يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا تتضمن تخفيضات كاسحة على إنتاج النفط. الرياض دعت إلى محادثات طارئة، وموسكو تقول إنها لم تعدد تخطط لزيادة الإنتاج في معركة على الحصة السوقية.
لكن يبقى السؤال: حتى إذا توصل أكبر ثلاثة منتجين في العالم إلى اتفاق غير مسبوق لكبح إنتاج النفط، هل يمكن لأي صفقة أن تحجب ما يكفي منه في الوقت الذي قضى فيه فيروس كورونا على ثلث الطلب العالمي على الخام؟
غير أن شيئا واحدا أضحى واضحا: بعد أن أخذت أسعار النفط في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعض أشد انحناءاتها في التاريخ، فإن التحرك في مواجهة ذلك سيكون اختبارا صعبا، إن لم يكن مستحيلا، لتحالف أوبك+، التجمع غير الرسمي الذي دعم أسعار الخام لثلاث سنوات إلى أن انهار اتفاقه في مارس آذار.
يقول مصدر في أوبك أحيط علما بسياسة النفط السعودية إن حجم التراجع في الطلب قد يتطلب تحركا يتجاوز المدى الذي يمكن لمجموعة أوبك+ أن تمضي إليه منفردة. وقال ”هذا وضع استثنائي يتطلب إجراءات استثنائية.“
تراجع الطلب على النفط بما يصل إلى 30 مليون برميل يوميا، بما يقارب إنتاج السعودية وروسيا والولايات المتحدة معا.
يتجاوز التراجع أيضا إجمالي إنتاج جميع أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول، التي ظلت لعقود اللاعب الأكثر نفوذا في سوق النفط.
وكتب مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية هذا الأسبوع ”حجم الاضطراب الحالي يفوق قدرة أوبك على إعادة توازن الأسواق بمفردها.“
وتابع ”هناك حاجة ملحة إلى تعاون دولي أكبر،“ متوقعا أن تعاني الولايات المتحدة والمنتجون الآخرون من ذوي التكلفة المرتفعة.
لم تطلب السعودية ولا روسيا بشكل مباشر من الولايات المتحدة – التي أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم بفضل ثروة النفط الصخري التي ساعدها دعم أوبك+ للأسعار – المشاركة في أي تخفيضات للإنتاج، وهو ما تحظره قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية.
لكن، في الواقع، قد تكون مشاركة أمريكية ما ضرورية في أي اتفاق إذا كان من المأمول له أن يحدث أثرا على مستوى العوامل الأساسية للسوق.
خطأ في الحسابات
يقول كيريل دميترييف، أحد كبار مفاوضي النفط الروس ورئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، في تصريحات لرويترز ”إذا زاد عدد أعضاء أوبك+ وانضمت دول أخرى، ثمة إمكانية لاتفاق مشترك من أجل موازنة أسواق النفط.“
لكن طريقة الاستجابة تجدد سجالا مريرا اندلع أوائل مارس آذار في فيينا، حيث شبت الخصومة بين موسكو والرياض وانهار اتفاق أوبك+ لتقييد المعروض على نحو مفاجئ.
فقد دعت السعودية إلى تخفيضات إضافية عميقة، قائلة إنها لم تعد مستعدة لتحمل العبء الأكبر للتخفيضات وإنها ترغب أن يتحمل الآخرون – مشيرة بوضوح إلى روسيا – حصة أكثر تناسبا.
وردت موسكو بأن تعميق التخفيضات لن يكون منطقيا لحين اتضاح المدى الكامل لتداييات فيروس كورونا، في ضوء أن إجراءات مكافحة الفيروس تكاد توقف النشاط الاقتصادي في أنحاء العالم، لينحدر بشدة الطلب على وقود الطائرات والبنزين والديزل.
وبدلا من إيجاد طريقة لتجاوز خلافاتهما، أخطأ كلاهما في قراءة مدى عزم الأخر التمسك بموقفه. وحتى في ظل العواقب السلبية على الأوضاع المالية للبلدين، غادرا الاجتماع متعهدين بفتح الصنابير واقتناص الحصص السوقية مما أسفر في النهاية عن انهيار أسعار النفط.
وقال مصدر نفطي روسي محنك ”أخطأت روسيا حساب رد الفعل السعودي.. لم تعتقد موسكو قط أن السعوديين قد يهددون بزيادة الإنتاج لهذه الدرجة الكبيرة. ظننا أنهم سيواصلون فحسب العمل بالتخفيضات القائمة.“
أما السعودية فأخطأت تقدير مدى انهيار الطلب على النفط والذي دفع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من 20 عاما.
أدركت الرياض سريعا أنه، في سوق مترعة بالخام، حتى المشترون الذين يمكن التعويل عليهم لا يرغبون في المزيد وأن تخفيضات الأسعار الكبيرة لن تغير هذا الوضع. فقد نأت شركات النفط الرئيسية وكبرى الدول المستهلكة عن شراء الشحنات الإضافية.
ادعاء النصر
قد يكون أمام كلا الطرفين الآن فرصة لإعادة النظر – وربما سبيل لادعاء أن كلا منهما كان على صواب. ففي حالة التوصل إلى اتفاق، تستطيع الرياض أن تقول إن ضخ مزيد من الخام أجبر روسيا على العودة إلى الطاولة. وبوسع موسكو، إذا انضم آخرون، أن تقول إن أثر الفيروس تجاوز ما يمكن لمجموعة أوبك+ أن تتعامل معه بمفردها.
أحدث ترامب، الذي قال إن موسكو والرياض ”جن جنونهما“ بضخ المزيد بعد انهيار اتفاقهما بشأن المعروض، صدمة في السوق يوم الخميس بقوله إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا.
وكتب ترامب على تويتر ”أتوقع وآمل أن يخفضان الإنتاج حوالي عشرة ملايين برميل، وربما أكثر بكثير وهو، إذا حدث، سيكون شيئا عظيما لصناعة النفط والغاز!“ ذاكرا رقما للتخفيضات يعادل عشرة بالمئة من المعروض العالمي.
ومن المقرر أن يجتمع ترامب بالمدراء التنفيذيين لشركات النفط الأمريكية يوم الجمعة، غير أن مسؤولا رفيعا بالإدارة قال إنه لن يطلب من المنتجين المحليين المشاركة في التخفيضات.
لكن حتى إذا لم يشارك المنتجون الأمريكيون طوعا، فقد يجدون أنفسهم مجبرين إلى ذلك. ففي ظل التدني الحالي للأسعار، قد يضطرون إلى إغلاق جانب كبير من الإنتاج النفطي عالي التكلفة — أو طلب المال من الحكومة تجنبا للإفلاس.
وسيكون أي اتفاق رسمي للتعاون مع أوبك معقدا بسبب قوانين مكافحة الاحتكار. لكن بعض منتجي النفط الصخري الأمريكيين في تكساس طلبوا من الهيئة المنظمة لقطاع الطاقة هناك فرض تخفيضات للمرة الأولى في 50 عاما – وقال أحد ثلاثة مفوضين بالهيئة التنظيمية الأمريكية إنه قد يكون من المنطقي إجراء ذلك.
وأجرى المفوض، رايان سيتون، اتصالا هاتفيا بالأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركندو الشهر الماضي.
وقال ترامب عقب حديث مع بوتين ”يوجد الكثير من النفط وهو في بعض الحالات أقل قيمة من الماء على الأرجح… لم نر قط شيئا كهذا.“
وبحث المسؤولون الأمريكيون عددا من الأفكار بشأن الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تساهم بها في إدارة أسواق النفط العالمية.
لكن في بادرة تجاه موسكو، عرضت الولايات المتحدة هذا الأسبوع الشروع في رفع العقوبات المفروضة على فنزويلا إذا اتفقت المعارضة وأعضاء بالحكومة على تشكيل حكومة انتقالية، في تحول عن سياسة تصفها موسكو بغير العادلة.
وقال المصدر في أوبك إن من غير الواضح ما الذي يمكن أن تقترحه واشنطن على الرياض لتخفيف الأزمة.
ومن غير الواضح أيضا إن كان بوسع المنتجين التحرك بالسرعة الكافية لإحداث تغيير سريع في مثل هذه الأوقات المضطربة.