أزمة لبنان المالية: التعاون مع صندوق النقد ممر إلزامي للإنقاذ

إعتبر النائب الأوّل السابق لحاكم مصرف لبنان د. ناصر السعيدي انّ أولوية الحكومة اليوم هي التوافق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إصلاح مالي واقتصادي يؤمّن لها الدعم المالي المطلوب، والمقدّر بحوالى 25 مليار دولار، لكن من المستحيل أن تحصل الحكومة على هذا المبلغ من دون مظلّة دولية.

ولدى السؤال: ما هي أولويات الحكومة الاصلاحية وهل تملك الوقت الكافي لتنفيذها؟

اعتبر السعيدي انّ على الحكومة، من أجل استعادة جزء من الثقة المفقودة، الاسراع في إعداد برنامج إصلاحي مالي واقتصادي يحظى بمصداقية المجتمع الدولي، وخلال فترة قصيرة لا تتعدّى الاسبوعين او الثلاثة اسابيع.

وقال لـ«الجمهورية» انّ الاولويات اليوم تصبّ نحو الوضع المالي وإعادة هيكلة الدين العام، وهو أمر أساسي لا مفرّ منه، «ولا يجب الهلع في شأنه لأن دولاً عدّة قامت بذلك، وهناك 3 الى 4 حالات إعادة هيكلة ديون سيادية سنوياً. وبالتالي، لن يكون لبنان البلد الاوّل الذي يقوم بهذه الخطوة».

وفيما اشار الى انّ إعادة هيكلة الدين العام ليست بالصعوبة التي يتحدث عنها البعض لأنّ الجزء الاكبر من الدين العام، محليّ، اعتبر السعيدي انه يجب الاستعانة بصندوق النقد الدولي في عملية اعادة الهيكلة في اطار برنامج إنقاذ شامل، لأنّ لبنان بحاجة الى ما بين 20 الى 25 مليار دولار، لا يمكن تأمينها من المجتمع الدولي سوى عبر مظلّة صندوق النقد الدولي.

وأكد انّ اي برنامج إصلاح ستعدّه الحكومة الجديدة لن يحظى بمصداقية لدى المجتمع الدولي ولن يحصل على الدعم المالي المطلوب، لا من دول الخليج ولا من الدول الاخرى، ما لم يكن برنامجاً معتمداً من قبل صندوق النقد الدولي، مشيراً الى انه اجتمع مع عدد من المسؤولين في دول الخليج وأكدوا له عدم استعدادهم لدعم أي برنامج لا يحظى بمظلّة دولية.

ولفت السعيدي الى انّ الحلول والسبل السابقة لشراء الوقت على شكل وديعة خليجية في البنك المركزي أو ما شابه، لم تعد تنفع اليوم، معتبراً أنه «علينا فتح صفحة جديدة لأنّ الاجراءات الاصلاحية المطلوبة معروفة».

وفيما شدّد على ضرورة التوافق مع صندوق النقد الدولي على برنامج اصلاح مالي، اعتبر انّ هذا الامر يجب ان يكون من أولويات الحكومة التي عليها المبادرة بوضع رؤيتها وأهدافها لنقلها الى الصندوق. وبالتالي، يجب ان يكون هناك استعداد سياسي لهذه الخطوة. وسأل: هل هناك استعداد سياسي فعلاً للاجراءات الصعبة؟ لا أرى تلك الشجاعة السياسية حالياً.

إستحقاق اليوروبوند

اما بالنسبة لاستحقاق سندات اليوروبوند في 9 آذار المقبل، فقد سلّط السعيدي الضوء على مشلكة تقنية قد تعيق إعادة هيكلة تلك السندات، شارحاً انّ «اي عميلة اعادة هيكلة تتطلب دعوة كافة المستثمرين للتفاوض حول الشروط الجديدة وإعطائهم مهلة 21 يوم عمل. وفي حال لم يوافق 75 في المئة من حملة السندات على طرح الحكومة، يجب اعطاؤهم 10 ايام عمل اضافية. وبالتالي، تحتاج عملية الهيكلة الى 31 يوم عمل. وفي حال هناك نيّة للقيام بها، يجب الشروع بذلك اليوم». وأكد انّ تسديد استحقاق آذار للمستثمرين الاجانب وتمديد آجال السندات التي يحملها المستثمرون المحليون، ليس حلّاً بل هو شبيه بالهندسات وعمليات الاستبدال swap السابقة التي أدّت الى ارتفاع الفوائد الى المستويات الحالية.

كما لفت السعيدي الى انّ عملية اعادة هيكلة الدين العام يجب ان تكون ضمن برنامج اصلاح مالي يتضمّن طرحاً واضحاً حول الاجراءات التي سيتم اتخاذها لخفض العجز، وإصلاح قطاعات عدّة منها الكهرباء، وإعادة هيكلة القطاع العام ومعالجة مشكلة معاشات التقاعد، وغيرها من الامور التي تتسبّب في تفاقم عجز الدولة.

دولار الصيارفة

وحول قرار نقابة الصرافين في لبنان تحديد سعر شراء الدولار الأميركي بـ2000 ليرة لبنانية كحد أقصى، اعتبر السعيدي انّ هذا القرار:

• اعتراف رسمي بالسوق الموازية، أي الاقرار بأنّ سعر الصرف المتداول به لدى الصيارفة، مقبول.

• اعتراف بفشل سياسة تثبيت سعر الصرف عند 1507 ليرات.

• تمهيد للخطوة القادمة المتمثّلة بخفض سعر الصرف الرسمي.

وأوضح انّ هذا الاجراء لا يمكن ان يستمرّ طالما لم يتم إنجاز اي اصلاح مالي، وبالتالي لا يمكن تحديد سعر الصرف لدى الصرافين لأنها مسألة عرض وطلب، والدليل على ذلك انّ الصيارفة لا يقبلون اليوم ببيع الدولار بهذا السعر، ممّا أنشأ سوقاً سوداء ثالثة.

القطاع المصرفي

وبالنسبة للقطاع المصرفي، شدد السعيدي على انّ المطلوب إعادة هيكلة القطاع وإعادة رَسملته بما لا يقلّ عن 20 الى 25 مليار دولار. وقال: لا مفرّ من ذلك. يجب ضَخ أموال جديدة من قبل المساهمين في المصارف، ورسملة احتياطي المصارف، وبيع أصول واستثمارات في الخارج، وبيع عقارات​.

 

نظرة فاحصة-هل تستطيع حكومة لبنان الجديدة إنعاش الاقتصاد؟

بعد شلل سياسي على مدار ثلاثة أشهر، شكل لبنان أخيرا حكومة بقيادة رئيس الوزراء حسان دياب. والآن تحين مهمة إنقاذ البلد من أزمة مالية حادة والفوز بثقة المستثمرين والمانحين الأجانب.

ما احتمالات التعثر في سداد الديون أو إعادة هيكلتها؟

يبدو عبء دين لبنان العام، الذي يعادل حوالي 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وما يشهده من عجز في المعاملات الجارية وعجز مالي، غير قابل للاستمرار حتى من قبل الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي خرجت إلى الشوارع قبل ثلاثة أشهر.

وفي ظل تداول كثير من السندات السيادية الدولية بأقل من نصف قيمتها الاسمية، يتوقع مراقبو السوق على نحو متزايد أن يواجه لبنان صعوبات في أداء بعض التزاماته وأن يسعى للتوصل إلى إعادة هيكلة مع الدائنين عند مرحلة ما.

ومن بين أولى مهام الحكومة البت في مقترح من البنك المركزي يعرض على حملة بعض سندات العام الحالي في الداخل، بما في ذلك إصدار حجمه 1.2 مليار دولار يستحق في مارس آذار، مبادلتها بأخرى ذات أجل أطول لتخفيف الضغط على مالية الدولة.

وقد تنطوي أي خطوة لتأجيل مدفوعات السندات على تخلف عن السداد بالنسبة لوكالات التصنيف الائتماني مما قد يؤدي إلى مزيد من الخفض في تصنيف لبنان القابع بالفعل داخل النطاق عالي المخاطر.

هل خفض قيمة العملة حتمي؟

تدهور وضع ربط العملة بالدولار الأمريكي المعمول به في لبنان منذ 22 عاما ليقترب من نقطة الانهيار بفعل الأزمة السياسية والمصرفية.

فمع فقدان الليرة نحو ثلث قيمتها الرسمية بالسوق السوداء في ظل شح الدولار، يلوح خفض قيمة العملة في الأفق على نحو متزايد.

واستبعد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة من قبل أي خطوة من هذا النوع، قائلا إن لدى الحكومة الوسائل للحفاظ على ربط العملة. لكن ما لم تنتعش تدفقات رؤوس الأموال الآخذة بالتناقص ويحدث تعاف في ميزان لبنان الخارجي، فإن قدرة البنك المركزي على صيانة الربط ستتآكل.

كيف يمكن إنعاش النظام المصرفي؟

ظلت البنوك لفترة طويلة دعامة هامة للإبقاء على حركة اقتصاد لبنان. فمن خلال استقبال ودائع ملايين اللبنانيين في الخارج والشراء في الدين المحلي للحكومة، ساعدت البنوك على دعم مالية الدولة. لكن ذلك النظام تداعى في ظل شح في الودائع الأجنبية مع انهيار الثقة في النظام المصرفي.

تراجعت ودائع غير المقيمين في القطاع المصرفي 11.3 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني، بينما يواجه لبنان نقصا في النقد الأجنبي – مما تسبب في فرض قيود على وصول اللبنانيين في الداخل والخارج لأموالهم بالبنوك.

ويعتقد بعض الخبراء الماليين أن البنوك ستحتاج إلى ضخ سيولة أعمق من زيادة رأس المال 20 بالمئة على النحو الذي وجهها إليه البنك المركزي.

ماذا عن الدعم المالي الأجنبي؟

لبنان غارق في الركود ومازال تعافيه يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة الحكومة على تبني الإصلاحات اللازمة لضمان دعم مالي من الخارج.

وبحسب وزير الاقتصاد السابق ناصر سعيدي، يحتاج لبنان إنقاذا بعشرين إلى 25 مليار دولار بما في ذلك دعم من صندوق النقد الدولي للخروج من أزمته المالية. لكن مجيء المساعدة لا يبدو أكيدا في ضوء المساندة التي يلقاها دياب من حزب الله المدعوم من إيران وحلفائه.

وقال دياب إن أول جولة خارجية له ستكون في المنطقة العربية، ولاسيما دول الخليج.

لكن السعودية والإمارات، اللتين قدمتا عونا ماليا للبنان فيما مضى، بدتا أكثر تحفظا خلال الأزمة الأخيرة، بل وربما تقل رغبتهما في تقديم الأموال في ظل وجود دياب في السلطة.

في المقابل، قد يحول لبنان نظره صوب قطر التي يتهمها جيرانها الخليجيون بالاقتراب بشكل أكبر من إيران.

ومن غير الواضح ما إذا كان دياب سيسعى لنيل المساعدة من صندوق النقد. ويحذر بعض المراقبين من أن الولايات المتحدة، الداعم المالي الأكبر للصندوق، قد تعارض أي صفقة بسبب علاقات الحكومة مع حزب الله الذي تعتبره واشنطن جماعة إرهابية.

 

 

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات