واستفاقت الحكومة على الـbail-in… ماذا ينبغي أن نتوقّع؟

كثُر الحديث في الأيام الأخيرة عن الـbail-in كإجراء سوف تعتمده الحكومة في خطة التعافي واعادة هيكلة القطاع المالي. فهل ان هذا الاجراء عملي، ويمكن ان يكون جزءا من الحل؟ ولماذا تتجه الحكومة، أو من يرسم خطط الانقاذ فيها، الى هذا الاجراء اليوم؟

 

هناك لائحة من القواعد والمفاهيم التي يتم اللجوء اليها لمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية حول العالم. لكن الاختيار بين سلة القواعد المتاحة، لا يتم بناء على مزاجية او رغبة من يملك حق الاختيار، بل وفق توصيفٍ للأزمة يتيح رؤية أفضل لنتائج هذا الخيار او ذاك. وبالتالي، لا توجد وصفات جاهزة يمكن إسقاطها على كل أنواع الأزمات المالية، بل هناك قواعد تصلح لأنواع محدّدة من الأزمات، وقد لا تصلُح لأزمات من نوع آخر.

 

في العادة، كان علم الاقتصاد، والبراغماتية بشكل عام، يدفعان في اتجاه الانقاذ عبر ما يُعرف بالـbail-out. وهذا ما فعلته، على سبيل المثال، الحكومة الاميركية في خلال أزمة 2008. اذ اضطرت الى التدخل لمنع انهيار قطاعها المالي، مع علمها المسبق بالنتائج التي قد تترتب عن السماح بهذا الانهيار. وهذا التدخل الرسمي لإنقاذ مصارف أخطأت في سياستها، كان موضع جدل عميق في واشنطن، قبل أن يُتخذ القرار.

 

في المقابل، دخل مفهوم الـbail-in حديثاً الى لائحة قواعد معالجة الأزمات المالية حول العالم. وتعتبر التجربة القبرصية من أوائل التجارب الحديثة التي جرى فيها اعتماد الـbail-in في العام 2013، لمعالجة الفجوة المالية في اكبر مصرفين على الجزيرة. هذه التجربة لا تزال موضع نقاش حتى اليوم، سواء لجهة قانونيتها ودستوريتها، أو لجهة النتائج التي أدّت اليها، وهل ساهمت فعلاً في الانقاذ، ام تركت تداعيات سلبية لا يزال الاقتصاد القبرصي يعاني منها حتى اليوم؟

 

بالنسبة الى المودعين الكبار في المصرفين القبرصيين، والذين تحولت ودائعهم الى أسهم وحقوق ملكية، خسروا قسماً من هذه الودائع بسبب الفارق بين سعر السهم كما جرى تخمينه في عملية التحويل (سعر اسمي)، وبين سعره الحقيقي في عمليات البيع والشراء. واعتبر ذلك بمثابة haircut فَرضَه الاتحاد الاوروبي على قبرص. ويؤكد كثيرون ان هذا الاقتطاع المموّه من الودائع في المصرفين المذكورين، انما اعتُمد كعقاب سياسي على اعتبار ان قسماً كبيراً من هؤلاء المودعين هم من الاثرياء الروس الذين استخدموا المصرفين لتهريب الاموال وتبييضها.

 

في عودة الى الوضع اللبناني، هناك مجموعة من الاسئلة ينبغي طرحها في موضوع الـbail-in، قبل المغالاة في دعم او انتقاد هذا الاجراء ضمن خطة الانقاذ:

 

اولاً – هل يمكن تطبيق الـbail-in على القطاع المصرفي بشكل عام، من دون الأخذ في الاعتبار الوضعيات المختلفة للمصارف، وقد شهدنا مؤخرا تدخل مصرف لبنان لإقصاء ادارة مصارف وتعيين مدير من قبله للاشراف على الانقاذ او تصفية هذه المصارف التي لم تعد قادرة على الاستمرار؟

 

ثانياً – ما هي النسبة التي سيتم اعتمادها في الـbail-in، وما هو السقف الذي سيجري تحديده لحجم الوديعة التي ستخضع لمثل هذا الاجراء؟ مليون، عشرة ملايين، 50 مليون دولار؟

 

ثالثاً – كيف سيتم تقييم الاسهم، وهل ستكون العملية مجرد اجراء صوري لتطبيق الـhaircut تحت مُسمّى آخر؟

 

رابعاً – هل يمكن تحديد الـbail-in قبل ان تقرر السلطة كيف ستتعامل مع ديونها، ومع ديون مصرف لبنان، ومع ودائع المصارف في مصرف لبنان والتي تقارب قيمتها الـ83 مليار دولار؟

 

خامساً – ماذا يضيف الـbail-in الى الحل، اذا لم تتم معالجة مشكلة الملاءة في القطاع المالي الناتجة عن عجز الدولة ومصرف لبنان عن اعادة الديون والمطلوبات الى المصارف؟

 

سادساً – هل هناك مودعون، على غرار المودعين الروس في قبرص، ترغب السلطة اللبنانية في الاقتصاص منهم، بقرار سياسي؟

 

الأزمة في لبنان ليست مجرد أزمة في القطاع المالي، ولا هي مجرد ازمة انهيار في قيمة النقد الوطني، ولا هي أزمة انكماش اقتصادي، بل انها مزيج من كل هذه العوامل، قادت اليها سياسة المالية العامة للدولة، بما يضفي عليها صفة الأزمة الشاملة التي تحتاج الى معالجات استثنائية. والقضية لا تتعلق بتأييد او رفض الـbail-in من قبل المودع، أو المصرف، بل تحتاج الى معالجة أعمق، تبدأ من الاجابة عن سؤال بسيط: هل نريد فعلاً حفظ حقوق المودعين؟ وهل المسؤول الاول عن الأزمة، أي الدولة، مستعدة للمساهمة في تعويض الخسائر، ام انها شريك مضارب، التهمت الودائع سنة بعد سنة، لسدّ العجز الناتج عن الانفاق والهدر والسرقات، وهي تدعو المودعين اليوم الى مسامحتها على طريقة عفا الله عمّا مضى؟

انطوان فرح