لا يزال يتعين على العالم أن يدرك التحول التكتوني (تحول تدريجي في قشرة الكرة الأرضية) الذي سيحدث عندما يبدأ عدد سكان الصين في التقلص. صحيح أن هذا الأمر الذي طال انتظاره لم يحدث في عام 2020، وفقاً للبيانات الرسمية، لكن من المحتمل أن يحدث قريباً. من المنظور المناخي، يعد انخفاض عدد السكان خبراً ساراً لأن قلة أعداد الناس تعني انخفاض الانبعاثات. وكما هو الحال مع العديد من حالات عدم اليقين المحيطة بمستقبل الكوكب، من الصعب توقع بدقة تأثير الكربون جراء انخفاض عدد السكان.
يشيخ سكان الصين بسرعة والسبب هو سياسة الطفل الواحد، لكنّ صانعي السياسة هناك يأملون في أن يؤدي إنهاء سياسة الطفل الواحد في عام 2016 إلى تشجيع المزيد من الولادات. ومع ذلك، لم يرتفع معدل المواليد في البلاد ولا يزال أقل بكثير من المستوى المطلوب لزيادة عدد السكان – ربما لأن قاعدة الطفل الواحد استمرت لفترة طويلة بات من الصعب تغيير النمط السكاني بعدها، ولأن الدخل في البلاد آخذ في الارتفاع. وقد يكون الوباء الذي تفشى خلال عام 2020 قد أدى أيضاً إلى انخفاض معدلات الخصوبة.
وستؤدي معدلات الخصوبة المنخفضة حتماً إلى انخفاض تعداد سكان الصين. ففي عام 2017، توقع مجلس الدولة الصيني أن يبلغ عدد سكان البلاد ذروته في عام 2030، وفي العام الماضي، أصدرت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية دراسة توقعت أن الانخفاض سيبدأ في عام 2027. وتشير التقارير الإخبارية التي يُفترض أنها تستند إلى بيانات التعداد الصيني، إلى أن عدد السكان قد بدأ بالفعل في الانخفاض في عام 2020. لكن الحكومة الصينية أكدت خطأ هذه التقارير، حيث تظهر البيانات الرسمية زيادة طفيفة للغاية، من 1.40 مليار في عام 2019 إلى 1.41 مليار العام الماضي. لكن من الواضح لمعظم المراقبين أن عدد السكان الصينيين سيبدأ في التقلص قريباً، إن لم يكن قد بدأ بالفعل.
يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة لقضية المناخ، لأن الصين هي أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان، والمزيد من الناس يعني المزيد من الانبعاثات وزيادة عدد السكان المعرضين لخطر تغير المناخ. وبحسب ما ورد في ورقة بحثية حديثة نشرتها مجلة «وقائع أكاديمية العلوم الوطنية الأميركية»، فإن «حجم السكان، على المدى القريب والبعيد، هو المحدد الرئيسي لسياسة المناخ: فعدد السكان الكبير يتبعه المزيد من الانبعاثات وبالتالي هناك حاجة إلى المزيد من التخفيف لتحقيق هدف مناخي معين، وهذا يعني أيضاً أن المزيد من الأشخاص في المستقبل سيكونون عرضة للتأثيرات المتعلقة بالمناخ».
إلى أي مدى نستطيع الجزم بصحة هذه الصلة؟ إن تأثير السكان على انبعاثات الكربون بلا أي سياسة أو تغييرات تكنولوجية ليس ثابتاً تماماً لجميع الأشخاص، وذلك نظراً لبعض التفاصيل المهمة؛ منها الفئة العمرية وأنماط الاستهلاك. لكن بصفة عامة، فإن تراجع عدد الناس يعني تراجع الانبعاثات نسبياً. ضع في اعتبارك مقارنات «المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة»، وهي تقديرات تُستخدم دولياً لتقييم السكان في المستقبل كما يلي: يُظهر «مسار 1» المنخفض عدد سكان العالم 8.5 مليار بحلول عام 2050، في حين أن توقعات خط الأساس «مسار 2» لتلك السنة هي 9.2 مليار، بفارق نحو 8 في المائة. وبالمثل، من المتوقع أن تنخفض انبعاثات مكافئ الكربون بنسبة 5 في المائة إلى 10 في المائة تقريباً في عام 2050، بحسب سيناريو «مسار 1» مقارنة بخط الأساس «مسار 2».
من الجدير بالملاحظة أن تأثيرات الخيارات السكانية غالباً ما يتم تقييمها على أنها أكبر من الناحية المادية من التغييرات الأخرى المنطقية التي يمكن إجراؤها للتخفيف من تغير المناخ. وتجدر الإشارة إلى ثلاثة محاذير لهذا الجانب المشرق: أولاً، تفترض التوقعات المناخية بالفعل أن عدد سكان الصين سيتقلص؛ القصد هنا هو أن التراجع يبدو أنه يحدث بسرعة أكبر مما أشارت إليه معظم التوقعات الرسمية.
يعتمد تأثير التغير السكاني البطيء أو الأسرع على اتخاذ إجراءات أخرى لحماية المناخ. ضع في اعتبارك، على سبيل المثال، سيناريو يعتمد فيه بلد ما حدوداً ملزمة للانبعاثات، ويتطلب تصريحاً قابلاً للتداول لكل وحدة من وحدات الانبعاثات. قد يمارس المزيد من الأشخاص في هذا البلد ضغطاً تصاعدياً على سعر التصاريح، لكن لن يؤثر ذلك على المستوى الإجمالي للانبعاثات، لأن ذلك سيظل مقيداً بالحدود القصوى.
وتُظهر الأمثلة الأقل تطرفاً ظاهرة مشابهة؛ إذ تتفاعل التأثيرات السكانية وتخفيف المناخ مع بعضها البعض، ما يجعل تقييم تأثير السكان وحده أكثر صعوبة. ومع ذلك، في معظم السيناريوهات، تقلص أعداد الناس يعني انبعاثات أقل.
أخيراً، ستكون هناك حاجة إلى ابتكارات تكنولوجية ضخمة لتغيير مسار الانبعاثات المناخية. ففي ظل التقنيات الحالية، وما لم نكن مستعدين لدفع أقساط بيئية عالية بشكل غير معقول في بعض الأحيان لتقليل الانبعاثات، فإن العديد من الأنشطة اليومية – ليس فقط السفر الجوي ولكن أيضاً إنتاج الصلب وشحن الحاويات – ستستمر في إخراج انبعاثات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري. وبالتالي سيكون الابتكار ضرورياً لمستقبل مناخي أفضل. لكن مع وجود عدد أقل من الناس، كما أكدت مجلة «الإيكونوميست» وغيرها، قد يكون لدينا أفكار جيدة أقل حول كيفية الابتكار. لذا فإن قلة الناس ليست بالضرورة النعمة المناخية الواضحة التي يجري طرحها غالباً.
قد تتطلب منا معالجة تغير المناخ الخوض في موضوعات محرجة محتملة، بما في ذلك الطاقة النووية والهندسة الجيولوجية. ورغم أن تأثير التركيبة السكانية قد لا يكون على رأس جدول أعمال مؤتمر غلاسكو للمناخ في وقت لاحق من العام الجاري، فإن الحقيقة القاسية هي أن الانخفاض السكاني الوشيك في الصين وفي وقت أقرب من المتوقع سيحمل لا ريب بين طياته فوائد مناخية.