دولار سلامة بعد 31 تشـرين

ثبُت بما لا يقبل الشك انّ سعر صرف الليرة في السوق الحرة اصطناعي، وانّ مصرف لبنان هو اللاعب الرئيسي القادر على تحريكه. فهل ينوي حاكم المركزي خفض الدولار اكثر بعد 31 تشرين الاول، موعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون؟ وما هي التوقعات بالنسبة الى المسار الذي سيسلكه سعر الدولار في المرحلة المقبلة؟

 

لا تزال أصداء البيان الذي أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مساء الاحد في 23 تشرين الاول الجاري، وتعهّد فيه بأنه سيوقِف شراء الدولار وسيكتفي ببيعه عبر منصة صيرفة، تتردّد في الاسواق وفي الاوساط الشعبية. والتساؤلات تشمل الخلفيات، الاهداف، المدى، النتائج والتوقعات.

 

في الواقع، تبدو لائحة الاهداف المُتماهية مع الاسباب، طويلة ويصعب فرزها وتصفيتها وصولاً الى استنتاج وحيد يقود الى معرفة المسار الذي سيسلكه سعر صرف الدولار في الايام المقبلة، وهو الامر الذي يشغل بال اللبنانيين اكثر من سواه في هذه المرحلة. هذه اللائحة، تشمل الاحتمالات التالية:

 

اولاً – مع تخطّي سعر صرف الدولار الاربعين الف ليرة، واتجاهه صعوداً، قرر سلامة التدخّل للجمه واعادة المنحنى (curve) الى مسار شبه مستقر على سعر يتراوح بين 36 و37 الف ليرة.

 

ثانياً – مع اتّساع الفارق بين سعر منصة صيرفة وسعر السوق الحرة الى مستويات غير مسبوقة، تجاوزت الـ10 آلاف ليرة للدولار الواحد، كان سلامة امام خيارين. إما التدخل لخفض دولار السوق الحرة، وإما رفع سعر منصة صيرفة. خصوصا ان الفارق الكبير بين السعرين تسبّب بمشاكل كثيرة من ضمنها زيادة الطلب على الشراء عبر صيرفة بما تجاوز الكوتا التي يخصّصها المركزي للمصارف يومياً. وهذا ما يفسّر لجوء المصارف الى اجراءات خاصة لتلبية الطلب، مثل خفض سقف المبلغ الذي يستطيع الزبون حجزه عبر «صيرفة»…

 

ثالثاً – تسبّب تخطّي الدولار الاربعين الف ليرة بإشكالية في تطبيق التعميمين 151 و158 اللذين يتيحان السحب بالليرة على سعري 8 آلاف و12 الف ليرة. وكان هناك نقاش في شأن رفع سعر السحب الى 15 الف ليرة، لكي تبقى نسبة الاقتطاع (haircut) من الودائع الدولارية مقبولة وقريبة من النسبة التي اعتمدت لدى إصدار التعميمين. ولكن، ومع اعتراض جهات سياسية على خطوة تغيير سعر السحب، لجأ سلامة الى خيار خفض دولار السوق الحرة.

 

رابعاً – مع اقتراب نهاية ولاية رئيس الجمهورية، ومع بروز مؤشرات اضافية تؤكد الاتجاه نحو الفراغ، اعتبر سلامة انه لا بد من التدخّل المسبق، لمنع ارتفاع دراماتيكي بعد 31 تشرين الاول.

 

خامساً – على نقيض البند الرابع، كانت هناك اجواء اشاعات منتشرة في البلد مفادها ان سلامة سيعمد الى اتخاذ اجراءات لخفض الدولار بعد رحيل عون عن قصر بعبدا للايحاء بأن اجواء ارتياح سادت في البلد بسبب انتهاء الولاية الرئاسية.

 

وبالنسبة الى هذا البند بالذات، لا تزال التفسيرات متناقضة. اذ هناك من يعتبر ان الاشاعة لم تكن صحيحة، لكن سلامة استغل الجو السائد، بحيث ان المواطنين الذين يخزّنون الدولار، كانوا متوجّسين وقلقين من مباغتتهم بانخفاضٍ سريعٍ للدولار، وبالتالي، كانوا جاهزين للاسراع في بيع الدولار فَور بروز اي اشارة في هذا الاتجاه. وهذا ما استغلّه سلامة، واصدر بيان 23 تشرين، ونجح في خفض الدولار من حوالى 41 الف ليرة الى 36 الف ليرة في ساعة واحدة، ومن دون ان يضطر الى بيع دولار واحد في السوق.

 

النظرية النقيضة تقول ان سلامة كان ينوي فعلاً اتخاذ اجراءات لخفض الدولار لها علاقة برحيل عون، لكنه وَقّتها بذكاء. اذ أنه أصدر بيانه قبل نهاية الولاية بحيث أثبت ان اتهامه بهذا «المخطط» في غير محله. وفي الوقت نفسه تدخّل لمنع تراجع الدولار بسرعة وبنسبة مرتفعة من خلال عدم ضخ الدولارات في السوق. لكنه سيُقدم على هذه الخطوة بعد 31 تشرين، وسيرفع منسوب ضخ الدولارات لخفضه الى مستويات جديدة تقترب اكثر من سعر منصة «صيرفة».

 

ويسأل اصحاب هذه النظرية، من يستطيع ان يراقب ماذا يفعل سلامة؟ فهو قال انه سيتوقف عن شراء الدولار، لكن كيف نعرف انه لم يبادر الى شراء الدولار سراً في الايام التي تلت بيانه. ألم يكن مستغرباً ان يهبط الدولار في فترة العطلة وفي فترة السماح، اكثر ممّا هبط لاحقاً طوال الاسبوع بعد بدء تنفيذ القرار يوم الثلاثاء؟ ألا يعني ذلك ان سلامة قد يكون تدخّل في الاتجاه المعاكس لرفع سعر الدولار قليلاً، لأنه لم يكن يرغب بهذا الخفض السريع قبل نهاية الولاية الرئاسية؟

 

بالاضافة الى كل هذه القراءات، تبرز مسألة انتهاء ولاية سلامة نفسه في تموز المقبل. وهناك كلام كثير على انّ اجراءات التهدئة، ومنع الدولار من الارتفاع ولو على حساب ما تبقّى من اموالٍ للمودعين مُحتجزة في المركزي، يهدف الى تأمين نوع من الاستقرار النسبي لحين انتهاء ولاية سلامة وخروجه من مصرف لبنان، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

أهمية المنافسة

هل سبق لك التذمر من وجود شركة واحدة فقط تقدم خدمة معينة أو منتجا معينا؟ قد يخطر ببالك عدد من الأمثلة على الشركات المحلية التي تستفرد بالسوق دون وجود منافس حقيقي لها، فتصبح لها السيطرة الكاملة على السوق دون وجود تهديد حقيقي على حصتها السوقية. تبعات هذه السيطرة سلوكيات تضر بالمستهلك والاقتصاد المحلي، بل وحتى بالشركات المسيطرة نفسها التي تميل إلى الكسل في حال غياب المنافسة، وهي نتيجة حتمية في حال غياب قانون المنافسة عن السوق المحلية، وهو ما فيه ضرر مباشر على الاقتصاد، ويمكن تلخيص أهمية المنافسة في السوق في خمس نقاط.
النقطة الأولى: هي الأوضح بالنسبة للمستهلك وهي أسعار المنتجات، فوجود عدد من الشركات تقدم نفس المنتج أو الخدمة يزيد المنافسة على الأسعار، وهو ما يتسبب بشكل كبير في انخفاضها، لكون السعر أحد أهم عوامل المقارنة بين المنتجات. ولذلك فإن ارتفاع أسعار المنتجات هو من أوضح نتائج الاحتكار، وفي زمن يشكل فيه التضخم مشكلة كبرى، يمكن فهم دور الاحتكار في تأجيج نار التضخم.
النقطة الثانية: هي جودة المنتجات، فمن دون المنافسة، لا تملك الشركات محفزا لتحسين جودة منتجاتها أو خدماتها. وقد يكون المثال الأوضح على ذلك هو خدمات ما بعد البيع، فقد تجد الشركات مبررا للتعامل الحسن مع العملاء قبل البيع لرفع أرقام المبيعات، ولكن المحفز الأكبر لخدمات ما بعد البيع هو ضمان عودة هذا العميل للشراء مرة أخرى، وفي حال عدم وجود منافس حقيقي للشركة، فإنها لا تحتاج إلى تحفيز العميل لإعادة الشراء لأنها وبكل بساطة خياره الوحيد.
النقطة الثالثة التي تضيفها المنافسة، هي زيادة الخيارات في المنتجات والخدمات. ففي السوق التنافسية، تحاول كل شركة جعل منتجاتها مختلفة عن الشركات الأخرى في محاولة لإيجاد سوق جديدة لمنتجاتها أو للابتعاد عن مساحة المنافسة في المنتجات شديدة التنافسية. وتعطي هذه النقطة تنوعا وخيارات أكثر للمستهلك للاختيار بين الخدمات والمنتجات.
النقطة الرابعة تتضمن الابتكار، فمن دون المنافسة في السوق تغيب أهمية الابتكار بشكل كبير، بالمقابل فإن المنافسة تدفع الشركات للابتكار في منتجاتها وخدماتها ومحاولة خلق فرص جديدة من خلال ابتكار منتجات وخدمات كثيرة. والابتكار تحديدا هو أهم نقاط الالتقاء بين المنافسة والنمو الاقتصادي، فالابتكار هو أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، والمنافسة هي الدافع الأكبر للابتكار. ويمكن للقارئ التفكر في السوق المحلية والنظر في القطاعات التي تشهد تنافسا عاليا، وكيف لجأت شركات هذا القطاع للابتكار للمنافسة والبقاء في السوق.
النقطة الخامسة هي أن المنافسة العالمية تبدأ من المنافسة المحلية، وإن لم تجد الشركة منافسا محليا لها فهي في الأغلب لن تتطور لتصبح لاعبا عالميا في صناعتها. ولذلك فإن العديد من الحكومات تصمم أنظمة منافستها لتكون سببا في منافسة شركاتها على النطاق العالمي، وإحدى أدوات زيادة المنافسة العالمية هي أداة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، حيث تحصر الحكومات مشترياتها على الشركات المحلية، وذلك لخلق سوق محلية تنافسية تتمكن في المستقبل من منافسة الشركات العالمية.
يقابل هذا التنافس، موجة من الاستحواذات والاندماجات، تقلل من عدد الشركات في السوق، وتجعلها شركات أكبر حجما وسيطرة على السوق. ورغم وجود مبرر في كثير من حالات الاستحواذات والاندماجات، فإن أثرها على المنافسة لا يمكن إغفاله. فعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع أن الاندماجات تتسبب في زيادة الأسعار بمتوسط 7.2 في المائة، وتختلف هذه الزيادة بحسب القطاع، فأظهرت دراسة أن الأسعار تزيد في قطاع المستشفيات بنسبة 20 في المائة، بينما تزيد في قطاع الطيران بنسبة تتراوح بين 7 و29 في المائة.
إن المنافسة عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في الأسواق، وهي سبب رئيسي للانتعاش الاقتصادي، ووجود منافسة قوية في السوق يحمي الشركات المحلية كذلك من سيطرة الشركات الأجنبية في حال دخولها، وكم من شركة أجنبية حاولت اختراق أسواق محلية ولم تستطع تحمل المنافسة، وهذا دليل على قوة هذه القطاعات. في المقابل فإن النظرة التفضيلية إلى الشركات العملاقة والتي تملك حصصا كبرى في السوق المحلية هي نظرة قاصرة، فهذه الشركات تنمو على حساب الشركات الصغيرة، ونموها يزيد من أرباحها وأرباح مستثمريها، بينما تزيد التكلفة على المستهلك والاقتصاد، وتقلل من خلق الفرص الوظيفية لارتفاع كفاءتها التشغيلية.