أزمة لبنان: معلومات الأميركيين: أزمة لبنان المالية أسوأ مما يظنّ البعض!

لماذا قد تنجح أو تفشل الحكومة  في عملية الإنقاذ المالي والاقتصادي؟ ما هي نقاط القوة التي تستطيع ان تستند اليها ولم تكن متوفرة في الحكومات السابقة؟ وما هي نقاط الضعف التي قد تجعل منها نسخة طبق الأصل عن حكومات أخرى حاولت وفشلت؟

مع اقتراب موعد استحقاق اليوروبوند في 9 آذار المقبل، يحتدم النقاش في الحكومة وخارجها حول القرار الذي ينبغي اتخاذه، لجهة الدفع أو التخلّف، أو اعتماد حل وسط، يقضي بدفع قسم وتأجيل قسم آخر من خلال عملية «سواب».

 

هذا الاستحقاق على أهمية القرار الذي قد يُتخذ حياله، لا يشكّل اولوية شعبية. لكن طريقة مقاربة هذا الموضوع حيوية، لجهة رصد الاسلوب الذي ستعتمده الحكومة في معالجة الملفات المكدسّة أمامها. إذ أنّ دفع هذا الاستحقاق بالكامل في موعده، يؤدي الى استنزاف احتياطي الدولار بقيمة مليار و200 مليون دولار.

 

أما الامتناع عن الدفع، اي التخلّف والتعثّر، فيعني ضرورة البدء فوراً في مفاوضات لإعادة جدولة كل استحقاقات الدين بالدولار. مع الأخذ في الاعتبار، انّ مؤسسات التصنيف ستبادر الى اعتبار لبنان دولة متعثرة. وفي حال اعتماد الخيار الثالث، اي دفع قسم من الاستحقاق لحاملي السندات الأجانب، فهذا سيؤدي الى استنزاف احتياطي العملات بحوالى 500 مليون دولار، بدلاً من مليار و200 مليون دولار، على اعتبار انّ 45% من هذا الاستحقاق يحمله أجانب. لكن، ومن خلال التحذيرات المُسبقة التي أطلقتها مؤسسات التصنيف الدولية، سيتمّ خفض تصنيف لبنان الى درجة «التعثّر الانتقائي».

 

من خلال هذه الوقائع، يتضح انّ البلد يواجه معضلة بصرف النظر عن القرار الذي ستتخذه الحكومة حيال هذا الاستحقاق. وسيكون مطلوباً منها أن تُثبت أمرين في التعاطي مع هذا الموضوع:

 

أولاً- قدرتها على اتخاذ القرارات في معزلٍ عن مواقف القوى السياسية التي تدور في فلكها.

 

ثانيا – قدرتها على حُسن الاختيار في أول امتحان فعلي لها لاثبات جهوزيتها لمعالجة الأزمة برمّتها.

 

لكن السؤال الأهم، هل استطاعت الحكومة من خلال الاجتماعات التي عقدتها مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومع جمعية المصارف اللبنانية، أن تكوّن فكرة واضحة عن حقيقة الوضع المالي الذي تدور حوله علامات استفهام، ويبدو غامضاً رغم كل التصريحات المطمئنة التي يطلقها المسؤولون عن الوضع المالي وعلى رأسهم وزير المال وحاكم المركزي ورئيس جمعية المصارف؟…

 

كل التصريحات التي صدرت في اليومين الأخيرين بدت وكأنّها تهدف الى الطمأنة، خصوصاً لجهة سلامة الودائع وعدم وجود نيّة للاقتطاع منها (Haircut). لكن القاصي والداني يُدرك انّ هذا الملف لا يرتبط برغبة أو ارادة، بل بأمر واقع قد يحتّم قرارات من هذا النوع، شبيهة بالجراحة، حيث يضطر الطبيب الى استئصال عضو، أو قسم من عضو في جسد المريض لإنقاذ حياته.

 

ما يزيد منسوب القلق، رغم هذا الكم من التطمينات المحلية الصادرة حديثاً، هو الكلام المنسوب الى مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، خلال زيارته الى اسرائيل. فقد أعلن من هناك «إنّّ الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، حيث نعتقد أن الاحتياطات الأجنبية (العملات) أقل بكثير مما تمّ الإبلاغ عنه علناً».

 

هذا الكلام يعني مبدئياً، واذا استبعدنا فرضية التضليل أو التهويل، انّ الولايات المتحدة تمتلك معلومات دقيقة عن حقيقة الوضع المالي، وهذا ليس مفاجئاً. لكن المفاجأة ان تكون هذه الارقام مختلفة تماماً عن الارقام المُعلنة في لبنان. وبالتالي، فإنّ كلام شنكر في شأن الحجم الحقيقي لاحتياطي العملات الأجنبية، يعيد الى الواجهة مسألة حتمية إطلاع الحكومة على الوضع بدقّة، لكي تأتي قراراتها متماهية مع الارقام الفعلية.

 

ولا أحد يريد تكرار تجربة اليونان مع الاتحاد الاوروبي، من خلال اعطاء أرقام مُضخّمة أدّت في النتيجة الى الانهيار المالي. وهنا يجب أن نلاحظ انّ اتخاذ قرار دفع استحقاق 9 آذار، أو حتى قرار طلب خطة إنقاذ مستعجلة، بدلاً من البدء في برنامج اصلاحي يليه طلب المساعدة الخارجية، أو اي قرار آخر في هذا السياق، يحتاج الى شفافية مطلقة ليُبنى على الشيء مقتضاه.

 

من هنا، وحتى اذا كان من غير المحمود أن يتمّ كشف الحقائق الى العلن، لأسباب ترتبط بالحفاظ على الحد الأدنى من المعنويات التي يحتاجها الوضع المالي لئلا ينهار أكثر مما هو منهار، فإنّ المطلوب في المقابل، ان تعرف الحكومة الوضع كما هو، من دون أي تجميل او تمويه أو روتوش. وأخطر ما في استمرار الغموض بالنسبة الى الجهة التي تمتلك سلطة اتخاذ القرارات، انّها قد تأخذ قرارات مميتة بسبب الغموض، ولن تكون لاحقاً مسؤولة عن اخطائها، لأنّها لم تكن تعرف…

 

بانتظار جلاء الحقائق المالية، لا بدّ من التأكيد انّ القرارات الموجعة التي يكثر الحديث عنها، تزداد صعوبة مع الوقت، وكل دقيقة تُهدر قبل أن يبدأ الإنقاذ، يدفع ثمنها اللبنانيون وصولاً في النتيجة الى ما هو أكثر من موجع بكثير.

انطوان فرح.

الصين بين فيروسين

إذا شاهدت الصور ومقاطع الفيديو الأخيرة لمدينة ووهان في الصين، حيث انطلقت عدوى فيروس كورونا الأخير والتي صورها بعض الأفراد، فإن الوضع فعلاً مرعب. شوارع خالية ومحطات وقود لا يوجد بها أحد، وكأنك تشاهد مسلسل «ذا ووكينغ ديد» أو فيلم «ريسدنت إيفل».
لقد أغلقت الحكومة الصينية هذه المدينة التي يقطنها 11 مليون شخص، وحولتها إلى حجر صحي خوفاً من انتشار الفيروس. هذه المدينة هي عاصمة إقليم هوبي، أحد أهم أقاليم الصين الصناعية، وليس هذا وحسب، بل إنها تستهلك نحو 5 في المائة من إجمالي استهلاك الصين من البنزين.
إن هذا الفيروس مع انتشاره بدأ يضرب حركة الطيران والسفر والتنقل، وهذا معناه هبوط في استهلاك النفط والمواد البترولية للصين التي استهلكت في العام الماضي نفطاً أكثر من أي دولة أخرى، وهي تسيطر على ثلثي أي نمو جديد في الطلب على النفط عالمياً.
ما قد يحدث هذا العام بالنسبة للصين أمر لا يمكن التكهن به الآن إذا ما استمر الفيروس في الانتشار. والتوقعات حتى الآن سلبية جداً، حيث توقعت شركة «برينستين» للأبحاث أن ينمو الطلب على النفط في الصين بنحو 100 ألف برميل هذا العام بسبب الفيروس، وهذا هو أقل نمو سنوي قد تسجله الصين منذ ما يقارب عشرين عاماً بحسب أرقام «بريتيش بتروليم».
والصين اليوم هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وحصتها من الاستهلاك العالمي تضاعفت من 7 في المائة في عام 2003 عندما ضرب سارس العالم، إلى 14 في المائة في 2020 بحسب توقعات وكالة الطاقة الدولية. ولا داعي للشرح في حضرة كل هذه الأرقام؛ إذ إن أي ضرر للصين هو ضرر لكل الدول المنتجة للنفط في العالم.
إن هذه الأوبئة تؤثر على الطلب عالمياً بلا شك، وأرقام وكالة الطاقة الدولية للطلب عندما ضرب فيروس سارس العالم في 2003، أفضل دليل على ذلك. حيث نما الاستهلاك العالمي بأكثر قليلاً من مليون برميل يومياً في الربع الثاني من ذلك العام، وهي الفترة التي شهدت ذروة انتشار فيروس سارس. وفي الربع الثاني من العام الذي يليه 2004، تضاعف الاستهلاك ووصل إلى قرابة 3.5 مليون برميل يومياً، بعد أن خف أثر الفيروس.
وبالنسبة لفيروس كورونا الجديد، فإنه بلا شك سوف يؤثر بشكل كبير على نمو الطلب على النفط في الصين؛ إذ إن المصافي ستضطر إلى تخفيض استهلاكها منه إذا ما استمرت حركة الطيران والسفر والتنقل في تراجع.
عندما ضرب فيروس سارس العالم في 2003 لم يكن النمو الاقتصادي والنفطي في الصين مثل ما هو عليه اليوم، ولم يكن الصينيون يعيشون الرخاء نفسه والذي انعكس على حركة السفر والطيران. فعلى سبيل المثال زار اليابان 8 ملايين صيني في عام 2018، بينما كان عددهم في 2003 لا يتجاوز 500 ألف، بحسب الأرقام الرسمية. وهذا الأمر انعكس على إجمالي استهلاك الصين من وقود الطائرات، حيث زادت حصة الصين عالمياً من 3.8 في المائة في 2003، إلى 12 في المائة في 2017، بحسب أرقام مصرف «سيتي غروب».
ومع إعلان الكثير من شركات الطيران إيقاف رحلاتها إلى الصين وتباطؤ نمو حركة الطيران داخل الصين بعد أن فرضت الحكومة حجراً على الكثير من المناطق، فإن النمو في الطلب على وقود الطائرات هناك في شهر فبراير (شباط) قد يتقلص بنحو 618 ألف برميل يومياً، كما قدرته وكالة «ستاندر آند بورز غلوبال بلاتس».
ومع إقفال الكثير من الشركات محالها في الصين تخوفاً من الفيروس، مثل «ستاربكس» التي أقفلت 2000 متجر، ومثلها في ذلك «إيكيا» و«ماكدونالدرز» وغيرها، فإن الطلب على الديزل سيتراجع هو الآخر، حيث ستخف عملية نقل البضائع، والديزل هو شريان قطاع النقل في الصين.
إذن، نحن أمام تحدٍ جديد لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ويبدو أن هناك تحركات تقودها السعودية لعقد اجتماع طارئ لبحث تداعيات فيروس كورونا على أسعار النفط بعد أن شهدت أسعار برنت هبوطاً قدره 9 في المائة منذ العشرين من يناير (كانون الثاني)، لتتداول تحت 60 دولاراً؛ وهذا الهبوط قد يزداد.
وما على «أوبك» وحلفائها في تحالف (أوبك+) فعله هو الاتفاق على أمرين لا ثالث لهما، الأول هو حجم الضرر المتوقع من فيروس كورونا على الطلب على النفط، والثاني التحرك لتعميق التخفيضات المتفق عليها وهو 1.7 مليون برميل يومياً بأكثر من ذلك تحسباً لأي تدهور في الوضع؛ إذ إن المخزونات من وقود الطائرات والمواد البترولية الأخرى ستزداد بلا شك، ومعها سيزداد تخزين النفط من قبل المصافي. ولكن كل هذا سيعتمد على موقف روسيا والتي باتت تشكل ركيزة أساسية في كل توجهات التحالف.
عموماً، في لحظات مثل هذه، يتمنى المرء لو أن النفط لا يشكل سوى نسبة بسيطة من إجمالي إيرادات دول «أوبك» حتى لا تعاني من أي ضرر يمر به الاقتصاد الصيني، ولو أن فكرة عدم الاعتماد على الاقتصاد الصيني غير مجدية؛ لأن العالم قرية صغيرة… والكل يحتاج إلى الصين.

وائل مهدي.