سيناريوهات للنظام العالمي بعد كورونا

أحدث وباء كورونا هزات عنيفة في العالم واقتصاده، وفي حال احتوائه، سيكون العالم مختلفا عما كان، لأن الفيروس ترك آثاراً عميقة في مجالات الحياة المختلفة، فالاقتصادات والحكومات والمؤسسات الاجتماعية ستستغرق سنوات من أجل التعافي.

 

في هذا الإطار، رأى موقع Fast Company الأميركي أن هناك 6 سيناريوهات مُحتملة للتحولات التي سنشهدها في السنوات المقبلة، نتيجة عواقب كورونا، وهي كالتالي:

 

الطوارئ المُطوَّلة

الخطر الأوضح أن يستمر الفيروس المستجد في التفشي، وأن تُثبت صعوبة التوصُّل إلى لقاحات لعلاجه، إلى أبعد من فترة الأشهر الـ12 إلى الـ18 شهراً المُتوقَّعة. وضمن هذا السيناريو قد تكون الدول التي قبلت بالإيقاع البطيء لسياسات العزل، ونشرت تقنياتٍ لتتبُّع الاتصال، قادرةً على عزل الناس من خلال حجرٍ صحيٍّ صارم، لكن الدول الفقيرة والمُكتظَّة بالسكان ستظل مُعرَّضة للخطر بشكلٍ خاص.

حالياً تعزل كل الدول مواطنيها، لكن في هذا المسار سيُحاصَر على نحوٍ غير مُحدَّد التبادل المادي مع الدول الأخرى. وعلى المستوى المحلي، تواجه هذه الدول خياراً موجهاً بين إعادة فتح اقتصاداتها وتعريض سُكَّانها لمزيد من العدوى. سيكون هناك انتعاش اقتصادي متأرجح، وسيُضعف زوال الأسواق الناشئة والدول النامية الاقتصاد العالمي ككل، وستصل البطالة المحلية إلى مستوياتٍ ترقى إلى مستويات عصر الكساد. كما ستنهار شركات كبرى أو تُدمَج معاً، ومع انهيار أصحاب العمل الكبار قد تنهار الحكومات أيضاً.

 

تفكك النظام النقدي العالمي

الانهيار المباشر للدول ليس مستبعداً بالنسبة للدول النفطية، من الإكوادور إلى إيران. والسنوات الأخيرة من التضخم والجوع في فنزويلا ستسوء من خلال شحّ المساعدات وانخفاض أسعار النفط التي وصلت إلى القاع. وقد هرعت الدول النفطية والنامية إلى صندوق النقد الدولي للحصول على تسهيلات الإقراض الطارئة، وسحبت أيضاً احتياطياتها من الدولار الأميركي لدعم ماليتها ودرء هروب رؤوس الأموال. وقد تحتاج دول الخليج إلى إرخاء ارتباط عملاتها بالدولار. وسيكون من التبسيط المُخِل افتراض أن الصين ستملأ هذا الفراغ. بالنظر إلى المصاعب التي تواجهها مع شركاتها العائدة من الموت. ومع اتجاه التجارة بين الولايات المتحدة والصين إلى الانخفاض بحِدَّة، واتجاه الصين إلى إعادة تسعير النفط باليوان الصيني، فإن تفكُّك النظام النقدي العالمي أمرٌ مُحتَمَلٌ وعلى كل الدول الاستعداد له.

 

أزمة لاجئين أخرى

التفكّك الاقتصادي العالمي والضعف الشديد في الإمدادات الدولية قد يعنيان استمرار فرار اللاجئين من دولهم المتداعية. وأوضحت تركيا أنها لا تريد استضافة 4 ملايين لاجئ سوري إلى الأبد، ولا أن تتحمَّل تفشياً واسع النطاق للفيروس. وقد يؤدي تضاؤل الدعم الخليجي لمصر والسودان إلى اندلاع موجةٍ من الهجرة من هاتين الدولتين أيضاً.

وهكذا يجب علينا أن نتوقَّع أزمة لاجئين تتصاعد مرةً أخرى من أميركا الوسطى إلى المكسيك، ومن الشرق الأوسط إلى أوروبا. وعلى نطاقٍ أوسع، عندما تُرفَع القيود المتعلِّقة بهذه الجائحة من على التنقُّل عبر الحدود فسيرغب ملايين من الناس في الفرار من «المناطق الحمراء» ذات الرعاية الصحية غير الملائمة إلى «المناطق الخضراء» ذات الرعاية الصحية الأفضل.

 

قومية متصاعدة وأقلمة تجارية

قبل أن تتوقَّع كثير من الدول موجة هجرة سريعة، من المُرجَّح أن تُجري أولاً مراجعة جادة لإمداداتها الغذائية والطبية، وربما تدشِّن نوعاً من التخزين، أو «تأميم الطعام» الذي طبَّقَته روسيا بتقييد تصدير الحبوب، والذي نفَّذته فيتنام أيضاً بالحدِّ من تصدير الأرز.

ويشير التهميش الكامل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى أن الأمم المتحدة ستواصل طريقها نحو الانحلال النهائي. وبينما استعاد صندوق النقد الدولي أهميته موقتاً، سينخفض الإشراف الاحترازي. أما البنك الدولي، فهو بطيءٌ للغاية وتنقصه الموارد. واجتازت الدول الآسيوية لتوِّها شراكة اقتصادية إقليمية شاملة، وستكون بحاجةٍ إلى تعميق تجارتها الداخلية للتعامل مع صدمة الطلب العالمية. وتتاجر دول أميركا الشمالية الثلاث بالفعل بعضها مع بعض أكثر مما تتاجر مع الصين أو أوروبا. لذا ستكون الأقلمة هي العولمة الجديدة.

 

زيادة الاستثمار في التكنولوجيا

ما هي الاستثمارات التي يمكننا القيام بها أو تعميقها اليوم من أجل تقليص تأثير الجائحة وتوجيه المستقبل للاستقرار والاستدامة؟ لعلَّ زيادة الاستثمار في التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية تُعَدُّ بمنزلة نقاط بداية واضحة، لكن ليس في شكلها الحالي بل عبر «الطب عن بعد». وعلى المنوال نفسه، سيحصل التعليم الخاص بشكلٍ أساسي على قدرٍ أكبر من الاستثمار، بالنظر إلى أدائه القوي خلال الأزمة، لكن بتركيزٍ على الجانب الرقمي منه.

 

تهديداتٌ حضارية تستوجب تغيير السياسات

أثبت كورونا أنه اختبارٌ أكبر للقيادات من أحداث 11 أيلول والأزمة المالية معاً، وهو صدمةٌ واقعية أدَّت إلى تحطيم الافتراضات المُسلَّم بها بأن التقدُّم يسير دائماً «إلى الأمام ونحو اليمين». إن التطوُّر، سواء على المستوى البيولوجي أو الحضاري، لهو أكثر عشوائيةً وأقل تحديداً بكثير مما تصوَّر الجميع. وللمُضي قُدُماً، على قادة القطاعين العام والخاص أن يتقبَّلوا وكالة أكبر بكثير في تحديد الأولويات الطويلة الأجل، مثل مكافحة التغيّر المناخي، وبذل التضحيات القصيرة الأمد اللازمة لتحقيق هذه الأولويات. وتجب إعادة تنظيم الحوافز، مع دعم الحكومات للاستثمارات في الاستدامة، ومكافأة الأسواق لتلك الشركات التي تحقِّق إيرادات مرنة.