تابعنا أخيراً الجلسة التشريعية الأولى لمجلس النواب المنتخب الجديد، لإقرار القوانين المرجوة، داخلياً، إقليمياً ودولياً، من قِبل المجتمعات الدولية. وشهدنا «نكهة» التعاطي في المجلس النيابي الجديد وتوقعاتنا عن أدائه للسنوات الأربع المقبلة.
علينا ألاّ ننسى أو نتناسى أنّ هذه الجلسة الأولى التشريعية للمجلس النيابي المنتخب أخيراً، جاءت من بعد أكبر أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخ العالم، والتي يشهدها لبنان راهناً. وجاءت من بعد أكبر ثالث إنفجار في العالم، حيث نمرُّ في ذكراه السنوية الثانية، وجاءت بعد هذا التفجير الإرهابي الكارثي الذي دمّر العاصمة اللبنانية بيروت ومحيطها.
هذا الإجتماع التشريعي، جاء أيضاً من بعد أكبر أزمة صحية عالمية وهي جائحة كورونا، والتي ضربت معظم إقتصادات المنطقة والعالم، وغيّرت كل المعايير والتوازنات. فيما نشهده اليوم أنّ العالم من حولنا، والمنطقة، والبلدان والاقتصادات والشركات، وحتى الأشخاص، يتغيّرون كي يُواكبوا هذا التغيير الإقليمي والدولي، ولا سيما حيال الشق الاقتصادي والانمائي، والمالي والنقدي.
المؤسف المبكي، أنّه بعد هذه الكوارث الداخلية والدولية، والتغيّرات المُوجبة، تغيّر العالم لكن لم يتغيّر شيء في لبنان، لا بالأشخاص ولا بالتعاطي، ولا بالاستراتيجيات المدمّرة ذاتياً. لا بل بالعكس، تراجع أشواطاً إلى الوراء، كأنّه لم يحصل شيء. فهذا الحوار القديم الجديد ضرب مرة أخرى آمالنا ورؤيتنا ونيتنا باستعادة الإنماء والتنمية.
فكل الأنظار الدولية كانت مركّزة على هذا الإجتماع التشريعي الأول، وإقرار القوانين المطلوبة، والمشروطة من صندوق النقد الدولي. اليوم شئنا أم أبينا، كنّا مع أو ضد، لا حلّ مالياً ونقدياً في لبنان من دون مشروع إعادة الهيكلة مع صندوق النقد.
إننا ندرك جميعاً أنّ شروطه صعبة جداً، والمفاوضات عقيمة والطريق ستكون طويلة وشائكة. لكن الكل يُدرك تماماً أننا محكومون بهذا الممر الإلزامي المتاح الوحيد للدولة اللبنانية، والذي يستطيع ضخ بعض السيولة ولا سيما إعادة لبنان على السكة الدولية واستقطاب إستثمارات أخرى لإعادة النهوض.
فكل ممثلي الشعب والسلطات التشريعية والتنفيذية أصبحوا مقتنعين بإقرار المشاريع والإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد، الذي طالب بصراحة بأربعة مشاريع قوانين ضرورية كأولوية:
فالمشروع الأول يتعلق برفع السرية المصرفية، والذي كان مدرجاً أساساً في جدول أعمال هذه الجلسة الأولى، وكان هناك شبه اتفاق بإقرار هذا المشروع بسهولة تامة، من جهة لتلبية مطالب الصندوق، وأيضاً المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى، كل هؤلاء النواب المنتخبين كان العنوان الأول لحملاتهم الإنتخابية، محاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة وغيرها.
هنا ابتدأ الفشل الذريع وخيبة الأمل غير المتوقعة، عندما فُنّد وفُرّغ هذا المشروع القانون من مضمونه، رفع السرية المصرفية 1956، حيث أُقر من دون مفعول رجعي كأنّه عُفي عمّا مضى، وطُويت الصفحة حيال كل الفساد وتبييض الأموال والتهرّب الضريبي ما قبل هذا القانون.
التجربة الأولى للإصلاح والتشريع كانت مخيّبة للآمال، وأعطتنا الرؤية الضبابية لمتابعة وإقرار ما تبقّى من الإصلاحات المطلوبة.
أما مشاريع القوانين المشروطة والأساسية المتبقية لصندوق النقد فهي: مشروع قانون الـ Capital Control، المتعثر منذ سنة 2019، ومشروع قانون موازنة العام 2022 الضرائبي بامتياز، ومشروع قانون إعادة الهيكلية المالية وتوزيع الخسائر، حيث الحَكم هو المسؤول الأبرز لهذه التفليسة والإنهيار.
بعد تجربة القانون الأول المتعلق برفع السرية المصرفية، الذي كان الكل متفقاً عليه قبل الجلسة، فإننا متشائمون حيال إقرار هذه القوانين الشائكة والصعبة، والتي من المستحيل الإتفاق عليها، إلاّ لو اتفق السياسيون على حساب الشعب مرة أخرى.
في الخلاصة، الجلسة الأولى التشريعية لمجلس النواب الجديد كانت مخيبة للأمل، وضربة قاسية جديدة للثقة الداخلية والدولية. فالتعاطي والسلوك ما زالا غارقين في الوحول السياسية عينها، والنقاشات باتت في المستوى العقيم ذاته، ولا جنس الوعي لمواجهة الأزمة المالية، الاقتصادية والنقدية والاجتماعية الكارثية. وفي النهاية، لا يزالون في الدوامة ذاتها، يسخرون من الشعب، وحتى أنّهم يستهزئون بالمجتمع الدولي، فيُقرّون العناوين المطلوبة ويُفنّدونها ويُفرّغنوها من كل الأساس والمضمون والإصلاح.
د. فؤاد زمكحل