ستة أشهر من الضبابية

تحسنت أسعار نفط خام غرب تكساس الوسيط، الذي يتم تداوله في بورصة نايمكس في نيويورك، كثيراً، وخرجت من القاع، ولا يوجد قاع أسوأ من وصولها إلى نحو (-40 دولاراً) للبرميل تحت الصفر، الشهر الماضي. ورغم أنها وصلت إلى مستويات فوق عشرين دولاراً هذا الأسبوع، مع زيادة التفاؤل بتحسن الطلب ودخول اتفاق «أوبك+» حيز التنفيذ مطلع شهر مايو (أيار) الحالي، إلا أننا أمام ستة أشهر من الضبابية.
وهناك أسباب دفعتني لهذه النتيجة، من مخاطر نمو الطلب إلى احتمالية عودة النفط الصخري للإنتاج، وبالتالي إعادة الفائض إلى السوق بشكل أكبر من الشكل الذي كان عليه الشهر الماضي عند مستوى 4 إلى 5 ملايين برميل يومياً.
والبداية مع الطلب، إذ لا أحد يستطيع معرفة حاله في العالم والولايات المتحدة تحديداً. نعم سوف تفتح العديد من الدول الأسواق والمجمعات والمطاعم تدريجياً، بدءاً من هذا الشهر، وفي الولايات المتحدة يضغط الرئيس دونالد ترمب، لفتح الاقتصاد مجدداً، إلا أن كل هذه الدول تأخذ مخاطر صحية عالية.
إذ بدون وجود علاج لفيروس كورونا، فإن مخاطر انتشار الفيروس، بعد رفع الحظر الكلي في العديد من الدول حول العالم، قد تساهم في انتشاره مجدداً، ما يعني عودة الحظر الكلي، وقد يكون بصورة أسوأ من قبل. قد يحدث هذا، وقد لا يحدث، وقد يكتشف العالم علاجاً للفيروس، ولكن الحديث هنا عن المخاطر، وستظل هذه الأخيرة قائمة.
وقد يقول البعض، ولكن الوضع في آسيا بدأ في العودة تدريجياً، وتحسنت الحركة الاقتصادية هناك، خصوصاً في الصين، التي في طريقها لتسجيل نمو اقتصادي بنحو 5.7 في المائة في 2020 في أفضل السيناريوهات، مع التحفيز الاقتصادي الحكومي، أو 5.1 في المائة إذا ما استمرت أزمة «كورونا» حتى آخر العام.
وهنا لا يجب أن نغفل أن اقتصاد الصين قائم على التصدير، وباقي العالم لا يستورد كثيراً الآن، والعلاقة لا تزال سيئة مع الولايات المتحدة، وحتى الصفقة التجارية بين البلدين التي تم عقدها قبل أزمة «كورونا» في بداية العام، وساهمت في رفع الأسعار، تبخرت الآن، وهذا ما سيزيد من احتمالية تباطؤ النمو الصيني. وإذا نظرنا إلى الاقتصاد في الدول الغربية، فالوضع سيئ. في الولايات المتحدة، فإن عدد طلبات إعانة البطالة وصل إلى 30 مليوناً منذ بداية أزمة «كورونا».
وحتى مع بدء الثلاثة وعشرين دولة الأعضاء في تحالف «أوبك +» في تخفيض الإنتاج بنحو 9.7 مليون برميل، بقيادة السعودية وروسيا، ومع هبوط الإنتاج العالمي المتوقع بنحو 4.5 مليون برميل يومياً، أي بأكثر من 14 مليون برميل يومياً، فإن السوق لن تتوازن، لأن الهبوط في الطلب في الشهر الماضي وصل إلى 21 مليون برميل، حسب تقديرات «إي إتش إس».
إن اتفاق «أوبك +» في أفضل الأحوال سيوقف بناء المخزونات التي امتلأت الشهر الماضي، بعد وصول إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى أعلى مستوى في 30 عاماً. ومع هذا لا يزال هناك تفاؤل بوصول أسعار النفط إلى 50 دولاراً، أو أكثر، من قِبل بعض المصارف مثل مصرف «يو بي إس».
وبما أن وضع الطلب لا يزال في مهب الريح، فإن هذا يجعلني أرى ضبابية عالية في السوق. أما الأمر الأخير، الذي لا يجعل الرؤية واضحة تماماً، فهو إنتاج النفط الصخري.
من المتوقع أن ينخفض إنتاج شركات النفط الصخري بنحو مليون برميل يومياً بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران)، وإذا ما استمرت الأسعار على ما هي عليه (عند 20 دولاراً فأقل)، فإن الإنتاج قد ينخفض بنحو 2 إلى 3 ملايين برميل يومياً.
وتكمن الخطورة في أن النفط الصخري قد يعود مع بقاء أسعار النفط الأميركي عند مستوى 25 إلى 30 دولاراً، والسبب في ذلك هو صراع هذه الشركات من أجل البقاء، وعدم رغبتها في إقفال أفضل آبارها الإنتاجية.
بصورة عامة، ومن ناحية فنية، فإن إقفال الآبار النفطية ليس أمراً بالسهل، كما يظن الجميع، خصوصاً ما إذا كانت هذه الآبار غير تقليدية، مثل آبار النفط الصخري. بالنسبة للآبار التقليدية مثل التي توجد في السعودية وروسيا والكويت والإمارات ومناطق مختلفة من الولايات المتحدة، فإن هذه الآبار إذا تم إقفالها، يجب صيانتها للحفاظ على الأنابيب داخلها من التآكل والصدأ، وهذا يستوجب عمليات كثيرة مثل ضخ النيتروجين في الآبار وغيرها. هذا يعني أن هناك تكلفة للإبقاء عليها لحين إعادتها للتشغيل.
أما الآبار غير التقليدية، مثل آبار النفط الصخري، فتعتمد على تفجير الصخور تحت الأرض بخليط من الماء بضغط عالٍ ورمل مخصص لهذا ومواد كيمائية، للسماح للنفط بالتدفق في الأنابيب إلى السطح، وهو ما يعرف باسم «التكسير الهيدروليكي». وعند إقفال هذه الآبار، وإعادة تشغيلها، فهذا يعني إنفاقاً رأسمالياً جديداً، وكأنه يتم حفرها لأول مرة.
بالأمس، قال رئيس شركة «إيه أو جي» للنفط الصخري إن عودة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بعد الظروف الحالية إلى ما كان عليه قبل «كورونا»، قد يأخذ سنوات، والسبب في ذلك هو خروج الكثير من المنتجين، وعدم وجود مستثمرين ومصارف قادرة على تمويلهم حالياً.
وإذا كان حال شركات النفط الصخري في حوض «بيرميان» في تكساس سيئاً، فالوضع في ولاية داكوتا الشمالية، التي قادت ثورة النفط الصخري الأميركية، أسوأ مع قيادة حوض «باكن» تراجع هذه الصناعة في الوقت الحالي. مع انخفاض الإنتاج النفطي في داكوتا الشمالية، بأكثر من الثلث، خلال العام الحالي وحده، وهو انخفاض تجاوز ما سجلته العديد من الدول الأعضاء في «أوبك»، من تراجع في إنتاجها من الخام.
نتيجة لذلك، من المتوقع انخفاض الإنتاج الأميركي من النفط بما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً من أعلى مستوى سجلته قبل عدة أشهر عند 13 مليون برميل يومياً.
وإذا ما تغلبت شركات النفط الصخري على مشاكلها الفنية، يبقى عامل السعر مهماً. وحسب تقرير لـ«الراجحي كايبتال»، صدر الأسبوع الماضي، فإن هذه الشركات تحتاج إلى 46 دولاراً للبرميل حتى تستمر في الإنتاج. وقليل من هذه الشركات مثل «بايونير» تستطيع مواصلة الإنتاج عند 30 دولاراً، إلا أن الباقين مصممون على إعادته إذا ما وصل سعر غرب تكساس إلى 25 دولاراً. ولهذا فإن أي تحسن في الأسعار،

وائل مهدي.

ازدياد سطوة الشركات التقنية

مَن يَرَ كثيراً من الشركات التقنية اليوم لا يصدق كيف كانت حالها قبيل أزمة 2007 المالية، فباستثناء «مايكروسوفت» التي كانت معروفة، كانت معظم الشركات التقنية اليوم أقرب للنكرات مقارنة بما هي عليه اليوم، فشركة «فيسبوك» لم يتعدَّ عمرها 4 سنوات حينذاك، وشركة «أبل» كانت لا تزال تعتمد على مبيعات الحاسبات قبل انطلاق مبيعات «آيفون». أما «أمازون» فلم تتعدَّ قيمتها عُشر قيمتها اليوم، بينما كانت قيمة «غوغل» لا تزيد على ثلث قيمتها الآن. ولكن الوضع تغير كثيراً خلال هذه المدة، فتسابقت هذه الشركات نحو التقييم التريليوني، وأصبحت هذه الشركات دون أي مبالغة تتحكم في مفاصل الحياة.
ومنذ 2009 وحتى الآن، تسببت هذه الشركات الخمس في رفع مؤشر «ستاندارد آند بورز 500» (وهو مؤشر لأكبر 500 شركة أميركية) أكثر من 400 في المائة، كيف لا؛ ومجموع قيمة هذه الشركات يتعدى 5.2 ترليون دولار؟ تأتي «مايكروسوفت» في قمة هذه الشركات التريليونية بقيمة تزيد على 1.3 تريليون دولار، تليها «أبل» بما يربو على 1.2 تريليون، و«أمازون» بـ1.14 تريليون. وتشكل هذه الشركات الخمس ما وزنه 20 في المائة من مؤشر «ستاندارد آند بورز 500».
وليس ذلك ببيت القصيد، فرغم أن الشركات الأميركية – كما هي الحال في العالم بأكمله – تعاني الآن من انهيارات بسبب فيروس «كورونا»، فإن هذه الشركات الخمس وعلى العكس من ذلك كله، ما زالت تنمو وبشكل متسارع كما أوضحت نتائجها الربعية. فزادت أسعار أسهم «أمازون» بنسبة 30 في المائة، مستندة على متاجرها الإلكترونية، وزيادة الطلب على خدماتها السحابية التي زادت إيراداتها على 10 مليارات دولار لأول مرة في تاريخ الشركة، يذكر هنا أن نسبة كبيرة من أرباح «أمازون» تعود لخدماتها السحابية وذلك لارتفاع هامش الربح فيها. كما نمت إيرادات «فيسبوك» بنسبة 18 في المائة، واستفادت «مايكروسوفت» من خدماتها في الاتصال المرئي لتزيد أسهمها 10 في المائة ووصلت أرباحها إلى نحو 11 مليار دولار. وزادت أرباح «غوغل» 13 في المائة في هذا الربع مقارنة بالربع نفسه عام 2019 مستندة على إعلانات «يوتيوب» التي ارتفعت بنسبة 33 في المائة. هذه الأرقام دلالة على أن الأزمة لم تزد الشركات الخمس إلا قوة، بينما أضعفت مثيلاتها من كبريات الشركات.
ولم تكن الشركات التقنية بحاجة إلى أزمة «كورونا» لتزيد من سطوتها؛ سواء على المستوى المادي وعلى مستوى السيطرة في نطاقاتها، إلا إن أزمة «كورونا» زادتها هيمنة، وأضعفت في المقابل كثيراً من الشركات الضخمة التي قد تكون في هذه الأزمة نهاية لها. ومن يتأمل في أرقام هذه الشركات المهددة بالخسارة الفادحة يدرك لماذا يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة فتح اقتصاد بلاده في أسرع وقت ممكن، فشركة «فورد» صرحت بأن خسارتها للربع الأول وحده قد تزيد على 5 مليارات دولار. أما «بوينغ» فقد أعلنت أنها تخسر 4.7 مليار دولار كل 3 أشهر في هذه الأزمة. وشركات الطيران الأميركية بدأت فعلياً بإعلان إفلاسها، وأسهمها مستمرة في الانهيار، لا سيما بعد أن أعلن وارن بافيت عن بيع شركته جميع استثماراتها في أسهم شركات الطيران، وأنها ستستمر في المعاناة 3 أو 3 سنوات مقبلة. والأمثلة على هذه الخسائر لا تحصى سواء في الاقتصاد الأميركي وغيره.
هذه المشاهد الاقتصادية دلالة على أن شركات التقنية قد تبدأ في التوسع خارج نطاق استثماراتها بسبب تعدد الفرص الموجودة في السوق الآن. فكثير من الشركات العالمية الآن على حافة الإفلاس، والشركات الصامدة قليلة جداً، بينما تشهد شركات التقنية نمواً وربحاً وفيراً. وقد يقول قائل إن الشركات التقنية أذكى من أن توسع محافظها الاستثمارية بالخروج عن نطاق نشاطاتها التقنية، إلا إن هذا القول يمكن رده بشراء «أمازون» شركات غذائية قبل سنتين… أي إننا قد نرى في الفترة المقبلة كثيراً من عمليات الاستحواذ من شركات تقنية، على شركات من قطاعات أخرى، كالطيران مثلاً!

د. عبدالله الردادي.