مصارحة لأبنائنا

الوضع في #لبنان يستوجب المصارحة. فالبلد لا مستقبل له، إذا استمرّ بالإدارة المهترئة والسياسيين المحترمين، سوى ما يحدث في سوريا، أي التقسيم الاختياري بعد التهجير الإجباري.

أصبح لبنان اليوم مفرغاً من طاقاته الحيوية، أساتذته الجامعيين والثانويين، أطبائه المميزين، مهندسيه المتفوقين، الاختصاصيين في مجالات المعلوماتية، المنتظمين في مسعى فرض القانون، القضاة غير المنتسبين لحزب أو زعيم، وعملة لا مستقبل لها في الاسواق العالمية كما في لبنان تتفارق أسعارها بين يوم وآخر بنسب قد تبلغ 20%.

بلد كهذا اشتهر بجامعاته التي تأسست منذ أكثر من مئة سنة، مستشفياته التي كانت مقصد المرضى من دول المحيط العربي، مسارحه، حريات الأفراد، صحافة مستقلة أو ما يشبه ذلك ودور نشر لكتاب يزيد عددها في لبنان عن عددها في سوريا والعراق.

لبنان هذا تدهور بسبب سياساته المالية لا بسبب قرارات مصرف لبنان، والواقع أن مصرف لبنان أصبح مقيّداً بخياراته لأن السياسة المالية المفترض أن تتوازن مع السياسة النقدية فقدت توازنها منذ زمن وقد أصبحت السياسات المالية عرضة للتشكيك من اللبنانيين والعرب والأجانب وحتى من قبل المسؤولين ممن يعتبرون السياسات المستمرة مضرة مثل رئيس فريق إقرار الميزانية إبراهيم كنعان.

لبنان الحريات الاقتصادية لم يبق منه سوى حرية الملكية وهذه الحرية تتعرّض للانتقاص يوماً بعد يوم والهجرة ترتفع، والرغبة في العودة تتبخر مع استمرار انحدار أوضاع لبنان.

البلد لم يعد مميزاً وقد غرق في سياسات سخيفة ابتدأت مع حكومة حسان دياب. فهذا الرجل ووزيره للاقتصاد راوول نعمة هما المسؤولان الأولان عن تدهور الاقتصاد.

على صعيد الاقتصاد يجب التذكير بالأرقام التي نشرها حاكم مصرف لبنان أي:

الـ26 مليار دولار دعم للكهرباء.

الـ62 مليار دولار مقترضات الدولة بقرارات تشريعية لم تدخل في حساب الموازنة.

عجز الموازنة خلال عشر سنوات راوح حول نسبة 10-12 بالمئة من الدخل القومي، وهذا العجز كان ولا يزال من مسؤولية أهل الحكم لا من مسؤولية من يحاولون التمسّك بسياسة نقدية منطقية.

السياسات المالية كانت وما زالت السبب الرئيسي في العجز ولا تزال، ولهذا السبب يبحث النواب، أو غالبيتهم عن إلقاء نتائج الخطأ على سياسات مصرف لبنان وأصحاب الودائع.

حضرات النواب… مصرف لبنان مسؤول عن السياسة النقدية، وله مجلس يشمل الحاكم ونوابه والمدير العام لوزارة المالية والمدير العام لوزارة الاقتصاد، وهذا المجلس أقر خلال السنوات الثلاث المنصرمة وقبل ذلك جميع القرارات المتخذة لكن السياسة المالية “إقرار الموازنات” ذات العجز المتفشي هي السبب في مشكلة لبنان حالياً. ويزيد من ضرر السياسة المالية أن مجلس النواب لا يشمل أو لم يكن يشمل حتى الانتخابات الأخيرة اختصاصيين بالشؤون الاقتصادية والمالية.

الانتخابات الأخيرة أحدثت تغييراً أساسياً في التمثيل النيابي، فهنالك عدد من النواب الجدد يعلمون مستوجبات النجاح الاقتصادي، وحكومة الرئيس ميقاتي القائمة والتي قد تنجز منصرفة الى محاولة اقتباس برنامج للتعويم من قبل صندوق النقد الدولي واقتراض ما يعادل 3 مليارات دولار للتسديد خلال 46 شهراً على أن تحقق الحكومة تحسينات إدارية وإشرافية لم تتوصّل لتحقيقها على مدى سنوات. وكيف للوزارات من هذا النوع أن تحقق أي تقدم حينما يدعو أحد أعضائها السابقين جبران باسيل إلى عشاء في منزل فيوزع منشوراً على عشرات الشقق القريبة بأن عليهم تقبّل احتياطات الأمن لأن الضيف غريب على لبنان، كيف لبلد يتصرّف وزراؤه على هذا الشكل أن يحقق نتائج مقبولة على صعيد الاقتصاد؟ وكيف لبلد أن يركز على برنامج مع صندوق النقد الدولي وقد حقق اكتساباً على مستوى 1.3 مليار دولار من صندوق السحوبات الخاصة لمعالجة أوضاع مؤقتة وفي الوقت ذاته حقق الزيادات المعددة أدناه في مجال اكتساب التحويلات الخارجية دون ربط سياساته بإنجازات إدارية لا يستطيع هذا العهد بالتأكيد تنفيذها ولو كان كذلك لنفّذ منها نسبة 10% على الاقل.

الأميركيون رفعوا معوناتهم من 100 مليون دولار للجيش الى 500 مليون دولار منها 300 مليون دولار للجيش و150 مليون دولار للجامعة الأميركية والرصيد للجامعة اللبنانية الاميركية.
الفرنسيون حوّلوا 250 مليون دولار لمساندة المدارس التي تتبع المناهج الفرنسية.
وزير الاقتصاد اكتسب تسهيلاً من البنك الدولي بقيمة 180 مليون لدعم أسعار الخبز.
السعوديون أقرّوا مساعدة على مستوى 150 مليون دولار.

قطر أقرّت مساعدة للجيش بقيمة 60 مليون دولار.

الإمارات العربية ومصر وفّرتا مساعدات غذائية وصحية بقيمة 150 مليون دولار.

نفقات القوات الدولية في الجنوب رفعت بـ500 مليون دولار سنوياً.

وبالتالي مجموع هذه التقديمات يبلغ 1780 مليون دولار.

حينما تتوافر لنا مساعدات على مستوى 1.8 مليار دولار من دول ومؤسسات تهتم بقيامة لبنان لماذا علينا أن نستقبل مساعدة من صندوق النقد الدولي على مستوى 3 مليارات دولار تقيّد سياساتنا بسياسات الصندوق لمدة 5 سنوات على الاقل. سنة انتظار انتهت دون شيء يذكر سوى مذكرة تفاهم على القواعد، حاولت وزارة الميقاتي تصويرها وكأنها اتفاق نهائي. وتشجع نائب رئيسها على التمهيد لإلغاء حقوق أصحاب الودائع.

قيامة لبنان لن تتحقق ما لم نحوّل مؤسساته الكبرى القائمة التي يمكن إنجازها الى مؤسسات منتجة تستوجب توافر الكفاءات وانصراف المشاركين الى العمل بنشاط لإنجاح البلد.

لماذا
يبقى مرفأ طرابلس دون تطوير ومطار رينيه معوض دون تشغيل والمصافي معطلة؟
وطيران الشرق الاوسط دون مشاركة فعالة من شركة طيران دولية؟

والريجي دون مشاركة من هيئات ألمانية تبحث عن المشاركة في إنتاج الأدوية من الحشيشة؟
ووسط البلد المجهّز على أعلى مستوى دون تطوير وهنالك توجه شرط أن لا يكون الحكم استنسابياً كما فعل بالنسبة لما سمّاه ملاحقات قانونية.

إن لم نقدم على هذه الخطوات ونهمل الاعتماد على صندوق النقد الدولي فسيبقى لبنان مركز الهجرة الأول في المنطقة.

مروان اسكندر