رأى معهد التمويل الدولي في آخر تقرير له بعنوان « لبنان: بصيص نور في نهاية النفق» من إعداد غربيس ايراديان، انّه فيما نجحت السلطات في احتواء انتشار COVID-19 مقارنة مع دول أخرى في المنطقة، إلّا أنّ الخطر لم ينتهِ بعد، لأنّه من المتوقع ان يستمر الركود الاقتصادي في التعمّق.
عدّل معهد التمويل الدولي توقعاته للانكماش الاقتصادي في لبنان، بعد حالة التعبئة العامة والاقفال التام بسبب فيروس كورونا، من حوالى -10% من الناتج المحلي الإجمالي إلى -14% في عام 2020 ، حيث تستمر قيود الصرف وضوابط رأس المال في إعاقة النشاط الاقتصادي والثقة.
واشار، الى انّ السياحة الداخلية ستنهار بسبب Covid-19 وقيود السفر الاجتماعية. وسيؤدّي الانكماش الكبير في الإنتاج والانخفاض الهائل في المتوسط المرجّح لأسعار الصرف الرسمية والمتوازية، إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي الاسمي من 52 مليار دولار في 2019 إلى 33 مليار دولار في 2020. ومع تراجع قيمة الأجور بشكل حاد، توقّع المعهد أن يقفز معدل التضخم إلى حوالى 35% في العام 2020.
ومع زيادة الصادرات بنسبة 27% وانخفاض الواردات بنسبة 25% في الربع الأول من هذا العام، توقّع المعهد، على الرغم من الانهيار المتوقع لإيرادات السياحة، أن ينخفض العجز التجاري بشكل حاد، من 10.8 مليارات دولار في العام 2019 إلى 3.8 مليارات دولار في العام 2020، في حال لم يستمر تهريب المحروقات والقمح المستورد إلى سوريا، ما قد يؤدّي إلى عجز عند حوالى 6 مليارات دولار في العام 2020.
استئناف النمو
ورجّح معهد التمويل الدولي، أن يعود الاقتصاد ببطء إلى النمو في العام المقبل، مدعوماً بتنفيذ الإصلاحات اللازمة والحصول على التمويل الكافي من صندوق النقد الدولي والدائنين الرسميين الآخرين.
وتوقّع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.3% في العام 2021 ، مدفوعاً بالاستثمار العام (المتعلق بمشاريع CEDRE) وصافي الصادرات. كما من المتوقع أن تتعافى السياحة الداخلية جزئياً مع افتراض توفّر لقاح لـ Covid-19 في حلول منتصف العام 2021، بالإضافة الى تنفيذ المشاريع الرئيسية الممولة من خلال قروض CEDRE ، إلى جانب ثمار الإصلاحات الهيكلية وتحسين القدرة التنافسية بعد توحيد أسعار الصرف المتعددة، بما من شأنه ان يرفع نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى حوالى 6% بحلول العام 2024.
اعادة هيكلية المصارف
وتعليقاً على خطة الحكومة لاصلاح القطاع المصرفي، رأى معهد التمويل أنّ خطة تدريجية لإصلاح القطاع قد تكون أقل ضرراً. مشيراً الى انّ الخطة المالية للحكومة تبدو راديكالية وتفرض عبئاً غير متناسب على البنوك التجارية، مما قد يصعّب للغاية استعادة الثقة في القطاع المصرفي.
ولفت الى انّ خطة الحكومة تقترح معالجة الخسائر الكبيرة في النظام المالي على الفور، مما يعني ضمناً شطب موجودات البنوك التجارية لدى البنك المركزي (70 مليار دولار) وتعويضها باقتطاع نسبة من اموال 2% من كبار المودعين. ولفت الى وجود حاجة إلى معاملة عادلة ومنصفة للمودعين لتعزيز القطاع المصرفي المحلي القابل للبقاء، وضمان استمرارية اندماج لبنان في النظام المالي الدولي.
في هذا الصدد، قال المعهد، انّ خبراء صندوق النقد الدولي قد يقترحون مجموعة من الإجراءات التي تضمن أنّ لدى لبنان نظاماً مصرفياً قادراً على دعم نمو الاقتصاد، لافتاً الى انّ النظام المصرفي السليم هو شرط مسبق لعملة سليمة.
وشدّد على انّ النهج المناسب ينطوي على تحميل القطاع العام كلفة أكبر. مقترحاً بالإضافة إلى استخدام المزيد من أصول الدولة، يمكن الاستدانة مقابل رهن جزء من الذهب (المقدّر حاليًا بقيمة 15.7 مليار دولار) لضخ سيولة العملات الأجنبية في النظام المصرفي.
الحدّ من الفساد
رجّح معهد التمويل الدولي أن يتضمّن برنامج صندوق النقد الدولي المحتمل إجراءات مسبقة لمعالجة مشكلات الفساد والحكم المزمنة، التي أثرت على الاقتصاد اللبناني في العقود الثلاثة الماضية. وفي هذا السياق، رأى انّه يجب أن يتبنّى البرلمان قريباً تشريعاً يهدف إلى مكافحة الفساد، والذي سيساعد أيضاً في استرداد الاموال المنهوبة طوال العقود الثلاثة الماضية.
كما ينبغي اعتماد قواعد محدّدة لسلوك الموظفين العموميين وكشفهم. لافتاً الى انّه في سياق تعهدات «سيدر» البالغة 11 مليار دولار، طالب المانحون الدوليون في 2018 ، لبنان، تطبيق إجراءات رئيسية لمكافحة الفساد والبدء في إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان، قبل الحصول على القروض الميسرة لـ CEDRE. لسوء الحظ، تمّ إحراز تقدّم محدود في تطبيق الإصلاحات المطلوبة.
تحرير سعر الصرف
رأى معهد التمويل، انّه من الممكن أن يؤدّي توحيد سعر الصرف الى ارتفاع سعر صرف العملة المحلية (كما كان الحال في تركيا في 2001-2003 ومصر 2017-2019) على افتراض أنّ معظم التدابير والإصلاحات يتمّ تنفيذها في الوقت المناسب، وأنّ التمويل الكافي متاح من قِبل صندوق النقد الدولي ومن أطراف أخرى متعددة ومصادر ثنائية (بما في ذلك القروض الميسرة من CEDRE). وفي سياق نظام سعر الصرف المرن، تركّز السياسة النقدية على تحقيق تضخّم أحادي الرقم في حلول نهاية العام 2022 وفقاً لخطة الحكومة.
تحرير الاموال تدريجاً
اعتبر المعهد في تقريره، انّ ضوابط رأس المال سمة أساسية لإطار السياسة النقدية، نظراً إلى حجم التدفقات المحتملة لرأس المال. ويمكن إزالتها تدريجياً مع عودة الثقة، بعد اقرار برنامج صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات، وحين تسمح التطورات في ميزان المدفوعات.
وقال انّ الشروط المسبقة الرئيسية لتحرير ضوابط رأس المال تشمل ما يلي:
1- سياسات ذات مصداقية لاستقرار الاقتصاد الكلي
2- عوائد جذابة على الودائع بالعملة المحلية
3- تحسين التوقعات لميزان المدفوعات
4- استقرار النظام المالي وفرض الرقابة المناسبة.
برنامج صندوق النقد
قدّر المعهد احتياجات التمويل الخارجي للبنان في السنوات الخمس المقبلة بأكثر من 25 مليار دولار (60% من الناتج المحلي الإجمالي)، باستثناء تكلفة إعادة هيكلة النظام المصرفي. واشار الى انّ برنامج صندوق النقد الدولي سيوفر إطار عمل يعتمد بشكل كبير على برنامج الحكومة للاصلاح المالي المطلوب، وإعادة هيكلة الديون والإصلاحات الهيكلية الأخرى، لمعالجة أوجه القصور في الاقتصاد.
وفي حين أنّ حجم تمويل صندوق النقد الدولي سيعتمد على احتياجات التمويل، إلّا أنّ المعهد قدّر أن يمنح الصندوق تمويلاً استثنائياً إلى لبنان في حدود 8,5 مليارات دولار، أي ما يعادل 1000% من حصّة لبنان في صندوق النقد الدولي، على فترة تتراوح من 3 إلى 4 سنوات. ويمكن للبرنامج الذي يدعمه صندوق النقد الدولي أن يحفّز أيضا تمويلاً إضافياً من مصادر متعددة وثنائية الأطراف بالإضافة إلى قروض «سيدر».
واشار الى انّ هذا الدعم المالي، إلى جانب تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها، يمكن أن يوقفا التدهور الاقتصادي ويعزّزا احتياطات البلاد من العملات الأجنبية السائلة. لكنه لفت الى انّ المخاطر كبيرة، لأنّ الفشل في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أو استقالة الحكومة سيزيد من خطر الانهيار الكامل للاقتصاد اللبناني ويؤدّي الى مجاعة واحتجاجات مستمرة في الشوارع.
تحسين القاعدة الإحصائية
ولفت معهد التمويل الدولي الى انّ الإحصاءات الموثوقة هي مفتاح صياغة السياسات والتحليلات الفعّالة، وبالتالي ستجعل الثغرات الموجودة في النظام الإحصائي اللبناني من الصعب على برنامج صندوق النقد الدولي مراقبة التطورات الاقتصادية. لذلك تحتاج السلطات إلى تخصيص موارد بشرية كافية في الإدارة المركزية للإحصاء، وفي مصرف لبنان ووزارة المالية، لتعزيز تجميع الإحصاءات الاقتصادية وإعداد تحليلات دورية للتطورات الاقتصادية. وقال، انّ القاعدة الإحصائية في لبنان تعدّ واحدة من أضعف القواعد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.