الاسواق في انتكاسة بدأت في وول ستريت وتمددت ..! والآن الى أين؟

بعد مرحلة التفاؤل التي اشيعت في الاسواق ودفعتها الى الارتفاع عاودت الثقة انتكاستها والاسواق تراجعها بدءا من وول ستريت يوم امس الثلاثاء وامتدادا الى الاسواق الاسيوية صبيحة الاربعاء.
المخاوف بشأن موجة ثانية محتملة من العدوى لم تترك اذا  أسواق الأسهم الآسيوية يوم الأربعاء. هذا وكان المستثمرون قلقين ايضا  بشكل متزايد بشأن تجدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
من جهته حذر عالم المناعة الأمريكي أنتوني فوسي الحكومة الأمريكية من أن الإزالة المبكرة لقيود احتواء الوباء يمكن أن تؤدي إلى تفشي فيروسات تاجية إضافية وهذا يحتمل خطر معاودة الازمة انطلاقتها بشكل اعنف.
.في الولايات المتحدة ، توفي ما يقرب من 80،000 أمريكي نتيجة للمرض الناجم عن الفيروس COVID-19. وقال Fauci ليس من المتوقع ايجاد لقاح أو دواء قبل نهاية أغسطس.
هذه التعليقات ضغطت على الاسواق ابان الجلسة الاميركية امس في وول ستريت. وهذا يؤكد المزاج الهش بين المستثمرين ، والذي يتقلب بين التفاؤل بشأن التسهيل الأول لتحفيز الاقتصاد العالمي والخوف من زيادة متجددة في حالات الإصابة بالفيروسات. ومن الواضح جدا أن القيود ألحقت أضرارا اقتصادية وأن التعافي سيستغرق على الارجح سنوات وليس أسابيع.

في الصين ، تخطط مدينة ووهان ، موطن الفيروس التاجي الجديد ، لفحص سكانها بالكامل ، وفقًا لوسائل الإعلام المحلية ، في حين تثير الحالات الجديدة من Covid-19 مخاوف من عودة الوباء في هذه المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك ، في اليابان ، صدور نتائج الشركات في موسم الاعلان عن  الأرباح السنوية يجري على قدم وساق ويعطي المستثمرين فكرة أوضح عن العواقب المدمرة بالفعل للوباء على الشركات. إن  جميع البيانات التي تصدر تباعا تتميز بعدم اليقين بشأن الآفاق المستقبلية ، والتي قد تحد من ارتفاع الاسواق مستقبلا.  بالطبع هذا عامل مؤثر جدا لا يجوز التقليل من انعكاسه على اسعار الاسهم شيئا فشيئا وبالتالي على العملات من حيث كونها على تأثر بشهية المخاطرة سلبا او ايجابا.
افتتاح الاسواق الاوروبية لن يكون مريحا بحسب ما تشير مؤشرات الفيوتشر ساعتين قبل البدء بالتداول.
الدولار هو الذي سيكون مستفيدا كالعادة من تعطل شهية المخاطرة اضافة الى الين والفرنك.

اشارة الى اهمية موعد حديث رئيس الفدرالي باول اليوم الاربعاء ال 13:00 جمت حيث انه سيتطرق حتما بالتفصيل الى موضوع اعتماد الفائدة السلبية التي يطالب بها الرئيس ترمب.

وكان  العديد من مسؤولي الفدرالي ، مثل روبرت كابلان وجيمس بولارد ، قد اعربوا عن معارضتهم هذا الأسبوع لتطبيق أسعار الفائدة السلبية في الولايات المتحدة. ومع ذلك ، ألمح سواهم من أعضاء الفدرالي  ، بالإضافة إلى رئيس  الفدرالي باول ، إلى احتمال بروز الحاجة إلى القيام بالمزيد من حيث توفير التحفيز النقدي للحفاظ على عمل الأسواق المالية ودعم الاقتصاد الأمريكي.

اشارة الى ان المركزي النيوزلندي سلك نفس الدرب الذي تسلكه البنوك المركزية العالمية باعتماده التيسير الكمي لتحفيز الاقتصاد ، وهو وان كان قد ترك الفائدة دون تخفيض جديد فقد اثر قراره على الدولار النيوزلندي الذي تراجع باتجاه ال 0.600 مقابل الدولار الاميركي.

الذهب من جهته مستمر في التداول في نطاق ضيق على الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضغط من أجل اعتماد سياسة سعر الفائدة السلبية ، وقد يستمر المعدن الثمين في التوطيد اذا بدا أن خطط إعادة بدء الاقتصادات المتقدمة تدريجيًا تستعيد ثقة المستثمرين، وان انكاسة الامس هي مجرد بلبلة عابرة.. والا فالارتفاع هو الخيار الارجح.. .

مفاجآت تنتظر صندوق النقد في بيروت

مع بدء الجولة الاولى من المفاوضات بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي، ورغم الآمال المعلّقة على نجاح هذه المفاوضات، لتمويل خطة الإنقاذ بعد تعديلها، تبدو احتمالات الفشل قائمة، لأسباب ومعطيات سياسية واقتصادية وبنيوية.

عندما تبدأ اليوم، المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ستنقسم النقاشات الى ثلاثة شطور:

 

في الشطر الاول، ستتمّ مناقشة بنود الخطة الإنقاذية التي وضعتها الحكومة من حيث القابلية لتحقيق الإنقاذ. وهذا يعني انّ صندوق النقد قد يقترح إزالة بنود، أو تعديلها أو اضافة بنود غير موجودة، انطلاقاً من تدعيم وتحصين الخطة لجعلها اكثر نجاعة من حيث الإنقاذ والاستدامة. وفي الخطة الحكومية، بنود كثيرة تحتاج الى مراجعة، في طليعتها ما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المالي (مصرف لبنان والمصارف التجارية).

 

في الشطر الثاني، ستتمّ مناقشة التفاصيل «المحاسبية»، أو تلك المتعلقة بالتوقعات. وهنا، يكمن دور صندوق النقد في «عقلنة» التوقعات التي وضعتها الحكومة الطامحة الى الحصول على تمويل دولي. ومن الواضح، انّ الخطة، ورغم احترافيتها في العموم، إلّا أنّها تجنح الى تجميل التوقعات، رغم انّها قاربت التوصيف بواقعية، ما خلا المبالغة في توزيع المسؤوليات بشكل ظالم، أصاب القطاع الخاص، وبرّأ عن غير وجه حق القطاع العام. وبالتالي، سيقترح صندوق النقد رسماً بيانياً اكثر واقعية لتطوّر سعر صرف الليرة، ونسبة الإنكماش والبطالة ونمو الناتج المحلي…

 

في الشطر الثالث، سيناقش الصندوق مسألة الإصلاحات المطلوبة لإنجاح أي خطة إنقاذ. وهنا، تكمن المهمة الأصعب. أولاً، لأنّ سجل لبنان مع الوعود الإصلاحية التي لم تُنفّذ، حافل ومعروف، وثانياً، لأنّ بعض هذه الإصلاحات سيكون مطلوباً تنفيذه قبل بدء التمويل، وثالثاً، لأنّ الارقام والاحصاءات في لبنان، والتي على أساسها يمكن رسم الخطط، غير متوفرة وغير دقيقة، ورابعاً، لأنّ الحوكمة ضعيفة وتكاد تكون غير موجودة.

 

من خلال مناقشة الأجزاء الثلاثة في خطة الإنقاذ، يمكن الاستنتاج أنّ نجاح المفاوضات لن يكون سهلاً، رغم حماسة مجموعة الدعم الدولية لمساعدة لبنان. وليس مستبعداً أن يُصدم وفد صندوق النقد بمفاجآت غير متوقعة في بيروت، لجهة بعض الارقام والحقائق التي لا تزال غير واضحة. وهناك تجارب كثيرة مع دول تعاونت مع صندوق النقد، وانتهى الامر الى فشل.

 

وتشكّل الارجنتين النموذج القائم حالياً. وقد اضطر صندوق النقد حتى الآن الى التدخّل 21 مرة، في هذا البلد، وبلغ حجم التمويل الذي قدّمه 41 مليار دولار، ومع ذلك لا تزال الارجنتين تعاني أزمة حادّة، ولديها دين عام بقيمة 100 مليار دولار، تعجز عن جعله مستداماً. وفي تشخيص أسباب الفشل، يتبيّن انّ نسبة الفساد والضعف السياسي والتملّص من تنفيذ صارم للخطط، من الأسباب الرئيسية لاستمرار الأزمة التي بلغ عمرها أكثر من 30 سنة.

 

هذا النموذج يفتح الباب امام تساؤلات مشروعة، إذ، هل يمكن أن يتدخّل صندوق النقد في تمويل الخطة الإنقاذية في لبنان، وتبقى الأزمة قائمة، وتمتد لعقود في المستقبل؟

 

لا جواب حاسماً في هذا الموضوع، ولو انّ نِسب الفشل تبدو كبيرة، اذا جرت الاستنتاجات على اساس دراسة تجارب صندوق النقد مع دول أخرى، الناجحة منها والفاشلة، ومقارنتها بالوضع اللبناني. على سبيل المثال، خاضت البرتغال تجربة ناجحة جداً مع الصندوق في العام 2011. واضطرت البرتغال الى الموافقة على برنامج مساعدة من صندوق النقد في شهر أيار 2011، بعدما واجه اقتصادها عجوزات متعدّدة الأوجه، بينها ضعف النمو، خلل كبير في ميزان المدفوعات، عجز في الموازنة…

 

لكن عملية الإنقاذ لم تستغرق اكثر من سنتين، استعادت بعدها البرتغال توازنها المالي، وأعادت الأرقام الى المعايير العالمية الايجابية. ويبدو انّ السرّ الكامن وراء هذا النجاح السريع، يرتبط بالبنية الاساسية المتوفرة في البلد، ومنها وجود سلطة قضائية مستقلة وقوية، عملت على حماية حقوق الطبقة الضعيفة خلال خطة الإنقاذ. وقد اتخذ «المجلس الدستوري» في البرتغال قرارات مصيرية في نقض قوانين، اعتبر انّها تضرّ بالناس. والأهم، انّ السلطات البرتغالية كانت تمتلك احصاءات وأرقاماً دقيقة، ساعدت في حُسن التشخيص، وفي دقّة التنفيذ، فجاءت النتيجة سريعة وفعّالة.

 

وبين النجاح والفشل، هناك تجارب «نص نص». ورغم انّ اللبنانيين يتحدثون عن الخلاص غير المستحيل، من خلال استحضار التجربة اليونانية كنموذج يمكن اتباعه للخروج من النفق، إلّا أنّ هذه التجربة بالمعيار العالمي لا تشكّل نموذج نجاح يحتذى. وقد اضطر صندوق النقد الى تقديم ثلاث حزم دعم، وأنفق الاتحاد الاوروبي مبالغ طائلة، واستغرقت عملية الانقاذ بين 7 و10 سنوات. وفي التشخيص، انّ سبب هذه المعاناة، هو مناخ الفساد القائم، مستوى التهرّب الضريبي الكبير، المماحكات السياسية، أرقام واحصاءات مموهة وغير صحيحة، تأجيل اعلان الأزمة الى أن أصبح الاقتصاد منهكاً (كوريا الجنوبية عام 1989 والبرتغال عام 2011 قدّمتا طلب الانقاذ في وقت مبكر وقبل وصول الأزمة الى الرمق الأخير).

 

في إمكان أي لبناني إجراء مقارنة مبدئية في الاسباب والمعطيات التي ساهمت في نجاح أو فشل عمليات الإنقاذ التي موّلها صندوق النقد في الدول، ويستطيع بالتالي أن يستنتج ما هي فرص لبنان في النجاح أو الفشل، هذا في حال أقلعت الخطة، ووافق صندوق النقد على تقديم برنامج الدعم.

انطوان فرح.