من المحتمل، مع اقتراب شهر مايو (أيار)، أن نشهد عودة بطيئة للنمو الاقتصادي في بعض أنواع الأنشطة الاقتصادية التي مُحيت آثارها تماما بسبب إغلاقات فيروس «كورونا» في مارس (آذار) الماضي وأبريل (نيسان) الجاري. وهذا من قبيل الأنباء السارة. أما الأنباء السيئة، وكما شهدنا في قطاع النفط خلال الأسبوع الجاري، لا يزال جانب كبير من الاقتصاد يعاني من فائض كبير في العرض، لقاء مستويات الطلب المحتملة في المستقبل المنظور. ومن المرجح لمجريات الشد والجذب، والتداعيات المتعاقبة المحتملة، أن تحدد المسار القادم للاقتصاد خلال الشهور القليلة المقبلة.
ومن السهل التيقن إلى درجة ما أن بعض أوجه النشاط الاقتصادي قد وصلت بالفعل إلى القاع. وبعد كل شيء، لا يمكن للنشاط الاقتصادي أن يجاوز ما دون الحد الصفري على الإطلاق. وتشير بيانات مؤسسة «أوبن تيبل» البحثية إلى أن حجوزات المطاعم عبر الإنترنت قد انخفضت بنسبة 100 في المائة بسبب قرارات الإغلاق الإلزامية لمختلف المطاعم والمقاهي. ومن شأن ذلك أن يمثل «مُنْخَفَضاً» لأجزاء معتبرة من حياتنا اليومية الأكثر تأثرا – وربما تضررا – من قرارات الإغلاق. وربما لمتاجر البقالة ومنافذ الوجبات السريعة – على سبيل المثال، أن تشهد ارتفاعا طفيفا في حركة الطلب والمرور مع تطبيق التغييرات ذات الصلة بالسلامة التي تبعث على ارتياح العملاء مع ارتداء الأقنعة الواقية والالتزام بإرشادات التباعد الاجتماعي المعروفة.
وحتى قبل رفع القرارات الإلزامية بالبقاء في المنازل، فهناك علامات مؤقتة على التحسن البطيء للغاية في بعض المجالات الاقتصادية. فلقد ازداد الطلب على وقود السيارات للمرة الأولى في الأسبوع الماضي منذ بدء تنفيذ قرارات الإغلاق، مع تطلع الناس الشديد للخروج من المنازل ولو قليلا، حتى مع استمرار الشركات والأعمال غير الضرورية قيد الإغلاق الإلزامي. وتعكس البيانات اليومية الصادرة عن إدارة أمن النقل ارتفاعا طفيفا في عدد المسافرين بالطائرات الذين يمرون عبر بوابات التفتيش الأمنية.
ولقد شهد إجمالي الإنفاق في المطاعم انخفاضا بصورة أقل على أساس سنوي خلال الأسابيع القليلة الماضية، ربما مع شعور العملاء بارتياح أكبر مع خيارات طلبات الطعام الجاهزة، والتوصيل إلى المنازل. وأظهر مسح لبناء المنازل لدى مؤسسة «جون بيرنز للاستشارات العقارية» أسبوعين متتاليين من تحسن معنويات العملاء. كما أظهرت بيانات الأسبوع الجاري لدى «رابطة مصرفيي الرهن العقاري» أول زيادة متتالية في طلبات شراء الرهن العقاري منذ بدء قرارات الإغلاق. ومع التباطؤ الذي شهده النشاط الاقتصادي حتى قبل تطبيق الولايات لقرارات الإغلاق، فليس من المستغرب أن يتعافى النشاط الاقتصادي بصورة طفيفة قبل وقف العمل بهذه القرارات.
ومع التخفيف التدريجي لقرارات لزوم المنازل خلال الشهر المقبل، من المنتظر أن تشهد العديد من أنواع الأعمال التجارية القليل من التحسن. وسوف يقضي الناس المزيد من الوقت في قيادة السيارات واستهلاك الوقود في مايو مقارنة بما جرى في أبريل. ومن شأن السفر الجوي أن يرتفع الشيء القليل أيضا. مع توقعات باستهلاك المزيد من وجبات المطاعم، إما داخل المطاعم نفسها أو عبر خدمات التوصيل إلى المنازل. ومن المتوقع إعادة افتتاح أماكن في لاس فيغاس من منتصف حتى أواخر مايو، مما يعني ارتفاع معدلات الإشغال الفندقي هناك أكثر من شهر أبريل.
وهناك رياح معاكسة قادمة من محيط التحفيز المالي، مع عشرات الملايين من المواطنين الأميركيين الذين يحصلون على شيكات الإغاثة المالية خلال الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من استمرار معالجة الأعمال المتراكمة المتأخرة، فإن الملايين من العمال المسرحين من وظائفهم، وغيرهم من العمالة بالأجرة، صاروا يحصلون على منافع البطالة المحسنة التي ترجع إلى تواريخ توقفهم عن ممارسة أعمالهم. كما تحصل الشركات المختلفة أيضا على مئات المليارات من الدولارات عبر برنامج حماية الرواتب.
وهذا أيضا من قبيل الأنباء السارة. ولكن هناك أيضا أنباء سيئة، فعلى النحو المشاهد بصورة بارزة في أسواق النفط العالمية خلال الأسبوع الجاري، فإن العديد من المجالات الاقتصادية لديها قدرات زائدة بشكل مذهل، حتى مع ارتفاع الطلب خلال الشهور القليلة المقبلة. ومن شأن إغلاق السعة المفرطة مع تعديل هياكل التكاليف لقاعدة الإيرادات المنخفضة أنه سوف يرجع بآثار سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي الإجمالي.
ومن السهل تصور مقدار الانكماش الكبير في النشاط والاستثمار في إنتاج النفط والغاز الأميركي. فمن واقع بيانات الربع الأخير من عام 2014 وحتى الربع الثاني من عام 2016، انخفضت الاستثمارات الثابتة في عمليات الاستكشاف، وحفر الآبار والأعمدة بنسبة 65 في المائة، الأمر الذي أدى إلى الكثير من الأوجاع الاقتصادية المركزة في ولايات مثل تكساس ونورث داكوتا… ويمكن أن نشهد مثل هذه الأوجاع لعدة أرباع فصلية أخرى أو أكثر مما يماثل ذلك.
وفي الأثناء ذاتها، وعلى صعيد الطيران، فمن المرجح لشركات الطيران أن تعمل على تقليص طاقتها خلال شهور الصيف. وإن لم يشهد هذا القطاع المهم انتعاشا سريعا في الطلب على السفر الجوي بأكثر مما هو متوقع، فسوف تحتاج الشركات في خاتمة المطاف إلى الإقلال من عدد الموظفين أو زيادة رؤوس الأموال.
وتعتبر الآفاق مريعة كذلك بالنسبة لحكومات الولايات والحكومات المحلية في الولايات المتحدة، والتي تعاني من انخفاض كبير في إيرادات الضرائب، مما يتعين عليها اتخاذ خيارات عسيرة فيما يتعلق بالميزانيات المالية لعام 2021، وباستثناء تمرير تشريع جديد للمساعدة المالية من قبل الكونغرس، فمن شأن ذلك التأثير بشدة على النمو الاقتصادي في الربعين الثاني والثالث من العام على أقل تقدير.
لكن على الأقل بعد مرور شهر من الأنباء التي كانت سلبية بصورة مستمرة، فمن شأن الصورة الاقتصادية العامة في شهر مايو المقبلة أن تكون مختلطة. بعض المناطق والصناعات سوف تفيق من الغيبوبة في حين تعاني مناطق وصناعات أخرى من صدمات جديدة بسبب انقطاع القدرات. ولن تكون إعادة فتح النشاط الاقتصادي وحدها كافية لإعفاء صناع السياسات من مسؤولياتهم في الاضطلاع بالمزيد من المهام، لا سيما فيما يتصل بميزانيات البلدات والمحليات المتضررة للغاية. وتحديد مقدار المطلوب يتوقف على مدى تقدم وباء «كورونا» وشكل الانتعاش الاقتصادي المنتظر. ربما يكون أسوأ مراحل العاصفة قد انقضى ولا تزال أمامنا العملية الشاقة لإعادة البناء.
كونور سين