الصين ماضية نحو تهيئة مناخ أفضل للاستثمار

في ظل المشكلة الاقتصادية الراهنة التي تمرّ بها، تسعى الصين نحو تهيئة مناخ أفضل للاستثمار من خلال تحفيز الطلب المحلي، وتحسن التعافي الاقتصادي في 2024. وستواصل تنفيذ سياسة نقدية حكيمة وسياسة مالية استباقية، حيث إن التعافي الاقتصادي لا يزال في مرحلة حرجة، ومن المأمل أن تتمكن المجموعة الاقتصادية الصينية من تقديم المشورة؛ لتعزيز التنمية عالية الجودة، والمساعدة في توسيع الطلب المحلي، ومنع المخاطر، وحلها، وبذل جهود لزيادة الطلب الداخلي، وإيجاد بيئة مؤاتية للاستثمار. وقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 ما قيمته 17.9 تريليون دولار وفقاً لبيانات الحسابات القومية للبنك الدولي لعام 2023.

يبدو الوضع الاقتصادي في الصين مربكاً للمستثمرين والاقتصاد العالمي بشكل عام، وبينما تؤكد القيادة الصينية ثقةً كبيرةً في الاقتصاد، فإن لديها ثقةً كبيرةً في أنه سينتعش. الاتجاه الأساسي للانتعاش في الاقتصاد والنمو على المدى الطويل لم يتغير. لا بل هناك ثقة كبيرة في ذلك. ولكن ما لا يزال غير واضح هو كيف يمكن للقيادة الصينية، أن تتجه نحو نمو أقوى ومستدام مع شيخوخة القوى العاملة في البلاد، وفي ظل العلاقات المشحونة مع أميركا، ووسط أزمة عقارية هي أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد، ولم تتحقق الآمال في حدوث انتعاش قوي، يقوده المستهلك بعد انتهاء الضوابط الصارمة لمكافحة الفيروسات في أواخر عام 2022، والحكومات المحلية غارقة في الديون، كما انخفض الاستثمار المباشر للشركات الأجنبية في الصين بنحو 80 في المائة عام 2023.

ولتعزيز التنمية عالية الجودة ودفع التحديث في الصين، يأمل الكثيرون في الصين في مزيد من الإنفاق الحكومي، وسيراقب الجميع ما إذا كانت هناك حوافز مالية كبيرة معروضة، لكن الإنفاق وحده لن يكون كافياً. ولقد حان الوقت لحل المشكلات قصيرة المدى ومنعها من أن تصبح مشكلات طويلة المدى، وجاء التراجع في سوق العقارات في أعقاب حملة على الاقتراض الزائد من قبل مطوري العقارات. ومنذ ذلك الحين، تخلّف العشرات عن سداد ديونهم، إذ تواجه أكبر شركة عقارية وهي «كانتري غاردن»، إجراءات التصفية، إضافة إلى «إيفرغراند».

وتفاقمت المشكلات مع الصدمات الناجمة عن وباء «كوفيد 19»، عندما أدت ضوابط مكافحة الفيروسات إلى إغلاق بعض المدن لمدة أسابيع، وانتهى الأمر بالمصانع بتراكم كميات كبيرة من العمل. والآن، بدلاً من ارتفاع الأسعار، تحاول الصين درء دورة الانكماش المحتملة، أو انخفاض الأسعار بشكل مزمن. وانخفضت الصادرات، وهي محرك رئيسي آخر للنمو، في عام 2023 للمرة الأولى منذ 7 سنوات، وتقلصت القوة العاملة في الصين لأكثر من عقد من الزمان، مما فرض ضغوطاً على الاقتصاد، الذي لا يزال يعتمد على الصناعات كثيفة العمالة.

حددت الصين هدفها لنمو اقتصادي 5 في المائة خلال عام 2024، في رقم طموح، في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في الوقت الذي تعمل فيه على تحويل نموذجها التنموي، والحد من الطاقة الصناعية الفائضة، وتحييد مخاطر القطاع العقاري وخفض الإنفاق الحكومي المحلي. ويماثل معدل النمو المستهدف الهدف المتحقق في العام الماضي، لكن هذا يتطلب تحفيزاً حكومياً أقوى من الصين، حتى تتمكن من تحقيقه، إذ لا يزال الاقتصاد يعتمد على الاستثمار في البنية التحتية الحكومية، وهو ما أدى إلى تراكم الديون.

تعهدت الصين بتحسين حماية الاستثمار والعمليات التجارية لتعزيز الانفتاح الشامل، ودفع الانتعاش الاقتصادي العالمي، يأتي هذا التعهد بعد إعلان الصين، التقدم بطلب للحصول على عضوية الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادي. وستعامل الصين جميع أنواع الكيانات السوقية معاملة متكافئة وستبني نظام السوق الموحدة المفتوحة مع المنافسة المنتظمة، والالتزام بالتنمية المستدامة والجهود المبذولة لبناء مجتمع آسيا والمحيط الهادي الذي يتميز بمستقبل مشترك.

تعهدت الصين اتّباع فلسفة التنمية المتمحورة حول الأشخاص، بعد التخلص من الفقر المدقع، وتحقيق النجاح في بناء مجتمع مزدهر بشكل معقول في جميع الجوانب. وتكثف الدولة جهودها لدعم التنمية عالية الجودة التي تهدف إلى تحقيق الرخاء المشترك للجميع، وفهم بدقة مفهوم التنمية المستدامة، والالتزام بالنهج الذي يركز على الأشخاص، وتنسيق النمو الاقتصادي مع تأمين معيشة الأفراد، إلى جانب الحفاظ على الطاقة وتقليل الانبعاثات.

وحسب الوثائق الصينية الرسمية، فإن بيئة الأعمال تتطرق إلى أربعة جوانب، وهي بيئة السوق للمنافسة العادلة، والبيئة الحكومية عالية الكفاءة والنزاهة، وبيئة السياسات والقوانين العادلة والشفافة، والبيئة الثقافية المفتوحة والمتسامحة. إذ تبنت الصين سلسلة من الإجراءات الإصلاحية، مثل خفض الضرائب والرسوم، وتبسيط الإجراءات الإدارية وتخويل الصلاحيات للسلطات المحلية، وتحسين الخدمات، حيث تحسّنت بيئة الأعمال بشكل ملحوظ. وارتفعت مكانة الصين في «تقرير بيئة الأعمال» الصادر عن البنك الدولي، من المرتبة 78 إلى 46، مع القفز 32 مركزاً، حيث يرى البنك الدولي إن إصلاحات الصين في المجالات ذات الصلة سريعة وفعالة. وقفزت الصين في الترتيب إلى المركز 31، وهي ضمن قائمة البلدان العشرة الأكثر تطبيقاً للإصلاحات للعام الثاني على التوالي.

في الختام، إن جهود تحسين بيئة الأعمال لا نهاية لها، وبوصفها أكبر دولة نامية في العالم، لا تزال بيئة الأعمال في الصين بعيدة عن تلك ذات المستوى العالمي. ولتحقيق هذه الغاية، لا تزال الصين بحاجة إلى زيادة تعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح، وتعكف على تسريع إصلاح نظام الاستثمار الأجنبي؛ لخلق بيئة قانونية مستقرة وشفافة، وتخفيف القيود المفروضة على المستثمرين الأجانب ومنحهم وصولاً أسهل للسوق الصينية، كما ستسهل دخولهم قطاعي الخدمات والصناعات التحويلية المتطورة، إذ إن السوق المحلية الضخمة للصين، تتمتع بجاذبية قوية لدى المستثمرين الأجانب.

د. ثامر محمود العاني