هناك أمثلة عديدة حول العالم، تُظهر كيف تأثرت البلدان سلباً بسبب عدم وجود محافظ للبنك المركزي. وقد يكون من المفيد إيراد بعضها، ومن أبرزها:
فنزويلا: تُعتبر تجربة فنزويلا حالة حَذِرة لعدم تعيين محافظ قوي في البنك المركزي. تعاني البلاد أزمة اقتصادية هائلة وتضخّماً مفرطاً، حيث ساد عجز في السياسة النقدية وتَلاعُب في قيمة العملة. وإن عدم وجود محافظ قادر على تنفيذ إصلاحات اقتصادية مناسبة سَبّب استنزاف الثقة في النظام المالي وتدهوراً في الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
الأرجنتين: شهدت أزمة مالية خانقة في عام 2018 بعد استقالة محافظ البنك المركزي. لم يتم تعيين محافظ جديد في الوقت المناسب، ما أدّى إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم. وكان لتأخّر التعيين تأثيره الكارثي على الثقة في النظام المالي، وعَرّضَ البلاد لمخاطر اقتصادية كبيرة.
زيمبابوي: تُعدّ مثالًا آخر على التداعيات السلبية لعدم تعيين محافظ قوي للبنك المركزي. تعاني البلاد تضخماً مفرطاً وانهياراً اقتصادياً، حيث تُعزَى الأزمة جزئيًا إلى عدم وجود سياسة نقدية فعالة وقوية. فعدم تعيين محافظ قوي ساهمَ في تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير وفقدان الثقة في العملة المحلية.
الحالة في العراق خير مثال على خطورة عدم وجود محافظ للبنك المركزي وأهمية اختيار المحافظ وما له من تأثير، لا سيما انه لم يتم تعيين محافظ دائم للبنك المركزي العراقي، وهذا الأمر ساهم في تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد.
في العراق، لاحظنا تدهورًا متزايدًا في القيمة الشرائية للعملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم. تأثرت الاستثمارات والتجارة وحتى حياة الناس بشكل سلبي نتيجة لعدم وجود قيادة فعالة للبنك المركزي. بالإضافة إلى ذلك، شهد العراق تفشي الفساد المالي واستغلال الثروات الوطنية بشكل غير مسبوق، وهو أمر يمكن أن يَتفاقم في غياب محافظ مؤهل يسعى لتحقيق الشفافية والمساءلة.
ومنذ فترة طويلة يعاني لبنان أزمة اقتصادية ومالية خانقة. ويجب أن ندرك أن المحافظ يؤدي دورا حاسما في تطبيق السياسات النقدية والمالية السليمة وحفظ استقرار العملة والتضخم في البلد. ومع ذلك، فإنّ الانقسامات السياسية والتأخير في تعيين محافظ في لبنان ستؤثر سلباً في قدرة البنك المركزي على التصدّي للأزمة واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الاقتصاد.
إن الأمثلة المذكورة تُبرز أهمية تعيين محافظ قوي وكفوء للبنك المركزي، فقدرته على تحقيق الاستقرار المالي والنقدي وتنفيذ سياسات فعالة للحفاظ على قوة العملة والحدّ من التضخم أمر بالغ الأهمية. يجب أن يُولي لبنان أهمية كبيرة لتعيين محافظ قادر ومؤهل للبنك المركزي اللبناني لتجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي المنشود.
ومن المعروف أن المحافظ للبنك المركزي يلعب دورا حاسما في تنفيذ سياسات البنك ومراقبة النظام المالي والنقدي، وتقع على عاتقه مسؤولية تنفيذ السياسة النقدية السليمة وحفظ استقرار العملة ومكافحة التضخم الزائد. ومع ذلك، فإن عدم وجود محافظ قوي يؤثر سلبا في الثقة بالنظام المالي ويزيد من عدم اليقين الاقتصادي.
لذلك، يجب أن يتم اختيار محافظ البنك المركزي بدقة، وبناءً على الكفاءة والخبرة والنزاهة. وينبغي أن يكون قادرا على قيادة البنك المركزي بشكل فعال، واتخاذ القرارات المالية الحكيمة، وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي. وأيضاً يجب أن يتمتع بسمعة جيدة وأن يكون ملتزماً بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في عمليات البنك المركزي.
إنّ اختيار محافظ بعناية وتنفيذ سياسات نقدية سليمة، يُمَكّن البنك المركزي من أن يُسهِم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في البلد. ينبغي أن تكون هذه العملية محطةً للفحص والمراجعة الدقيقة للمرشحين المحتملين، وضمان أن يتم تعيين محافظ يتمتع بالكفاءة والنزاهة لتحقيق الأهداف المرجوة لمصلحة الاقتصاد الوطني.
وتُعتبَر معايير اختيار الحاكم مهمة حساسة ومن أهم المسؤوليات التي يتحملها القادة السياسيون والمسؤولون الاقتصاديون. فالمحافظ يؤدي دورا حاسما في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي وضبط السياسة النقدية في البلد. ولضمان اختيار محافظ مؤهل وكفؤء للبنك المركزي، هناك معايير عدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار:
الخبرة والكفاءة: ينبغي أن يتمتع المرشح بخبرة واسعة في الشؤون المالية والاقتصادية، وخاصة في مجال السياسة النقدية والنظام المصرفي. يجب أن يكون لدى المرشح معرفة عميقة بالأسواق المالية وقدرة على تحليل البيانات الاقتصادية واتخاذ القرارات الحكيمة.
النزاهة والشفافية: يجب أن يتمتع المرشح بسمعة جيدة ونزاهة عالية في مجال العمل المالي، وأن يكون قادرا على القيام بواجباته بكفاءة ونزاهة، وأن يكون على استعداد للمساهمة في تعزيز الشفافية في البنك المركزي والقطاع المصرفي بشكل عام.
القدرة على التواصل والقيادة: ينبغي أن يكون لديه قدرة فعّالة على التواصل مع الأطراف المعنية المختلفة، بما في ذلك الحكومة والمؤسسات المالية والجهات الرقابية. وأن يكون قائداً فعالاً يستطيع قيادة فريق العمل في البنك المركزي وتحفيزه لتحقيق الأهداف المحددة.
الاستقلالية: ينبغي أن يكون المحافظ مستقلاً عن التدخلات السياسية والضغوط الخارجية، وأن يتمتع بالقدرة على اتخاذ القرارات المستقلة وفقاً للمصلحة العامة والأهداف الاقتصادية والنقدية للبلد.
الرؤية الاقتصادية: ينبغي أن يكون لدى المرشح رؤية واضحة للتطورات الاقتصادية والتحديات التي تواجه البلد، وأن يكون قادراً على تطوير استراتيجيات وسياسات مناسبة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي.
يشكّل تَوَفّر هذه المعايير الأساسية إطاراً فعالاً لاختيار محافظ مؤهل للبنك المركزي. وينبغي أن يتم الاختيار بعناية ودقة، وعلى أساس المؤهلات والقدرات والخبرات، وليس على أساس المحسوبية السياسية أو العوامل الشخصية. إن اختيار محافظ مؤهل يُسهم في تعزيز الثقة في النظام المالي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للبلد.
بروفسور غريتا صعب