هل «أوبك بلس» على حق؟

هل «أوبك بلس» على حق عندما فكرت في خفض الإنتاج لمدة عام كامل ثم زادته بعض الدول في التحالف بصورة طوعية؟ هذا السؤال من الأسئلة الصعبة إجابتها، لأن التحالف دائماً ما يقف موقف المتهم من قبل الإعلام الغربي والمستهلكين في باقي العالم.

نعم أسعار النفط مهمة لدى الجميع منتجين ومستهلكين، ولكن هناك نقطة الكل يؤكد عليها ولا أحد يلقى لها بالاً بشكل كبير، وهي استقرار السوق.

استقرار السوق بالنسبة لدول تتحكم في أكثر من 40% من الإنتاج العالمي للنفط أهم بكثير من مكاسب سعرية سريعة ومؤقتة. هل هذا صحيح؟ نعم إلى حد ما، ولكن ليس لكل الدول بالتأكيد، بل للدول التي لديها إنتاج ضخم وكبير.

«أوبك بلس» ليست ذات تاريخ طويل، بينما منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لديها تاريخ طويل جداً يمتد إلى أكثر من 60 عاماً في التعامل مع الأسعار والتقلبات.

«أوبك» تعلمت الكثير من الدروس القاسية، وأولها أن أسعار النفط العالية لفترة طويلة جداً ليست في صالحها. هذا السيناريو أدى إلى أزمة السوق في الثمانينات عندما دخل نفط بحر الشمال وغيره إلى السوق بكميات كبيرة، وحينها توقع بعض وزراء «أوبك» أن انخفاض الأسعار سيخرج المنتجين الهامشيين من المعادلة. هذا لم يحدث.

وتكرر الأمر مع منتجي النفط الصخري قبل 10 سنوات، وتوقعت «أوبك» أنها الوحيدة القادرة على البيع بسعر منخفض وإخراج الباقين من السوق، وهذا لم يحدث، وظل الإنتاج من خارج «أوبك» عالياً وانهارت الأسعار.

بالنسبة للدول ذات الإنتاج الضخم في «أوبك بلس» فإن الحفاظ على استقرار السوق وأمن الطلب أهم من الحفاظ على مستوى سعري عالٍ لفترة طويلة، ولهذا تتخذ قرارات صعبة أحياناً، مثل تخفيض الإنتاج لفترة طويلة. مثل ما حدث في جائحة كورونا.

إذا ما نظرنا لوضع السوق حالياً فإن السوق لا يوجد به استقرار من ناحية الطلب، ولهذا ما سيبقي أسعار النفط في مستوى مريح للمنتجين حتى من خارج «أوبك» هو الدور الذي تلعبه «أوبك بلس».

إن أسعار النفط دخلت في وضعية الكونتانغو مؤخراً، وهو ما يعني أن السوق حالياً يعتقد أن هناك تخمة في المعروض اليوم وشحا في الإمدادات في آخر العام، ولهذا فإن قرار تخفيض «أوبك بلس» يبدو منطقياً للسوق، لأنها لو لم تخفض الإنتاج فإن الأسعار ستتدهور أكثر وتصل إلى مستويات لا تشجع الاستثمار وإنتاج النفط من خارج المنظمة.

بالنهاية من يريد سوقاً ترتفع الأسعار فيه فجأة بصورة جنونية وتهبط فجأة بصورة جنونية؟ ليس الشركات بالتأكيد، ولكن المضاربين، وهذا ما لا تفضله دول «أوبك بلس»… ولكن المضاربين مثلهم مثل «أوبك بلس» جزء من تركيبة السوق، ولهذا المسؤولية تقع على الجميع لاستقرار السوق، من الدول المستهلكة والمنتجة والمضاربين.

كل هؤلاء يريدون وضوحا وبيانات سليمة يبنون عليها قراراتهم، وهنا أصبحت توقعات «أوبك» للطلب والعرض أفضل بشكل أوضح من توقعات وكالة الطاقة الدولية، وهو ما يجعل السوق مؤخراً يؤمن أن «أوبك» على حق في الكثير مما تقوله.

وائل مهدي

الدولار مستقرّ حتّى بعد رحيل سلامة… بأيّ شروط؟

كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها اللبنانيون اليوم عن مصير سعر صرف الدولار بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. هل يستمرّ بالاستقرار؟ أم رحيل سلامة خلال شهر تموز سيطلق صافرة “التحليق” مجدّداً إلى ما فوق 100 ألف ليرة؟
بحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ الاستقرار مستمرّ، أقلّه حتّى نهاية الصيف. لن يؤثّر رحيل سلامة على سعر صرف الدولار في السوق، خصوصاً بعد الإجراءات التي اتّخذها المجلس المركزي في مصرف لبنان، والتي استطاعت أن تُرسي الاستقرار الحالي، وسنأتي على ذكرها أدناه.
قبل ذلك، أكثر من جهة سياسية وصحافية نقلت في مجالس خاصة عن الحاكم أنّ سعر الصرف سيصل إلى عتبة 100 ألف ليرة ويتوقّف. وتُنقل معلومات بالتواتر أنّ السير بالإصلاحات ربّما سيعيد سعر الصرف إلى ما دون 50 ألف ليرة، خصوصاً إن ترافقت تلك الإصلاحات الحكومية وتلك التي يتّخذها المجلس المركزي في مصرف لبنان، مع انتخاب رئيس مرضيّ عنه عربياً ودولياً ويستطيع أن يشكّل حكومة متجانسة يتّفق معها.
إلى حينه يمكن القول إنّه “لا ارتفاع في سعر الصرف حتى بعد رحيل سلامة” في المدى المنظور، أو أقلّه حتى نهاية فصل الصيف.
تفيد المعلومات أنّ المجلس المركزي في مصرف لبنان لم يكن راضياً على آليّة إدارة سلامة لعملية بيع الدولارات وشرائها عبر “صيرفة”، لأنّها كانت تتّسم بـ”الفوضى” و”الإفراط”، لكنّ الضغوط التي مارسها عدد من أعضاء المجلس، ثمّ التوليفات العديدة التي فرضوها على تلك الآليّة، استطاعت أن تُرسي آلية أخرى “أكثر تنظيماً” باتت قادرة على كبح “الشراهة” في شراء الدولارات “بلا سقف” التي أرساها سلامة طوال تلك المدّة، والتي تسبّبت إلى جانب عوامل أخرى بارتفاع سعر الصرف بالشكل العشوائي الذي شهدناه قبل بداية شهر آذار، وصولاً إلى نحو 140 ألفاً.

بحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ الاستقرار مستمرّ، أقلّه حتّى نهاية الصيف. لن يؤثّر رحيل سلامة على سعر صرف الدولار في السوق

كيف تمّ تنظيم “صيرفة”؟
ما يحصل اليوم يُختصر بأنّ المصرف المركزي استطاع أن ينظّم آلية عمل “صيرفة”، وذلك بالموازنة بين:
1- منصّة “صيرفة”: التي باتت مهمّتها تنحصر بسحب الليرات من السوق لكبح تضخّم الكتلة النقدية.
2- الصرّافين: من خلال استخدام قدراتهم على جمع الدولارات من المواطنين مقابل الليرات اللبنانية التي ينفرد مصرف لبنان بضخّها في السوق، وهم بدورهم يسلّمونها إلى مصرف لبنان.
استطاع المجلس بذلك أن يوازن بين ما يضخّه من ليرات عبر الصرّافين، وما يمتصّه من دولارات بواسطة “صيرفة”، لكن طبعاً هناك كلفة يعترف بها مصرف لبنان ويقوم بتحمّلها و/أو تحميل جزء منها، أو ربّما كلّها، للدولة اللبنانية.
تؤكّد أوساط مصرف لبنان أنّ تلك الخسارة “هامشية” وبلا قيمة اليوم، إذا ما قورنت مع الاستقرار الذي استطاع “المركزي” أن يرسيه، ومقارنة بالفوائد الاقتصادية والإيجابيات التي يجنيها المواطن اللبناني، والتي فرضها ذاك الاستقرار، خصوصاً بعد فرض التقارب بين سعرَيْ “صيرفة” والسوق السوداء.
هذه الخسارة هي الفارق بين سعر السوق الحالي (94,500 ل. ل) وسعر “صيرفة” (86,300 ل.ل)، أي ما بين 10 و11 ألف ليرة يتحمّلها المركزي ويعتبر أن لا مفرّ منها من أجل فرض الاستقرار.
أمّا ما يساعد مصرف لبنان على إنجاح تلك الآليّة بعد الإجراءات التي اتّخذها المجلس المركزي، فهما عاملان ذهبيان:
1- وفرة الدولارات بين أيدي المواطنين.
2- حاجتهم إلى الليرات اللبنانية من أجل تسيير الأمور اليومية.
هذه “الوفرة” بالدولارات تقابلها “حاجة” إلى الليرات، وهو ما يدفع المواطنين إلى التوجّه إلى الصرّافين لاستبدال الدولارات بالليرات، ثمّ تصبّ بدورها هذه الدولارات عند مصرف لبنان عبر الصرّافين، لكنّ هذه المرّة “بهدوء” وضمن توازن دقيق أقرب إلى “المعجزة”.
تكشف مصادر مصرف لبنان لـ”أساس” أنّ حاجة مصرف لبنان السنويّة من الدولارات من أجل تسيير أمور الدولة (باعتباره حكومة الظلّ اليوم) هي 3 مليارات دولار التي تمثّل فعليّاً عجزاً في موازنة الدولة. وكانت الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة لناحية رفع الضرائب والرسوم باحتسابها على سعر منصّة “صيرفة”، وتحسين قيمة الجباية وغير ذلك، قد ساهمت في تقليص هذا العجز الذي كان بحدود 7 مليارات دولار قبل رفع الضرائب والرسوم.
بمعنى آخر، بات مصرف لبنان قادراً من خلال هذه العملية على تأمين (لنفسه وللدولة) نحو 250 مليون دولار شهرياً من أيدي المواطنين، بعدما كانت نحو 580 مليون دولار، من دون أن يتأثّر سعر الصرف سلباً.

تفيد المعلومات أنّ المجلس المركزي في مصرف لبنان لم يكن راضياً على آليّة إدارة سلامة لعملية بيع الدولارات وشرائها عبر “صيرفة”، لأنّها كانت تتّسم بـ”الفوضى” و”الإفراط”

هل هذا التوازن قابل للاستمرار؟
تؤكّد مصادر مصرف لبنان أنّنا ما زلنا في طور هبوط سعر الليرة، لكنّ سرعة هذا الهبوط تراجعت. ليس هذا الاستقرار استقراراً مستداماً وإنمّا مرحليّ ساهمت عوامل عدّة في إرسائه بما يشبه “المعجزة”. ومن بين تلك العوامل تراجع إضرابات المصارف، وانحسار هجمات القاضية غادة عون وغيرها على المصرف المركزي، والجوّ الإيجابي إقليمياً، الذي بدأت ملامحه تظهر في سوريا وتتسرّب إلى لبنان.
في نظر المصادر “الرسمية”، فإنّ “التوازن” السوري – العربي مهمّ جداً لإطالة أمد هذا الاستقرار. فكلّما وجد الداخل السوري متنفّساً اقتصادياً إضافياً، انعكس ذلك إيجاباً على سعر الصرف في لبنان. في حين أنّ انعدام هذه الأسباب سيتسبّب حتماً بعودة “انعدام الثقة” الذي سيدفع بدوره إلى ارتفاع سعر الصرف مجدّداً.
لا تقف الأجواء الإيجابية “المشروطة” عند هذا الحدّ. بل تكشف المصادر أنّ حجم الودائع الباقية لدى المصارف لا تتعدّى 90 مليار دولار من أصل ما يقارب 160 ملياراً. وهي لمودعين اختاروا أن يعطوا ما يشبه “فترة سماح” مضمرة، خصوصاً بعد تراجع هامش “صغار المودعين” كثيراً بفعل التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان، مثل التعاميم 158، 161، واليوم 165.
ترافقت كلّ هذه العوامل مع عودة القطاع الخاص إلى التكيّف مع الأزمة بشكل ملحوظ، على الرغم من تمنّع السلطة عن القيام بواجباتها في إقرار القوانين اللازمة مثل “الكابيتال كونترول” و”هيكلة المصارف” و”توحيد سعر الصرف”.

أمّا مستقبلاً فتعتبر المصادر أنّ دخول التعميم 165 الجديد، الذي يسعى إلى إعادة تحريك المياه الاقتصادية الراكدة من خلال إعادة خلق ودائع “فريش” بالليرة وبالدولار، حيّز التنفيذ، سيكون بمنزلة الخطوة الأولى لـ”تحضير الأرضيّة” في طريق عودة الحياة إلى القطاع المصرفي، ويمكن أن يُبنى عليها مع الوقت من أجل تحويل منصّة “صيرفة” إلى “منصّة مزدوجة” تمكّن المواطنين من شراء وبيع الدولارات عبرها في المصارف. وبذلك يكون قد أفل دور المضاربين بشكل نهائي إلى غير رجعة، وعندئذٍ يتراجع دور الصرّافين الذي انتفخ منذ بداية الأزمة إلى حدود بعض الفتات فقط.
بحسب المصادر، سيكون نجاح التعميم 165، مع أجواء سياسية إيجابية إضافية، كفيلاً بضخّ جرعات إضافية من “الثقة” تستطيع كلّها مجتمعة أن تفرض استقراراً في سعر الصرف، لكن بشرط أساسي هو إظهار الجدّيّة المطلوبة من قبل السلطة، وإثبات قدرتها على الالتزام بمسؤوليّاتها. بينما المواطنون ووسائل الإعلام سيكونون مطالبين ببثّ الـpositive Vibes المفقودة، من أجل الحفاظ على منسوب الثقة القليل الباقي لإعادة إحياء الاقتصاد الوطني، وعماده القطاع المصرفي.

عماد الشدياق

مجتمع الـ20% ينمو… كذلك خطر التفلُّت

في خلال السنوات التي تلت أزمة الإنهيار المالي في نهاية العام 2019، بدأ يتكوّن اقتصاد الـ20 في المئة بشكل مضطرد، وقد وصل اليوم إلى مرحلة بات واضحاً فيها بالعين المجرّدة. تقود قراءة مفاعيل هذا الاقتصاد، إلى فرز مجموعة من الفوائد والأضرار التي تواكب هذا الوضع الاستثنائي.

كلما اجتمع اثنان في هذه الفترة، يكون ثالثهما الحديث عن الأسعار في لبنان، وكيف انّها عادت إلى الارتفاع التدريجي، وبالدولار، وصولاً إلى اقترابها مما كانت عليه قبل الانهيار. وفي تلك الحقبة، كانت بيروت واحدة من أغلى المدن في العالم.

من الوجهة الاقتصادية، يعتبر مؤشر الأسعار، من المعايير التي تشير إلى وجود بحبوحة. بمعنى، انّ المنافسة في أي نظام اقتصادي حرّ، هي التي تقود إلى تحديد سعر السلعة. وعندما نتحدث عن سلع غير أساسية، مثل خدمات المطاعم والمنتجعات، فإنّ الموضوع لا يتعلق بجشع تجار، أو غياب رقابة حكومية، بل بمتطلبات وشروط السوق، الذي يفرض إيقاعه من خلال العرض والطلب، ولا شيء غير ذلك. وبالتالي، إذا كانت أسعار الخدمات المطعمية، وسائر الخدمات المصنفّة من الكماليات، وأحياناً من النوع الفاخر (Luxury services)، إرتفعت إلى مستويات، اقتربت معها من الأسعار القائمة في العواصم الاوروبية المصنّفة غالية، فهذا يؤكّد وجود قدرة شرائية لدى عدد من المواطنين يكفي لتشغيل السوق. ولولا ذلك، لكنا شهدنا انخفاضاً في الاسعار، وإقفالات اكثر للمؤسسات.

هذا الامر حصل في بداية الأزمة، لكن السوق تأقلم مع الوقت، ووصل إلى مرحلة بتنا نشهد فيها عودة افتتاح مؤسسات كانت قد أقفلت، او حتى فتح مؤسسات جديدة.
هذا الواقع الاقتصادي، ورغم غياب الإحصاءات والأرقام التي يمكن الاستناد اليها، يشير إلى تنامي عدد المواطنين الذين يمتلكون مداخيل مرتفعة بما يكفي لتشغيل هذه المؤسسات.

وهذا الوضع ليس عادياً، ولا يحصل عادة في الدول التي تعاني انهيارات مالية بحجم التي يعانيها لبنان. وعلى سبيل المثال، واجهت الارجنتين انهياراً مالياً حتّم تدخّل صندوق النقد الدولي اكثر من مرة لمساعدتها. وحصلت الارجنتين على اكبر قرض في تاريخ الصندوق في العام 2018 وصل إلى 57,1 مليار دولار. ومع ذلك، فإنّ اسعار الكماليات في بوينس ايريس منخفضة جداً قياساً بالأسعار في بيروت. مع الإشارة هنا إلى انّ الحدّ الأدنى للاجور في الارجنتين يقارب الـ300 دولار شهرياً، في حين انّه تدنّى في لبنان إلى حوالى 95 دولاراً، وفق سعر الدولار الحالي. بما يعني انّ مستوى مداخيل الموظفين في الارجنتين أعلى بثلاثة اضعاف منها لدى الموظف اللبناني. وبالتالي، فإنّ تفوّق بيروت في الغلاء لا يعتمد على مستويات الاجور، بل على وجود طبقة من اللبنانيين تتمتّع بمستويات دخل مرتفعة نسبياً، قادرة على دعم الطلب، ودفع الاسعار إلى الارتفاع.

ما يساعد في نمو هذه الطبقة من ذوي الدخل المرتفع قياساً بالوضع المالي في البلد، الحقائق التالية:
اولاً- كادرات بشرية ذات مستويات تعليم جيدة، قادرة على العمل في ما تبقّى من شركات عالمية تعمل عبر فروع او مكاتب لها في بيروت.

ثانياً- كادرات تعمل عن بُعد، في شركات عالمية لا تستهدف سوق بيروت او المنطقة. هذه الظاهرة نمت واستوعبت اعداداً اضافية من الموظفين بفضل السلوك الجديد الذي فرضته جائحة كورونا. هذا النمط من العمل انتشر واستمر بعد كورونا، وهو لا يزال قائماً في كل دول العالم.

ثالثاً- وجود لبناني نوعي وكمّي في دول الانتشار، ساعد في تأمين وظائف عن بُعد لعدد كبير من اللبنانيين.

رابعاً- قسم من اللبنانيين العاملين في الخارج، وتحديداً في دول الخليج العربي، بدّلوا في سلوكهم الحياتي لأسباب متنوعة، وباتوا يزورون لبنان اسبوعياً، او كل اسبوعين مرة. عدد هؤلاء لا يستهان به، وباتوا يشكّلون عنصراً داعماً للإنفاق في البلد، إذ لم يعد القدوم إلى لبنان في الاعياد فقط، اي مرة او مرتين فقط في السنة، كما كان الحال في العقود الماضية.

خامساً- قسم من الشركات اللبنانية التي تعمل عن بُعد، مثل شركات اقتصاد المعرفة وسواها، أعادت مستويات الأجور لديها إلى ما كانت عليه قبل الانهيار.
سادساً- مؤسسات وشركات لبنانية تستهدف الأسواق الخارجية والمحلية، وبفضل اتساع رقعة الذين يمتلكون قدرات شرائية مرتفعة، رفعت مستويات الاجور لديها وأصبحت بالفريش دولار، وتلامس مستويات الاجور قبل الأزمة.
بالإضافة طبعاً إلى طبقة الميسورين، او الذين سحبوا ايداعاتهم قبيل الأزمة، ويتمكنون اليوم من الإنفاق بحرّية اكبر.

كل هذه المعطيات سمحت بتكوّن مجتمع الـ20%. وهذا الأمر ايجابي من حيث المبدأ، لأنّه يساعد في التعافي لاحقاً بسرعة. لكن الناحية السلبية تكمن في اتساع الهوّة بين هذه الطبقة الجديدة، وبين المسحوقين الذين يعيشون تحت مستويات الفقر. وقد تمّ تقدير هؤلاء بحوالى 70% من السكان، فيما نسبة الفقراء في الارجنتين مثلاً هي 45%.

هذا الواقع يشكّل جرس إنذار، وينبغي الإسراع في الانتقال إلى خطة التعافي، وعودة الاقتصاد الى مسار طبيعي، لكي تتمكن السلطات من ردم الهوة بين الناس، لأنّ استمرارها على ما هي عليه، يهدّد المجتمع والأمن، ولا احد يستطيع ان يضبط وضعاً مماثلاً لفترة طويلة، لأنّ خطر التفلّت سيصبح أقوى من قدرات اي جهاز على ضبطه. انّها مسألة وقت، والوقت هو العنصر الذي لا تعيره السلطة الجاهلة اي اعتبار.

انطوان فرح

عملة اليورو الرقمية

احتفل البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي، بمرور 25 عاماً على إطلاق عملة اليورو، وكرر مسؤولو الاتحاد الأوروبي خلال الحفل نيتهم إصدار عملة اليورو الرقمية خلال الثلاث سنوات المقبلة. وقد شهدت أوروبا بعض الاحتجاجات بشأن هذه العملة خلال الأشهر الماضية كان أبرزها مظاهرات أمستردام في فبراير (شباط) الماضي. فما هي عملة اليورو الرقمية؟ ولماذا يحرص البنك المركزي الأوروبي على إصدار هذه العملة على الرغم من الاحتجاجات؟ وماذا عن بقية الدول؟

عملة اليورو الرقمية هي أحد أشكال (العملات الرقمية للبنوك المركزية) وهي العملات غير المرتبطة بسلعة مادية والصادرة عن الحكومات، وتشبه إلى حد ما العملات المشفرة المستقرة (Stablecoin) وهي نوع محدد من العملات المشفرة المربوطة بعملة أو سلعة أو أداة مالية للحفاظ على استقرار قيمتها. وقد زاد توجه البنوك المركزية إلى دراسة جدوى إصدار عملات رقمية خلال السنوات القليلة الماضية. وأوضحت دراسة أن نحو 90 دولة في العالم تدرس إصدار عملات رقمية، وأن بعض هذه الدول أصدرتها بالفعل مثل نيجيريا وجامايكا والصين. ولهذا التوجّه عدد من المحفزات، مثل انخفاض التعامل بالنقد خلال السنوات الأخيرة، لا سيما أثناء الجائحة، كما أن البنوك المركزية تحاول بدورها الاستفادة من زخم الابتكار الذي يحرك العالم الآن، والذي قد يفيدها في زيادة الشمولية المالية وتسريع التسوية المالية.

أما البنك المركزي الأوروبي فله مبررات عديدة بشأن إصدار هذه العملة، وهي متغيرة مع الزمن، فالبداية كانت قبل سنوات عدة، حين أعلنت شركة «ميتا» («فيسبوك» حينها) عملتها الرقمية «ليبرا»، تخوّفَ آنذاك البنك المركزي الأوروبي من أن يزيد نفوذ الشركات التقنية الأميركية في أوروبا، فأعلن هو الآخر بدء دراسة إمكانية إصدار «يورو رقمي». ولكن «ليبرا» اندثرت بعد فقدان «ميتا» الاهتمام بها. ومن ثم راقب «المركزي الأوروبي» بزوغ نجم العملات المشفرة، وأراد إيجاد بديل أكثر استقراراً من العملات المشفرة، ولكن العملات المشفرة لم تعد تهديداً الآن بعد أن انخفض سعر «بتكوين»، ملكة العملات المشفرة، واهتزاز عالم العملات المشفرة بعد انهيار عدد من شركاتها.

ومبررات الاتحاد الأوروبي اليوم مختلفة، أبرزها أنه لا يمتلك شركة مدفوعات ضخمة مثل «فيزا» أو «ماستر كارد» أو حتى «أبل باي» و«غوغل باي»، وهو لا يريد الاعتماد على هذه الشركات الأميركية، لا سيما أنه جرب ويلات الاعتماد على مصدر وحيد في الطاقة. ولذلك فهو يريد من الآن بناء نظام المدفوعات الخاص به، الذي قد يخدمه كذلك بزيادة متانة اليورو. كما يرى الاتحاد الأوروبي أن العملات الورقية قد لا تتناسب مع التطورات المستقبلية.

إلا أن هذا النظام يلاقي احتجاجات من الأفراد ومن البنوك، فالأفراد يخشون أن تكون هذه العملة وسيلة لانتهاك خصوصيتهم، لا سيما أن التعامل بين المستهلكين والبنك المركزي سيكون مباشراً، وليس عن طريق البنوك التجارية كما جرت العادة. إحدى هذه المخاوف هي أن تفرض الحكومة قيوداً على بعض المشتريات بحسب معدل الأعمار (مثل منتجات التبغ أو الكحول)، أو بحسب الأحداث المعاصرة (مثل منع السفر أثناء الجائحة). أما البنوك التجارية فقد كان تخوفها أكثر واقعية، ففي حال تعامل المستهلك مع البنك المركزي مباشرة، فإن البنك المركزي سيكون في مقام المنافس للبنوك التجارية، وقد يتسبب في التأثير سلباً في ودائع البنوك التجارية، وبالتالي على إمكانية منحها القروض.

إن جدوى العملات الرقمية للبنوك المركزية تختلف باختلاف الدول وظروفها، فالولايات المتحدة على سبيل المثال ليس لديها كثير من مبررات الاتحاد الأوروبي، ولذلك فإنها أقل إقداماً على إصدارها، لا سيما مع زيادة تكاليف إصدارها مقارنة بميزاتها القليلة. بالمقابل، فقد وجدت كل من السعودية والإمارات مبرراً لإصدار عملة رقمية مشتركة (مشروع عابر) وذلك لاستخدامها في عمليات التسوية بين البلدين، وهي عملة غير مخصصة للمستهلكين، وهدفها الرئيسي تعزيز التجارة بين البلدين. أما الصين فإنها قد تستخدم عملتها الرقمية في زيادة انتشار عملتها وزيادة الاعتماد عليها عالمياً، ويتضح أن الاتحاد الأوروبي له أهدافه السياسية خلف إصدار عملته الخاصة به، بينما أعلنت كل من كندا وسنغافورة عدم جدوى هذا الإصدار. ولذلك فإن إصدار العملة الرقمية الحكومية يعتمد بشكل جوهري على ظروف الدولة وهدفها خلف إصدار عملتها، حتى لا تكون العملة، كما وصفت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» عملة اليورو الرقمية بأنها، «حل يبحث عن مشكلة».

د. عبد الله الردادي

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات