قيمة قطاع التكنولوجيا الأميركي هبطت 7.4 تريليون دولار خلال عام..كيف حدث ذلك؟

قبل عام واحد فقط، كان مؤشر Nasdaq عند ذروة ارتفاعه، بدعم من المكاسب المسجلة منذ بداية أزمة كورونا.

وكان الاكتتاب العام لأسهم شركة السيارات الكهربائية Rivian هو الأحدث في عام شهد اكتتابات قياسية جديدة، كما أن عمليات التوظيف في القطاع كانت في ازدهار، لكن سهم Rivian هبط بنحو 80% من ذروة ارتفاعه حينما قفزت قيمته السوقية لـ150 مليار دولار.

بعد عام واحد فقط من تلك الإنجازات اختلفت الأمور كلياً..فماذا حدث؟

شركات التكنولوجيا الكبرى تكبدت خسائر فادحة، ففقدت  Microsoft نحو 700 مليار دولار من قيمتها السوقية، فيما هبطت القيمة السوقية لـ Meta بنحو 70% من ذروة ارتفاعاتها لتمحو 600 مليار دولار من قيمتها في العام الجاري.

وإجمالاً خسر المستثمرون نحو 7.4 تريليون دولار استناداً إلى تراجع مؤشر Nasdaq على مدار 12 شهراً.

ويعد رفع معدل الفائدة وارتفاع التضخم أسباباً رئيسية في أن تصبح قيمة الشركات التي تعد بأرباح مستقبلية واعدة أقل بكثير.

خفض التكاليف لاستيعاب الأزمات

الشركات على مستوى الصناعة اتجهت لخفض التكاليف وتجميد التوظيف، وإقالة الموظفين، أما الموظفون الذين انضموا إلى تلك الشركات قبل الاكتتاب العام لها ممن يعتمدون في معظم تعويضاتهم على خيارات الأسهم أصبحوا الآن في موقف صعب.

وتراجعت عملية الاكتتاب العام هذا العام بعد تسجيلها مستويات مرتفعة في العامين الماضيين حينما كانت الشركات تتعامل مع أزمة كورونا والمميزات الناتجة عنها في ظل العمل عن بعد، والاقتصاد المتخم بفضل الدعم الحكومي.

وانخفض Renaissance IPO ETF -سلة لقياس الأسهم الجديدة المدرجة في أميركا- بنحو 57% على مدار العام الماضي.

وتزامن مع ذلك إقرار التنفيذيين في القطاع التكنولوجي بأنهم كانوا مخطئين في تقديراتهم، إذ اتضح أن جائحة كورونا لم تغير إلى الأبد الطريقة التي يعمل ويلعب ويتسوق ويتعلم بها الناس.

خفوت نجم شركات الشيكات على بياض

العام الجاري شهد أيضاً خفوت نجم شركات الشيكات على بياض الساطع أو SPAC، وهي شركات استحواذ ذات أغراض خاصة ازدهرت خلال 2020 و2021 عبر شراء شركات التكنولوجيا الناشئة وإدراجها في البورصة.

وخلال ذروة تلك الظاهرة، شهدت أميركا اكتتاب 619 شركة عبر شركات الشيكات على بياض في العام الماضي، مقابل 496 شركة عبر الاكتتاب التقليدي.

أما في العام الجاري، فهبط مؤشر CNBC لشركات الـ SPAC والذي يتتبع أسهم تلك الشركات بعد طرحها بنحو 70% منذ التدشين وبنحو الثلثين العام الماضي.

ولم تتمكن العديد من شركات الـSPAC من تحقيق هدفها وردت الأموال للمستثمرين.

درس اقتصادي من حديقة الحيوانات

الحيوانات في الحديقة كائنات استهلاكية. تأكل وتشرب وتراعى صحياً. لكنها في الوقت نفسه مصدر الدخل، يدفع الزوار أموالاً لكي يشاهدوها على الطبيعة، وبالتالي ما ينفق على إطعامها ورعايتها ينفق بمنطق استثماري، على أمل أن يعود بربح أكثر.
الحيوانات في الحديقة لا وعي لديها بفكرة المدخلات الثنائية، الوارد والمنصرف، المدين والدائن. لن نستطيع أن نحث الأسد على أن يكون أكثر تسلية للزبائن كي يجذب عدداً أكبر، ولا أن نطلب من الثعابين أن تؤدي حركات بهلوانية، لكي تزيد المدخلات. كما لن تستطيع الحيوانات أن تخفض الاستهلاك – من تلقاء نفسها – لكي تتوازن الأرقام. ناهيك عن أنها لا تتدخل في مقولات مثل «دخول الحديقة يجب أن يكون في متناول الجميع». هذا النوع من الهراء المخرب للقرارات الإدارية غريب عليها. وإدارة المال في الحديقة مسؤولية بشرية.
لو فكرنا أن نوفر من نفقاتها بأن نقلل الطعام، أو ننفق الكفاف على وسائل الرعاية الأخرى، أو نختصر من بند نظافة المكان المحيط، سيتراجع مستوى المعيشة في الحديقة، وسيبدو على الحيوانات الهزال، وربما تموت سريعاً، وتقل جاذبية الحديقة ومواردها.
لكي نحافظ على توازن الجداول إما أن ننفق على الحديقة من مصدر خارجي، كأن نستدين من مخصصات التعليم والصحة والمرافق العامة، أو حتى الحدائق الأخرى. في هذه الحالة ستزدهر الحديقة كما نحب، ولكن سيخرب ما حولها. يمكن أيضاً أن نرفع ثمن التذكرة، بشرط ألا ينخفض الطلب عليها فتقل حصيلتها لقلة عدد المقبلين. ويمكن أن نتبرع بالحيوانات العاطلة، التي لا يقبل الزوار عليها، ولا تحقق الجدوى الاستثمارية، إلى حديقة أخرى، تقليصاً للنفقات.
إن لم نفعل لا هذه ولا تلك، وفي الوقت نفسه أردنا الإبقاء على حديقة الحيوان، فليس لذلك إلا نتيجة واحدة هي عجز الميزانية. لا شيء يتحقق رغم أنف معادلته الاقتصادية. والعجز يعني الخسارة. عاماً بعد عام. وصولاً إلى التدهور. وقتها سنتعجب «أين الحديقة التي نافست يوماً حدائق أوروبا». لا يا شيخ!!
الفكرة الأساسية الحاكمة لمنطق إدارة المال واحدة. يستوي في ذلك ما يخص حديقة حيوان، أو ما يخص شركة طيران. أو ما يخص ملف جودة التعليم، أو البنايات ذات الإيجارات القديمة.
انظر إلى معمار الحقبة الخديوية في مصر، كيف تدهور لقلة عائداته وتشوه معادلته الاقتصادية. لم يتحسن من تلقاء نفسه لمجرد أننا نأسف على حاله في النهار، أو نوبخه كلما وقعت أعيننا عليه. لم يستحِ ويدخل إلى غرفة لينفرد بنفسه ويعاتبها ومن ثم يخرج معماراً جديداً. الإدارة المالية للبناية هي الأخرى مسؤولية بشرية. نحن الذين نشرع قوانين إيجارية تبقي على معادلة تدهور العقار. ونحن الذين نمنح تلك التشريعات المبرر «الأخلاقي» الذي يخرب البنايات براحة ضمير كما خرب المعادلة الحسابية. المعادلات لا تنحني أمام إنسانية دافعك المعلن. لن تضيف لك مدخلاً في أحد طرفيها على سبيل التحفيز لأن لك غرضاً نبيلاً. الأرقام – كالعدل القسطاس الصارم – معصوبة العينين.
من الملاحظات الجديرة بالنظر في شأنك كله، أن تدهور مشروع نديره يتناسب طردياً مع كمية المشاعر التي نقحمها في معادلة اتخاذ القرار. حديقة الحيوان في موقع وسط. لا هي محملة بالمشاعر كما الحال مع إدارة ملفات تتعلق مباشرة بالبشر، ولا هي مجردة منها كالتعامل مع منتجات بلاستيكية مثلاً. وهي في الوقت نفسه مجتمع من الكائنات الحية، تأكل وتشرب وتنمو وتمرض، مثل البشر.
هذا يجعل حديقة الحيوان فرصة مثالية للتدرب على النظر إلى الموضوع الاقتصادي نظرة اقتصادية عقلانية. فرصة، بعد الألف السابقة، للتدرب على اختبار الواقع المجرد. وفرصة لتجربة الشيء الصحيح في الإدارة، وهو الملكية الخاصة التي تجعل القائمين على المشروع يحرصون على الربح ويخشون من الخسارة.
لكن التملك الخاص أكبر من مجرد استقرار ملكية المشروع – حديقة الحيوان أو غيرها – في يد مالك. تملك أصحاب العقارات القديمة لعقاراتهم ليس إلا تملكاً صورياً، تأميماً مُقَنعاً، إذا فقدوا القدرة على إدارته بما يحقق مصلحتهم، وتحولوا إلى مستهدف لتحصيل ما عليه من فواتير.
امتلاك القدرة على تعطيل المتنافسين، أو إغلاق باب التنافس عند نقطة معينة، احتكار أيضاً. التنافسية هي ضابط الأسعار، وضمانة ألا يستغل صاحب مشروع ندرة منتجه، واضطرار المستخدمين إليه، لكي يرفع ثمنه. هذا لصالح المستهلك. على الجانب الآخر، تضمن التنافسية لصاحب المشروع أن لا يشارك في مباراة صورية، يملك فيها منافسه صفارة الحكم والار والكروت الصفراء والحمراء، وكل تذاكر المباراة، ويمنح نفسه من المزايا ما يحبط منافسيه، يمهد الملعب في مساراته، ويعرقله في مسارات منافسيه.
الاحتكار لا يأتي أبداً بخير اقتصادي. محفوف بالشهوات كالجحيم، يمكنك بلا رادع من اقتراف النزوات الإدارية جميعها، مع القدرة على إرجاء عواقبها إلى من يأتي بعدك. تظن أنك نجوت، بينما غرقنا جميعاً. وعكسه تماماً التنافسية. تجبرك على تحسين مهاراتك، وتضعك في مكانك الصحيح بمعيار تلك المهارات. تحرم أحلامنا من أن تصير أوامر، وهذا أعظم منافعها، إذ على المرء دائماً أن يحذر من أحلامه إن تعلق الأمر بإدارة ثروته.

خالد البري

واستفاقت الحكومة على الـbail-in… ماذا ينبغي أن نتوقّع؟

كثُر الحديث في الأيام الأخيرة عن الـbail-in كإجراء سوف تعتمده الحكومة في خطة التعافي واعادة هيكلة القطاع المالي. فهل ان هذا الاجراء عملي، ويمكن ان يكون جزءا من الحل؟ ولماذا تتجه الحكومة، أو من يرسم خطط الانقاذ فيها، الى هذا الاجراء اليوم؟

 

هناك لائحة من القواعد والمفاهيم التي يتم اللجوء اليها لمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية حول العالم. لكن الاختيار بين سلة القواعد المتاحة، لا يتم بناء على مزاجية او رغبة من يملك حق الاختيار، بل وفق توصيفٍ للأزمة يتيح رؤية أفضل لنتائج هذا الخيار او ذاك. وبالتالي، لا توجد وصفات جاهزة يمكن إسقاطها على كل أنواع الأزمات المالية، بل هناك قواعد تصلح لأنواع محدّدة من الأزمات، وقد لا تصلُح لأزمات من نوع آخر.

 

في العادة، كان علم الاقتصاد، والبراغماتية بشكل عام، يدفعان في اتجاه الانقاذ عبر ما يُعرف بالـbail-out. وهذا ما فعلته، على سبيل المثال، الحكومة الاميركية في خلال أزمة 2008. اذ اضطرت الى التدخل لمنع انهيار قطاعها المالي، مع علمها المسبق بالنتائج التي قد تترتب عن السماح بهذا الانهيار. وهذا التدخل الرسمي لإنقاذ مصارف أخطأت في سياستها، كان موضع جدل عميق في واشنطن، قبل أن يُتخذ القرار.

 

في المقابل، دخل مفهوم الـbail-in حديثاً الى لائحة قواعد معالجة الأزمات المالية حول العالم. وتعتبر التجربة القبرصية من أوائل التجارب الحديثة التي جرى فيها اعتماد الـbail-in في العام 2013، لمعالجة الفجوة المالية في اكبر مصرفين على الجزيرة. هذه التجربة لا تزال موضع نقاش حتى اليوم، سواء لجهة قانونيتها ودستوريتها، أو لجهة النتائج التي أدّت اليها، وهل ساهمت فعلاً في الانقاذ، ام تركت تداعيات سلبية لا يزال الاقتصاد القبرصي يعاني منها حتى اليوم؟

 

بالنسبة الى المودعين الكبار في المصرفين القبرصيين، والذين تحولت ودائعهم الى أسهم وحقوق ملكية، خسروا قسماً من هذه الودائع بسبب الفارق بين سعر السهم كما جرى تخمينه في عملية التحويل (سعر اسمي)، وبين سعره الحقيقي في عمليات البيع والشراء. واعتبر ذلك بمثابة haircut فَرضَه الاتحاد الاوروبي على قبرص. ويؤكد كثيرون ان هذا الاقتطاع المموّه من الودائع في المصرفين المذكورين، انما اعتُمد كعقاب سياسي على اعتبار ان قسماً كبيراً من هؤلاء المودعين هم من الاثرياء الروس الذين استخدموا المصرفين لتهريب الاموال وتبييضها.

 

في عودة الى الوضع اللبناني، هناك مجموعة من الاسئلة ينبغي طرحها في موضوع الـbail-in، قبل المغالاة في دعم او انتقاد هذا الاجراء ضمن خطة الانقاذ:

 

اولاً – هل يمكن تطبيق الـbail-in على القطاع المصرفي بشكل عام، من دون الأخذ في الاعتبار الوضعيات المختلفة للمصارف، وقد شهدنا مؤخرا تدخل مصرف لبنان لإقصاء ادارة مصارف وتعيين مدير من قبله للاشراف على الانقاذ او تصفية هذه المصارف التي لم تعد قادرة على الاستمرار؟

 

ثانياً – ما هي النسبة التي سيتم اعتمادها في الـbail-in، وما هو السقف الذي سيجري تحديده لحجم الوديعة التي ستخضع لمثل هذا الاجراء؟ مليون، عشرة ملايين، 50 مليون دولار؟

 

ثالثاً – كيف سيتم تقييم الاسهم، وهل ستكون العملية مجرد اجراء صوري لتطبيق الـhaircut تحت مُسمّى آخر؟

 

رابعاً – هل يمكن تحديد الـbail-in قبل ان تقرر السلطة كيف ستتعامل مع ديونها، ومع ديون مصرف لبنان، ومع ودائع المصارف في مصرف لبنان والتي تقارب قيمتها الـ83 مليار دولار؟

 

خامساً – ماذا يضيف الـbail-in الى الحل، اذا لم تتم معالجة مشكلة الملاءة في القطاع المالي الناتجة عن عجز الدولة ومصرف لبنان عن اعادة الديون والمطلوبات الى المصارف؟

 

سادساً – هل هناك مودعون، على غرار المودعين الروس في قبرص، ترغب السلطة اللبنانية في الاقتصاص منهم، بقرار سياسي؟

 

الأزمة في لبنان ليست مجرد أزمة في القطاع المالي، ولا هي مجرد ازمة انهيار في قيمة النقد الوطني، ولا هي أزمة انكماش اقتصادي، بل انها مزيج من كل هذه العوامل، قادت اليها سياسة المالية العامة للدولة، بما يضفي عليها صفة الأزمة الشاملة التي تحتاج الى معالجات استثنائية. والقضية لا تتعلق بتأييد او رفض الـbail-in من قبل المودع، أو المصرف، بل تحتاج الى معالجة أعمق، تبدأ من الاجابة عن سؤال بسيط: هل نريد فعلاً حفظ حقوق المودعين؟ وهل المسؤول الاول عن الأزمة، أي الدولة، مستعدة للمساهمة في تعويض الخسائر، ام انها شريك مضارب، التهمت الودائع سنة بعد سنة، لسدّ العجز الناتج عن الانفاق والهدر والسرقات، وهي تدعو المودعين اليوم الى مسامحتها على طريقة عفا الله عمّا مضى؟

انطوان فرح

البنك الدولي يستبعد تعافي اقتصاد لبنان إذا استمر الشلل السياسي

دحض البنك الدولي ترقبات مصرف لبنان بتحقيق نمو إيجابي للناتج المحلي بنسبة 2 في المائة هذا العام، ليستخلص في أحدث تقديراته استمرار انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المائة في العام الحالي، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ إستراتيجية للتعافي. ولينبّه بالتالي إلى ارتفاع المخاطر الاقتصادية للبلاد في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة، ما يؤكد ضرورة المضي قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار النهوض.

وفي توصيف لا يقل قساوة في مضمونه، أشار جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي إلى «أن عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه. وعلى لبنان اعتماد حل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الاستقرار للقطاع المالي ويضع الاقتصاد على مسار التعافي».

وبرزت هذه الاستنتاجات ضمن ملخص التقرير الأحدث لمرصد الاقتصاد اللبناني، الذي يصدر دورياً عن المؤسسة الدولية، والذي تناول التطوُّرات الاقتصادية الأخيرة والآفاق والمخاطر الاقتصادية للبلاد، مستخلصاً منها تموضع لبنان في الصفوف الأخيرة للترتيب العالمي الذي يقيس الأداء الكلي للاقتصادات الوطنية، ومرجحاً أن يتبوأ مركز «الأسوأ» ضمن المجموعة المحددة من الدول التي انحدر إلى خانتها، وتضم زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال.

وإذ حمل التقرير عنواناً لافتاً بأنه «حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف»، فقد رجّح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، ما يعمّق محنة الشعب اللبناني. ليؤكد بالتالي، أنه بعد مرور أكثر من 3 سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد.

وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المائة عام 2022، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ إستراتيجية للتعافي. ونظراً لتوفُّر بيانات أفضل مما كان متوقعاً سابقاً، فإن البنك الدولي يعدّل تقديراته لانكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للعام الماضي إلى 7 في المائة بخلاف نسبة 10.4 في المائة المقدرة سابقاً. مع التنويه بأن الانكماش في الناتج الذي شهده لبنان منذ عام 2018 والبالغ 37.3 في المائة، يُعد من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم، ما يقوض قدرة الاقتصاد على التعافي.

وفيما يخلص التقرير إلى أن الأزمة الحالية ستعزِّز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي، فإنه يلاحظ أنه رغم تدخلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية على حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية الآخذ في التناقص، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر. وهو ما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ صيف العام 2020، ويتوقّع أن يبلغ متوسطه 186 في المائة العام الحالي. وبذلك، فهو من بين أعلى المعدلات عالمياً. كما يُعد لبنان من أكثر البلدان تضرُّراً من التضخم الذي طرأ مؤخراً على أسعار المواد الغذائية التي تتأثر بها بشكل خاص الأسر الفقيرة والمحتاجة، إذ تشكّل نسبة كبيرة من نفقاتها في ظل التآكل الشديد لقوتها الشرائية.

ويرى التقرير أنه مع زيادة الخسائر المالية عن 72 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من 3 أضعاف إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، فإن تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق نظراً لعدم توفر الأموال الكافية لذلك. فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَّرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكَّدة ويحتاج تحقيقها سنوات.

علي زين الدين