليه تقبل فكرة أي تراجع في تدفق الرساميل الاجنبية على البلاد . الامران لا بد منهما ، ولسؤ الحظ لا يمكن باي حال ان يتمّ الامران دون أن يلحق واحدهما الضرر بمسيرة النمو الذي تتراءى بوادره الوهمية للكثيرين .
الكثيرون من المتتبعين لمسيرة النمو المخادع هذه يؤكدون على ان رفع الفائدة لن تنعكس ضررا على الاقتصاد ، ويصرون على ضرورة حدوثها بعد أربع سنوات من فائدة قاربت الصفر . هم يؤكدون على ذلك ولكنّ ثمة أرقام توحي بغير ذلك .
إن إتحاد البنوك المتخصصة في قروض العقارات سجل في المدة الاخيرة تراجعا واضحا في هذا المجال ، كما سجل تراجعا في الطلب السابق على تملك البيوت والشقق السكنية . إن هذا لأمر ملفت للنظر في فترة بالغة الحساسية كالتي نمر بها .
الاتحاد نفسه هذا سجل ارتفاعا كبيرا بنسبة القروض المتحركة فوائدها بحيث ان هذه النسبة قد بلغت 30% من القروض جملة ، وهي نسبة مقلقة ولا شك ، تعبر عن انعدام قدرتهم على متابعة تحملهم للقروض الاقل خطرا ، فحولوا قسما لا يستهان به الى قروض تتحرك فوائدها رغم الخطر الذي قد يتعرضون له من جراء ذلك .
الاتحاد نفسه سجل ايضا تراجعا واضحا بالنسبة لتملك المساكن المنتمية الى الفئة المتوسطة، اذ تبين ان 20% فقط من السكان باتوا قادرين على تملك مثل هذا النوع من المساكن . أمور مقلقة لا شك في ذلك .
نأتي الان الى تقارير أخرى .
إئتمان المستهلك بلغ ارتفاعا ملحوظا لم يبلغه من فترة طويلة . الارتفاع هذا يترجم ولا شك استهلاكا ملحوظا ، وينعكس ايضا انتاجا ملحوظا .
ولآئتمان المستهلك هذا وجهه القاتم ايضا ولكنه لا يبدو الا بعد فترة من البحبوحة الكذابة المخادعة : نسبة الإفلاس الفردي زادت 50% من 10 سنوات الى الان . إحصاءاات العام الفائت تظهر ان ميزانية عائلة من كل 73 عائلة انتهى بها الامر الى الافلاس . هذا في فترة بحبوحة تظهر وجها كذابا للمستهلك وتخفي عنه وجه الغدر المقيت .
وان زيدت الفائدة فماذا سيحصل على هذه الجبهة ؟
لا شك أن زيادة الفائدة ستنعكس تقلصا سريعا في نسبة القروض المكونة لإتمان المستهلك ، كما أنها ستنعكس مباشرة ميلا الى الادخارعوضا عن الاستهلاك ، بالنسبة لمن هو قادر على الادخارطبعا . وفي الحالتين تراجع في الاستهلاك ، زيادة في التخزين من قبل المصنعين ، تراجع في التصريف ، وفي آخر المطاف تراجع في الانتاج .
وهل نسينا ان 70% من الانتاج الاميركي هو مخصص للاستهلاك الداخلي و 30% فقط يصنع للتصدير ؟
وهل لا زلنا نراهن على كون الاقتصاد الاميركي في طريقه الى التعافي ؟
وهل لا زلنا عاجزين عن قراءة ملامح القلق التي تختفي وراء بسمة مخادعة يبديها السيد جرينسبان بين الفينة والفينة ؟
الاقتصاد الاميركي يتعافى . هذا مجرد وهم ! وهم يقارب الجنون !
لكل عصر نهاية . هذا معروف على الصعيد السياسي ، وهو ينطبق ايضا على الصعيد الاقتصادي . عصر النمو الاقتصادي الاميركي قد انتهى . بدأ في أوائل الثمانينات ، وها هو في هذه الفترة يلفظ أنفاسه الاخيرة . الرسم البياني الاقتصادي سيطالعنا الان بترند تراجعي قد يطول أمده ، وقد يطول الى حين يصعب تقديره ، وقد يطول الى حيث تشاء الحتمية التاريخية بحسب ما رآها ابن خلدون ، وقد يطول الى عصر تتغير فيه كل مفاهيم السياسة الاميركية : سياسة خارجية ، إنفاقا حربيا ، صدقا داخليا ، مفهوما جديدا لتقليص العجز ..
والى أن يحين الوقت ، لا بد لنا من الترداد : إن رفع معدل الفائدة ينطوي على مخاطر لا بد من الاعتراف بها . هو يقلل من استهلاك المستهلك ، وهذا يودي بنا الى تراجع في ربح الشركات ، وهذه ستقلل من كميات انتاجها ، وستتراجع ارباحها ، وستستغني عن قسم من العاملين لديها ، وما ادراك ماذا بعد .
البعد معروف وهو بيت القصيد : أسهم هذه الشركات ستتراجع ، حركة سوق العقارات سيصاب بالسقم ، الاسعار ستتراجع . السبب واضح : ليس هناك من يشتري .القادرون على الدفع قلّة قليلة .
والدولار ، ما الذي سيصيبه ؟
طبعا من الصعب تصور مصير وردي له على المدى المتوسط ، رغم ارتفاع معدلات الفائدة ، وإن كانت إمكانية محافظته على ما يتمتع به من ثقة أمرا ممكنا مرحليا .
وأسعار الأسهم والسندات ؟
هي الى تراجع .
وأسعار المعدن الاصفر ؟
الى ارتفاع أكيد ، ال 450$ للاونصة هي هدف قد لا يكون بعيد المنال .
|