أرشيف التصنيف: المقالات العامة

«فيتش» وسقف الدين

الحوكمة (Governance) هي مجموعة السياسات أو القواعد أو الأطر التي تستخدمها الشركة لتحقيق أهداف أعمالها، وهي تحدد مسؤوليات أصحاب المصلحة الرئيسيين، مثل مجلس الإدارة والإدارة العليا. على سبيل المثال، تقدّم حوكمة الشركة الرشيدة الدعم لفريق العمل عن طريق تضمين سياسة المسؤولية الاجتماعية للشركة في خططه.

واتخذت وكالة «فيتش» قرارها خفض التصنيف الائتماني لأميركا إلى (AA) من (AAA) بسبب المخاوف المالية وتدهور الحوكمة الأميركية، بالإضافة إلى الاستقطاب الذي انعكس جزئياً في أعمال الشغب التي حصلت في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، وكانت وكالة «فيتش» قد أقدمت على الخطوة التي فاجأت المستثمرين، بقرار خفض التصنيف الائتماني لأميركا، والتوقع للتدهور المالي على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ومفاوضات الحد الأقصى للديون التي تهدد قدرة الحكومة على سداد فواتيرها.

وهي المرة الثانية في أكثر من عقد التي تتعرض فيها أميركا لخفض تصنيفها، بعد إجراء سابق قامت به وكالة «ستاندرد آند بورز» في عام 2011، واستندت الوكالة في قرارها جزئياً إلى التدهور الملحوظ في الحوكمة الأميركية، والذي قالت إنه أعطى ثقة أقل في قدرة الحكومة على معالجة قضايا المالية العامة والديون، إذ إنه انعكاس لتدهور الحوكمة. وهو واحد من أمور أخرى عدة منها سقف الديون، وكذلك أعمال الشغب التي حصلت في الكابيتول في السادس من يناير 2021.

جاء خفض تصنيف «فيتش» بعد ثلاثة أشهر تقريباً من التوقيع على اتفاق لرفع حد الدين قبل أيام فقط من توقع تخلف أميركا عن سداد الدين القومي، إذ حذرت «فيتش» آنذاك من أن الدين المتزايد وعدم قدرة الكونغرس على إدارته بطريقة منتجة ومسؤولة، يشكلان تهديدات للجدارة الائتمانية لأميركا، مما يؤدي إلى خفض تصنيف «فيتش» درجة واحدة فقط، ما يعني أن أميركا لم تعد صاحبة ما تُعرفه «فيتش» بأنه أعلى جودة ائتمانية.

وأصبح الدين العام الأميركي يقارب 130 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي حال عدم قيام الكونغرس برفع سقف الدين، فإن أميركا ستدخل في إجراءات استثنائية. وفي حال تفاقمت أزمة سقف الدين فسيؤدي ذلك إلى عدم الثقة في الحكومة والبنوك ويشكّل أثراً سلبياً على الاقتصاد الداخلي ونمو الاقتصاد، كما سيؤدي إلى فقدان هيبة الدولار والاقتصاد الأميركي. وفي الوقت الذي يترقب الاقتصاد الأميركي ومن خلفه الاقتصادات العالمية الكبرى، الحالة التي وصلت إليها أزمة ارتفاع سقف الدين القومي الأميركي واحتمالات تفاقم العجز؛ ترى دوائر السلطة المالية في أميركا أن تفاقم الوضع الحالي سيؤدي لكوارث كبرى تتخطى الحدود الأميركية، وأنها أزمة موقوتة تهدد الاقتصاد الدولي.

إن الحكومة الأميركية ستضطر ‏لتحديد أولويات الإنفاق، وسوف يعاني الكثير من الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد ‏على قروض حكومية، وبالتبعية سوف يغلق الكثير من الشركات ‏أبوابها، كما أنها لن تكون قادرة على اقتراض الأموال ‏للسداد، بمعنى أنها لن تستطيع إصدار سندات جديدة لتمويل ‏العجز في الموازنة. وتحت هذا السيناريو، فإن الاقتصاد الأميركي سيعاني زيادة ‏كبيرة في الفائدة على السندات، وستعاني أسواق المال ‏الأميركية والعالمية خسائر فادحة، وأيضاً سيعاني الاقتصاد ‏الأميركي الركود.‏

وهنا عندما لا تتمكن أميركا من تسديد فواتيرها في الفترة ‏المستحقة، ستُخفض ‏وكالات التصنيف الائتماني تصنيفها دولياً، وستفقد الأسواق الأميركية الموثوقية الدولية، وسيهبط مؤشر ‏الدولار وأيضاً سيكلف هذا السيناريو الاقتصاد الأميركي فقدان وظائف وثروات الأسر، ‏وسيرتفع معدل البطالة، ولا يحتاج الأمر لعناء التفكير لمعرفة أنه حال تعرض الاقتصاد ‏الأميركي للركود، فسوف يعاني ‏منه العالم أجمع، بوصف أميركا أكبر اقتصاد في العالم.

وفي الختام، وبعد أن اقتربت أميركا من الحد القانوني للديون ببلوغها 31.4 تريليون دولار، بدأت وزارة الخزانة في تفعيل إجراءات استثنائية لمواصلة سداد التزامات الحكومة، وتعد هذه الإجراءات أدوات محاسبة مالية تحدّ من بعض الاستثمارات الحكومية لتتمكن من مواصلة سداد فواتيرها، ولكن من دون رفع السقف، وفي حال تخلفها عن سداد ديونها، وما قد ينجم عنه من أزمة اقتصادية عالمية تؤثر على مستقبلها العالمي.

د. ثامر محمود العاني

الاستدامة الاقتصادية بواسطة النظام اللامركزي

في عالم متصل بشكل متزايد، أصبحت التحديات التي تواجهها الدول المتميزة بالتنوع العرقي والديني معقدة وملحّة. هذه التحديات غالبًا ما تؤدي إلى توترات وصراعات، مهددة التماسك الاجتماعي والاستقرار الوطني. في مثل هذه الأوقات العصيبة، تبرز الفدرالية كآلية يمكن أن تتعامل بفعالية مع هذه المشكلات. من خلال منح درجة من الحكم الذاتي للكيانات الفرعية.

تواجه الدول التي تتميز بالتنوع العرقي والديني في كثير من الحالات، صعوبة في تحقيق توازن بين متطلبات مجموعات ثقافية ودينية مختلفة. الاختلافات العميقة قد تؤدي إلى تحديات متعددة، بما في ذلك التمييز الاجتماعي، والاستبعاد السياسي، والتفاوتات الاقتصادية، وفي أسوأ الحالات، النزاعات العنيفة. يمكن أن تؤدي التوترات الناشئة عن هذه الاختلافات إلى تمزق نسيج الوحدة الوطنية، بما يضعف قدرة الدولة على الوظيفة والتقدم.
تحاول الانظمة اللامركزية تقديم حل لهذه التحديات من خلال توزيع السلطة والحكم الذاتي للكيانات الإقليمية داخل البلد. تلك اللامركزية للسلطة تضمن أن الجماعات المحلية يمكنها اتخاذ قرارات تتماشى مع هوياتها واحتياجاتها الفريدة. تمنح أنظمة الفدرالية مستوى من الحكم الذاتي يمكّن المجتمعات من إدارة شؤونها الخاصة مع الاستمرار في إطار الهوية الوطنية الأكبر.
كذلك يتم الاعتراف بالهويات المميزة للمجموعات المختلفة وتحترم تراثهم الثقافي والديني واللغوي. تلك الاعترافات تعمل كدرع ضد مشاعر التهميش، حيث يمكن للمجتمعات الحفاظ على عاداتها وتقاليدها دون الخوف من الاندماج.
التمثيل السياسي: من خلال منح الحكومات الإقليمية السلطة للحكم، تضمن الجماعات الأقلية صوتًا في عمليات اتخاذ القرار. هذا الوضع يقلّل من احتمال التهميش السياسي ويعزّز الشعور بالانتماء والمسؤولية في شؤون الأمة.
التنمية الاقتصادية: يمكن للأنظمة اللامركزية توزيع الموارد بشكل أكثر إنصافاً، مما يعالج التفاوتات الاقتصادية التي غالباً ما تكمن وراء التوترات العرقية والدينية. يمكن للكيانات الإقليمية تشكيل سياسات اقتصادية تتناسب مع احتياجاتها الخاصة، مما يضمن استفادة جميع المناطق من النمو الوطني.
حل النزاعات: تخلق اللامركزية مسارًا سلميًا لحل النزاعات، حيث تنشئ آليات للتفاوض والتوصل إلى حلول متفق عليها بين الكيانات الفرعية المختلفة. تلك القنوات تعزز من الحوار والفهم، مما يقلل من احتمال النزاعات العنيفة. وألأمثلة كثيرة على تنفيذ الفدرالية بنجاح.
سويسرا: مثال كلاسيكي، حيث تمتاز بانقسامها على طول خطوط لغوية ودينية وثقافية. هيكلها الفدرالي سمح للمجتمعات اللغوية المختلفة بالتعايش بسلام تحت هوية وطنية واحدة.
كندا: مع تركيبتها الثنائية اللغة ومتعددة الثقافات، تستخدم كندا الفدرالية لمنح الحكومات المحلية الحكم الذاتي بينما تحتفظ بهوية وطنية قوية. ذلك النهج قد كان حاسمًا في التخفيف من التوترات العرقية والإقليمية.
الهند: واحدة من أكثر الدول تنوعًا في العالم، تسمح لولاياتها بإدارة شؤونها الداخلية بينما تظل جزءًا من الاتحاد الهندي الأكبر. هذا النظام يتسع لهوياتها الدينية والعرقية والثقافية المتنوعة.
في الدول التي تكافح مع التوترات العرقية والدينية، تظهر اللامركزية كأداة حيوية لتعزيز الوحدة في خضم التنوع. من خلال التعرف الى الهويات والتطلعات الفريدة وقبولها، تساهم هذه الأنظمة في منع الصراعات، وتعزيز الحوار، وتعزيز التنمية المستدامة.
يتطلب تنفيذ الفدرالية مراعاة دقيقة لسياق وتاريخ كل دولة، ولكن الفوائد المحتملة من حيث السلام والاستقرار والنمو الشامل تجعله جهدًا جديرًا بالمحاولة. مع التكيف مع عالم متصل بشكل متزايد، قبول قوة الفدرالية في تناغم الهويات المتنوعة يمثل خطوة نحو مستقبل أكثر سلامًا وازدهارًا.

اقتصاد الدول
يقدم النظام اللامركزي إمكانية توزيع السلطة الاقتصادية والتخطيط بين السلطات الوطنية والإقليمية. هذا التوزيع يساهم في تحقيق توازن بين الجهات المختلفة وتجنّب تركيز السلطة والثروة في يد مركز واحد. هذا النمط يمكن أن يقوّي الاقتصاد الوطني من خلال تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة في توزيع الثروات والفرص.

تعزيز الاستدامة
يمكن للجهات الإقليمية التكيف بشكل أفضل مع احتياجاتها الخاصة ومواردها المحلية. وهذا يعني تنفيذ سياسات اقتصادية مُصمّمة بما يتناسب مع طبيعة كل منطقة. ونتيجة لذلك، يتم تعزيز استدامة النمو الاقتصادي، حيث يتم تحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات المحلية والموارد.

تحفيز المنافسة والابتكار
تعزز المنافسة بين الجهات الإقليمية داخل الدولة. حيث يمكن لكل جهة تبني سياسات وبرامج اقتصادية تشجع على الابتكار وتحفيز الاستثمار. المنافسة تعمل على تحسين جودة الخدمات وتوفير مناخ مناسب للشركات والأعمال الصغيرة والمتوسطة، مما ينعكس إيجابيًا على نمو الاقتصاد.

تنويع مصادر الإيرادات
تسمح بتنويع مصادر الإيرادات في الدولة. حيث يمكن للجهات الإقليمية تطبيق أنماط مختلفة من الضرائب والرسوم بناءً على احتياجاتها وظروفها المحلية. هذا التنويع يمكن أن يقلل من التبعية على مصدر واحد من الإيرادات ويجعل الاقتصاد أكثر استدامة في مواجهة التحديات.

أمثلة عالمية
تُعتبر ألمانيا واحدة من أبرز الدول التي تتبنى نظاما فدراليا. ومن خلال هذا النظام، تتمكن الولايات الألمانية من تطبيق سياسات اقتصادية متخصصة تلبّي احتياجاتها المحلية، مما ساهم في تحقيق تنمية مستدامة على مستوى البلاد.
الولايات المتحدة: تُعد الولايات المتحدة مثالًا بارزًا للفدرالية الاقتصادية، حيث تتمتع الولايات بسلطات اقتصادية تسمح لها بتبني سياسات مالية متنوعة بناءً على احتياجاتها المحلية.
لذلك يعتبر النظام اللامركزي آلية هامة لتعزيز الاقتصاد في الدول، من خلال توزيع السلطة وتنظيم السياسات الاقتصادية على مستوى الدولة والمناطق الفرعية. تُمكّن هذه الآلية من تحقيق توازن بين القوى الاقتصادية، وتشجيع الاستدامة، وتحفيز التنافسية والابتكار. ومع تنوع مصادر الإيرادات والتوجه نحو الاقتصاد المستدام، يصبح النظام اللامركزي، أداة محورية في تحقيق التنمية المستدامة ورفاهية الدولة.

بروفسور غريتا صعب

 

بريطانيا ومجلس التعاون الخليجي… نحو اتفاق تجاري طموح

عقدت المملكة المتحدة و«مجلس التعاون الخليجي»، منذ أكثر من عام، أولى جولات محادثاتهما بشأن إبرام اتفاق تجاري جديد وطموح لتعميق العلاقات التاريخية بين بلادنا، وتحقيق الازدهار لاقتصاداتنا.

والأسباب المنطقية وراء ذلك جلية وواضحة؛ فـ«مجلس التعاون الخليجي» أحد أهم الشركاء التجاريين للمملكة المتحدة. وتشهد التجارة بيننا نمواً مستمراً حتى وصلت قيمتها إلى 61.3 مليار جنيه إسترليني عام 2022؛ بزيادة بلغت 85 % بالأسعار الحالية لعام 2021. ويرجع الفضل وراء ذلك النجاح، في جانب منه، إلى أن اقتصاداتنا يكمل بعضها بعضاً. ونحن شركاء طبيعيون؛ بإمكانات هائلة.

وقد شرُفت اليوم بالقدوم إلى صلالة لحضور قمة وزراء التجارة في دول «مجلس التعاون الخليجي»، حيث سألتقي وزملائي من كل الدول الست الأعضاء بـ«مجلس التعاون الخليجي»، وكذلك الأمين العام للمجلس. ويتجلَّى في الدعوة التي وجهتها عُمان ومجلس التعاون الخليجي إلى المملكة المتحدة لحضور القمة مدى التزامهم هذا الاتفاق. ومع اقتراب نهاية فصل الخريف، تعكس مناظر المساحات الخضراء في صلالة، التفاؤل الذي أشعر به إزاء فرص النمو المتاحة أمامنا. إننا نتفاوض بشأن اتفاق تجاري طموح، وشامل وحديث ينسجم مع القرن الحادي والعشرين ويعود بالنفع على كلا الجانبين.

إننا نريد اتفاقاً تتبدى فيه الحقائق الواقعية للتجارة الحديثة، وينشر الإبداع، ويساعد على تطوير صناعات جديدة، مثل التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. وسيشجع هذا الاتفاق كل طرف على استثمار المزيد في اقتصاد الطرف الآخر – فالمملكة المتحدة سادس أكبر مستثمر في مجلس التعاون الخليجي – ويتيح فرصاً جديدة لمجلس التعاون الخليجي لبيع أفضل منتجاته وخدماته إلى المستهلكين بالمملكة المتحدة والبالغ عددهم 60 مليون مستهلك.

ولا تقتصر المنافع على الشركات التجارية فحسب؛ فقد صدّرت المملكة المتحدة العام الماضي ما قيمته 1.3 مليار جنيه إسترليني من السيارات البريطانية، وما قيمته 877 مليون جنيه إسترليني من الأطعمة والمشروبات إلى مجلس التعاون الخليجي. ويمكن لتخفيض التعريفات الجمركية المفروضة حالياً على تلك البضائع أن يعود بالنفع على المستهلكين في دول مجلس التعاون الخليجي، عبر تمكينهم من الحصول على مجموعة أكبر من المنتجات البريطانية بأسعار أرخص. كما ستتيح التعريفات الجمركية المنخفضة للمُصدّرين في هذا الجزء من العالم، الذي ينمو بسرعة، الوصول إلى السوق البريطانية بسهولة، وزيادة واردات المنتجات الشائعة مثل الكاكاو (7.6 مليون جنيه إسترليني) والتمور (8.7 مليون) والتي تحظى بطلب هائل في المملكة المتحدة. ويمكن كذلك للاتفاق التجاري فيما بيننا أن يدعم تحقيق دول مجلس التعاون الخليجي ما لديها من خطط ورؤية، عبر تسهيل اطلاع الشعوب في مجلس التعاون الخليجي على الخبرة البريطانية؛ من الفضاء الإلكتروني إلى علوم الحياة، ومن الذكاء الاصطناعي إلى الموارد المتجددة.

وتلقى الشركات البريطانية نجاحاً هنا؛ فقد أعلنت الشركة البريطانية «G-volution» مؤخراً إبرام اتفاق في عُمان يمكّن المحركات من استخدام أنواع وقود صديقة للبيئة، وهو ما يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 90 في المائة ويدعم ما تطمح إليه عُمان من الوصول إلى «الصفر الحيادي» بحلول عام 2050. وإذا ما توجهنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فسنجد أن شركة «ابتكارات الجرافين في مانشستر (Graphene Innovations Manchester)» قد أسست شركة مشتركة للترويج التجاري للخرسانة المستدامة، من دون إسمنت ولا ماء، ومعدات حماية شخصية ذكية بها تبريد نشط يناسب الطقس الحار.

هذه الأمثلة ليست سوى البداية فقط. ويمكن لاتفاقنا أن يقدم مزيداً من الفرص، ويجعل علاقتنا التجارية تنمو بنحو 16 في المائة، ويضيف ما مجموعه نحو 2.8 مليار جنيه إسترليني إلى اقتصاداتنا بحلول عام 2035 طبقاً لتقييم النطاق بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي الذي نُشر في يونيو (حزيران) 2022. وكلما زاد طموحنا، تعاظمت المكاسب. ويمكن لاتفاق طموح، تدفع المملكة المتحدة باتجاه تحقيقه، أن يزيد من المنافع الاقتصادية التي تعود على مجلس التعاون الخليجي بأكثر من الضعف. وستشعر شركاتنا وشعوبنا بالمنافع التي يعود بها ذلك الاتفاق على مدار عقود مقبلة.

* وزير التجارة الدولية البريطاني

نايجل هدلستون

الوجوه السعيدة في «أرامكو»

سعادة الموظف هي كل شيء، ولشركة مثل «أرامكو السعودية» فإن إسعاد الموظفين ضرورة؛ لأن هؤلاء الموظفين هم الركن الأساسي في منظومة الطاقة العالمية؛ لأن إنتاج السعودية من النفط والغاز يعتمد عليهم، والعالم كله يعتمد على السعودية عندما يكون الحديث عن النفط والغاز.

خلال السنوات التي تعاملت فيها مع شركة «أرامكو» رأيت العديد من الوجوه، ولم تكن كلها سعيدة بطبيعة الحال، والسعادة أمر نسبي بمكان الشخص في السلم الوظيفي للشركة، والجيل الذي ينتمي إليه.

كان هناك جيل الرواد الذي ينتمي إليه من دخلوا الشركة في الخمسينات والستينات. هذا الجيل كان فقيراً في المعظم، وكان لـ«أرامكو» فضل في تعليمهم وتطويرهم وثرائهم. وكثير منهم تعلم الإنجليزية على يد «أرامكو»، ولكنهم عانوا من قلة الدعم لهم كسعوديين عندما كانت الشركة مملوكة بالكامل للشركات الأميركية الأربع التي أسست «أرامكو». وعندما انتقلت ملكية الشركة إلى الحكومة تدريجياً من السبعينات إلى منتصف الثمانينات، امتلك هذا الجيل الشركة وشعروا بالسعادة والفخر وهم يأخذون المناصب التي شغلها الأميركيون سابقاً، ويقررون مصير الشركة «بأيديهم لا بيدي عمرو»، ثم جاء جيل بعد جيل الرواد لم يعرف معاناة من سبقه، وعند انضمامهم للشركة كانت العقلية الأميركية بدأت في التلاشي، ولكن النظام الأميركي كان باقياً، ولهذا اختلطت عليهم الأمور نوعاً ما، فالمدير سعودي مثلهم والنظام أميركي صرف.

هذا الجيل دخل الشركة بعقلية سعودية صرفة، وكان إسعاده صعباً؛ لأنه في زمن الطفرة كان السعوديون يستقبلون الحياة بعقلية الثراء السريع، وما تقدمه «أرامكو» لهم لا يتماشى مع ما تقدمه الدولة من فرص؛ ولهذا خرج كثير من السعوديين من جيل الرواد من الشركة ليتعاملوا معها كرجال أعمال بدلاً من أن يكونوا موظفين، في حين كان جيل السبعينات والثمانينات يتعامل مع الوظيفة.

مرت التسعينات مروراً صعباً على الجميع، ولم تكن «أرامكو» تتوسع في أنشطتها وحقولها مثلما تتوسع اليوم. ولم تكن هناك برامج مثل «اكتفاء» و«نماءات» تدفع بالعنصر المحلي بصورة كبيرة في النظام الإيكولوجي للشركة.

ولهذا من دخل في التسعينات يشكلون عدداً كبيراً من الوجوه غير السعيدة التي قابلتها.

ومع هذا كانت «أرامكو» تقدم مميزات لا يقدمها أحد، مثل التأمين الصحي الفاخر، ونظام تملك المسكن في عقود كان السعوديون ينتظرون ما بين عشرة وعشرين عاماً في المتوسط للحصول على قرض من صندوق التنمية العقاري.

وفي العقد ما قبل الرؤية بدأت «أرامكو» تزيد من الفنيين في الشركة ولدى المقاولين، وهؤلاء كانت «أرامكو» مجرد وظيفة لهم، ولم تكن رحلة وظيفية الترقي بها أمر سهل، ثم جاءت الرؤية وسنوات ما قبل وبعد الاكتتاب، وبدأت الشركة تتعامل بعقلية مختلفة، وبدأت أرى وجوهاً سعيدة من الشباب، الذين جاءوا في وقت أصبح تطوير الموظف فيه رحلة من دخوله للشركة حتى خروجه منها.

لقد زرعت الرؤية تفاؤلاً وجودة حياة أفضل، وأصبح الشباب سعداء في بلدهم وليسوا مثل بعض من سبقوهم ممن كانوا يعملون في الظهران ويعيشون في البحرين. كيف لهؤلاء أن يكونوا سعداء وهم يعيشون حياة مزدوجة ويتنقلون يومياً مع زحمة الجسر التي لا تطاق؟!

شخصياً، أرى أن الجيل الجديد أكثر سعادة في الشركة وفي السعودية الجديدة، وحبهم للحياة في بلدهم هيّأهم للسعادة قبل أن يدخلوا الشركة.

هذه الوجوه السعيدة هي مستقبل هذه الشركة، ولا أراهم يختلفون كثيراً عن جيل الرواد أو «جيل الطيبين»؛ لأنهم يستقبلون الحياة بتفاؤل وسعادة وعالم جديد لم يرثوه، بل بنوه بأنفسهم.

وائل مهدي

قائمة أثرياء قطاع الكريبتو تضم 22 مليارديراً و88,000 مليونيرٍ وفقاً لتقرير جديد

 أنتج قطاع الكريبتو -الذي تتجاوز قيمته السوقية الإجمالية تريليون دولار- 22 مليارديراً و88,000 مليونيرٍ وفق معلوماتٍ جديدة؛ فتبعاً لأحد التقارير الخاصّة بثروات الكريبتو الصادرة مؤخراً من قبل شركة توفير الإقامة عبر الاستثمار Henley & Partners والمُعدّ بالتعاون مع شركة استقصاءات الثروة العالمية New World Wealth، فإن ثروة 6 من هؤلاء المليارديرات تعود فقط إلى عملة بيتكوين (Bitcoin-BTC)، والتي حققت الثراء أيضاً لقرابة نصف الـ 88,200 مليونيرٍ الذين تم تصنيف 182 مليونيراً منهم كمالكين لأصولٍ رقميةٍ تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار.

وتجب الإشارة هنا إلى أن مليونيرات الكريبتو البالغ عددهم 88,200 يمثلون فقط نسبة 0.15% فقط من إجمالي المليونيرات عالمياً، والبالغ عددهم 60 مليوناً تبعاً لما أورده التقرير الأخير للثروات حول العالم من بنك UBS، حيث تم جمع بياناته بواسطة New World Wealth عبرَ تتبع معاملات وعادات إنفاق أكثرَ من 150,000 من أصحاب الثروات الكبيرة، إلى جانب تحليل بيانات البلوكتشين والمعلومات المتاحة للعامّة على منصات تداول الكريبتو؛ ولا تكشف قاعدة بيانات التقرير أسماء الأشخاص الذي شملهم التقرير.

425 مليون شخص حول العالم يمتلكون عملاتٍ رقمية

تُقدر الدراسة -آنفة الذكر- امتلاك 425 مليون فرد حول العالم لعملاتٍ رقمية -أي حوالي 5.3% من تعداد البشر عالمياً- ومنهم 210 مليون شخص يمتلكون عملة بيتكوين. وبجانب إحصاءات الثروة، يقدم التقرير “مؤشر تبني العملات الرقمية عالمياً”، حيث يصنف بلدان العالم تبعاً لعواملَ مثل التبني العام وتوفر عوامل البنية الأساسية والابتكار والضرائب والظروف التنظيميّة.

وفي هذا الصدد، تتصدّر دول سنغافورة وسويسرا والإمارات العربية المتحدة هذه القائمة ما يشير إلى الظروف المواتية لنموّ قطاع الكريبتو التي وفّرتها تلك الدول. وعلى الرغم من احتلال الولايات المتحدة للمرتبة الخامسة في القائمة، إلا أنها تتبوّأ موقع الريادة العالمية فيما يتعلق بالتبني العام والبنية الأساسيّة معاً، تليها دولتا كندا وأستراليا، بينما احتلت المملكة المتحدة موقع الريادة في مجال الابتكار والتقنية.

جديرٌ بالذكر تصدّر دول سنغافورة وسويسرا والإمارات العربية المتحدة المراتب الأولى في قائمة Henley & Partners لأفضل برامج الهجرة الاستثماريّة، والتي توفر لمستثمري الأصول الرقمية إمكانية الحصول على تصاريح إقامةٍ بديلةٍ في هذه البلدان وإمكانيّة الحصول على جنسيتها.

مليارديرات الكريبتو يتكبدون خسائرَ فادحة وسط تراجع القطاع

وسط التراجعات الحاصلة مؤخراً في قطاع الكريبتو، والتي أدت إلى انخفاض القيمة السوقية للقطاع ككلّ بما يقارب 2 تريليون دولار، فقد لحق الضّرر بمليارديرات القطاع بشدّة؛ وبينما تراجع صافي ثروة الرئيس التنفيذيّ لمنصة بينانس (Binance) تشانبينغ زهاو (Changpeng Zhao) بمقدار 1.4 مليار دولار ليبلغ 26 ملياراً، تقلص صافي الثروة الخاصّة بالرئيس التنفيذيّ لمنصة كوينبيس (Coinbase (NASDAQ:COIN))بريان أرمسترونغ (Brian Armstrong)بمقدار 361 مليون دولار ليبلغ 2.2 ملياراً تبعاً للتقارير.

وجاء نزيف الثروات الخاصة بأكثر مؤسسي قطاع الكريبتو ثراءً على خلفية الحملة التنظيميّة التي شنتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على منصتي بينانس (Binance) وكوينبيس (Coinbase)؛ مع العلم أن صافي الثروة المجمّعة الخاصة بمديريها التنفيذيين شهدت تنامياً خلال عام 2023 بمقدار 15.4 مليارَ دولار إثرَ تعافي أسعار عملة بيتكوين وغيرها من الأصول الرقمية.

وكان صافي الثروة الخاص بتشانبينغ زهاو وبريان أرمسترونغ قد تنامى بنسبةٍ كبيرة بلغت 117% و61% على الترتيب قبل اتخاذ الإجراءات التنظيمية القانونية ضدّ منصتيهما، ففي شهر حزيران/يونيو الماضي رفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات SEC)) دعوى قضائيةً ضد كلٍّ من منصة بينانس (Binance) -أكبر منصات تداول العملات الرقمية عالمياً من حيث إجمالي حجم التداولات اليومية- وكوينبيس (Coinbase) -كبرى منصات تداول العملات الرقمية في الولايات المتحدة- مدعيةً عملهما كمنصّاتٍ غير مرخّصةٍ وتوفيرهما لإمكانية تداول أوراقٍ ماليةٍ غير مسجّلةٍ من بين ادعاءاتٍ أخرى.

The post قائمة أثرياء قطاع الكريبتو تضم 22 مليارديراً و88,000 مليونيرٍ وفقاً لتقرير جديد appeared first on Ar.

الهند قادمة

على المستوى الديموغرافي، وخلال هذا العام، تجاوزت الهند الصين لأول مرّة في عدد السكان: مليار وأربعمائة مليون نسمة تقريباً. وعلى المستوى الاقتصادي، وخلال هذا العام كذلك، أزاحت الهند بريطانيا عن المرتبة الخامسة في قائمة أكبر اقتصادات في العالم، وتربعت -بجدارة واستحقاق- مكانها. ويتنبأ خبراء الاقتصاد أن تتجاوز ألمانيا واليابان بنهاية هذا العقد. ورغم النسبة الكبيرة من الفقراء، يوجد بها أكبر ثالث عدد من المليارديرات في العالم. وقبل هذا وذاك، وحتى لا ننسى، الهند عضو في نادي الدول النووية منذ سنوات طويلة. وخلال الأسبوع المنصرم، حظيت بشرف الانضمام إلى نادٍ فضائي صغير جداً، اقتصر حتى الأسبوع المنقضي على أميركا والصين، وذلك بعد نجاح المركبة الفضائية الهندية «تشندرايان- 3» في الهبوط بنجاح على سطح القمر، وتحديداً في قطبه الجنوبي، أي في جزء لم تطأه مركبة فضائية من أي دولة أخرى من قبل. وبذلك تكون الهند رابع دولة تتمكن من إنزال مركبة فضائية على سطح القمر بنجاح، بعد أميركا والاتحاد السوفياتي سابقاً والصين.

النجاح الفضائي الهندي تكلل بعد أيام قليلة من إخفاق المركبة الفضائية الروسية «لونا- 25» في الهبوط على تلك البقعة من القمر، نتيجة تحطمها. النجاح الهندي أيضاً جاء بعد فشل محاولة أولى سابقة في عام 2019، وهو العام نفسه الذي سجل نجاح هبوط أول مركبة فضائية صينية على سطح القمر، في الجانب المظلم منه، لأول مرّة. ومؤذناً ببدء مرحلة متقدمة في السباق الدولي للسيطرة على الفضاء.

رئيس الحكومة الهندية السيد ناريندرا مودي كان خارج الهند، لحضور جلسات قمة «بريكس» في جنوب أفريقيا. ومن هناك، رحّب بالإنجاز الذي حققه علماء بلاده، وعدَّه نجاحاً لكل الإنسانية. الهند عضو مؤسس لكتلة اقتصادية عالمية جديدة أطلق عليها اسم «بريكس- Brics». الاسم متكوّن من الحروف الإنجليزية الأولى من أسماء الدول الخمس المؤسسة. وهي على الترتيب: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا.

وصول المركبة الفضائية «تشندرايان- 3» إلى سطح القمر، مضافاً إليه ما حققته من خطوات اقتصادية هائلة، مؤشر على أن الهند تسير بخطوات واثقة لتكون دولة عظمى.

ما حققه العلماء الهنود يُعدّ -يقينا، وبكافة المقاييس- إنجازاً تاريخياً وعلمياً لكل الإنسانية، وأنجز بتكاليف تؤكد التقارير الإعلامية أنها منخفضة، تقدر بـ75 مليون دولار أميركي. وأهميته تستند إلى ما يقوله العلماء بإمكانية وجود ماء في ذلك الجزء من القمر، مما يعني إمكانية الحياة الإنسانية مستقبلاً، آخذين في الاعتبار أن منظمة أبحاث الفضاء الهندية تأسست عام 1969.

التقارير الإعلامية تقول إن المنظمة تميّزت عن غيرها بتنفيذ برنامج فضائي فعّال، وبتكاليف مالية منخفضة. وساعدت الهند على بناء قدرات تقنية في عالم الاتصالات والطقس. وأن القطاع الخاص في الهند -استناداً إلى التقارير نفسها- يلعب دوراً ملحوظاً من خلال الاستثمار في عالم الفضاء. وللسبب ذاته، تحظى الهند بأكبر عدد من الأقمار الصناعية لمختلف الأغراض، والتي يزدحم بها الفضاء الخارجي.

اللافت للاهتمام أو بالأحرى المثير للعجب، أنني قرأتُ مؤخراً تقارير إعلامية بريطانية تؤكد أن حكومة الهند ما زالت تتلقى مساعدات مالية من الحكومة البريطانية! التقارير ذاتها تقول إن الهند تسلمت ما قيمته 2.3 مليار جنيه إسترليني من بريطانيا، خلال السنوات الخمس الأخيرة، على شكل مساعدات من الميزانية المخصصة لإعانات برامج التنمية في الدول الفقيرة.

وهو أمر صعب التصديق. ذلك أن المساعدات -حسب علمي- وُجدتْ في الأصل لتقديم العون إلى دول فقيرة، من قبل دول غنية. ولم يخطر بالبال مطلقاً، أن تبادر حكومة ما بتقديم معونات مالية إلى دولة أغنى منها مثل الهند، وتمتلك خامس أكبر اقتصاد في العالم!

 

جمعة بوكليب

لماذا يخشى الغرب من «بريكس»؟

أعلنت مجموعة «بريكس»، في اجتماعها الأخير المنعقد في جوهانسبرغ، دعوتها لست دول للانضمام لعضوية المجموعة؛ وهي: السعودية، والإمارات، ومصر، وإيران، وإثيوبيا، والأرجنتين. وانضمام دول جديدة لمجموعة «بريكس» كان متوقعاً منذ فترة، بعد الاهتمام الرسمي الذي أبداه أكثر من 40 دولة. وانضمام الدول الست يعني زيادة ثقل مجموعة «بريكس»، باقتراب عدد سكانها إلى نحو نصف سكان العالم، وأن ناتجها القومي يقارب ثلث الناتج العالمي. هذا الخبر مؤشر ودلالة على تطور جديد في الشراكات بين بلدان لها ثقلها الدولي. وبين هذه الأخبار برزت تقارير غربية لا يغيب عن قارئها الخوف الغربي من توسع مجموعة «بريكس»، وهذا الخوف يتركز في عدد من النقاط.

النقطة الأولى، التي يخشاها الغرب، هي أن تقلل «بريكس» من نظام العقوبات الدولية التي يقودها العالم الغربي، والواقع أن هذه المجموعة أثبتت بالفعل – من خلال موقفها مع روسيا – قدرتها على إضعاف أثر العقوبات الدولية. فمنذ دخول روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، انخفضت التجارة بين روسيا ودول مجموعة «السبع» بنحو 36 في المائة؛ وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية والمالية. في المقابل، ارتفع التبادل التجاري بين روسيا ودول «بريكس» 121 في المائة، خلال الفترة نفسها. وشهد حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا ارتفاعاً مذهلاً، خلال هذه الفترة، حيث زاد بنسبة 97 في المائة، ليصل إلى 189 مليار دولار، منها نحو 30 في المائة، خلال العامين الماضيين. ويمكن القول إنه لولا وقوف دول «بريكس» مع روسيا، لَما كانت حالها الاقتصادية كما هي اليوم. هذه الوقفة مع روسيا جعلت عدداً من الدول ترى في هذه المجموعة بديلاً مناسباً للاعتماد الكلي على العالم الغربي.

النقطة الثانية التي يراقبها الغرب هي احتمالات تقويض هيمنة الدولار، ولا سيما بعد الشائعات التي أفادت بأن المجموعة تسعى إلى تطوير عملة احتياطية لاستخدامها من قِبل الأعضاء في التجارة عبر الحدود. ومحاولات إيجاد عملات شبيهة جارية بالفعل، ولكن خارج نطاق مجموعة «بريكس»، من قِبل البرازيل والأرجنتين اللتين تسعيان لإطلاق عملة (سور). وعلى الرغم من أن مجموعة «بريكس» لم تدرج العملة المشتركة ضمن جدول أعمال اجتماعها الأخير، فإن التقارير الغربية بدأت توضح العوائق أمام هذه العملة، مستدلّة بالصعوبات التي واجهت اليورو، ومنها تحقيق تقارب الاقتصاد الكلي بين الدول، والاتفاق على آلية سعر الصرف، وإنشاء نظام متعدد الأطراف للدفع والمناقصة. وقد لا تناقَش هذه العملة المشتركة على المدى القريب لهذه الصعوبات وغيرها من الحيثيات؛ مثل انضمام محتمل لدول أخرى غير المُعلَن عنها. ولكن المؤكد أن دول «بريكس» ستشجع استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية، وهو الأمر الذي حدث بالفعل في بعض دول «بريكس»، وكذلك بينها وبين دول صديقة لها.

النقطة الثالثة هي خشية أن تكون مجموعة «بريكس» نظيراً غير رسمي لمجموعة «السبع». وفي الوقت الحالي تنسِّق دول مجموعة «السبع» فيما بينها قبل الاجتماعات الدولية، مثل اجتماعات مجموعة «العشرين»، وهي بذلك تضع نفسها في موضع قوة باتخاذها موقفاً مشتركاً. وفي حال لعبت مجموعة «بريكس» دوراً مشابهاً، فقد يكون لها دور فعّال في إيصال صوت الدول الناشئة لمجموعة «العشرين» من خلال الدول الأعضاء في المجموعتين، وهو ما يضيف ثقلاً للدول الناشئة في مجموعة «العشرين».

النقطة الرابعة هي أن يتطور بنك التنمية، التابع لمجموعة «بريكس»، وأن يصبح في المستقبل نظيراً لـ«البنك الدولي»، الذي تقوده الدول الغربية، والتي تتمكن، من خلاله، من فرض رؤيتها على السياسات الاقتصادية لبعض الدول. وحتى الآن لا يبدو بنك التنمية، الذي أُسس عام 2015 ندّاً لـ«البنك الدولي»، ولكن الحال قد تختلف في المستقبل بوجود دول لديها القدرة على ضخ السيولة لدعم المشاريع التنموية التي تخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، دون فرض أجندات سياسية أو اجتماعية.

إن خلاصة ما يخشاه الغرب هو أن تتمكن مجموعة «بريكس» من منافسة نفوذه الدولي، من خلال بناء كتلة تعددية بديلة، سواء أكانت هذه المنافسة على المستوى السياسي؛ مثل العقوبات الدولية أو الوساطة بين الدول، أم على المستوى الاقتصادي بتقويض هيمنة الدولار أو التأثير على الطلب، أم على مستوى التأثير على سياسات الدول من خلال المنظمات، مثل «صندوق النقد الدولي»، و«البنك الدولي» اللذين يسيطر عليهما الغرب. والخوف من زوال تفوق الغرب هاجس قديم يتجدد مع ظهور أي قوى جديدة، ولذلك، فإن المتأمل في التقارير الصادرة عن مراكز الدراسات الغربية، يجد أنها تركز على جانبين، الأول هو المنافسة بين مجموعة «بريكس» والغرب، والثاني هو احتمالات وطرق فشل المجموعة. والقليل من هذه التقارير يركز على الجانب الاقتصادي الإيجابي لهذه الشراكة، والتي قد تمكّن من ازدهار دول يشكل سكانها نصف سكان العالم.

 

د. عبد الله الردادي

الفساد في أنظمة الصناعة النفطية

نشر الخبير النفطي النرويجي – العراقي الأصل، فاروق القاسم، مع زميليه تيما سوريدي واليد وليامز دراسة صدرت عن «مركز معاداة الفساد» في النرويج، حول بعض أوجه الفساد في أنظمة واتفاقات الصناعة النفطية.

عمل فاروق القاسم بعد دراسته الجيولوجيا في بريطانيا في شركة نفط الجنوب في البصرة، ثم هاجر إلى النرويج لأسباب عائلية، حيث تقلد مهام عدة في المؤسسات النفطية النرويجية. وقد كرّمته النرويج لخدماته، وعيّنته بعد تقاعده في الوفود النرويجية لمساعدة دول العالم الثالث الحديثة العهد في الصناعة البترولية، منها لبنان، حيث ساهم القاسم في صياغة قانون النفط اللبناني، بالإضافة إلى تدريب مجموعات من المتخصصين والمتخصصات اللبنانيين في النرويج حول مختلف معالم الصناعة البترولية.

تأسست الصناعة النفطية في أواخر القرن التاسع عشر، وتوسعت ابتداءً من أوائل القرن العشرين بسبب اختراع الكهرباء وسيارة محرك الاحتراق الداخلي، مثل سيارة «ت – فورد»، ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث قرر وزير البحرية البريطانية عندئذ ونستون تشرشل استعمال الوقود البترولي بدلاً من الفحم الحجري في الأسطول البريطاني.

مرّت الصناعة بمرحلتين مهمتين. الأولى خلال النصف الأول للقرن العشرين، حيث نفوذ الدول الكبرى الاستعمارية في الدفاع عن مصالح شركاتها من خلال نظام الامتيازات الذي ألحق الغبن بالدول المنتجة، ومن ثم منذ عقد السبعينات للقرن العشرين، حيث استطاعت منظمة «أوبك» تغيير الأطر الأساسية للصناعة النفطية الدولية، والتخلي تدريجياً عن نظام الامتيازات، وبدأ نظام المشاركة للدول المنتجة مع الشركات الدولية، كما بدأت شركات النفط الوطنية تلعب أدواراً مهمة من الاستكشاف إلى التسويق.

انصبّ الاهتمام لاحقاً منذ النصف الثاني للقرن العشرين بمدى الرفاه الاجتماعي (الضمان الصحي، والتقاعدي، والشيخوخة، والاهتمام بتعليم وصحة المواطنين، وتشييد البنى التحتية) الذي حققه الريع النفطي لمواطني بعض الدول النفطية، على عكس دول نفطية أخرى أخفقت في هذا النهج. وانصبّ الاهتمام لاحقاً بمدى نجاح الدولة الريعية في تأسيس اقتصادات مرادفة للنفط لتفادي تقلبات الأسعار والإنتاج على الاقتصاد الوطني، وأضيف مؤخراً، مدى نجاح الدولة النفطية في إنشاء طاقات بديلة تحسباً لعصر تصفير الانبعاثات.

اهتمت وركزت المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام بهذه التطورات والفروقات في الأداء بين الدول النفطية. من جانبها، عدّت الدراسة التي أعدّها فاروق القاسم النرويج من الدول الناجحة في استغلال ثروتها النفطية، في حين عدّت الدراسة كلاً من نيجيريا وأنغولا من الدول التي أخفقت في الاستغلال الجيد للثروة النفطية. وعدّ الفساد السبب الرئيس وراء الإخفاق، وشيوع ما أخذ يعرف بـ«لعنة النفط».

يعدّ النفط في معظم دول العالم «ثروة للشعب». لكن نظراً لنظام الامتيازات السابق؛ ونظراً لطبيعة الأنظمة السياسية الرأسمالية لمعظم الدول الصناعية الغربية، سُمح للقطاع الخاص بتطوير الصناعة البترولية؛ ونظراً لتخلف بعض الدول النفطية في العالم الثالث عن النجاح بتحقيق مجتمع «الرفاه الاجتماعي»، ونتيجة لتراكم ملايين الدولارات لدى بعض المتنفذين في هذه الدول بسرعة، اهتمت المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام العالمية بتغطية الفساد.

يعدّ البحث أن أحد أسباب ضعف تنفيذ الأنظمة المرعية هو عدم توافر العدد الوافي من المتخصصين في المؤسسات التشريعية، أو منحهم الصلاحيات والنفوذ اللازمين لضمان الشفافية والمحاسبة.

كما تعدّ الدراسة أن للرشى مضار تراكمية للصناعة النفطية أكثر مما تشكله من «فائدة» للفاسدين والمفسدين. إذ تكمن خطورة الرشى في مدى التخريب الذي تلحقه بالصناعة النفطية نفسها. فالانحراف الفردي الفاسد عند تراكمه وتكراره، يعدّ جزءاً من مسلسل لتوجيه ضربات قد تكون قاضية للصناعة النفطية، عاجلاً أم آجلاً، ناهيك عن الخسائر التي تلحقها بـ«الرفاه الاجتماعية». كما تؤدي الرشى إلى الانحراف عن القوانين المرعية وأهدافها المرسومة.

إن الرشى ما بين طرفين تقلص من إمكانية تحقيق الرفاه الاجتماعية للمواطنين. فالرشى ليست مُضرّة فقط للصناعة النفطية، بل لشعب الدولة المنتجة. فما الهدف من الإنتاج والتصدير، حيث استنزاف ثروة البلاد الطبيعية الناضبة، إلا لتحقيق الرفاه الاجتماعية للسكان، ولتأسيس قطاعات اقتصادية منتجة مستقبلية للبلاد، والمساهمة في تزويد إمدادات طاقوية للأسواق العالمية.

لا تتوفر إحصاءات دقيقة ووافية عن مجمل قيمة الرشى عالمياً؛ وذلك نظراً للطبيعة السرية للرشى، ولضخامة الصناعة النفطية وكثرة وصعوبة الوصول إلى المعلومات في الصناعة وتعقيدات اتفاقاتها وقوانينها، هذا بالإضافة إلى نفوذ بعض المسؤولين الكبار المحليين والدور الجيو – سياسي لدول بعض الشركات.

ورغم انكشاف بعض الفضائح عبر المحاكم والمؤسسات الحكومية المعنية ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية، تبقى معظم الرشى سرية أو غامضة. وقد ذكرت دراسة الدكتور القاسم الكثير من الأمثلة حول آثار مساوئ الفساد على الصناعة النفطية، منها على سبيل المثال:

– تقرير دقيق ومفصل لمجلس الشيوخ الأميركي عام 2004 عن شركات نفط أميركية حققت ملايين الدولارات عن طريق «دفعات غريبة» لمسؤولين كازاخستانيين، الذين حوّلوا هذه الدفعات لاحقاً لحساباتهم الخاصة في مصارف مختلفة. وقد حصلت الشركات المعنية على عقود في الصناعة النفطية الكازاخستانية إثر هذه الدفعات.

– أفاد تقرير صدر أيضاً عن مجلس الشيوخ الأميركي عام 2004 عن معلومات دقيقة حول حصول شركات أميركية على ملايين الدولارات بطريقة «مشبوهة» إثر دفعات مالية قدمتها لأقرباء وأصدقاء رئيس غينيا الاستوائية تيودوو أوبانغ. واستنتج التقرير أنه قد ساهمت هذه الدفعات في استشراء الفساد في تلك الدولة.

 

وليد خدوري

لن نستثمر لديكم!

تعلن بعض الدول العربية خططاً للاستثمار في مجالات مختلفة، بغية جذب المستثمر الأجنبي لمشاريعها الاستثمارية، وما إن تقرأ هذه الخطط على الورق حتى تؤمن بأن استثماراتك لديهم ناجحة وفق التسهيلات الممنوحة على الورق.

ولكن، ما إن يبدأ المستثمر خطوات عملية للاستثمار في هذا البلد حتى يواجه كثيراً من العقبات، ويفاجأ بأن الواقع مختلف عن الورق، وقد يقرر الانسحاب قبل أن يبدأ.

لن أذهب بعيداً وأتحدث عن التحديات التي تواجه هؤلاء المستثمرين في مجالات مثل الصناعة والزراعة وغيرهما، ولكن سأتحدث عن مجال واحد ربما الكثيرون جربوه، وهو الاستثمار السياحي، فأنت تجد بعض الدول العربية قد اتجهت للاستثمار السياحي، وتجد إعلاناتها قد ملأت شاشات التلفزيون وصفحات الصحف، بل وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، فتظن عزيزي القارئ أن هذه جنة الله على الأرض، فتقرر التوجه لهذا البلد، ولكنك تتفاجأ بالمعوقات منذ أن تطأ رجلك أرض مطارهم، ومن المسؤولين الرسميين في المطار من تدقيق غير مبرر بجواز سفرك بغية الحصول على الرشوة، إلى غير ذلك من الأمور مثل إيقافك جانباً والبدء بأسئلة ليس لها مبرر، وكل ذلك لتدفع سواء بعملة البلد أو بالدولار.

ويا ليت الأمر يتوقف عند ذلك الحدّ، بل يتعداه لما هو أشنع، فعند المغادرة تتمنى لو أنك لم تذهب لهذا البلد، فمن تدقيق بجواز سفرك إلى تأخير قد يفوّت عليك طائرتك. وأذكر في هذا السياق أنني ذهبت لبلد عربي، وعند مغادرتي كانت تذكرتي على الدرجة الأولى، فإذا موظف الخطوط وهو من أبناء البلد يبدأ بتأخيري دون مبرر، ورغم معرفته أن ركاب الدرجتين الأولى والأعمال لهم الأولية، فإنه لم يراع ذلك، – المهم- كانت وجهتي إلى الرياض وبحجز مؤكد. بعد طول تأخير أتاني الموظف وذكر ليّ أن لا مكان ليّ على الدرجة الأولى، ولكن يوجد مقعد على «السياحية»، بالتأكيد أنتم تعرفون الجواب، رفضت المقعد وليتني لم أفعل، فقد ذهبت الطائرة من دوني، وما هوّن الأمر عليّ أن عدداً كبيراً من المسافرين كانت وجهتهم وجهتي وعاشوا الظرف ذاته. بعد اتصالات بالشركة الناقلة وانتظار تجاوز 8 ساعات نُقلنا من مطار البلد إلى جدة، ومن ثم إلى الرياض طبعاً بعد تغيير الطائرة في جدة وما يصحب ذلك من وقت. اختصرت عليكم القصة ولكني أعطيتكم زبدتها.

السؤال المطروح، هل تعتقدون بأن مثل هذا البلد سينجح سياحياً؟ الإجابة متروكة لكم، وإذا تجاوزنا السياحة، وهي العنوان الأول للبلد بحكم أن المستثمرين سيمرون من خلال المطار ذاته، فهل سينجح مثل هذا البلد في جذب استثمارات صناعية أو زراعية أو خدمية أو غيرها إليه؟! ودمتم.

علي المزيد

إدارة ضغوط التضخم العالمية قد تصبح أكثر صعوبة

من أروقة المؤتمر السنوي لمحافظي البنوك المركزية الذي عقده بنك الاحتياطي الفيدرالي في جاكسون هول بولاية وايومنغ يومي الجمعة والسبت، ظهر جليا أن هناك معضلات كبرى منتشرة في جميع أنحاء العالم يمكن أن تؤدي إلى تكثيف ضغوط التضخم العالمية في السنوات المقبلة.

مما يجعل من الصعب على الاحتياطي الفدرالي والبنوك المركزية الأخرى تحقيق أهداف التضخم الخاصة بها.

وفي العديد من الخطب والدراسات الاقتصادية رفيعة المستوى التي تم تقديمها، ظهر القلق واضحا من عدة موضوعات، على رأسها ارتفاع الحواجز التجارية، وشيخوخة السكان، والتحول الطاقي من الوقود الأحفوري الذي ينشر الكربون إلى الطاقة المتجددة.

قيود التجارة

لعقود من الزمن، كان الاقتصاد العالمي يتحرك نحو قدر أكبر من التكامل، مع تدفق السلع بحرية أكبر بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين.

 وسمح الإنتاج المنخفض الأجر في الخارج للأميركيين بالاستمتاع بالسلع الرخيصة وأبقى التضخم منخفضًا، وإن كان ذلك على حساب العديد من وظائف التصنيع في الولايات المتحدة.

لكن منذ ظهور الوباء، ظهرت علامات لتراجع هذا الاتجاه. وقامت الشركات المتعددة الجنسيات بنقل سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين.

وهم يسعون بدلا من ذلك إلى إنتاج المزيد من العناصر ــ وخاصة أشباه الموصلات، التي تشكل أهمية بالغة لإنتاج السيارات والسلع الإلكترونية ــ في الولايات المتحدة، بتشجيع من الإعانات الضخمة من قِبَل إدارة بايدن.

ومن ناحية أخرى فإن الاستثمارات واسعة النطاق في الطاقة المتجددة قد تكون مدمرة، على الأقل مؤقتاً، من خلال زيادة الاقتراض الحكومي والطلب على المواد الخام، وبالتالي ارتفاع التضخم.

شيخوخة السكان

أيضا، فإن قسماً كبيراً من سكان العالم يتقدمون في السن، ومن غير المرجح أن يستمر كبار السن في العمل. ومن الممكن أن تكون هذه الاتجاهات بمثابة صدمات للعرض، على غرار النقص في السلع والعمالة الذي أدى إلى تسارع التضخم خلال التعافي من الركود الجائحة.

قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في خطاب ألقته يوم الجمعة: “إن البيئة الجديدة تمهد الطريق لصدمات أسعار نسبية أكبر مما شهدناه قبل الوباء. إذا واجهنا احتياجات استثمارية أعلى وقيودًا أكبر على العرض، فمن المرجح أن نشهد ضغوطًا أقوى على الأسعار في أسواق مثل السلع الأساسية – خاصة بالنسبة للمعادن التي تعتبر ضرورية للتكنولوجيات الخضراء”.

وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد عمل البنك المركزي الأوروبي، وبنك الاحتياطي الفدرالي، والبنوك المركزية الأخرى التي تتمثل صلاحياتها في إبقاء زيادات الأسعار تحت السيطرة. ولا تزال جميع البنوك المركزية تقريبًا تكافح من أجل كبح التضخم المرتفع الذي اشتد بدءًا من أوائل عام 2021 ولم يهدأ إلا جزئيًا.

وقال بيير أوليفييه غورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: “نعيش في هذا العالم حيث يمكننا أن نتوقع حدوث المزيد من صدمات العرض. كل هذه الأشياء تجعل الإنتاج أكثر صعوبة وأكثر تكلفة. وبالتأكيد فإن هذا الوضع هو ما تكرهه البنوك المركزية أكثر من غيره”.

تغير الأنماط

وأثارت الأنماط المتغيرة في حركة التجارة العالمية أكبر قدر من الاهتمام خلال مناقشات يوم السبت في مؤتمر جاكسون هول.

ووجدت دراسة قدمتها لورا ألفارو، الخبيرة الاقتصادية في كلية هارفارد للأعمال، أنه بعد عقود من النمو، انخفضت حصة الصين من الواردات الأميركية بنسبة 5% من عام 2017 إلى عام 2022.

وأرجع بحثها هذا الانخفاض إلى التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، وجهود الشركات الأمريكية الكبرى للعثور على مصادر أخرى للسلع وقطع الغيار بعد أن أدى إغلاق الصين بسبب الوباء إلى تعطيل إنتاجها.

وجاءت هذه الواردات إلى حد كبير من دول أخرى مثل فيتنام والمكسيك وتايوان، التي تتمتع بعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة مقارنة بالصين -وهو الاتجاه المعروف باسم “دعم الأصدقاء”.

وعلى الرغم من كل التغييرات، وصلت واردات الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2022، مما يشير إلى أن التجارة الإجمالية ظلت مرتفعة.

وقالت ألفارو: “نحن لم نتخلص من العولمة بعد. إننا نشهد “إعادة تشكيل كبيرة للخارطة” تلوح في الأفق مع تحول أنماط التجارة.

توطين الصناعة

وأشارت إلى أن هناك أيضًا علامات أولية على “التوطين” من خلال عودة بعض الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة. موضحة أن الولايات المتحدة تستورد قطع الغيار والسلع غير المكتملة أكثر مما كانت عليه قبل الوباء، وهو دليل على أن المزيد من عمليات التجميع النهائي تحدث محليًا.

وقالت إن تراجع وظائف التصنيع في الولايات المتحدة يبدو أنه قد وصل إلى أدنى مستوياته.

ومع ذلك، حذرت ألفارو من أن هذه التغييرات لها جوانب سلبية أيضا: ففي السنوات الخمس الماضية، ارتفعت تكلفة البضائع القادمة من فيتنام بنحو 10% ومن المكسيك بنحو 3%، مما زاد من الضغوط التضخمية.

وبالإضافة إلى ذلك، قالت إن الصين عززت استثماراتها في المصانع في فيتنام والمكسيك.

علاوة على ذلك، فإن الدول الأخرى التي تشحن البضائع إلى الولايات المتحدة تستورد أيضًا قطع الغيار من الصين. وتشير هذه التطورات إلى أن الولايات المتحدة لم تخفض بالضرورة علاقاتها الاقتصادية مع الصين.

وفي الوقت نفسه، قد تعمل بعض الاتجاهات العالمية في الاتجاه الآخر وتهدئ التضخم في السنوات المقبلة. ومن بين هذه العوامل ضعف النمو في الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.

وفي ظل الصعوبات التي يواجهها اقتصادها، سوف تشتري الصين كميات أقل من النفط والمعادن والسلع الأساسية الأخرى، وهو الاتجاه الذي من شأنه أن يفرض ضغوطاً هبوطية على التكاليف العالمية لتلك السلع.

إعانات الدعم

وقال كازو أويدا، محافظ بنك اليابان، خلال مناقشة يوم السبت، إنه على الرغم من أن النمو المتعثر في الصين “مخيب للآمال”، إلا أنه ينبع بشكل رئيسي من ارتفاع حالات التخلف عن السداد في قطاع العقارات المتضخم، وليس التغيرات في أنماط التجارة”.

وانتقد أويدا أيضًا الاستخدام المتزايد للإعانات لدعم التصنيع المحلي، كما فعلت الولايات المتحدة في العامين الماضيين. وقال إن “الاستخدام الواسع النطاق لسياسة التوطين الصناعية على مستوى العالم يمكن أن يؤدي إلى مصانع غير فعالة”، لأنها لن تكون بالضرورة موجودة في المواقع الأكثر فعالية من حيث التكلفة.

ودافعت نغوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، عن العولمة. وأدانت أيضًا ارتفاع إعانات الدعم والحواجز التجارية. وأكدت أن التجارة العالمية غالبا ما تكبح التضخم وساعدت بشكل كبير في الحد من الفقر.

وقالت: “التجارة المفتوحة هي مصدر لتقلص الضغوط الانكماشية وتقليل تقلبات السوق وزيادة النشاط الاقتصادي… لكن التفتت الاقتصادي سيكون مؤلما”.

تدهور الاقتصاد الصيني

انهمرت التقارير والتوقعات المتشائمة حيال الاقتصاد الصيني، بعد سلسلة من الأحداث الأسبوع الماضي، منها مخالفة نتائج شهر يوليو (تموز) لمبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي التوقعات، وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، وإعلان شركة «إيفرغراند» العقارية العملاقة إفلاسها في الولايات المتحدة. لم تكن هذه الأحداث وحدها الدافع الوحيد للتشاؤم حيال الاقتصاد الصيني، بل هناك عدد من الحيثيات والتحديات الأخرى، مثل فشل النمو في تلبية التوقعات بسبب انخفاض الطلب، ووقوع الشركات والمؤسسات الحكومية الصينية تحت طائلة الديون، وانخفاض اليد العاملة، والقيود الغربية المفروضة على نقل التقنية. كل ذلك طرح فكرة قد لا تكون جديدة، ولكنها لم تُؤخذ على محمل الجد قبل ذلك، وهي أن فترة ازدهار الصين التي امتدت أربعين عاما قد انتهت، وأن الصين لن تصبح بعد اليوم محرك نمو الاقتصاد العالمي، وما تعثراتها في ربيع هذا العام إلا نذير بمشكلة أكثر خطورة على المدى البعيد. فما أسباب وصول الصين إلى ما هي عليه اليوم؟ وما مدى مصداقية هذه التقارير؟

ارتكزت الصين خلال فترة نموها على يدها العاملة، واستطاعت الحكومة الصينية التعامل مع ما رآه الجميع مشكلة، وهو عدد السكان، محولة إياه إلى نقطة قوة، ورافعة بذلك إنتاجيتها إلى مستويات مكّنت اقتصادها من نمو تاريخي. وانتشلت خلال هذه الرحلة مئات الملايين من الصينيين من تحت خط الفقر. ولكن الصين اليوم ولأول مرة منذ عام 1961 تشهد انخفاضاً في عدد السكان، هذا الانخفاض لم يكن متوقعاً حتى عام 2029 على الأقل. وتوقعت الأمم المتحدة أن يستمر انخفاض سكان الصينيين ليصل إلى 800 مليون بنهاية هذا القرن، مقارنة بـ 1.4 مليار حالياً.

ولسنوات طويلة اعتمدت الصين نظام الطفل الواحد، حتى وصلت نسبة الخصوبة لـ 1.2 طفل لكل امرأة. وفي عام 2021 غيرت الحكومة هذه السياسة من طفل واحد إلى 3 أطفال، إلا أن الأسلوب المعيشي اختلف الآن في الصين مقارنة بالسنوات الماضية، فالأسعار ارتفعت كثيراً في الصين التي تعد اليوم إحدى أغلى الدول في العالم لتكوين أسرة وتربية الأطفال، وأصبحت الكثير من الأسر تفضل مولوداً واحداً، بل عزف الكثير من الجيل الحالي عن الإنجاب. وانخفضت نسبة الإنجاب لتصبح نصف ما كانت عليه قبل 7 سنوات. هذا التوجه سيجعل الصين تعاني من تحديات مستقبلية، منها ما هو ظاهر اليوم وهو انخفاض عدد اليد العاملة التي كانت تراهن عليها الصين، ومنها أيضاً ارتفاع معدل أعمار الشعب، وهو ما سيضع ضغطاً في المستقبل على الحكومة لتوفير الرعاية الاجتماعية.

وقد يقول قائل إن هناك تعارضاً بين انخفاض عدد السكان، وارتفاع معدلات البطالة، حيث يفترض أن تزيد فرص العمل للشباب عند انخفاض عدد السكان. والواقع أن نوعية الوظائف المتوافرة أصبحت لا تتناسب مع الباحثين عن عمل، فعدد الخريجين من الجامعات في الصين لهذا العام وحده نحو 11 مليون خريج، وهو بلا شك أمر يحسب للصين التي بلغت نسبة الأمية فيها عام 2000 واحداً لكل 10 بالغين. في المقابل فإن الوظائف المتوافرة لا تتناسب مع طموحات هؤلاء الخريجين، وهو ما جعل القادة الصينيين ينتقدون الشباب بوصفهم غير جيدين في العمل اليدوي ولا راغبين في الانتقال إلى الأرياف.

وقد وصلت معدلات البطالة للصينيين بين الأعمار 16 إلى 24 نحو 21.3% وهي الأعلى تاريخياً، وقد أوقفت الحكومة بعده هذه الإحصائية إعلان البيانات تماماً، وهو إجراء يتناسب مع طبيعة الحكومة الصينية، ولكنه بكل تأكيد لا يساعدها في جذب الاستثمارات الأجنبية التي قد تكون أحد الحلول المهمة لدعم اقتصاد الصين في المستقبل، والتي بكل تأكيد لا تشجعها سياسة التعتيم على البيانات.

وفي المقابل، فإن الصين تستنكر هذه التقارير، وترى أن وسائل الإعلام الغربية تضخم المشكلات الحاصلة في الصين حالياً لأسباب سياسية. وقد كان رد وزير الخارجية الصيني قاسياً حين قال: «إن الواقع سوف يصفعهم على وجوههم». وقد يكون للصين مبررها في هذا الرد، والمبرر ليس من المسؤولين الصينيين وحدهم، فصندوق النقد الدولي توقع أن يشكل نمو الصين هذا العام ما نسبته 35% من النمو العالمي، هذا التوقع كان بداية العام، ولم يحدث في الصين بعد ما يجعل هذا التوقع المتفائل ينقلب إلى التشاؤم الحالي.

لا شك أن للغرب أجندته في محاولة الضغط على الصين بهذه التقارير التي توصّل بعضها إلى أن دور الصين الاقتصادي في المستقبل قد جرى تضخيمه كما ضُخم دور اليابان في التسعينات، وروسيا قبلها في الستينات الميلادية، حيث دخل كلاهما في دوامات دهورت اقتصادهما. ولا يمكن الحكم على مستقبل الاقتصاد الصيني من النتائج الربعية، أو من أداء قطاع العقار حتى إن كانت نسبته ضخمة من الناتج القومي الصيني. ولكن المتأمل في الواقع الصيني يدرك أنها تعاني من مشكلة ديموغرافية، فالتوجه السكّاني لا يتناسب مع النموذج الاقتصادي الحالي، وهو ما يستدعي إصلاحات هيكلية جديدة في الدولة قد تعطل الصين على المدى القصير، ولكنها جوهرية لاستمرار الازدهار الاقتصادي.

د. عبد الله الردادي

طرق مقترحة لتحقّق أهدافك التجارية كرائد أعمال

أن تصبح  رائد أعمال ناجحاً ليس بالأمر السهل. غالباً ما يكون الطريق إلى نجاح ريادة الأعمال مليئاً بالنكسات والفشل ولحظات الشك الذاتي. فهو يتطلّب تفانياً لا هوادة فيه، ومثابرة لا تتزعزع، وتعطشاً للتعلّم المستمر. ولا يتعلق الأمر فقط باكتساب المعرفة والمهارات، بل بالتحوّل في منظور الأشياء، وتنمية عقلية ريادة الأعمال.

في هذا الإطار، تقدّم منصة All business نصائح تساعد رائد الأعمال في النجاح في تنمية ال#مشروع التجاري.

– إن كنت لا تعرف، اكتشف
عندما تبدأ مشروعاً تجارياً، ستواجه العديد من عدم المعرفة. لكن المهم هو امتلاك الثقة لمواجهة التحدّيات مباشرة وإيجاد الحلول والتعلّم المستمر.

– لا تخف من المجازفة المحسوبة

يقولون إنّ النجاح المالي حليف من يتخذون إجراءات جريئة. ستجد نفسك غالباً خارج منطقة الراحة الخاصة بك، لكن هذا هو المكان الذي يحدث فيه السحر الحقيقي. فالأمر كلّه يتعلّق بأخذ المخاطر المحسوبة، والنظر بعناية في النتائج المحتمَلة، واغتنام الفرص التي يمكن أن تدفع عملك إلى الأمام.

– عامل الآخرين بالطريقة التي تريد أن تعامَل بها

بناء العلاقات أمر ضروري لأي رائد أعمال. لذا، تذكّر القاعدة الذهبية: عامل الآخرين باحترام وتعاطف وإنصاف. فمن خلال خلق بيئة عمل إيجابية وتعزيز الثقة، ستنشئ علاقات قوية يمكن أن تؤدي إلى شراكات وتعاونات قيّمة. بالإضافة إلى ذلك، كونك طيّباً ومراعياً في تعاملاتك، سيجلب أيضاً طاقة إيجابية وحسن نيّة لمسار عملك.

– لا تحرق جسور العلاقات

في عالم الأعمال، من الضروري التفكير على المدى الطويل. عندما تنشأ الخلافات، اسلك الطريق السريع لأنّك لا تعرف أبداً متى قد تعبر طريق شخص ما مرة أخرى. ويساعدك التعامل مع المواقف السلبية باحتراف واحترام، على الحفاظ على سمعتك وإبقاء الباب مفتوحاً للفرص المستقبلية.

– اسأل دائماً عمّا نجح وما أخفق

عملك يتطور ويتغيّر باستمرار، والقدرة على الاستجابة والتكيّف بسرعة مع التغييرات أمر أساسي. لذا، قيّم استراتيجياتك ومنتجاتك وعملياتك بانتظام. خذ الوقت الكافي للتفكير واسأل نفسك، “ما الذي يعمل جيّداً؟ ما الذي يحتاج إلى تحسين؟”. يتيح لك البحث عن التعليقات إجراء التعديلات اللازمة، والبقاء في صدارة المنافسة، والحفاظ على ازدهار عملك.

– إنشاء لوحة رؤية
لوحة الرؤية هي تمثيل مرئيّ لأهدافك وتطلعاتك، ويجب أن تكون تذكيراً دائماً بالأهداف التي تعمل على تحقيقها. وخلال الأوقات الصعبة، يجب أن تلهمك وتحفزك، عن طريق تصميمك على تنفيذها.

– تعرّف إلى “السبب” الذي يدفعك إلى النجاح

القوة الدافعة وراء رحلتك الريادية أمر بالغ الأهمية. ما السبب المتجذّر وراء سعيك؟ ستزوّدك معرفة هذه الإجابة بالتوجيه والمرونة عندما تواجه عقبات. وهذا هو الدافع الأساسي الذي سيبقيك مستمراً، حتى عندما تصبح الأمور صعبة. لذا، تواصل مع هدفك، ودع “لماذا” تغذي شغفك والتزامك الراسخ بتحقيق أهدافك.

– الفشل ليس جريمة

الفشل ليس النهاية، بل فرصة للنموّ. كرائد أعمال، لا بدّ أن تتعثّر. احتضن تلك الإخفاقات، لأنّها تحمل دروساً قيّمة. وتعلّم من أخطائك، واستخرج شذرات الحكمة، واستخدمها لاتخاذ قرارات أفضل في المستقبل، إذ يجب أن يكون الفشل نقطة انطلاق نحو النجاح.

– صحتك هي أثمن ما تملك
اعتنِ بنفسك جسدياً وعقلياً، وأعط الأولوية للرعاية الذاتية لأنك عندما تكون بصحة جيدة، تكون لديك الطاقة والتركيز والمرونة اللازمة للتغلب على التحديات واتخاذ القرارات السليمة.

– احتفل بجميع الإنجازات، كبيرة كانت أو صغيرة
سواء كان ذلك حدثاً رئيسياً أو إنجازاً صغيراً، خذ الوقت الكافي للاعتراف بإنجازاتك والاحتفال بها. يمكن أن تكون ريادة الأعمال رحلة صعبة، لذا فإن الاحتفال بالفوز، بغض النظر عن حجمه، يمكن أن يعزّز معنوياتك وتحفيزك، إذ يعزّز الاحتفال أيضاً الاعتقاد بأنك على المسار الصحيح ويشجّعك على المضيّ قدماً.

– كن ممتنّاً لمكان وجودك
خذ لحظة لتقدير مكانك في رحلتك الريادية. وقدّر التقدّم الذي أحرزته، والدروس التي تعلمتها، والفرص التي أتيحت لك. فتنمية الشعور بالامتنان تبني المرونة والتفاؤل، ممّا يتيح لك مواجهة التحديات المستقبلية بنظرة إيجابية، إذ يمكن أن يحوّل الامتنان حتى أصعب الأيام إلى نقاط إنطلاق ثمينة في طريقك إلى النجاح.

«بريكست» وسياسة اليانصيب

«لقد فشل (بريكست)!» هذا ما قاله نايجل فاراج، السياسي، الذي كان المشجع البارز لمغادرة بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي.

بعد ذلك بيوم، جاء دور رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، الرجل الذي دفع «بريكست» عبر البرلمان، كي يردد ما قاله فاراج. وقال في عموده الصحافي: إن المملكة المتحدة «لا تزال عالقة في مدار الاتحاد الأوروبي».

للحظة وجيزة، بدا رئيس الوزراء ريشي سوناك وكأنه يضخّم الصدى نفسه بتغريدة توحي بأن المملكة المتحدة لا تزال جزءاً من الاتحاد الأوروبي.

حسناً، هل فشل «بريكست»؟ هذا يتوقف على ما نعنيه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو الشعار الجامع الذي يمكن تفسيره بأي طريقة كانت، مثله في ذلك كمثل غيره من الشعارات الرنانة الأخرى. وإذا تجاوزنا أبسط معانيه، أي التوقف عن عضوية الاتحاد الأوروبي، فإن الخروج البريطاني من الاتحاد قد نجح. فالمملكة المتحدة لم تعد عضواً في نادٍ كانت تنتمي إليه لأكثر من أربعة عقود من الزمان، ولعبت دوراً رائداً في تكوينه وإعادة تشكيله.

لكن، إذا ما التزمنا بالوعود الكثيرة، ناهيكم عن الأوهام التي كان «بريكست» متخماً بها، فإن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي لا يُشكل نجاحاً كبيراً بأبسط العبارات وأوجزها.

كان الوعد الأول هو «السيطرة على حدودنا»، وهو أمر متحقق بالفعل؛ إذ لا يستطيع أحد دخول المملكة المتحدة من دون التحقق من جواز سفره.

بموجب معاهدة لشبونة، يُسمح لمواطني الاتحاد الأوروبي دخول المملكة المتحدة من دون تأشيرة والبقاء لمدة ثلاثة أشهر، ولا يمكنهم البقاء في نهايتها إلا إذا كانت لديهم وظيفة أو أن يكونوا من الطلاب ذوي النوايا الحسنة. غير أن مواطني بعض البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل رومانيا وبلغاريا جرى إعفاؤهم، وما زالوا مطالبين بتقديم طلب للحصول على إقامة بعد مهلة الثلاثة أشهر المذكورة.

اختارت حكومة حزب العمال تحت زعامة توني بلير تجاهل كل هذه المحاذير، ومساعدة المملكة المتحدة في الاستفادة من مصدر كبير للقوى العاملة الشابة الرخيصة التي ساهمت في ارتفاع معدلات النمو في الاقتصاد القائم على الخدمات.

كان الوعد الكبير الثاني الذي قدمه فاراج وجونسون، من بين آخرين من أنصار «بريكست»، هو «السيطرة على الهجرة».

وكان الجميع يعرفون أن كلمة السر «هجرة» لم تكن موجهة في الواقع إلى الأوروبيين وإنما إلى الأفارقة والآسيويين. ولكن مجرد تحديد الهدف علناً كان من شأنه أن يثير الازدراء والاتهام بالعنصرية.

على أي حال، لم يتم الوفاء بهذا الوعد.

تُظهر آخر الإحصاءات أن عدد المهاجرين إلى المملكة المتحدة ارتفع بما يتراوح بين 15 و20 نقطة مئوية، وفقاً لتقديرات مختلفة. والفارق هنا أن عدد الوافدين من ذوي البشرة البيضاء إلى الاتحاد الأوروبي انخفض، في حين «ارتفع عدد الأقليات الظاهرة»؛ الأمر الذي أثار استياء هؤلاء الذين شعروا بالتهديد من قِبل الصرافين «ذوي البشرة الداكنة» في محال السوبر ماركت في سندرلاند.

وبعيداً عن السيطرة على الحدود والحد من الهجرة، أصبح «بريكست» وسيلة لكل أنواع الخيالات. وكان على المملكة المتحدة أن تستعيد دورها الإمبراطوري كزعيمة للكومنولث، وإن كان ذلك في خدمة السلام والرخاء العالميين. كان من المقرر توقيع اتفاقات تجارة خلاقة مع الولايات المتحدة والصين واليابان، وأي دولة أخرى تعترف بمزايا وجود المملكة المتحدة شريكاً.

غني عن القول أن ذلك لم يحدث.

كانت الاتفاقية التجارية الكبرى الوحيدة التي وقّعت عليها المملكة المتحدة هي الاتفاقية القديمة نفسها المكروهة في الاتحاد الأوروبي والتي كانت في أغلبها من اتفاقات بروكسل. ولتضمين كل هذا في بروتوكول آيرلندا الشمالية للانسحاب، فإنه يؤكد بوضوح على أن «بعض جوانب قانون الاتحاد الأوروبي لا تزال سارية في ما يتصل بآيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة».

حتى بموجب الاتفاق الأصلي، تبنت المملكة المتحدة عدداً كبيراً من قوانين الاتحاد الأوروبي ولوائحه بوصفها قوانينها المحلية، والتي غالباً ما أدخلت عليها «تعديلات فنية». بعض القوانين المعتمدة في الولايات المتحدة لديها «شرط الانقضاء»؛ مما يعني أنها ستصدر في تاريخ محدد، غالباً بين نهاية 2023 و2027، ما لم يقرر البرلمان البريطاني تمديد فترة سريانها.

كان الوعد الآخر يتمثل في إنهاء سلطة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الهيئة نفسها التي روّجت لها المملكة المتحدة في البداية. لم يحدث ذلك لأن المملكة المتحدة، التي لا تزال عضواً في مجلس أوروبا، لا تزال مُلزمة بأحكام المحكمة بشأن عدد من القضايا.

كما أنهى «بريكست» عضوية المملكة المتحدة في «مخطط إيراسموس» الذي يتبادل بموجبه أعضاء الاتحاد الأوروبي طلاب الجامعات. وأدى ذلك إلى حرمان جامعات المملكة المتحدة من مليارات الدولارات في هيئة رسوم طلابية أجنبية، ناهيكم عن فوائد الاتصال الثقافي على المستوى الأكاديمي. وفي الوقت نفسه، يبقى طلاب المملكة المتحدة خارج الجامعات الأوروبية والفوائد التي يوفرها التواصل عبر الثقافات. في عام 2019، شارك أكثر من 50 ألف طالب في المملكة المتحدة في مبادلات «إيراسموس».

ولتصحيح الأمر، قرر عدد من جامعات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إحياء الخطة باتفاقيات ثنائية. على سبيل المثال، تتولى جامعتا برمنغهام البريطانية، وغرنوبل في فرنسا، إدارة برنامج التبادل الطلابي الخاصة بهما.

وعلى رغم «بريكست»، لم تنسحب المملكة المتحدة من وكالة الفضاء الأوروبية، وبالتالي حافظت على الوصول إلى مجموعة من التكنولوجيا المتطورة.

كما عمل «بريكست» على إبقاء المملكة المتحدة خارج المشروعات المصرفية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي في الكثير من المجالات. ولكن مشروعاً مشتركاً أُبرم مؤخراً مع البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية لمساعدة مولدوفيا يُظهر أن التعاون على أساس كل حالة على حدة أمر غير مستبعد.

وغني عن القول أن «بريكست» لم يُحقق المزايا الاقتصادية التي وعد بها أنصاره. فمعدل التضخم في المملكة المتحدة أعلى من أي دولة في الاتحاد الأوروبي، ومعدل النمو أقل. وبطبيعة الحال، يمكن إلقاء اللوم في جزء من هذا على الجائحة والركود العالمي الذي بدأ في الوقت نفسه تقريباً الذي غادرت فيه المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي.

لقد كان «بريكست» بمثابة ممارسة في تطبيق مبدأ اليانصيب على السياسة، فأنت تسحب الكثير من البطاقات من دون أن تعرف ما هو القدر المحدد إليك.

أمير طاهري