تطورات مهمة في حوض غاز شرق المتوسط

تدل المعطيات المتوفرة على تطورات في حوض غاز شرق المتوسط ذات دلالات مستقبلية مهمة، وذلك بعد فترة من الغموض التي تخللتها مفاوضات بين حكومات الإقليم، وأخرى بين الحكومات والشركات حول برامج الإنتاج والتصدير.

أول هذه المعطيات هو وصول المنصة البحرية التي استأجرتها «توتال إينرجي»، الشركة العاملة في البلوك رقم 9 في المياه اللبنانية، حيث يتوقع وصول المنصة، خلال منتصف شهر أغسطس (آب) المقبل، ومن ثم بدء الحفر بعد أسبوعين تقريباً قبل نهاية الشهر. من المتوقع أن يحرك هذا الحدث الاهتمام في المياه السياسية الساكنة التي ألقت بثقلها ومشاكلها المزمنة على كاهل الشعب اللبناني، الذي يتطلع إلى بصيص أمل في نهاية النفق. كما من المنتظر أن يثير بدء الحفر وابلاً من الشائعات والتهويل الإعلامي بإمكانية «الاكتشاف» في إنقاذ لبنان من الكارثة الاقتصادية التي يعانيها.

من المعروف أنه حتى لو تم تحقيق اكتشاف تجاري قريباً، والبلوك رقم 9 منطقة موعودة، فإن بدء الاستفادة الاقتصادية من الغاز، في حال اكتشافه، لا يزال بعيداً لسنوات، حتى إقرار فيما إذا من الممكن تصديره اقتصادياً، بأية وسيلة، ومدى التكاليف من مليارات الدولارات. كما ستتوجب دراسة إمكانية استغلال الغاز داخلياً.

هذه محاذير لا بد من أخذها بنظر الاعتبار في لبنان؛ لأن بعض الساسة اللبنانيين كانوا قد وعدوا اللبنانيين بالثروة البترولية، حتى قبل بدء الاكتشافات، فكيف بالأحرى الآن، مع بدء الحفر. والمحذور الآخر هو انتشار الشائعات التي تنقلها بعض وسائل الإعلام المحلية، دون التدقيق والتمحيص اللازمين في صحة المعلومات. طبعاً، هذا كله ناهيك عن المناكفات السياسية التي أودت بالبلاد إلى الخراب.

لم يكن الوصول إلى مرحلة الحفر هذه، وقبلها ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، هيناً، وقد استغرقت بالفعل نحو 10 سنوات. كان من الممكن جداً التفاهم ما بين القوى السياسية منذ البداية، والتوصل إلى النتائج نفسها تقريباً منذ بداية طرح ملف الغاز، لو توفَّر الغطاء السياسي لاتفاقية الحدود البحرية مع إسرائيل. طبعاً، لم تنتهِ جميع التحديات أمام لبنان. فهناك استكمال ترسيم حدود لبنان البحرية مع كل من قبرص وسوريا. ورغم أن هذا الترسيم الحدودي خاصة لا يؤثر على نشاط الحفر الحالي، فإن إنجاز الترسيم يعطي إشارة استقرار للصناعة البترولية العالمية، مما سيشجعها على العمل في لبنان. إذ سيستمر تفاوض لبنان مع هذه الشركات الدولية لاستكمال الاكتشاف في مياهه البحرية لسنوات؛ بل عقود طويلة مقبلة. فعمليات الاستكشاف لا تتوقف على نتائج حفر بئر أو بئرين فقط، إذ إن تقنيات الاستكشاف والحفر تتطور سريعاً مما يساعد على تحقيق نتائج إيجابية لم تكن ممكنة سابقاً.

كما أن هناك المناوشات العسكرية البرية الجارية الآن فعلاً في الجنوب اللبناني مع إسرائيل. ومن غير المعروف مدى إمكانية تأثيرها على النشاط البترولي البحري، في حال عدم إمكانية حصرها على البر فقط.

وثاني هذه المعطيات هو الموافقة الإسرائيلية التي أعلن عنها بـ«هدوء» غير معهود، في يونيو (حزيران) 2023 لتطوير حقل «غزة البحري»، بعد سنوات من اكتشافه في بداية هذا القرن، والذي افتتحه في حينه الرئيس ياسر عرفات. وتشير تقديرات احتياطي حقل «غزة مارين» إلى أنه من أصغر الحقول الغازية المكتشفة (حوالي مليار قدم مكعب من الغاز)، حتى الآن في شرق المتوسط.

عارضت إسرائيل تطوير الحقل في حينه مُصرّة على ضمان عدم حصول حركة «حماس» على الريع الغازي. من ثم، فقدت شركة «بريتش غاز»، التي اكتشفت الحقل في أوائل هذا القرن، الأمل في الحصول على موافقة إسرائيلية لتطوير الحقل وباعته لشركة «شل». لم تُنشر حتى الآن تفاصيل دقيقة عن مضمون الاتفاق، والقليل الذي جرى نشره هو في مصادر الإعلام الإسرائيلية. لكن يتضح أن شركة مصرية ستلعب دوراً مهماً في عمليات الحفر والتطوير، ومعها شركة إنشاءات عربية/ فلسطينية ضخمة. لكن من غير المعروف حتى الآن فيما إذا كان سيُستعمل الغاز في دعم صادرات الغاز المُسال المصرية (وهذا هو الأرجح)، أم أنه سيُستعمل لتزويد قطاع غزة والضفة الغربية بالطاقة.

ومن الجدير بالذكر أن هناك محطة لتوليد الكهرباء في غزة، لكن لا توجد أية محطة كهرباء في الضفة الغربية، فهي تعتمد على الطاقة المستدامة (الطاقة الشمسية)، والوقود البترولي والكهرباء الذي تُزوده لها الشركات الإسرائيلية (فمن دون استعمال غاز غزة ستبقى الضفة والقطاع تحت الهيمنة الكاملة لإسرائيل طاقوياً).

ومن الجدير بالذكر أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ادعت أن ضغوطاً أميركية على الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتشددة أجبرت تل أبيب على الرضوخ والتوقيع على الاتفاق، بعد سنوات من المماطلة والتأخير. وهذا أمر محتمل، وقد يكون أيضاً جزءاً من السياسة الأميركية الإقليمية لتشجيع التطبيع والتعاون الإقليمي بين إسرائيل والدول العربية من خلال صناعة غاز شرق المتوسط.

ثالث المعطيات هو اتفاق وزارة البترول المصرية مع الشركات الدولية لحفر نحو 38 بئراً في بلوكات جديدة في شرق المتوسط، وربط بعض هذه الآبار؛ الواحدة مع الأخرى لتعزيز الإنتاج. والسبب هو تلافي النقص في إنتاج الغاز المصري بعد انخفاض الإنتاج من حقل «ظهر»؛ أكبر حقل بحري في حوض البحر الأبيض المتوسط، وعماد الإنتاج البحري المصري.

وتلعب الشركات الأوروبية والأميركية دوراً مهماً في تعزيز الإنتاج الغازي المصري، الذي انخفض معدله إلى نحو 5.95 مليار قدم مكعب يومياً، خلال الفترة الأخيرة، مما أدى إلى انخفاض صادرات الغاز المُسال المصرية التي تغذيها إمدادات قبرصية وإسرائيلية أيضاً. ومن جهة أخرى، فبالإضافة إلى الصادرات، مصر بحاجة مستمرة لزيادة إنتاجها الغازي واستمرار اكتشاف حقول جديدة، نظراً للزيادة السنوية في استهلاكها المحلي أيضاً من قبل الزيادة السنوية لعدد سكانها الـ100 مليون نسمة (مما يجعلها هي وتركيا أضخم سوقين لاستهلاك الغاز إقليمياً)، ونظراً لاعتمادها على الغاز في تغذية محطات الكهرباء والمصانع، وبعض المناطق السكنية في القاهرة والإسكندرية، وتغذية بعض وسائل النقل العام.

تتوقع المصادر البترولية المصرية عودة زيادة الإنتاج الغازي من حوض دلتا النيل، ومن ثم ارتفاع معدل صادرات الغاز المُسال إلى أوروبا، وخصوصاً مع إمكانيات زيادة الصادرات القبرصية والإسرائيلية، التي تدمج مع المصرية.

من جهتها، تتفاوض قبرص مع شركة «إيني» الإيطالية في طريقة تصدير الغاز القبرصي، فإما عن طريق تسييله، ومن ثم تصديره عبر ناقلات متخصصة، أو تصديره عبر خط أنابيب قصير المدى لربطه مع صادرات الغاز المُسال المصرية إلى أوروبا، أو تشييد خط أنابيب يمتد من حيفا إلى قبرص ومن ثم شبكة أنابيب السوق الأوروبية المشتركة. وهناك عوامل جيوسياسية متعددة في كل من هذه البدائل، بالإضافة إلى الكلف والأرباح، مما أدى إلى سنوات من المفاوضات.

 

وليد خدوري

المال والبنوك… تعب الحياة!

أثار نواب في مجلس العموم البريطاني قبل العطلة الصيفية (بدأت أول من أمس – الجمعة لـ6 أسابيع) تورط البنوك والمؤسسات المالية في السياسة، بشكل يهدد حرية التعبير كأهم أسس الديموقراطية، والأخطر حرمان أعداد معتبرة من المواطنين من الحساب البنكي، وهو اليوم ضرورة لا غني عنها.

المشكلة البريطانية أبعادها عالمية؛ بسبب عولمة البنوك والمؤسسات المالية ووكالات التبادل المالي بأنظمة الدفع على الإنترنت (مثل باي – بال paypal التي شملها الانتقاد)، والتي لها نفوذ ونشاطات في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. أيضاً المسألة نموذج لتوضيح مدى نفوذ وقدرة مؤسسات تجارية غير حكومية في الضغط على نشاط الأفراد والجماعات، بينما لا تخضع هذه المؤسسات لأي محاسبة كحال المشتغلين بالسياسة والحكومات المنتخبة أو المؤسسات المملوكة للدولة.

المشكلة التي بدت كفصل في الحرب الثقافية الدائرة بين اليسار الليبرالي ويمين الوسط المحافظ، اتضح أنها قمة جبل الثلج العائم.

قبل أسبوعين، اشتكى نايجل فاراج، الزعيم السابق لحزب الاستقلال، الذي فجّر شرارة حملة البريكست، من إغلاق حسابه في بنك الأثرياء (كوتس)، المملوك للشركة القابضة «بنك ناتوست» («ناتوست» لا تزال 38.6 في المائة من أسهمها مملوكة لدافع الضرائب البريطاني، وبقية الأسهم اشترتها الخزانة لإنقاذه من الإفلاس أثناء الأزمة المالية منذ 15 عاماً). البنوك الأخرى، حسب ادعاء فاراج، ترفض فتح أي حساب له، بسبب ما روج عنه من البنك بين المؤسسات المالية، ما يجعله تائهاً في المجتمع، فجميع الفواتير وحسابات الضرائب والمرتبات وبطاقات الشراء وغيرها كلها تتم من خلال معاملات البنوك.

ولأسبوعين روجت صحافة اليسار ادعاء البنك أن إغلاق الحساب كان بسبب نقص ودائع فاراج عن الحد الأدنى (مليون جنيه). فاراج يضعه اليسار البريطاني، والعالمي، مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (2017 – 2021)، ورئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون (2019 – 2022) كرموز الكراهية المسؤولة عن خراب العالم، ويتهمونهم بالعنصرية، والإضرار بالبيئة، والزينوفوبيا (كراهية الأجانب)، والتشكيك في فاعلية التطعيم ضد الفيروسات، ومعاداة شرائح شاذة من المجتمع (الاتهامات لم يستطع أحد إثباتها بالأدلة، لأنها جميعاً تخضع لقوانين مكافحة خطاب الكراهية وقوانين التأكيد على المساواة وحقوق الإنسان).

ادعاء البنك نشره المحرر الاقتصادي لـ«بي بي سي» على الموقع (الأكثر قراءة)، وكررته صحف اليسار التي أضافت وجود لائحة للبنوك لما يسمون بأشخاص لهم بروفايل عالٍ يعرض لمجازفات مالية. اللائحة تعطي أمثلة برؤساء الدول، وزعماء الأحزاب والحركات السياسية، والمشاهير كنجوم الرياضة ونجوم هوليوود. التصنيف لا يتعلق بآرائهم أو مواقفهم السياسية، وإنما بوضعهم الاجتماعي، ما يجعلهم مجازفة مالية، لضرورة استخدام وسائل غير تقليدية لحمايتهم وحماية أقاربهم. فهم معرضون للابتزاز، أو اختطاف العصابات الإجرامية لذويهم مقابل فدية، أو اختراق قراصنة الإنترنت لحساباتهم، لكن ليس في اللائحة ما يتعلق بالآراء المثيرة للجدل أو المواقف السياسية. اشتكي نشطاء سياسيون آخرون من إلغاء مؤسسات مالية وبنوك لحساباتهم، مثل رئيس جمعية الدفاع عن حرية التعبير، وسيدة تحذر من تأثير مناهج الصوابية السياسية على الأطفال. كما ظهرت أيضاً شكاوى مماثلة من نشطاء حذروا على وسائل التواصل الاجتماعي من التلاعب بالاستقبال الذهني للظواهر (مثل القناعة شبه العمياء بأن التغير المناخي ليس ظاهرة طبيعية، بل هو من نشاط الرأسمالية، ومثل التأثير على الأطفال لتغير الهوية أو تغير الجنس).

النزاع أصبح مانشيتات صحف الأربعاء، بعد حصول محامي فاراج على «دوسييه داخلي» من بنك كوتس تضمن رسائل تبادلتها مديرة البنك مع لجنة تقييم الحسابات. الرسائل تبالغ وتهول من الاتهامات التي سردناها أعلاه، وتتهم فاراج بالعنصرية والتطرف وبما لا نستطيع نشره هنا قانونياً، ووصفته بترويج أفكار لا تتماشي مع مبادئ البنك، كمبرر لإغلاق حسابه.

اتضح من التحقيقات الصحافية أن مصدر المحرر الاقتصادي لـ«بي بي سي» في نشره ادعاءات البنك كانت رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة، وهو عضو في مجلس اللوردات. فاراج يلوح بإجراء قضائي ضد البنك. ويطالب نواب البرلمان بتعديل اللوائح والقوانين لحماية المواطنين من البنوك، التي تمارس نشاطها بترخيص من وزارة المالية، وبإشراف بنك إنجلترا (البنك المركزي). رئيس الوزراء ريشي سوناك، قال الأربعاء في مجلس العموم: «نرفض أن تغلق أي مؤسسة مالية حساب شخص بسبب آرائه أو مواقفه السياسية». مصادر «10 داوننغ ستريت» تشير إلى نية الحكومة الإسراع بتعديل اللوائح حيث تغلق الثغرات القانونية التي تستغلها البنوك كمبرر لإغلاق حسابات نشطاء أو ساسة أو شخصيات عامة يعبرون عن آراء أو لهم مواقف سياسية، تختلف مع الأرثوذكسية السائدة في المجتمع أو الثقافة الوطنية، التي هي اليوم موضة اليسار الليبرالي المسيطر على صناعة الرأي العام.

وقد يختلف الأمر عما نقصده بالأرثوذكسية السائدة في الرأي العام من مجتمع إلى آخر، لكن يظل جوهر القضية واحداً، وهو ما يعدّ الثقافة الوطنية أو المعتقدات الأكثر صواباً في تعريف المؤسسات المسيطرة (سواء سياسياً بالتركيبة الدستورية، أو لقوتها الاقتصادية، أو لسطوتها الثقافية أو الروحانية أو الدينية على أتباعها)، فتستغل سلطاتها لإقصاء من يطرح الأسئلة المشككة في هذه الصوابية، فهذه المؤسسات تخشى أن يعيد المفكرون والمثقفون فحص ما رُوج له على أنه من الثوابت والمسلمات في المجتمع.

عادل درويش

أهمية التحويلات المالية في تعافي الاقتصاد

تمثّل التحويلات قوة دفع في الكثير من البلدان. ويمكن تسليط الضوء على احدى الحالات، ومقارنتها بلبنان. ومن بين الدول التي تحظى فيها التحويلات بأهمية قصوى، كوبا.

يُعدّ الشتات الكوبي أحد الجوانب الرئيسية للاقتصاد الكوبي المعاصر، حيث يوجد عدد كبير من الكوبيين المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من البلدان. ومن خلال تحويلات الأموال، يساهم هؤلاء الكوبيّون في تعزيز الاقتصاد المحلي في بلدهم. بالإضافة إلى الدخل الذي يَصِل إلى الأسَر، يمكن أن تُستخدم هذه التحويلات لتحفيز الاستثمار ودعم القطاع الخاص في كوبا. تساهم هذه الأموال في تحسين مستوى المعيشة للأفراد، بما يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر التحويلات المالية مصدرا موثوقا للعملة الصعبة في البلدان المستفيدة، مثل كوبا، وهذا يعزّز قدرتهم على التعامل في السوق الدولية وتحسين التجارة الخارجية. كما تقدم هذه الأموال الفرصة للاحتياطي النقدي والاستثمار في مشاريع تنموية طويلة الأمد، ما يعزّز استقرار الاقتصاد ويُقلّل من الاعتماد على المساعدات الدولية.

يواجه لبنان أزمة اقتصادية ومالية خانقة، وتعدّ التحويلات المالية من الجالية اللبنانية في الخارج أحد أبرز الأدوات المتاحة لمساعدة الاقتصاد في التعافي. وتعتبر الجالية اللبنانية واحدة من أكبر الجاليات الشتاتية في العالم، ويمثل الاقتصاد اللبناني مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة من خلال تحويلات المال إلى البلاد.

تؤدي هذه التحويلات دورا حيويا في دعم الأسر وتلبية احتياجاتها الأساسية في ظل الأزمة المالية الحالية. ومن المهم أن نلاحظ أن هذه الأموال تستخدم لتغطية تكاليف التعليم والصحة والإعاشة، ما يخفّف العبء عن الأسر المتضررة من الظروف الاقتصادية الصعبة. وبالتالي، تساهم هذه التحويلات في تحسين معيشة الناس وتعزز الاستقرار الاجتماعي.

علاوة على ذلك، تساعد التحويلات المالية من الجالية اللبنانية في تخفيف الضغوط عن القطاع المصرفي في البلاد. ففي ظل الأزمة المالية، شهد النظام المصرفي انهياراً شبه كامل، وأصبحت التحويلات المالية عاملاً مساهماً في استقرار سعر الصرف والحد من تدهور العملة.

تُعَدُّ التحويلات المالية أحد العوامل الهامة التي تؤدي دورا حاسما في استقرار سعر الصرف ومكافحة تدهور العملة في الاقتصاد. عندما تواجه البلاد تحديات اقتصادية وتعاني تراجعاً في قيمة عملتها، يمكن أن تقدم التحويلات المالية من الجالية في الشتات الدعم الذي يلزم.

أما كيف يمكن للتحويلات المالية أن تساهم في الدعم، فينبغي ذكر النقاط التالية:

– زيادة احتياطات الصرف الأجنبي: غالباً ما تَرِد التحويلات المالية بالعملات الأجنبية، مثل الدولار الأميركي أو اليورو. وعندما يتم تحويل هذه الأموال إلى النظام المالي المحلي، فإنها تساهم في زيادة احتياطات الصرف الأجنبي للبلاد. وتعتبر احتياطات الصرف الأجنبي المستوى الصحيح من الاحتياطات الأجنبية التي توفر حاجزا في وجه تدهور العملة وتساعد البنك المركزي في التدخل في سوق الصرف لتثبيت قيمة العملة.

– زيادة الطلب على العملة المحلية: يتم استلام التحويلات المالية بالعملات الأجنبية ومن ثم تحويلها إلى العملة المحلية من قبل المُستَلمين، ويؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على العملة المحلية في سوق الصرف الأجنبي، وهذه الزيادة الطلب يمكن أن تدعم قيمة العملة وتمنع تدهورها بشكل سريع.

– التوازن للعجز التجاري: يمكن للتحويلات المالية أن تساعد في تعويض العجز التجاري والعجز في الميزان الجاري. إذا كانت البلاد تستورد سلعًا وخدمات بمقدار أكبر مما تصدره، فإنّ ذلك يؤدي إلى عجز تجاري يمارس ضغطًا على العملة المحلية. ومع ذلك، عندما تتدفق التحويلات المالية إلى البلاد، فإنها تعمل كمصدر للعملة الأجنبية وتوازن الميزان الجاري وتخفف من الضغط على سعر الصرف.

– زيادة الثقة: يعكس التدفق المستمر للتحويلات المالية من الجالية الشتاتية الثقة في الآفاق الاقتصادية للبلاد، ويمكن لهذا الأمر أن يؤثر إيجاباً في ثقة المستثمرين، ويجذب الاستثمارات الأجنبية، ويعزّز بدوره قيمة العملة المحلية.

– الدعم للشركات المحلية: تدخل التحويلات المالية في الاقتصاد يؤدي إلى زيادة الدخل الانفاقي للأسر المستلمة. وهذا، بدوره، يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي ودعم الشركات المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي. وتؤثر الاستقرار الاقتصادي العام إيجابياً على قيمة العملة المحلية.

– التخفيف من الاعتماد على الاقتراض: في بعض الحالات، قد تلجأ البلاد التي تواجه تحديات اقتصادية إلى الاقتراض الأجنبي لإدارة وضعها المالي. ومع ذلك، قد يؤدي الاقتراض المُفرِط إلى أزمات ديون والتأثير سلباً على سعر الصرف. وتوفّر التحويلات المالية بديلاً للأموال الأجنبية، وبالتالي فإنها تُقلّل من الحاجة للاقتراض المفرط وتخفف من المخاطر المرتبطة بتراكم الديون.

في الختام، يُظهِر دور التحويلات المالية الهام في استعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني. إنّ الجالية اللبنانية في الخارج تمثّل ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي والاستقرار المالي في لبنان، وعندما تُرسِل التحويلات المالية إلى أسَرها وذويها في الوطن، فإنها تُسهم في تقديم الدعم المالي اللازم للأفراد المحليين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وهذا الدعم يعمل على تحفيز النشاط الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للمجتمع.

بالإضافة إلى ذلك، يعزّز تدفق التحويلات المالية الاحتياطات النقدية في لبنان ويعطي ثقة للمستثمرين والجهات الدولية في القدرة التحملية للاقتصاد الوطني. إنّ الثقة العالمية في الاقتصاد اللبناني تُعَد عاملاً أساسيًا لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي.

علاوة على ذلك، تساهم التحويلات المالية من الجالية اللبنانية في تحسين السيولة المالية وتعزز الاستقرار المالي في البلاد. وإنّ توافر السيولة يُقلّل من التوترات المالية والضغوط على النظام المصرفي ويساهم في تحسين الظروف المالية العامة.

لذلك، يُعَدُّ دور التحويلات المالية من الجالية اللبنانية من العوامل الحيوية لاستعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني وتحفيز النمو الاقتصادي وتحسين الحياة المعيشية للمواطنين. إن دعم الجالية اللبنانية في الخارج لا يُقدّر بثمن، ويجب أن يتم تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتعزيز استخدام هذه التحويلات بشكل فعّال في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار المالي للبلاد.

توطين التنمية في عالم شديد التغير (1)

تتوالى التطورات الجيوسياسية والتغيرات في موازين القوى متسارعة في السنوات الأخيرة مؤكدةً أن الترتيبات المعمول بها في إطار العولمة إلى انقضاء، مفسحةً المجال لترتيبات جديدة للتجارة والاستثمار والتمويل وحوكمة المؤسسات الدولية. هناك محاولات للتمسك بما كان ولكنها تأتي متهافتة بوعود لا تلبَّى وتمويل هزيل ومنافع محدودة على النحو الذي شهدناه منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008 التي جاءت قاصمة لظهر البعير.

فمنذئذ وعلى مدار 15 سنة، كانت أكثرها عجافاً بين ركود وتضخم ومزيج بينهما، توالت الأزمات كباراً وصغاراً لم تكن أقلها جائحة كورونا وتبعاتها لتظهر عجز الترتيبات الدولية الراهنة عن تحقيق مزايا التضامن والتعاون الدوليين في مواجهة الصدمات. فهل سينسى العالم سوء توزيع اللقاحات عندما اشتدت الحاجة إليها لتستأثر بها بلدان متقدمة ثم تتيح ما تفضَّل منها بعد لأي؟ هل الناس لن يعتبروا مما كان من منعٍ للبلدان النامية من إنتاج اللقاحات بالتعنت في الاستمساك بقواعد الملكية الفكرية رغم الإلحاح باستثناءات مؤقتة لاعتبارات الضرورة الصحية؟

هل نغفل أنه بعد الاتفاق على إصدار وحدات حقوق سحب خاصة قوامها 650 مليار دولار، في أوج الجائحة لمواجهة آثارها على السيولة الدولية، فتستحوذ فرادى بلدان متقدمة، وفقاً لقواعد الحصص المعمول بها، على ما يزيد على ما تحصلت عليه دول القارة الأفريقية مجتمعة، ثم تُعقد القمم والمؤتمرات من أجل إعادة تدوير 100 مليار دولار للدول النامية باقتراضها مشروطة وإن كانت بفوائد ميسَّرة، فضلاً عن ملاحقة 100 مليار دولار أخرى موعودة منذ قمة المناخ في كوبنهاغن في 2009 لمساندة جهود تمويل العمل المناخي في البلدان النامية والتي تتجاوز فجوة تمويلها (باستثناء الصين) عشرة أمثال هذا الرقم؟

لقد تركت حالة الأزمة المستمرة أو ما أُطلق عليه «بيرماكرايسيس»، بأبعادها الاقتصادية والجيوسياسية، البلدان النامية عُرضة لتقلبات حادة في أسعار الطاقة، وتدهور خطير في أمنها الغذائي يبحث عن حل في روما هذا الأسبوع، خصوصاً وهي تعاني من وطأة مديونية خارجية تجاوزت تكاليف خدمتها في كثير منها ما تنفقه على التعليم والرعاية الصحية مجتمعين. ورغم ذلك نجد أن ترتيبات التعامل مع تحديات تعثر الديون تعاني من بطء شديد، وما زالت آلية مجموعة العشرين لا تشمل مقرضي القطاع الخاص إلزاماً، ولا تتضمن المقترضين من شرائح الدول متوسطة الدخل عمداً. وما زالت المطالبة بمراجعة شروط الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية لا تلقى العناية الواجبة فيما يتعلق بفترات السماح والسداد ووضع حد أقصى على سعر الفائدة لمشروعات التصدي لطوارئ أزمة المناخ -التي لم تتسبب فيها أصلاً البلدان النامية- فضلاً عن إلغاء بند التكاليف الإضافية المجحفة على المقترضين الكبار رغم ثبات عدم عدالته وإضراره بماليات البلدان النامية. وكل ما تحقق حتى تاريخه هو قبول التوصية بتضمين عقود الإقراض الدولي بنداً للتيسير في حالة التعرض لكوارث طبيعية، وهو ما كان معمولاً به أصلاً في عدد من المؤسسات.

ليس غريباً إذن أن تعاني مسارات التنمية المستدامة ومحاولات التصدي لتغيرات المناخ لانحرافات عن جادتها وقصور في تحقيق أهدافها. فأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وتتضمن 169 هدفاً فرعياً، يشير تقرير الأداء الأخير للأمم المتحدة بشأنها إلى أن 12 في المائة منها فقط على المسار السليم، و50 في المائة منها تعاني من تخلف بين كبير وصغير عن المستهدف، أما باقي الأهداف فتراجعت عمّا كانت عليه عند إقرارها في سبتمبر (أيلول) 2015. وما زالت التقارير العلمية للهيئة الحكومية الدولية لتغيرات المناخ تنذرنا مؤخراً بأنه بدلاً من تخفيض الانبعاثات الضارة بمقدار 45 في المائة بحلول عام 2030 لنتفادى تبعات سخونة الأرض إذا بنا نزيد عليها رغم وعود وخطب من قادة الدول الأكثر أذى بالمناخ بأهمية عدم تجاوز سقف 1.5 درجة مئوية، فالعالم وهو ما زال عند 1.1 درجة فقط يعاني من موجات حرارة غير مسبوقة وحرائق غابات وفيضانات وجفاف وتصحر تهدد الحياة وأسباب المعيشة معاً.

لقد كان المطلوب على المستوى الدولي إنفاذ التعهدات بإتاحة التمويل والتعاون التكنولوجي ووضع قواعد رقابية مُلزمة لتغيير السلوك الضار من الحكومات والشركات والأفراد، ولكن ما نراه هو النقيض. فالدول المتقدمة يتخذ أكثرها إجراءات جديدة تحت مسميات المبادرات الخضراء والتصدي لتغيرات المناخ ودعم التحول الرقمي، ستعيد في ممارساتها ذكرى الحمائية والحروب التجارية؛ وإن عانت منها بلدان نامية. وكما أشرت في المقال السابق يُغدَق على هذه المبادرات بتمويل ضخم في مشاركات بين المؤسسات العامة والخاصة وجهات البحث والتطوير. وجدير بالذكر أن تدخل الدولة في البلدان الغنية ليس عودة لأنماط قديمة ثبت فشلها لملكية وإدارة بيروقراطية الدولة للمشروعات، بإهدار الموارد على مغامرات غير محسوبة انتهت بعد كل ما أُنفق عليها كأنها أعجاز نخل خاوية.

وإذا ما افترضت حكومات البلدان النامية أن عوناً سخياً سيأتي لها في ظل هذه الترتيبات الجديدة، فالسخاء حقاً هو في افتراضاتها حسنة النية، فما الذي جدَّ حقاً حتى نتوقع التزاماً بما لم يتم الوفاء به من قبل؟ فما الذي تحقق من وعد المساعدات الدولية التي قيل إنها ستتدفق سنوياً بما لا يقل عن 0.7 في المائة من الدخل القومي للبلدان المتقدمة؟ وماذا عن المائة مليار المتعلقة بتغيرات المناخ؟ وماذا عن تعهدات متناثرة بمساعدات إنسانية مع ما جرى من كوارث طبيعية؟ وإذا ما اعتقدت أن مؤسسات التنمية الدولية ستسدد فجوات التمويل فعليها الانتظار بصبر واحتمال إلى ما قد تجود به «خريطة طريق تطور» هذه المؤسسات التي تبحث في رؤيتها الجديدة وأساليب عملها ومواردها.

تستوجب هذه التطورات الحرجة التي لحقت بالعولمة نهجاً للتقدم يعتمد على توطين التنمية نستجلي ملامحه في مقال قادم.

 

د. محمود محيي الدين

بايدن في موقف نفطي صعب

وضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نفسها في موقف صعب من ناحية النفط عندما قررت تأجيل خطط إعادة ملء مخزونات النفط الاستراتيجية مجدداً، بحسب ما نقلته بلومبرغ عن مصادر وصفتها بالمطلعة، والسبب في ذلك أن أسعار النفط الحالية مرتفعة.

إدارة بايدن فوّتت على نفسها فرصاً في بداية العام عندما كانت أسعار النفط دون الـ80 دولاراً ووصلت إلى مستويات الستينات، ولا أعلم من الذي يخطط لهذه الإدارة في مجال الطاقة، ولكن واضح جداً أن من يخططون لا يدركون حركة أسعار النفط.

من شبه المستحيل أن تترك «أوبك بلس» أسعار النفط تنزلق إلى مستويات متدنية لأن ميزانيات هذه الدول ستضرر بشكل كبير ولا أحد يريد أن يرى تراجعاً في الأسعار وسط تراجع في الإنتاج وتخفيضات طوعية وغير طوعية بملايين البراميل يومياً.

ومن غير المتوقع أن تظل الأسعار متدنية في وقت المعروض النفطي فيه يتراجع عالمياً مع ازدياد الطلب، ولنضع جانباً التكهنات حول ركود عالمي إذ نسمع عنه ولا نراه منذ أشهر.

نحن في عصر ما بعد كورونا، والذي يسافر إلى أي مكان في العالم فسيرى الطلب الهائل على وقود الطائرات والنقل وسط هذه الإجازات وتعافي قطاع السفر.

عموماً طمع الإدارة الأميركية في الحصول على أسعار نفط أقل مما كانت عليه سيجعلها تذعن لشراء النفط بأسعار فوق 80 دولاراً لأن النفط دون 70 دولاراً هو أمر قد لا يحدث.

ما أهمية كل هذا ولماذا على إدارة بايدن ملء الاحتياطي الاستراتيجي؟ الولايات المتحدة بلد يعتمد على النفط بشكل كبير والهدف من هذا الاحتياطي هو التحوط ضد أي انقطاع كبير في الإمدادات عالمياً.

الاحتياطي الأميركي الآن عند أدنى مستوى له في 40 عاماً عند 347 مليون برميل، بينما كان في بداية 2022 عند مستوى 594 مليون برميل. لكن قدرة الخزانات تحت الأرض تصل إلى 714 مليون برميل، وحتى تصل الولايات المتحدة إلى ملئها مجدداً لكامل طاقتها الاستيعابية، فالموضوع سيتطلب سنوات ومبالغ كبيرة.

عندما ملأت الحكومة الأميركية الخزانات في السابق كان متوسط سعر شراء البرميل 29 دولاراً، واليوم نحن نتكلم عن نفط عند 80 دولاراً. وفي الوقت ذاته، ستحتاج الحكومة لإنفاق مليارات على صيانة الكهوف الملحية تحت الأرض حيث تخزن النفط الاستراتيجي.

حتى اليوم أنفقت الحكومات الأميركية المتعاقبة ما يقرب من 25 مليار دولار على الصيانة وملء المخزون ولكن هذا الرقم سيتضاعف الآن.

ولن تكون إدارة بايدن قادرة على فعل شيء، وسترحل المشكلة للإدارة القادمة التي ستبحث عن طرق لخفض أسعار النفط وهذا سيتطلب مزيداً من الإنتاج الأميركي أو الطلب من «أوبك» والسعودية خفض الأسعار من خلال ضخ مزيد من النفط. وفي كلتا الحالتين، الأمر صعب على بايدن وعلى من سيأتي بعده.

وفوق كل هذا، تواجه إدارة بايدن اتهامات من الجمهوريين بأن المخزون الاستراتيجي الذي تم سحبه العام الماضي خلال حرب أوكرانيا والبالغ 180 مليون برميل استُخدم لأغراض سياسية بهدف خفض أسعار الوقود على المواطنين، وبالتالي الفوز في الانتخابات النصفية، بينما الهدف من المخزون هو مواجهة نقص الإمدادات.

مأزق سياسي ونفطي لحكومة تعهدت منذ البداية بمحاربة النفط وعدم السماح لأميركا بإنتاج المزيد منه.

 

وائل مهدي

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات