الدولار يرتفع بعد بيانات الصين واليوان يهبط بسبب خفض أسعار الفائدة

 

ارتفع الدولار الأمريكي الذي يعد ملاذاً آمناً الإثنين 15 آب أغسطس بعد صدور مجموعة جديدة من البيانات المخيبة للآمال من الصين عززت المخاوف من ركود عالمي، في حين تراجع اليوان بعد خفض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة على نحو مفاجئ.

وجاء الإنتاج الصناعي الصيني ومبيعات التجزئة والاستثمار في الأصول الثابتة أقل من تقديرات المحللين الإثنين، مع تعثر التعافي الوليد من عمليات الإغلاق القاسية لمكافحة جائحة كوفيد-19.

كما تلقى الدولار دعماً من التعليقات المتشددة لصانعي السياسة في مجلس الاحتياطي الفدرالي رداً على مؤشرات مبكرة تشير إلى أن التضخم في الولايات المتحدة ربما بلغ ذروته.

وصرح رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي في ريتشموند، توماس باركين، لشبكة سي.إن.بي.سي يوم الجمعة بأنه يود أن يرى التضخم يتجه نحو هدف الفدرالي البالغ 2% “لبعض الوقت” قبل إيقاف رفع أسعار الفائدة.

وتراجع سعر اليوان في التعاملات في الداخل إلى أدنى مستوى في أسبوع عند 6.7696 للدولار، مقارنة بالإغلاق السابق عند 6.7430، بعد أن خفض بنك الشعب الصيني بشكل غير متوقع تكاليف الاقتراض على قروض متوسطة الأجل وأداة سيولة قصيرة الأجل للمرة الثانية هذا العام.

وارتفع مؤشر الدولار الأميركي مقابل 6 عملات منافسة 0.25% إلى 105.96، معززاً وضعه بالقرب من منتصف نطاقه خلال هذا الشهر.

وسينظر المحللون في محضر الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفدرالي، المقرر إصداره الأربعاء 17 آب أغسطس، للحصول على مزيد من القرائن حول تفكير صانعي السياسة، بينما ستعطي بيانات مبيعات التجزئة يوم الجمعة بعض الأفكار الجديدة حول متانة الاقتصاد.

وهبط اليورو 0.24% إلى 1.0232 دولار، متأثراً بالمتاعب التي تواجه أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا والبحث عن مصادر طاقة غير روسية وتضرر الاقتصاد الألماني من شح الأمطار.

نظرة على بريطانيا ما بعد «بريكست»

انتهى عهد بوريس جونسون لكن الاضطرابات بدأت لتوها. للمرة الثالثة في أقل من عقد من الزمان، أدت أزمة في قيادة حزب المحافظين إلى الإطاحة برئيس الوزراء من منصبه. ففي حين جرى إسقاط أسلافه بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد انهار عهد جونسون بسبب سلسلة من الأزمات، بعضها، مثل نقص العمالة وارتفاع تكاليف المعيشة، كان ماديا، والبعض الآخر، ولا سيما قرار جونسون التغلب على الوباء، كان أخلاقيا. في النهاية، كانت المشكلة في الأساس انتخابية وتمثلت في سلسلة من الهزائم واستطلاعات الرأي البائسة التي أقنعت المشرعين المحافظين بأن قوة الجاذبية الانتخابية لجونسون قد انتهت.
ورغم ذلك، من غير المرجح أن يقدم المرشحان اللذان يتنافسان على استبداله أي بديل أفضل. فقد خدم كلاهما في حكومة جونسون – ريشي سوناك كوزير للخزانة، وليز تروس كوزيرة للخارجية – وهما متورطان، بشكل مباشر أو عن طريق الجمعيات، في الفضائح التي أسقطته. والأكثر أهمية أن أيا منهما عرض أي فكرة عن كيفية التعامل مع المشاكل الهيكلية لبريطانيا، سواء بتقديم تخفيضات في الضرائب أو في الإنفاق. لذلك، بالنسبة للدولة، كلا الخيارين سيئ. ولذلك فالفوضى في الأشهر الأخيرة لم تبارح مكاناها.
لكن استقالة جونسون ستساهم في وضع نهاية لشيء ما أيضا. لما يقرب العامين بعد انتخابه في ديسمبر (كانون الأول) 2019، تمتعت البلاد بفترة من السلم الاجتماعي النسبي والاستقرار السياسي. مدعومة بقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإطلاق التطعيمات الناجحة لـ«كوفيد 19»، أحرزت الحكومة تقدما كبيرا على معارضة حزب العمال الضعيفة والمحبطة. علاوة على ذلك، بدا أن الدولة – في الفضاء الزمني الغريب والوباء – قد تضافرت جهودها. ففي هذه الفترة القصيرة البينية التي خلت فيها البلاد من رئيس للوزراء بدا أن بريطانيا، التي يغذيها حس الدولة القومية، كانت تعود إلى الحياة من جديد.
لكن هذا لم يعد موجودا. ففي ظل الركود الاقتصادي، والانقسام الاجتماعي، والانحراف السياسي، يجري تقليص حجم البلاد. فقد انتهى وهم وخيال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المتمثل في إنعاش بريطانيا، وتحررها من قيود أوروبا وقدرتها على تأكيد نفسها بثقة في الداخل والخارج.
على الرغم من إفساح المجال الآن لكابوس مألوف، بدا هذا الخيال لفترة من الوقت يسود البلاد. فقد جرى التقاط الشعور الثقافي والعاطفي الغريب لمذهب جونسون من خلال اثنين من أكثر البرامج الإذاعية مشاهدة في التاريخ البريطاني، وكلاهما حدث خلال فترة ولايته. الأول كان خطاب جونسون للأمة في 23 مارس (آذار) 2020، حيث أعلنت حالة الإغلاق الوطني. والثاني كان نهائي يورو 2020، حيث حظيت إنجلترا بفرصة واقعية للفوز على إيطاليا، في 11 يوليو (تموز) 2021. كلا الحدثان شهده عشرات الملايين من الناس وكانا سببا في ظهور لحظات من الحس الوطني. كلاهما أنذر بتعليق الحياة الطبيعية باسم النضال الوطني، وهي تجربة ارتبطت بشكل غامض بالذكريات الشعبية للحرب العالمية الثانية.
الهدوء المخيف للإغلاق – بشوارعه الفارغة، والرحلات للاستمتاع بالحياة البرية – كان يقابله هوس الحشود المكسوة بالأعلام والسكر والهذيان التي تتجول في الشوارع التجارية الفارغة وتردد بحماس، «عدنا إلى البيت» (عودة الجنود إلى ديارهم) كانت لحظات قومية واضحة، لكن الحدثين غير متطابقين. كان أحدهما يمثل القومية من أعلى إلى أسفل، والآخر على مستوى القواعد الشعبية. أحدهما كان «بريطانيا» القومية المؤسسية، والآخر «إنجليزيا» بلهجات أكثر بروليتارية. ومع ذلك فقد صنعا معا لفترة وجيزة شعورا بالأمة.
كانت بالطبع لحظات قومية شهدت وفاة عشرات الآلاف من كبار السن البريطانيين في المستشفيات جراء الوباء الذي اجتاح البلاد بسبب التأخير في إعلان الإغلاق. ارتفع استخدام بنوك الطعام إلى أعلى مستوياته، حيث تلقى أكثر من 2.5 مليون شخص طرودا تحوي طعاما. وبحلول نهاية عام 2020، شهدت تسع من كل 10 أسر متدنية الدخل تدهورا خطيرا في دخلها، وتضاعفت نسبة الأشخاص الذين أبلغوا عن اكتئاب وقلق كبير إكلينيكيا ثلاث مرات، حيث ارتفعت من 17 في المائة إلى 52 في المائة. ومع ذلك، نجح مشروع الوحدة الوطنية غير المستقر، المدعوم بالإنفاق العام الهائل لإدارة الوباء، لفترة وجيزة: تقدم المحافظون في استطلاعات الرأي وكانوا بمنأى عن الفضائح والاستياء.
في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، بدأ الاستقرار يتزعزع. بدأ نقص الوقود، الناجم عن ندرة سائقي شاحنات الوقود، ليساهم في تراجع شعبية ودعم جونسون. في ديسمبر (كانون الأول)، طفت على السطح أولى روايات عن إقامة حفلات غير قانونية في 10 داونينغ ستريت، المقر الرسمي لرئيس الوزراء. وبحلول فبراير (شباط)، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى الضغط على مستويات المعيشة، وزاد الطلب المتزايد على بنوك الطعام. عانت المستشفيات – التي تعاني من ضغوط ونقص في التمويل في الأساس – في ظل تراكم أعداد المرضى لتبلغ حوالي ستة ملايين مريض، وألغت المطارات التي تعاني من نقص الموظفين الرحلات الجوية. في «وستمنستر»، تحولت الأزمة التي عمت البلاد إلى صخب متزايد يرغب في إزاحة جونسون، الذي تشبث بمكانه لبعض الوقت، لكن بحلول منتصف الصيف، انتهى الأمر.
يتجه الاقتصاد الآن صوب فترة سيئة: فأسعار الطاقة المرتفعة، والتضخم الجامح، والصادرات المتعثرة، وارتفاع أسعار الفائدة، بحسب تعبير الخبير الاقتصادي دنكان ويلدون، شكلت في النهاية «عاصفة رعدية». وردا على ذلك، وعدت السيدة تروس، المرشحة لتحل مكان جونسون، بخفض الضرائب – التي يتعين دفعها عن طريق تأجيل سداد الديون بدلا من خفض الإنفاق. وعلى النقيض من ذلك، سيستمر السيد سوناك على المدى القصير في سياسته الحالية المتمثلة في زيادة الضرائب مع الإشارة إلى أن تخفيضات الإنفاق تسير على الطريق الصحيح. لا يمكن لأي من المقاربتين، من اليمين المحافظ أو الخزانة، معالجة الأسباب الكامنة وراء أزمة تكلفة المعيشة بسبب الافتقار إلى الأفكار.
قد يكون الرضا عن النفس هنا أمرا قاتلا. فالتيارات المعارضة، التي احتوتها تعويذة جونسون، عاودت الظهور تدريجيا حيث تستعد اسكوتلندا مرة أخرى لإجراء استفتاء على الاستقلال، ومن المفترض أن يجري ذلك في أكتوبر (تشرين الأول) القادم. وفي إيرلندا الشمالية، أصبح الحزب الجمهوري الحزب الأكبر، مما أضعف المؤسسة الوحدوية. وفي إنجلترا، اندلعت موجة من الإضرابات ذات المغزى الرمزي – في السكك الحديدية ومراكز الاتصال والمطارات – مما أعطى الأمل للعمال الذين شهدوا انخفاض مستويات معيشتهم لأكثر من عقد من الزمان. وبلغ مستوى الرضا عن الحكومة أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات، ولم يعد هناك زعيم محتمل قادر على إلهاب حماس الجماهير، وأخذ حزب المحافظين البريطاني في التفكك.
لكن ما هي بريطانيا؟ يقول المؤرخ ديفيد إدجيرتون إن الأمة البريطانية لم تكن موجودة إلا لبضعة عقود بعد الحرب العالمية الثانية. حتى ذلك الحين، كانت الهوية البريطانية عالمية، مرتبطة بإمبراطوريتها. وقد أصبحت أمة فقط في سنوات ما بعد الحرب، عندما جرى تنظيم الرأسمالية من قبل الدولة وحظي المواطنون بالرفاهية «من المهد إلى اللحد». منذ ذلك الحين، مع مبيعات الصناعات الوطنية وتبوؤ لندن مركز الصدارة، أصبحت بريطانيا مجرد مركز الشركات متعددة الجنسيات، مجردة من أي صدى اجتماعي أو مدني واسع. كانت الأمة البريطانية النائمة في حقبة ما بعد الحرب هي التي كان من المفترض أن تعيد إحياء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يمثل خروج جونسون، المشجع الأكثر سحرا لبريكست، نهاية لهذا الخيال. وها هي قد جاءت الأزمة التي لا لبس فيها ولا حدود لها.

ريتشارد سيمور

إقرار قوانين مرجوّة مفرّغة من مضامينها

تابعنا أخيراً الجلسة التشريعية الأولى لمجلس النواب المنتخب الجديد، لإقرار القوانين المرجوة، داخلياً، إقليمياً ودولياً، من قِبل المجتمعات الدولية. وشهدنا «نكهة» التعاطي في المجلس النيابي الجديد وتوقعاتنا عن أدائه للسنوات الأربع المقبلة.

علينا ألاّ ننسى أو نتناسى أنّ هذه الجلسة الأولى التشريعية للمجلس النيابي المنتخب أخيراً، جاءت من بعد أكبر أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخ العالم، والتي يشهدها لبنان راهناً. وجاءت من بعد أكبر ثالث إنفجار في العالم، حيث نمرُّ في ذكراه السنوية الثانية، وجاءت بعد هذا التفجير الإرهابي الكارثي الذي دمّر العاصمة اللبنانية بيروت ومحيطها.

 

هذا الإجتماع التشريعي، جاء أيضاً من بعد أكبر أزمة صحية عالمية وهي جائحة كورونا، والتي ضربت معظم إقتصادات المنطقة والعالم، وغيّرت كل المعايير والتوازنات. فيما نشهده اليوم أنّ العالم من حولنا، والمنطقة، والبلدان والاقتصادات والشركات، وحتى الأشخاص، يتغيّرون كي يُواكبوا هذا التغيير الإقليمي والدولي، ولا سيما حيال الشق الاقتصادي والانمائي، والمالي والنقدي.

 

المؤسف المبكي، أنّه بعد هذه الكوارث الداخلية والدولية، والتغيّرات المُوجبة، تغيّر العالم لكن لم يتغيّر شيء في لبنان، لا بالأشخاص ولا بالتعاطي، ولا بالاستراتيجيات المدمّرة ذاتياً. لا بل بالعكس، تراجع أشواطاً إلى الوراء، كأنّه لم يحصل شيء. فهذا الحوار القديم الجديد ضرب مرة أخرى آمالنا ورؤيتنا ونيتنا باستعادة الإنماء والتنمية.

 

فكل الأنظار الدولية كانت مركّزة على هذا الإجتماع التشريعي الأول، وإقرار القوانين المطلوبة، والمشروطة من صندوق النقد الدولي. اليوم شئنا أم أبينا، كنّا مع أو ضد، لا حلّ مالياً ونقدياً في لبنان من دون مشروع إعادة الهيكلة مع صندوق النقد.

 

إننا ندرك جميعاً أنّ شروطه صعبة جداً، والمفاوضات عقيمة والطريق ستكون طويلة وشائكة. لكن الكل يُدرك تماماً أننا محكومون بهذا الممر الإلزامي المتاح الوحيد للدولة اللبنانية، والذي يستطيع ضخ بعض السيولة ولا سيما إعادة لبنان على السكة الدولية واستقطاب إستثمارات أخرى لإعادة النهوض.

 

فكل ممثلي الشعب والسلطات التشريعية والتنفيذية أصبحوا مقتنعين بإقرار المشاريع والإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد، الذي طالب بصراحة بأربعة مشاريع قوانين ضرورية كأولوية:

 

فالمشروع الأول يتعلق برفع السرية المصرفية، والذي كان مدرجاً أساساً في جدول أعمال هذه الجلسة الأولى، وكان هناك شبه اتفاق بإقرار هذا المشروع بسهولة تامة، من جهة لتلبية مطالب الصندوق، وأيضاً المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى، كل هؤلاء النواب المنتخبين كان العنوان الأول لحملاتهم الإنتخابية، محاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة وغيرها.

 

هنا ابتدأ الفشل الذريع وخيبة الأمل غير المتوقعة، عندما فُنّد وفُرّغ هذا المشروع القانون من مضمونه، رفع السرية المصرفية 1956، حيث أُقر من دون مفعول رجعي كأنّه عُفي عمّا مضى، وطُويت الصفحة حيال كل الفساد وتبييض الأموال والتهرّب الضريبي ما قبل هذا القانون.

 

التجربة الأولى للإصلاح والتشريع كانت مخيّبة للآمال، وأعطتنا الرؤية الضبابية لمتابعة وإقرار ما تبقّى من الإصلاحات المطلوبة.

 

أما مشاريع القوانين المشروطة والأساسية المتبقية لصندوق النقد فهي: مشروع قانون الـ Capital Control، المتعثر منذ سنة 2019، ومشروع قانون موازنة العام 2022 الضرائبي بامتياز، ومشروع قانون إعادة الهيكلية المالية وتوزيع الخسائر، حيث الحَكم هو المسؤول الأبرز لهذه التفليسة والإنهيار.

 

بعد تجربة القانون الأول المتعلق برفع السرية المصرفية، الذي كان الكل متفقاً عليه قبل الجلسة، فإننا متشائمون حيال إقرار هذه القوانين الشائكة والصعبة، والتي من المستحيل الإتفاق عليها، إلاّ لو اتفق السياسيون على حساب الشعب مرة أخرى.

 

في الخلاصة، الجلسة الأولى التشريعية لمجلس النواب الجديد كانت مخيبة للأمل، وضربة قاسية جديدة للثقة الداخلية والدولية. فالتعاطي والسلوك ما زالا غارقين في الوحول السياسية عينها، والنقاشات باتت في المستوى العقيم ذاته، ولا جنس الوعي لمواجهة الأزمة المالية، الاقتصادية والنقدية والاجتماعية الكارثية. وفي النهاية، لا يزالون في الدوامة ذاتها، يسخرون من الشعب، وحتى أنّهم يستهزئون بالمجتمع الدولي، فيُقرّون العناوين المطلوبة ويُفنّدونها ويُفرّغنوها من كل الأساس والمضمون والإصلاح.

د. فؤاد زمكحل

تقييم لاغارد قبل نهاية شهر تمّوز

عام 2013 كانت #اليونان تشكو من أزمة كبيرة على صعيد الاقتصاد والقدرة على التجاوب مع سياسات #البنك المركزي الأوروبي الذي كان يرأسه حينئذٍ ماريو دراغي الذي أعلن في حينه، رغم معارضة ممثلي الألمان في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، أن على البنك إقرار السياسات التي تسهّل تجاوز الأزمة المستحكمة في حينه باليونان، والى حدّ أقل، البرتغال والاقتصاد الايرلندي الذي نما بسرعة نتيجة خفض معدلات الضريبة على أرباح الشركات الكبرى واندفاع العديد من شركات المعلوماتية والمصارف الى تأسيس وحدات ناشطة في إيرلندا.

اليوم الوضع مختلف لأسباب متعدّدة. فالنموّ تراجع الى حدّ بعيد بسبب أزمة الكورونا التي تسببت باختناق وسائل توزيع المنتجات سواء منها المنتجات الزراعية أو قطع الغيار الأساسية لوسائل النقل والمصانع كما انخفضت نسب العمّال الناشطين في المؤسسات هرباً من العدوى. وهذه الوضعية دفعت العديد من البلدان الى الإجازة لموظفيها الرسميين إما العمل من المنزل اعتماداً على وسائل الاتصال الحديثة، أو اختصار أيام العمل في الاسبوع.

 

كل ذلك، إضافة الى انطلاق حرب روسيا على أوكرانيا، واستمرار واشتداد الحرب، أمور أسهمت في توتير الاوضاع الدولية ورفع أسعار النفط ومشتقاته بسرعة وارتفاع أسعار الغاز بصورة أكبر.

الجوّ كان مختلفاً في شهر تموز وخلال انعقاد مؤتمر دولي لحكام البنوك المركزية في البرتغال، وقد شدد رؤساء البنوك المركزية على ضرورة مجابهة ضغوط التضخم وتقلص حجم الإنتاج وانخفاض توقعات النمو الى مستوى 1% في غالبية البلدان الاوروبية بعدما كان التوقع أن يكون النمو على مستوى 3-3.5%، وأصبح هنالك تفارق ما بين توجّهات الولايات المتحدة المتشددة تجاه روسيا والمساندة لأوكرانيا بما في ذلك منحة مالية تجهيزية على مستوى 44 مليار دولار إضافة إلى تجهيزات عسكرية تزيد قيمتها على 1.5 مليار دولار.

الألمان، والفرنسيون، والإيطاليون، بالتأكيد اعتبروا أن مصالحهم متضررة وقد سارعوا الى تبنّي خطوات لاختصار استهلاك الطاقة في أشهر الشتاء المقبل، كما أن اعتماد إيطاليا – التي تمر في أسوأ أزمة اقتصادية بين الدول الاوروبية – على الغاز الروسي لا يمكن إلغاؤه وتبدو الصورة مشابهة في ألمانيا، وفرنسا، وعلى العكس من الدول الاوروبية هنالك ثلاث دول تستفيد من استمرار القتال، واحدة منها النروج لأنها تصدّر كميات ملحوظة من الغاز والنفط، والمستفيد الأكبر هو الولايات المتحدة حيث نموّ العمالة مستمرّ، وسعر صرف الدولار مقابل اليورو ارتفع بنسبة 20% في وقت قصير، والمملكة العربية السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط استفادت من ارتفاع أسعار النفط الخام والمشتقات وأصبحت شركة آرامكو السعودية أكبر شركة نفط في العالم برأسمال يتجاوز تريليوني دولار.

وسط هذه الاجواء، إضافة الى أن #كريستين لاغارد كانت قد نبهت منذ صيف 2021 الى أن مديونية البلدان الصناعية تتجاوز المردود المقبول وأن من الضروري ضبط عجز موازنات غالبية الدول الصناعية وتقليص توافر الدعم النقدي لدول الاتحاد الأوروبي واستمرار دعم الشركات بشراء أسهمها من قبل البنوك المركزية التي كل ما تفعله طبع العملة للإسهام في إصدارات سندات جديدة.

قبل نهاية شهر تموز كان المناخ قد تغير – ونذكر أن كريستين لاغارد – أشارات الى ضرورة ضبط التسهيلات المالية للدول الاعضاء في السوق قبل سنة.

المفاجأة كانت أن صندوق النقد الاوروبي رفع معدل الفوائد قبل نهاية شهر تموز بنسبة نصف من واحد في المئة ولم تكن الخطوة متوقعة لأن صندوق النقد الاوروبي حافظ دائماً على سياساته التسهيلية من عام 2013 وبالتالي ظهرت الخطوة وكأنها تمثل تبدلاً في فلسفة ومناهج صندوق النقد الاوروبي والواقع هو كذلك.

أكدت كرستين لاغارد أن سياسة البنك المركزي الاوروبي من الآن وصاعداً تستند الى الإحصاءات المتوافرة حول النشاطات الاقتصادية، وحسب تأكيد رئيسة صندوق النقد الأوروبي فإن القرارات ستراجع شهرياً وستقر خطوة خطوة بدراسة معمقة للتأثيرات الاوروبية والدولية.
استناداً الى مناخ التحليل والاوضاع الاقتصادية خاصة في أوروبا، فإن البنك الاوروبي في اجتماعه المقبل سيسعى الى تنسيق سياساته مع التوجهات الدولية العامة.

رأى عدد من المحللين الاقتصاديين والمصرفيين أن السياسة الجديدة للبنك المركزي الاوروبي لا تتناسب مع الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم واستمرار مفاعيل القروض القائمة.

على سبيل المثال، كان ماريو دراغي قد حصل على التزام من البنك الاوروبي بقرض يبلغ 40 مليار يورو يوفر خلال مدة سنتين وقد توافر منه حتى تاريخه 19 مليار يورو، واليوم بعد استقالة دراغي من رئاسة الوزراء وفشله في الحصول على غالبية نيابية تساند مشاريعه، السؤال هو: الى أي حد ستؤثر الازمة الايطالية على الاتحاد الاوروبي وأوضاعه الاقتصادية التي تعاني من تأثيرات انتشار الكورونا وتراجعها ومخاوف الناس من الاوبئة؟ والجدير بالذكر أن الدول الاوروبية التي أقرت إجراءات وقائية كانت قليلة العدد. فألمانيا على سبيل المثال التي ودّعت ميركل بأجمل وداع وشكر جماهيري تأخذ على المستشارة السابقة أنها لم تشجع على تبنّي السياسات الوقائية المطلوبة، ولا شك في أن هنالك دولاً أوروبية تعاني من نتائج النقص في العلاج وأكلاف الاعتكافات لتفادي الاصابات على مستوى الأداء الاقتصادي والصحّي الإجمالي.

مروان اسكندر

توحيد سعر الدولار على 50 ألف ليرة؟

توحيد سعر صرف الدولار، واحدٌ من المطالب التي يوردها صندوق النقد الدولي ضمن لائحة الإصلاحات التمهيدية لإقرار برنامج تمويل، والبدء في تنفيذ خطة للتعافي. هذا الموضوع يثير قلق اللبنانيين، بسبب حساسيته وارتباطه المباشر بقدراتهم الشرائية. هل هذا الأمر مُتاحٌ اليوم، وما هو السعر التوحيدي الذي يمكن اعتماده للدولار؟

مشكلتان أساسيتان يواجههما ملف إقرار موازنة العام 2022، الأولى تتعلق باعتماد سعر صرف موحّد في النفقات والايرادات، والثانية ترتبط بتسعيرة الدولار الجمركي.

 

في الواقع، وقبل التطرّق إلى مسألة توحيد سعر الصرف سواء في الموازنة، أو على مستوى النظام المالي العام، لتوحيد معايير سوق الصرف، لا بدّ من الاشارة إلى اننا فقدنا حالياً المعيار الحقيقي الذي على أساسه يمكن اعتماد تسعيرة مُحدّدة لليرة، والدفاع عنها ضمن الحدود المعتمدة في المصارف المركزية في العالم، حيث يكون الارتفاع والهبوط ضمن نسبة مئوية معتمدة في النظام المالي العالمي. هذا الضياع مردّه إلى تدخّل مصرف لبنان في السوق، عبر منصة صيرفة منذ اواخر العام الماضي. هذا الغموض غير البنّاء يعني انّ معيار السوق الحرّة، التي تستند إلى مبدأ العرض والطلب، والتي تُعتبر المعيار الأهم في معرفة السعر الحقيقي لأية عملة، في الاقتصادات الحرة، لم تعد موجودة في لبنان في الوقت الراهن.

 

قبل هذه المرحلة، كانت السوق السوداء بمثابة السوق الحرة التي لا يتمّ التدخّل فيها من قِبل المركزي، وكانت منصّة صيرفة هي السوق الموازي، يتحكّم فيها المركزي جزئياً، ويحاول ان يوائمها مع السعر الحقيقي، بانخفاض تتراوح نسبته بين 15 و20%. اليوم، اصبح المركزي يتدخّل في «السوقين»، وبالتالي اختفت المعايير الحقيقية لتكوين فكرة عن قيمة الليرة. وهنا ينبغي ان نتذكّر انّ سعر الدولار وصل الى 38 الف ليرة، في مطلع كانون الاول 2021، ومن ثم بدأ يهبط مع مباشرة مصرف لبنان ضخّ الدولارات في السوق.

 

السؤال اليوم: كم هو سعر الليرة الحقيقي؟ هذا السؤال حيوي لأنّ الاجابة عنه سوف تحدّد السعر الذي يمكن اعتماده في توحيد سعر الصرف. وبالتالي، لم يعد دقيقاً الاعتماد على أيٍ من السعرين القائمين (صيرفة والسوق السوداء) للتوافق على سعر واحد يمكن للاقتصاد الدفاع عنه وتثبيته، انما ينبغي احتساب اموال الدعم لليرة، وحسمها من المعادلة، لتقدير هذا السعر، والذي قد يكون تجاوز الـ40 الف ليرة، وربما وصل الى 50 الف ليرة اليوم. هذه هي المشكلة الحقيقية التي يواجهها مشروع توحيد سعر صرف الدولار. إذ، هل يتحمّل الوضع توحيد السعر، على سبيل المثال، على 50 الف ليرة؟

 

هذا الواقع يشير بوضوح إلى اننا كلما تأخّرنا في مقاربة هذا الموضوع، من دون ان نكون قد اقتربنا من مباشرة تنفيذ خطة التعافي، كلما أصبح توحيد سعر الصرف أقسى، سواء وقع الاختيار على اعتماد سعرٍ لا يحتاج الى أي دعم، أو تمّ اعتماد سعر مدعوم يتمّ خلاله تحديد فترة الدعم وكلفة هذا الدعم ومصادر تمويله ضمن خطة التعافي التي ستُعتمد.

 

وبالتالي، فإنّ أي سعر صرف سيتمّ اعتماده في موازنة 2022، وحتى لو تمّ اعتماد سعر «صيرفة» سيكون رقماً وهمياً لا يعبّر عن الواقع الاقتصادي الذي ينبغي ان تعكسه قيمة العملة الوطنية. كما انّ الموازنة ستكون شكلية ولا تنطبق عليها معايير المحاسبة الدولية، كما جرى في قضية بنك الاعتماد المصرفي، عندما تمّ الاستناد إلى عبارة adverse opinion للقول انّ موازنة المصرف المدقّقة غير دقيقة. هذا الادّعاء صحيح من حيث المبدأ، لأنّه لا يمكن إصدار موازنات دقيقة تراعي المعايير المحاسبية العالمية المتعارف عليها، اذا كان سعر الصرف الحقيقي للعملة الوطنية غير معروف، بل مُلتبس ومُتعدّد الاسعار، وكلها اسعار وهمية مصطنعة. وإذا كان الاقتصاد دخل في متاهة التضخّم المفرط (Hyperinflation). وهذا هو المقصود من استخدام العبارات المحاسبية الدوليةIAS 21 و IAS 29. ولو عرضنا مشروع موازنة العام 2022، على أي مؤسسة محاسبية دولية للتدقيق والمصادقة، سنحصل في أحسن الاحوال على ملاحظة بالخط العريض مُدوّن فيها: adverse opinion، وفي هذه الحالة من المُربك تحديد من ينبغي ان يدخل السجن بسبب وجود عبارة «الرأي المعارض» على ختم التدقيق المحاسبي في موازنة الدولة اللبنانية.

أنطوان فرح