واجه انتشار وباء كورونا قادة الدول الكبرى بامتحان كان بعيداً عن الاذهان. آلاف القتلى من فيروس بالكاد يمكن رؤيته في ايطاليا، واسبانيا، وفي الصين حيث ظهر الوباء وإن حققت اجراءات الاحتياط ضبط انتشاره بسرعة كان منها انشاء مستشفى خاص بطاقة 1200 سرير واجهزة تنفس خلال اسبوعين.
اليوم تعتبر مجلة “الايكونوميست” ان وباء كورونا يشكل اكبر قضية انسانية، وفي الوقت عينه سيدفع البلدان الصناعية الى جبه مشاكل اقتصادية ومالية كبرى لن يكون من السهل تجاوزها، وعلى صعيد التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية تبدو الصين مرشحة لاحتلال الموقع الاقتصادي والتقني الأهم عالمياً مع حلول العام 2030، والولايات المتحدة التي بدأت تعاني من مشاكل اقتصادية ومن قيادة ترامب المتأرجحة ومحاولته تخفيف اجراءات الحماية كي لا ينخفض الدخل القومي الاميركي بنسبة 5-8 في المئة اذا استمر الوباء فترة ثلاثة اشهر، وحينئذٍ لن يكون انتصار ترامب الجمهوري على بايدن الديموقراطي سهلاً، وقد تنكفىء الولايات المتحدة عن مواجهة الدول الصناعية والنفطية بمطالب فوقية.
وبحسب “الايكونوميست” ان الخسائر الاقتصادية فرضت على الحكومات المعنية تخصيص مبالغ ضخمة لانقاذ المصارف والكثير من المؤسسات الصناعية، وان الكونغرس أقر تأمين تريليونَي دولار لأهداف التغلب على الازمة المالية والاقتصادية. وكانت فرنسا من اوائل الدول المتقدمة التي خصصت 330 مليار أورو او ما يعادل 360 مليار دولار لمواجهة اعانة الموظفين على حيازة معاشاتهم او النسبة الاهم منها، مع تفشي البطالة، كما اقرت السوق الاوروبية برامج دعم للعمال والمؤسسات والمصارف بقيمة 880 مليار أورو اي ما يزيد على 960 مليار دولار.
اضافة الى الخطوات المقررة، ترى “الايكونوميست” ان معالجة الازمة ستفرض توافر قروض ميسرة وتسهيلات لشركات رئيسية متعثرة في العالم الصناعي تقترب من 18.6 تريليون دولار، وهذا مبلغ يتجاوز ما خصصته البلدان المعنية لمواجهة الازمة المالية التي تفجرت عام 2008 وأدت الى تخصيص 5.5 تريليونات دولار في الولايات المتحدة لانقاذ المصارف وشركات التأمين وشركات تصنيع السيارات والطائرات. وبلغت تسهيلات المصرف المركزي الاوروبي 5.6 تريليونات دولار. وكانت اليونان حصلت على 330 مليار أورو معظمها من المصرف المركزي الاوروبي للتغلب على ازمتها المالية والاقتصادية، وقد بدأت بالفعل في السنتين المنصرمتين الخروج من ازمة المديونية وتفشي البطالة. وكان لموسم السياحة عام 2019 تأثير ايجابي كبير. المصارف السويسرية الرئيسية، احتاجت الى الانقاذ وكذلك مصارف ايطالية كثيرة وشركات استثمارية ترسّخت في لندن من الولايات المتحدة، والمانيا، وفرنسا وحتى الدول العربية حيث كان ولا يزال للكويت صندوق الاجيال المقبلة المؤسَّس من الستينات، وقرض لانقاذ “بنك بركليز” بلغت قيمته 12 مليار جنيه استرليني.
استناداً الى تقديرات “الايكونوميست” فان القطاع الوحيد الذي سينجو من الضمور بل سيحقق نجاحاً ملحوظاً هو شركات التحكم بالذكاء الاصطناعي. فهذه الشركات باتت لديها برامج لتأمين الخدمات المنزلية وخدمات التسوق واستكشاف الامراض الرئيسية، وكل ذلك حصيلة التحكم التقني بالذكاء الاصطناعي.
طبعاً نحن لا نطمح الى تكريس الذكاء الاصطناعي لمواجهة ازمتنا. فالعقل السياسي اللبناني لم يتفق على خطة انقاذ سوى اعتماد وسائل السطو المقونن على مدخرات اللبنانيين وكأن هذه المدخرات تحققت من نهب الثروات في لبنان، والواقع ان ثروات الناهبين اصبحت في الخارج وليس من السهل استعادتها حتى من البلدان التي عانت عام 2008 مصاعب مالية واقتصادية مثل سويسرا وانكلترا. وسويسرا استعادت ثقة العالم بسياساتها ونظامها المصرفي ووضوح قوانينها بحيث صارت تحتوي على ثلث الثروة النقدية والذهبية العالمية.
تقدير “الايكونوميست” ان استمرار ازمة الوباء شهرين او ثلاثة سيؤدي الى انتقاص الدخل القومي في البلدان الصناعية بأكثر من 20 في المئة والى ضخ 18-20 تريليون دولار في العمليات الانقاذية للعمالة والخدمات العامة والصناعات الاساسية كصناعات الادوية، والطائرات، والسيارات والعناية بشؤون البيئة.
بالطبع السياسيون اللبنانيون بعيدون عن تلمّس فرص النجاح التكنولوجي عبر الانخراط في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد صدر كتاب حول تطورات الذكاء الاصطناعي وضعته اختصاصية اميركية شابة اسمها Amy Webb وهي متمرسة في علوم برامج الذكاء الاصطناعي، وقد اعطت الكتاب الواقع في 320 صفحة تسمية تعبّر عن محتواه، اي العمالقة التسعة The Big Nine. وبحسب تحليل المؤلفة هنالك تسع شركات مندمجة في برامج تطوير الذكاء الاصطناعي للانتقال من البرامج الاولية التي تمحورت على تطوير ادوات التحليل الرقمي التكنولوجي الذي يطاول عشرات آلاف المعطيات للوصول الى آلات التحليل التي يمكنها ان تتجاوز البرامج الموضوعة من الاختصاصيين، والتي ترتكز على التحليل الذاتي، اي الانتقال من الذكاء الاصطناعي الاولي، الى الذكاء الاصطناعي الواسع واخيراً الى الذكاء الاصطناعي العلمي، وهي تعتبر ان المرحلة الاخيرة، اي تطوير ادوات التفكير الذاتي ووضع البرامج المتقدمة، سيستغرق 70 سنة على الاقل.
كي لا يتفاجأ القارىء بتصورات المؤلفة فهي تعتبر ان بداية الذكاء الاصطناعي كانت في الستينات مع تطوير القدرات الرقمية والتحليلية للمنتجات الالكترونية. وكان ذلك عبر جمع 60 من علماء الادمغة الالكترونية في جامعة Dartmouth في الولايات المتحدة، وبعد تحقيق خطوات في تطوير ما يسمى الـ Algorithm توقف التطوير.
العودة الى محاولة توسيع قدرات ادوات الذكاء الاصطناعي بدأت من جديد بعد فوز جهاز مصنّع من شركة IBM بمسابقة مع بطل العالم في لعبة الشطرنج عام 1996، وكانت هنالك محاولات سابقة للتغلب على اصول لعبة مشابهة ألّفها الصينيون منذ 3000 سنة، وهذه الرياضة الفكرية كانت تستدعي التركيز على مختلف اوجهها لسنوات، ولم يتم التغلب على اختصاصي اللعبة الصينية المسماة Go إلا في اواخر التسعينات حين استطاع جهاز متطور للذكاء الاصطناعي يشمل مرونة التفكير بعدد من الحلول في الوقت ذاته واختيار الحل التلقائي، ومذذاك اصبح هناك شركات صينية ثلاث تنافس الشركات الاميركية. والشركات الاميركية المنصبة جهودها على تطوير الذكاء الاصطناعي هي: IBM, Microsoft, Google, Apple, Amazon, Facebook. في المقابل الشركات الصينية الثلاث هي Tencent, Baidu, AliBaba. وجدير بالذكر ان شركة AliBaba الصينية هي التي ساهمت في اطلاق شركة Google ولا زالت تحتفظ بـ22 في المئة من اسهمها، وهي الشركة المساهمة الاساسية.
يمكننا الخوض بمعلومات كثيرة نطلع عليها في الكتاب، ونكتفي هنا بالاشارة الى بعض استخلاصات الكتاب وعدد من معلوماته الرئيسية.
بحسب المؤلفة ان فريق الشركات الصينية سيربح معركة التنافس وسيحتل المركز الاول بين الشركات التسع عام 2030 وذلك لان الحكومة الصينية توفر الدعم المعنوي والمالي، واقرت برنامجا لاستقبال العلماء الصينيين من مختلف بلدان العالم وخصوصا من الولايات المتحدة، وهم يوفرون معاشا سنويا لكل عالم على مستوى 150 الف دولار، والسكن وتوفير العمل لزوجته إن كان متأهلاً، وميزانية لابحاث كل عالم تراوح ما بين 440 الف دولار و800 الف دولار. وقد اعلن الرئيس الصيني في خطاب عام 2017 ان الصين تخطط لاحتلال الموقع الرقم 1 في جميع مجالات عمل الذكاء الاصطناعي، وربما يهم اللبنانيين معرفة الامر التالي الا وهو كيفية استعادة الاهتمام بالذكاء الاصطناعي عبر نشاط ثلاثة افراد احدهم استاذ لعلوم الكومبيوتر في جامعة تورونتو، والثاني خبير في علوم الذكاء الاصطناعي يعمل لدى شركة IBM، والثالث شاب من اصل سوري اسمه مصطفى سليمان، والده كان سائق تاكسي في لندن ووالدته تعمل في النظام الصحي البريطاني.
وُلد مصطفى سليمان عام 1984. درس في Mansfield College في اوكسفورد وترك الكلية قبل التخرج ومن ثم تشارك مع الخبيرين المذكورين في تأسيسس شركة اسمها Deep Mind تعمل في برامج الذكاء الاصطناعي، وقد توصلت الى انجاز اتفاق خدماتي موسع مع نظام التغطية الصحية في بريطانيا، ولفت هذا العقد شركة Alpha Bet الصينية التي ابتاعت الشركة بـ 400 مليون جنيه استرليني.
قبل الانتهاء من هذا السرد نلخص ما تتوقعه مؤلفة الكتاب من مراجعتها للبرامج الاميركية والصينية في مجالات الذكاء الاصطناعي.
تقول المؤلفة ان مسيرة تطوير الذكاء الاصطناعي تتماشى مع مساعي الصين الحثيثة لاحتلال موقع الصدارة في هذا المضمار عالميا. تحاول الصين تجاوز مشاكل العلاقات التجارية والحصول على مركز الصدارة في النجاح الاقتصادي بتجاوز الاميركيين، وتطوير قدرات التصنيع واحتلال موقع رئيسي في الخريطة الجيوسياسية في العالم سواء بالنجاح الكبير او القوة العسكرية، او اعطاء مثال اجتماعي وتكريس الجهود لانجاح مساعي الحفاظ على البيئة عالميا.
نقرأ كل هذا في مجلة “الايكونوميست” وفي كتاب Amy Webb ولا نحرك مساعي التواصل والتفاهم مع الصينيين في مجالات تسيير المرافىء، بناء المصافي، امدادات الكهرباء، جعل بيروت المركز المالي لتجارة الصين مع المنطقة وبناء حقل كبير مع مصرف لبنان لانتاج الكهرباء من الالواح الزجاجية في البقاع.
هل مَن يقرأ…هل مَن يسمع؟!
مروان اسكندر