( 1 ) العيش عند سفح البركان

العيش عند سفح البركان …
بات معلوما، ويجب أن يكون العلمُ راسخا لا شكّ فيه، والقناعة ثابتة لا شائبة عليها .
بات مفهوما، ويجب ان يكون الفهمُ نقيا منقشع الأفق، والإدراك صفيا جلي الثوابت لا تردد في قبوله.
بات مفهوما ومعلوما ومؤكدا وجليا وواضحا وثابتا أن العمل في أسواق المال، والنجاح فيه، والثبات عليه، ليس من المستحيلات المقتصرة على بعض الموهوبين، ولكنه أيضا ليس من الاعمال المبَسّطة العادية أو الوظائف الروتينية اليومية، كما يحلو للبعض تصويره.
شاهدت مؤخرا عرضا تلفزيونيا يصح تصنيفه دعائيا أكثر منه إعلاميا، أدمن على تقديمه أحد الطارئين الجدد على السوق، فتعمد في حديثه تصوير الربح في السوق على أنه من المسلّمات التي لا يعوّقها عائق ولا يمنعها مانع. تعمّد إقناع المشاهدين أن مجرد التعرّف الى الرسم البيانيّ والتدرّب على استعمال برنامج المتاجرة يعني الانتقال من الفقر الى الغنى، ومن الضِعة الى الرفعة.
تعمّدت مراقبة حركات صاحبنا وتتبع تقديمه لبرنامجه في أكثر من حلقة واحدة، فتكوّن لديّ شعورٌ بكونه لم يوفق في عمله كمتاجر في السوق، ولا في تحقيق ثروة يطمع بها، من ممارسة تجارة – هو ليس لها – وهي في أعلى سلّم المهن، من حيث متطلبات الذكاء والنباهة واليقظة والوعي وتوقّد الفكر. هو لم ينجح في تحقيق هدفه فتحوّل الى الاسترزاق من التعليم.
التعليم مهنة – بل رسالة – نبجّلها ونحترمها، على أن تكون محافظة على شرف التوجه وأخلاقية المنطلَق . صاحبنا لم يحافظ على كلي الشرطين، لقد فشل في التعليم ، ثم جُرّم في الوسيلة المعتمدة للثراء، كما فشل في ممارسة التجارة.
كان المعلم الطارئ يقدم للمشاهدين رسما بيانيا لسهم أو لعملة تكون فيها الوجهة تصاعدية ( ولم يقدم مرة واحدة “ترند” بوجهة تراجعية، لكون التصاعدي يغري النفوس ويجذب العقول ) . كان يضع سهما يختار له اللون الأخضر( وللخضار جذبا سحريا في مثل هذه المواضع) عند أسفل “الترند”، وسهما آخر أحمر عند أعلاه، ثم يقول بنبرة الواثق العارف الصادق الناصح: هنا تشتري مشيرا الى السهم الأخضر، وهنا تبيع مشيرا الى الأحمر. ويضيف – وعينه في عين المشاهد تحديقا – الربح يكون كذا بالنقاط، ويكون كذا بالدولارات.
التعليم عزةٌ والتنوير شرفٌ. إيّاك أن تحوّله الى خداع. لا يبقى بهذه الحالة وصفٌ له سوى كونه ذلة وتسولا.
كلّ متمرس في السوق يدرك أن الشراء يجب أن يتمّ عند السهم الأخضر ، وهذا يبدو جميلا ومشوّقا ومثيرا اذا رأته العين وقد اكتمل “الترند” فحقق ما حقق من ارتفاع. كل مشاهد توسوس له نفسه الشراء في أسفل القاعدة والبيع في الأعلى، ولكن!
لنجرب أخي القارئ سوية طمس الجزء المتصاعد من الترند بورقة تخفيه عن نظرنا انطلاقا من السهم الاخضر وصولا الى الأحمر. لنفعل ذلك ثم لنسأل أنفسنا : لماذا كان عليّ أن أشتري في العمق؟ كم هو مستوى الخطورة؟ ما المعطيات التي تحثّ على الشراء وترجّح حدوثه؟ وغيرها ، وغيرها من الاسئلة الملحة والمبررة التي لا بد من إيجاد الجواب لها قبل الشروع بعملية الشراء.
أسئلة كلها مهمة، ولكن الأهم يبقى التالي : ماذا لو اشتريت وانقلبت المسيرة؟ ماذا لو صار الترند تراجعيا لسبب ما؟ كم ستبلغ الخسارة؟ أين سأخرج؟ كم سيكون بمقدوري التحمّل ، ماديا ونفسيا؟
كلّ هذه الأمور تجاهلَها الأستاذ المعلم ولم يأت على ذكر أبسط تفصيل فيها. هو رمى الى هدف وبلغه. أراد التوجّه الى شريحة خام محدّدة من المشاهدين. شريحة  لا تزال طرية العود تريد أن تربحَ وهي تستعدّ للمباشرة بالعمل دون طرح الكثير أو حتى القليل من الأسئلة.
هذه الفئة من المشاهدين تريد طريقا مزروعة بالرياحين والورود. تريد أن تسمع كلاما جاذبا يدغدغ لها طبيعتها الراغبة في التعرف على العمل بالبورصة. هو زرع لها هذه الطريق، ونصب هذا الفخّ، مستغلا سذاجة تتمكن من طباعها.
هنا نصل الى الشقّ الثاني من الجريمة. المشاهد الذي وقع في الفخ هو شريك المعلم الذي جذبه إليه، لأن الثاني أعطى الاول ما استلذّ سماعه، ولو قال له غيرَ ما قال لانصرف عنه وما أصغى.
أخي القارئ لنتصارح.. أنت وأنا…
إن سلسلة مقالات سبقت هذا المقال على هذه النافذة وكانت خلاصة خبرة عمر لمستنيرين مجرّبين – هم قبل كل شيء مخلصين – لا تبتعد عن جو الفكرة الرئيسية لحديثنا هذا.
أنا أعترف وأقر وأصر . أنا أدعوك الى الإعتراف والإقرار والإصرار معي على كون المسألة أخلاقية قبل كل شيء آخر. لا تساوي الذهب بالنحاس، فالبَون شاسع بين المعدنين وقيمة الواحد لا تقارَن بقيمة الآخر.
أبطالٌ نستوطن السوق. برابرة يعبرون فيه. أيضا في هذه خلاصة سنوات من الجدّ والسعي والبحث والمقارنة والإستخلاص . هي أيضا تستحق الكثير من التبصّر والتقدير لتضمّنها جملةً من الحقائق ومن الثوابت ومن العِبَر.
يتبع.

للتواصل مع كاتب المقال
bild11u

( 2 ) العيش عند سفح البركان

لا شك في كونك – أخي القارئ – قد أنبتت في نفسك أملا وغذّيته شهورا – كما حالة الكثيرين غيرك ممن تعرفوا على هذا السوق فاشتدّ هيامَهم به – . الأمل هذا مغرٍ، فهو يدغدغ أحاسيس الأنا، ويوسوس لكلٍ من الوافدين بإمكانية الظفر بمهنة جديدة تدرّ من الأرباح ما يكفي مؤونة أو ما يزيد.
أخي القارئ .
إن طموحك المشروع هذا يمكن ان يتحوّل الى واقع، شرط أن تكون لها…
إن طموحك هذا سيكون بعيدا عن التحقق، بل مستحيل البلوغ، إن كانت شروط هذا العمل لا تماشي قدراتك الفكرية أو النفسية أو المادية …
طويلٌ هو الصفّ الذي يجب أن تقفَ فيه سعيا الى الهدف. منذ برهة كنت في مؤخرة الواقفين وها أنت الآن وسط الصف الطويل ، لأن الوافدين وراءك كثر …
ضيقٌ هو الباب الأيسر المذهّب الذي يستقبل كل مَن سمحت له مؤهلاته اجتياز اختبار التحمّل والثبات. قلّة هم السعداء الذين يدخلون هذا الباب …
واسع هو الباب الحديدي الأيمن الذي يخرج منه كلّ من اقتنع، بعد عناء، أنه في المكان الخطأ والزمان الخطأ بعد اتخاذه القرار الخطأ…
راقب جيدا كل الذين يقفون أمامك. إنهم يريدون ما تريد ويسعون الى ما تسعى.. بعضُهم ينالُ مبتغاه، وكثرتهم يخرجُ مقتنعا أو مكرها، إذ لا مجال للمعاندة أو المخادعة أو الغرور في هذا المكان.
أخي القارئ.
إن اولئك الذين يدخلون في الباب المذهّب ، ( وهو الباب الذي تتمنى وُلُوجه أنت ) ، إن هؤلاء لعارفين إنهم سيعيشون عند سفح البركان، ولجاهزين في كل لحظة للتعامل مع غضبه بالوسيلة الملائمة.
إنهم يدركون نسبة الخطر، ويعرفون أن الهولَ آت يوماً، والغضبَ بادٍ في ساعة ليلٍ، أو في ساعة نهار.
إنهم أبطالٌ حقيقيون، شجعانٌ أقحاح، يعشقون المواجهة ويعرفون مواضع الكرّ ومواضع الفرّ.
أخي القارئ.
لا تتردد في الإنسحاب إن لم تأنس في نفسك قدرة. ولا تتردد في الصمود إن سمعت صوتا داخليا يهتفُ لك أن إبقَ.
وحده صوتك الداخلي يحسن تقييم الأمور، فاصغِ له.
ألأزمة المالية الأخيرة كانت أقسى مما تصور خبيرٌ أو مستثمرٌ أو مسؤولٌ من الكبار الكبار. رمت سهامَها بكل الإتجاهات فأصابت الكثيرين وما استثنت إلا القليلين. أعرف جملة من العِتاق الذين كانوا يدركون أن ثورة البركان آتية لا محال. إصاباتهم كانت غير بليغة، وها هم  يخرجون من الرماد، وينفضون عن أكتافهم غبار أيامٍ عجاف.
أخي القارئ.
بتنا نستلذ العيش عند سفح البركان. نحترم قوته وجبروته. نتعلم منه الكثير الكثير. لا ننكر عليه ما يحتكر من مزايا، وما يكتنز من خفايا. لا نتجاهل الإنذار المبكر، فنتذاكى ونغترّ… نحدّ من خسارتنا إذا هبّت ريحُه في وجهنا، ونستغلّها لصالحنا إذا هبّت ريحُنا في وجهه.
نحن لا ندفن رؤوسنا في الرمال، غير آبهين بمؤخرتنا عارية بادية للعيان…
إعلم، أخي القارئ، أن البركان جبارٌ عنيد. فنّ العيش عند سفحه لا تمتلكه الكثرة. له مخاطرُه، لكن نكهته الخاصة أيضا؛ يستلذها البعض – نستلذّها نحن – فلا نطيق عنه ابتعادا. نستلذّها الى حدّ استشعار الإشتياق في العُطَل.
نستلذّ الحياة عند سفح البركان، لأننا لها.
أخي القارئ !
جاورنا !
إن كنت لها !

للتواصل مع كاتب المقال :   khibrat-omr@boursa.info

هي مسألة أخلاقية قبل كل شيء…ا

هي مسألة أخلاقية قبل كل شيء…ا

هي مسألة أخلاقية قبل كل شيء…
هذه كلمات من العقل والقلب حتمت قولها مخفيّات تحتمل الشك في سلامة النوايا، وفرض البوح بها الحذرمما قد تودي اليه قلة التجربة وانعدام الخبرة.
هي كلمات لا يُقصد بها فردٌ بعينه بل فئة ممن يصحّ نعتها بالغرور وتسميتها بالمراهِقة.


عندما يفشل امرؤ في تجارة الفوركس  لأنه يفتقر الى الخبرة الضرورية، او لأنه هاوِ في تعاطيه مع الحياة كما في ممارسته لعمله، أو لأنه طمّاع متهوّر انتحاري مهووس لا يفقه من اللعبة كلها سوى عنوانها، ولم يتعرّف الا الى بعض أذنابها. عندما يفشل العامل في حسابه الخاص  فشلا ذريعا ويخسر كل أمواله أو جزءا كبيرا منها، ثم يتحول لعرض خدماته على غيره ممن لقوا مصيره –  وللاسباب نفسها –  موهما إياهم بأنه سيد الفوركس – أو البورصة عامة – وأميره وملكه، وانه القاهر الذي لا يُقهَر والفارس الذي لا يُغلب، والمُلهم الذي لا يخطئ. عندما يكون هدفه من كل ذلك الحصول على مبلغ جديد – قلّ أو زاد – لمعاودة الكرّ  بنفس الأسلوب ، أو بتعديلات أدخلها عليه. عندما يتوهم الواحد بانه كل ذلك، ويوهم بأنه كل ذلك، لا أملك سوى أن أقول له: تمهل يا اخي، ان المسألة هي أخلاقية قبل كل شيء ويجب ان تبقى كذلك على الدوام.
عندما يعرف واحد من المتعاملين الذين فشلوا في الحفاظ على جزء من أموالهم، وضحوا بها على مذبح تعاملهم المراهق مع سوق لا يمكن الاستهانة بعدائيته وصلابته وقسوته، عندما يعرف انه فاشل ولا امل له في هذا المجال فيستمرّ في العناد والمكابرة والتجبر. عندما يعرف الواحد كل ذلك، ويقرر بالتالي ان يكرّر اللعبة استمتاعا ويتابع المغامرة هوسا؛ ولكن بمال غيره  وليس بماله هذه المرة. عندما يوهم الناس ايضا بانه سيّد اللعبة وممتلك أسرار السوق ومكتشف لغزه الباطني ، هادفا من ذلك الى المقامرة بأموال الغير وتوفير ما تبقى من ماله الخاص، وهو يعرف سلفا محدودية حظه بالنجاح وانسداد الأفق إلا أمام بعض من المتعة الناتجة عن لعب القمار. عندما يفعل هذا الغدّار هذه الفعلة فلا أملك سوى القول له: رويدك أخ العرب، ان المسألة هي أخلاقية أولا وآخرا.
عندما يعمد واحد من الطارئين الهواة المراهقين في سوق الفوركس الى خداع الناس باضاليل إشباعا لأنانيته وخدمة لنزواته القهارة، لا املك سوى أن احتقر فيه هذا الطبع، وأجرّم هذه الممارسات، لكون الفارق بين العمل في أسواق المال والتسلية في أروقة الكازينو كبيرا جدا جدا.
عندما يبالغ واحد من الباحثين عن فرصة لتثبيت قدميه في السوق فأنا أدعوه الى التثبت من قدراته والتفحص في إمكانياته وسحب كل تجاربه على كل حالات السوق وتقلباته. أدعوه الى التثبت من كونه قد دخل فعلا منتدى الناجحين في التعامل، وكفّ عن التسول على الرصيف المقابل له،  قبل أن يعرض خدماته على أصحاب الأموال. أنا أنبهه  الى أن بعض هؤلاء من السّذج الذين قد لا يكونون من الأثرياء المحصّنين ضد الخسارة بخزائن مخزونة، بل من العصاميين الجاهدين العاملين الذين وفروا كل قرش ليوم الشدة، وأملوا أن يزيدوا الفلس ليصير فلسين بنعمة من ربهم ومباركة لأولادهم، فلا يجوز دينا ولا أخلاقا ان يعمل الواحد من المراهقين أطرياء العود الى إيهامهم -عمدا او غير عمد –  بما يستلذون سماعه إرضاء لغريزته الهدارة.
أدعو المغرِّرين الهواة الطمّاعين  الى خوف الله والإتعاظ من غيرهم ممن سبقوهم على هذا الدرب فلم يحصدوا سوى الشوك لكونهم ما زرعوا سوى الريح.
أدعو المغرَّرين السّذج المتعرِّفين حديثا على عالم البورصة أن يتروَّوا ويتحسّبوا ويتبصّروا ببعض من الكلمات المعسولة والتعابير المجدولة فلا ينخدعوا بها. إنها تخبئ في طيّاتها القليل من الصدق والكثير من الغدر، فلا ينتج عنها سوى الخسارة والحسرة.






نبذة عن التضخم

نبذة عن التضخم –  – 24th  February 2006

 

كلنا يسمع عن التضخم و يعتبره ظاهرة اقتصادية مألوفة, فالاحصائيات بهذا الشأن تصدرعلى الأقل مرة كل ربع سنة كما أننا نواجه هذه الظاهرة في حياتنا اليومية, وذلك من خلال ارتفاع الأسعار, فمنّا من ينظر الى التضخم على أنه فقط عبارة عن  فقدان العملة من قوتها الشرائية دون أن يتعمق في الموضوع وما ورائه, و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما الذي ينجم عنه التضخم؟

تعريف التضخم

التضخم يمكن تعريفه على أنه عبارة عن نسبة التغير في أسعار المستهلكين, و بالتالي فان هذا التعريف لا يأخذ بعين الاعتبار نمو أسعار العقارات و الأسهم مثلا, و يرجع السبب في ذلك بالدرجة الأولى الى تذبذب أسعار هذه الأخيرة نتيجة للتغير المفاجىء في الطلب من جهة و العرض من جهة أخرى. و يعتبرأثرالتذبذب في الطلب أساسيا و ذلك لأنه في حالة الرخاء, فان الأجور تنمو بنسبة غير متساوية, بحيث تنمو الأجور العالية أسرع منالأجور المنخفضة. للتوضيح فان الطلب للعقارات و الأسهم يكون كبيرا عندما يتوقع المشترون في هذه الأسواق ارتفاعا للأسعار في المستقبل, و هذه التوقعات موجودة أيضا في فترة استقرار الأسعار. اذا أخذنا على سبيل المثال الأسهم, فان التوقعات في المدى الطويل اما أن  تفترض ارتفاعا للأسعار أو ارتفاعا في المردود لدى المنتجين, و هذا الأخيرلا يتحقق الا اذا كان ارتفاع انتاجية المنتجين أعلى من ارتفاع الأجور.

التضخم أيضا هو انخفاض في  قيمة النقد,  فعندما تزداد كمية النقد التي يتداولها الناس بسرعة أكبر من  تزايد المنتوجات التي يستطيعون اقتناءها فان العملة  تفقد من قيمتها. ان العلاقة بين حجم الكتلة النقدية و التضخم علاقة ايجابية قوية.

ان مصدر التضخم يكمن في ارتفاع الطلب بسرعة  أو انخفاض العرض بنفس الدرجة أو في كلاهما, فعندما يتجاوز نمو الأجور نسبة زيادة الإنتاجية أو عندما ترتفع تكلفة استيراد المواد الأولية كالنفط أو عوامل الإنتاج كرأس المال فان مؤشر التضخم يرتفع بسرعة.

فهذه الظاهرة لها اذا صلة كبيرة  بالاستهلاك و الانتاج  من جهة و بالسياسة النقدية من جهة أخرى. فالتضخم كما رأينا  يؤدي  الى ارتفاع الأسعارولكن هل كل ارتفاع في الأسعار يشكل تضخما؟.

الجواب بالنفي, وذلك لأن مفهوم ارتفاع الأسعار بحيث تصبح تشكل تضخما هو مفهوم نسبي, فالأسعاران بلغ ارتفاعها مستوى معينا فانه يصبح  تضخميا, بأن يكون مثلا ارتفاع الاسعار على المستوى المحلي أسرع ممّا هو على المستوى العالمي, أو عندما يستمر الارتفاع بصورة دائمة, أو عندما لايوازي نمو الأجور و الرواتب ارتفاع الأسعار فتضعف بالتالي قدرة الشراء.

التضخم يأتي على ثلاثة أشكال:

تضخم الطلب بحيث أن ارتفاع الأسعاريحدث نتيجة لزيادة الطلب عن الطاقة الإنتاجية للاقتصاد, فزيادة الإنفاق في الاقتصاد هنا ليست زيادة في الإنتاج الحقيقي بقدر ما هي نتيجة لارتفاع الأسعار.

التضخم الزاحف و هو عبارة عن ارتفاع سنوي في مستوى الأسعار بنسبة تتجاوز بين ال-1% و 3%, و هنا تجدر الاشارة الى أن نسبة الارتفاع البسيطة في الأسعار تعتبر نموا للاقتصاد, و يرجع ذلك بالدرجة الأولى الى ارتفاع أسعار السلع قبل ارتفاع أسعار الموارد, الشيء الذي يؤدي ذلك إلى زيادة الأرباح مما يحفز المنتجين على رفع مستوى استثماراتهم.


والتضخم التصاعدي

في الأسعار والأجوربحيث تؤدي زيادة الضغوط على الأسعار إلى ردود أفعال تزيد من حدة التضخم,  وبالتالي  يصبح يغذي نفسه بنفسه. فما شهدته ألمانيا في أوائل العشرينات من هذا القرن لما أرادت الحكومة أن تغطي نفقاتها عن طريق رفع السيولة النقدية حيث طبعت النقود بمعدلات مرتفعة جدا حتى بلغ معدل

التضخم نسبة خيالية أدت بالألمان الى اللجوء الى المقايضة واستخدام السلع بدلا عن النقود.

آثار التضخم

نرى من خلال هذه النبذة القصيرة عن التضخم و أشكاله أن من أكبر آثاره فقد النقود لأهم وظائفها، وهي كونها مقياسًا للقيمة ومخزنا لها, فكلما ارتفعت الأسعارتدهورت قيمة النقود متسببة بذلك في اضطراب المعاملات بين الدائنين والمدينين, وبين البائعين والمشترين, وبين المنتجين والمستهلكين  فتشيع الفوضى داخل الاقتصاد فيلجأ الناس الى بديل عن عملتهم المحلية.
التضخم أيضا له آثار اجتماعية لأنه يعيد توزيع الدخل القومي بين طبقات المجتمع بطريقة غير عادلة, فالمتضررون منه هم بالدرجة الأ ولى أصحاب الأجور الثابتة والمحدودة الذين تتدهور دخولهم  لكونها ثابتة في أغلب الأحيان وتغيرها يحدث ببطء شديد وبنسبة أقل من نسبة ارتفاع المستوى العام للأسعار. كما أن المدخرين لأصول مالية كالودائع طويلة المدى  بالبنوك كثيرا ما يتعرضون جراء التضخم  لخسائر كبيرة بسبب التآكل في القيمة الحقيقية, بينما تحظى المدخرات في الأراضي و العقارات والمعادن الثمينة بالفائدة.

من آثار التضخم على الاقتصاد تدهور قيمة العملة في سوق الصرف واختلال ميزان المدفوعات حيث تتعرض الصناعة المحلية الى منافسة شديدة بسبب المنتجات المستوردة, فينجم عن ذلك تعطيل للطاقات وزيادة في البطالة و انخفاض في مستوى المعيشة. و في هذا السياق تجدر الاشارة الى ما حدث بالولايات المتحدة الأمريكية حيث تقلص الفائض في ميزانها التجاري لما ارتفعت فيها الاسعار بمعدل أسرع منه في اليابان ودول السوق الأوروبية المشتركةالتي كانت نسبة الانتاجية فيها على أعلى

مستوى,  ونتج عن ذلك العجز الذي عرفته في ميزان العمليات التجارية.

 

دور البنك المركزي

من هنا نرى أن مهمة البنك المركزي تتركز أساسا في تحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط والطويل دون التسبب بركود مسبب للبطالة. فدوره هنا يتلخص في تحديد الجرعة الكافية من الكتلة النقدية للحفاظ على النمو الاقتصادي مع استقرار الأسعار.  تجدرهنا الاشارة الى أن البنك المركزي ينتهج مسلكين لأداء هذه المهمة. المسلك الأول يتم عن طريق السياسة المحركة للكتلة النقدية, و التي لا تؤثر كثيرا على الأسعار في المدى القصير, و ذلك راجع الى سرعة تداول النقد المتقلبة خلاله. و المسلك الثاني يتمثل في السياسة النقدية المحركة للفوائد, و هذا المنهج  يؤثر بسرعة على الطلب بسبب ترابطه القوي والسلبي به, فارتفاع الفائدة يرفع من تكلفة الاستهلاك والاستثمار والإنفاق العام و بالتالي فانه يساهم في تخفيض حجم الطلب العام في الاقتصاد.

و أخيرا و بعد هذا العرض القصير عن التضخم و دور البنك المركزي في استقراره و بالتالي في استقرار الاقتصاد, تجدر الاشارة الى أنه في السنوات الأخيرة أصبحت المنافسة العالمية الحرة تلعب دورا و لو بسيطا في استقرار الأسعار و بالتالي في تقليص التضخم.

 

إنتبهْ! مَصيَدة! ما كلّ مَن نَصَحَ صَدَقْ ( 2 )ا

تملأ نفسي أحيانا مشاعر متطرفة. تغزو ذهني أفكار قريبة من الخيال. أشعر رغبة متسرعة في قتل الواقع. بي تمرّد وراثيٌ عليه..
يا لسذاجتي! وكأنّ ما عَصَرَ نفسي من ألم لا يكفي لأتعلم. لأستخلص العِبَر. لأحوّل التجارب الى أمثولات.. لأكفّ عن مطاردة المثاليات المستحيلة..
أقرأ، أو أسمع أخبارا. تصيبني في الصميم. أسارع الى قلمي. أبحث فيه عن راحة لنفسي. أهمّ بالإعتراض. أنسى أن الواقع غير الحقيقة. أن هناك توترا أبديا بينهما. .
أرفض أن نضحي بالحقيقة إلتماسا لما يُسَمّى نجاحا. هَوَسي الدائم يدور أبدا حول سؤال رئيس: ماذا تقول الحقيقة؟
لا أعرفُ إن كنت مصيبا في ذلك. أعرفُ أن هذا الدرب وَعِر. سلوكه مُكلِف وعسير.
وماذا يقول الواقع؟
نحن شعب مُسيس. الكل يعرف هذا.  نَدَرَ ما اجتمع اثنان إلا والسياسة ثالثهما. نتدرب على السياسة منذ بداياتنا. وإن كَبُرنا، وتوظفنا، فنحن ساسة صغار. صورة مصغرة عن الكبار. وان كَبُرنا، وتاجرنا، فبالذهنية السياسية. والسياسة بمفهومنا المتخلف شطارة. شطارة تعني: مَكرٌ. خُبثٌ. كَذبٌ. غلَبَةٌ. ونسمي هذا نجاحا..
الناجح هو الرابح. الهدف يبرر الوسيلة. الكيف غير مهمة… أرشيف المؤتَمنين على النظافة أكلَه الغبار.
تحدثت في مقالتي السابقة عن المطرقة. ثم عن السندان. رجوت القارئ ألا يكون ما بينهما… والكل يعرف ما بينهما.
سألت: مدعي مساعدة بعض الأغرار لماذا يقدم لهم سلعة لن يستفيدوا منها. ما مصلحته في ذلك؟ 

 أجبت: ببساطة لأنه يريد ان يعلّمَهم ما يستفيدُ هو منه. والآن أزيد: هو يشتغل سياسة. يتخيّل نفسه سياسي. سياسي صغير على قدّه. يتشبه بالسياسيين الكبار. وبالقدر الذي تسمح به عبقريته.
  
نحن لا نحتكر هذا الفن، وإن برعنا فيه. الخديعة موجودة مذ كانت الأنا. الخديعة والأنا في تواصل أبديّ وتكامل سرمديّ…
الكاتب المسرحي الفرنسي “موليير” عاش في القرن السابع عشر. صوّر في إحدى مسرحياته موقفا قريبا من الذي نحن بصدده. ترك للسخرية المجال الأوسع في التعبير.
عندما أراد ” مسيو جوردان ” تزويج ابنته جمع أصدقاءه وطلب مشورتهم في الهدية الأمثل التي بوسعه تقديمها لها.
قال ( الصديق)  الأول: أتمنى لها عِقدا من الألماس المُرَصّع يخجل بريقه من جمالها إن بدا. ( هو يتمنى لها…).
قال الثاني: بل هي سجادة عجميّة حاكتها أنامل نسوة من بلاد الفرس، واحتاج العمل فيها الى سنوات. لي رغبة جامحة أن أراها في بيتها. ( له رغبة…).
قال الثالث: أنصحك يا صديقي أن تعدُلَ عن فكرة الزواج، وترسلَ ابنتك الى دير للراهبات، فهي وُلِدَت لهذا، ولن يكون لها نجاحٌ أو حظٌ في الزواج…
صديق “مسيو جوردان” الأول كان صائغا يصنع الحليّ ويبيعها.
صديقه الثاني كان تاجرا يستورد السجاد العجميّ ويبيعه.
صديقه الثالث كان أبا لصبيّة تنافس العروس على قلب العريس، ويتطلع هو الى أن تفوز به.
عزيزي الوافد حديثا الى سوق المال. سِلَعٌ كثيرة ستُعرَض عليك. لا تجلس طوعا بين السندان والمطرقة. تروّى وتبصّر. إختَر فقط ما يكون نافعا. هو قليل من معروض كثير.
في هذا السوق يستحيل لك أن تجدَ مؤشرا واحدا – من بين مئة مؤشر معروضة – بمقدوره هو ان يعطيك إشارات بيع وشراء ثابتة ودائمة وناجحة وموثوقة. من يقول غير هذا فالخديعة توأمه.
هذا يتحدث عن ال “موفينج أفرج” ( المتوسطات المتحركة ). ذاك عن ال بوللينجر. ذلك عن ال “بارابوليك”. آخر يفضل ال “ماكد” ( نقل عربي لل  MACD ). وغيرهم وغيرهم…
هم يقولون لك ذلك.. أنا أقول غير ذلك..
قُمْ الى معولك. أهدمْ بيتك الذي يأويك. إبحث لنفسك عن كنز رأيته في المنام تحت أساساته. حظّك في العثور على الكنز يفوق حظّك بالربح معتمدا على إشارات شوهاء ونظريات بلهاء، لا منطقَ يحكمها، ولا علمَ ينطبق عليها.
  
المؤشرات المئة تلك، كلّ واحد منها صالح لأن يكون هو مرشدي الى الربح. بشرط واحد وحيد: يجب ان أجد له غربالا يُسقط الإشارات الخاسرة التي يعطيها، ويحفظ الرابحة.
هذا يدّعي انه وجد سرّ الثراء في غربلة إشارات المتوسطات المتحركة بغربال ال “ماكد”. ذاك يفضّل غربلتها ببعضها، وبغربال من جنسها له قياس مُبتكر… كلّ هذا كلامٌ بكلام. كلامٌ فارغٌ يُخدّر الفكر ويُثقل على الفؤاد.
الغربال هذا، كلّ يبحثُ عنه. لم ينجحْ أحدٌ في العثور عليه. لن تنجحَ انت أيضا..
أتريدُ أن تعرفَ السبب؟
ببساطة كليّة واختصار شديد، لأنك تبحث في الخارج عمّا هو في ذاتك. لأنك أنت هو هذا الغربال. لأني أنا هو ذاك الغربال. لا تبحثْ عنه خارجَ ذاتك. إن لم تكُنه، فلن تجده.
كُنهُ. أو وفّر على نفسك المشقات.
للتواصل مع كاتب المقال :   khibrat-omr@boursa.info

bild11u

إنتبهْ! مَصيَدة! ما كلّ مَن نَصَحَ صَدَقْ ( 1 )ا

أطلعني صديق لي على رسالة وصلته على بريده الالكتروني، وكان يهدف من تمريرها لي تسلية نفسه وتسليتي ايضا.
الرسالة ترمي الى الترغيب بالفوركس وجذب انتباه القارئ الى درب يوصل سالكه لمستودع الذهب المنشود. الكاتب ينطلق من فرضية كونه ذكيا، وكون القارئ المُستهدَف غبيا. هو غبيٌ مُفترَض الى درجة يسهُل فيها التغريرُ به، وايقاعُه في الفخ بسهولة قصوى.
نحدّد الهدف أذا منذ البداية. هو الإيقاع ببعض القراء واستغلال غباوتهم، وليس إطلاقا تحقيق الإفادة لهم. مرسل الرسالة مدرك جيدا لهذه الحقيقة. هو عارف لأية شريحة من المستهلكين يتوجه.
مِن المستهلكين؟ بالتأكيد .. المسألة مسألة سلعة يتم الترويج لها، وهي تستهدف فئة معينة من المستهلكين.
لا أستطيع إدراك السبب الذي جعل كاتب الرسالة يختار اللغة العامية – وكأني بها اللهجة المصرية – في كتابة رسالته، ولكنني أستطيع أن أقدّر. لم أجد سوى احتمالين لا بدّ أن يكون واحد منهما صحيحا. ألإحتمال الأول أن يكون الكاتب جاهلا بقواعد اللغة الفصحى وعاجزا عن التعبير بها، وهذا إن صحّ يكون مدعاة للخجل. ألإحتمال الثاني أن تكون كتابة الرسالة مقصودة بهذا الأسلوب الشعبي، لأنها تسهّل اصطياد فئة من القراء تستهدفها الرسالة بالتحديد، وهذا هو الإحتمال الذي أرجحه. نحن إذا تجاه مصيدة. اللهجة العامية هي من عدّة الشغل. لنقل إنها المطرقة.
وإذا صدق ظني، وكانت اللهجة المصرية هي المعتمدة، فلماذا اعتمادها؟ ألأن الكاتب مصري؟ قد يكون ذلك. ولكن ربما السبب في كون الفئات الشعبية التي يسهل خداعها والتي بدأت تتعرف على الانترنت وتتواصل بواسطتها متواجدة ومتزايدة في مصر بنسبة أعلى مما هي في دول الخليج مثلا. بهذه الحالة فمن قواعد اللعبة تحديد موضع نصب المصيدة حيث كثرة الطرائد.
إن صحّ ظنّي، فالصيد في السوق المصري وفير والربح غزير…
من الإغراءات الدعائية الجاذبة – الذكيّة أو الغبيّة – التي استعملها كاتب الرسالة أيضا إنه ألمح لقارئه المُستهدَف بالمصيدة الى إنه سيكون بمقدوره تكوين ربح يبلغ أضعاف أضعاف رأسماله الذي سيخصّصه لهذه التجارة، وبوقت غير بعيد، وبأقل عناء ممكن وبالإستناد الى مؤشر بسيط جدا وسهل التعامل معه جدا، هو ما سماه ال ” موفينج افرج” أي الخط المتوسطي الذي يحتسب القيمة الوسطية لمجموعة من الأيام او الساعات او الدقائق. أيضا هذا الإغراء هو جزء من – المصيدة – عدة الشغل. لنقل انه السندان.
بهذا تكون قد اكتملت عدة الشغل: مطرقة وسندان.
إرتكز موجّه الرسالة على خطين اثنين من هذه الخطوط، هما خط الثلاثة عشر يوما وخط الثلاثة وأربعين يوما وأشار الى تقاطعهما. لماذا هذان الخطان بالضبط؟ ربما لأنه أراد التميّز والبرهان على انه اكتشف السرّ العجيب الذي لم يكتشفه غيره. الباقون يعتمدون على العشرة والعشرين والثمانية والثلاثين والخمسين والتسعين والمئة والمئتين، اما هو فلا بد ان يكون مميزا لكي يكون مؤثرا. عُدّة شغله مختلفة.
والآن أريد أن أطلق العنان لمخيلتي قليلا. هو يدعو القارئ للدخول الى الرابط المرفق بالرسالة للإطلاع على السر العجيب. أنا لم أدخل. لم يدفعني فضولي لذلك. ببساطة أريد أن أتخيّل. أؤكد لقارئي العزيز بأن الرابط هذا يحتوي على شارت لعملة محددة كانت تحركاتها في فترة زمنية محددة متطيرة، بحيث إنها كوّنت ترندات صاعدة وأخرى هابطة، بدون أن تعرف أية فترة أفقية بينها. هذه الحالة تعتبر نموذجية ممتازة لكي تتقاطع خطوط ” الموفنج افرج ” وتعطي إشارات كلها رابحة .
قارئي العزيز! إن أنت أخذت نفس العملة هذه، وعدت بالزمن الى الوراء، لرأيت أن نفس هذه الخطوط لم تعطِ سوى إشارات خاسرة في فترة زمنية أخرى لم تتناسب حركة السوق معها. كذلك الأمر لو تقدمت بالزمن الى الأمام وطابقتها على فترة زمنية تحركت فيها هذه العملة بشكل أفقي طال أمده.
النتيجة: إن كل الأرباح التي تكون قد حققتها في فترة الترند لا بدّ أن تخسرها – وقد تخسر أضعافها في فترة المراوحة الأفقية.
قارئي العزيز! مُرسِل الرسالة حضّر المطرقة والسندان. إنتبه! لا تكُنْ أنت ما بينهما…!
حسنا، لنعُد الآن الى مُرسِل الرسالة. ما مصلحته من ذلك؟ لماذا يريد أن يعلّم بعض الأغرار ما لن يستفيدوا منه؟
ببساطة لأنه يريد ان يعلمَهم ما يستفيدُ هو منه. إن كان صاحب مركز لتعليم العمل في الفوركس – وهذا بدأ يشيع في عالمنا العربي- فقسطُ الدورة يُدفَع سلفا. وإن خسر المتدرب لاحقا ، يكون السبب سؤ تطبيق الخطة، وليست الخطة بحد ذاتها. الخطة هذه سيعاود استعمالها مع فوج جديد من البسطاء. هي إذا منزهة عن الخطأ… عدة الشغل واحدة: المطرقة والسندان!
مسكين ذلك المغرر به. هو غبي . غبي جدا..
انها لعبة مقيتة فعلا. أغريك بالربح الوفير لأسلب منك بعضا مما معك. أدخلك الى حلبة، وأنت تجهل ما ينتظرك فيها. تدخل اليها من باب ضيق، وانت تعتقد أنك خارج الى الفضاء الواسع فإذا أنت محاصَر بائس، تتطلع الى مغيث ولا تجده.. تبحث عمّن أدخلك الى الحلبة فإذا هو قد تخلى عنك  .
معذّبوك هؤلاء أذكياء؟ لا، بل أغبياء أيضا. ماكرون نعم. أذكياء لا.. لا يتميزون عنك سوى بخبثهم ومَكرهم. لا يملكون سوى ألسنتهم. يحمون أنفسهم ببعض من كلمات مراوغة يتحصنون وراءها. إن واجهتهم ببعض الحقيقة تلعثموا وهربوا.
يُذكّرونني بمصارعي الثيران في أسبانيا. ذلك التقليد الهمجي. هذه الجموع المصفقة والمنتشية بدماء ثور مسكين تسيل من رقبته حتى الموت.
ثور مسكين؟ نعم، بالطبع، ولكنه غبيّ أيضا.
عزيزي القارئ! لا تجعل الوشاح الأحمر يغريك، وإلا فهم سيتسلّون بدمائك التي ستسيل، ويصير لون جلدك بلون الوشاح الذي استَسَغت.
تبصّر بالنصيحة جيدا. ما كلّ نُصح ٍ تُعطاه يكون لك، ولا كلّ من نَصحَ صَدق…
– وللكلام صلة…
للتواصل مع كاتب المقال :   khibrat-omr@boursa.info

حتى نعيدَ الزمنَ الأول …ا

لَمِن المُفرح حقا، وأنت تحلمُ بهدأة العمر. تتلذّذُ بطيف الليل وهو يتسلّل الى نفسك في زمن الغروب. تبدأ بتحسّس نعاس الطبيعة، فتشاطر الفراشات نشوةً كنت غافلا عنها في ربيعك الذي انقضى. لَمِن المُفرح وقتئذ، أن تلمس بعض التقدير لأثر نَفَس خرج من صدرك. كدت أنت أن تنساه، فإذا هو حيّ في وجدان بعض من عارفيك ومحبيك ( وكلهم أكارم أوفياء ). هُم لا زالوا قادرين على التقاط موجاته المتنقلة في الأثير. يحنّون الى الماضي. يحنّنونك اليه. يُطالبونك بإعادة الزمن الأول. بقول شيء ولو يسير عند نهاية كلّ أسبوع. بإحياء زاوية ” خبرة عمر ” . بإغنائها من جديد… لا أحبّ ان أعِدَ وأخلف… عسى أن يكون في قادم الأيام خيرُ ما مضى منها…
الزمنُ الأول كان مُشرقا عابقا بالآمال . طُموحُنا كان أن ننجحَ في زرع بذور فوز، تزهرُ آمالا، وتثمرُ نجاحات. نجحنا في مكان. فشلنا في مكان.
الفترة المضطربة التي عرفتها الأسواق في العامين الماضيين عليها بعض من مسؤولية. كل المسؤولية ليست عليها. بعضُها علينا نحن.
شلّة من المتهورين المغامرين أساؤوا لأنفسهم. خابوا، وكان قصاصهم أليما. هم آلمونا معهم. أدخلوا الى نفوسنا الشك بجدوى ما نسعى اليه.
بعض المحتالين الكذّابين الخبثاء استغلوا كل شيء. داسوا على كل مكرُمة. ما أقاموا قدسيّة لشيء. ما فاضت نفوسُهم إلا بما عبَقت. ما قدّموا إلا ما فُطروا عليه. هؤلاء أخذتهم نشوةُ الخداع فأساؤوا للجميع، والبعض منهم لا يزالون جوّالين دون رادع ولا قصاص. لهم من ربّهم في يوم ألفُ سؤال وسؤال…
السنتان الأخيرتان حدّتا من حماسي في تأدية واجب ودور. ما أسمع عنه كل يوم من ضلال وتعمية وانحراف ونقصان فهم وسوء أداء. ما أقرأ عنه في إعلانات، ملأت صفحات الجرائد، همّها الترويج لتجارة العملات والذهب ( الذهب بات موضة العصر وبريقه يسلب الألباب ) وجعلها هواية العامة من الناس. ما أسمع عنه، وأقرأ عنه،  يفرض على كل عارف ألا ينكفئ. نتعاونُ، فنحسّنَ ونصوّبَ قدر ما نستطيع!
نصيحتي الكبرى أوجهها لمتقبّلي النصح والتنوير: لا تنسى يوما أن التجارة بنظام الهامش تتضمّن مخاطر عُظمى. المبلغ الذي تودعه في حسابك لم يعد لك في اللحظة التي أودعته فيها ( بالمعنى المجازي للكلمة طبعا ). إن أودعت 100 ألف دولار مثلا، فهذا يخوّلك أن تحرك 10 مليون دولار بالحد الوسطي. رأس مالك صار 10 مليون دولار لك الحرية بالتصرف بها بيعا أو شراء. أنت تعرف حتما أن الربح الذي ينتج عن تجارة رأس مالها 10 مليون دولار يختلف كثيرا عن ربح ينتج عن تجارة تعتمد فقط على 100 ألف دولار. ولكن… هل تعرف أن الخسارة التي قد تنتج عن هذه التجارة تزيد كثيرا عن الخسارة التي قد تنتج عن تلك؟
هنا أدعوك قارئي العزيز لتتبع الفكرة بتؤدة وتبصّر. إن خصصت 10 مليون دولار للعمل في أية تجارة كانت ( وانا لا أقصد هنا سوق المال ) فمن الطبيعي أن تتعرض لمخاطر خسارة قد تبلغ 50 او حتى 100 الف دولار. كيف الحال اذا في سوق المال حيث ترتفع نسبة المخاطر قياسا على غيره من الأسواق؟
يجب أن يكون ذلك معلوما. إن أنت أودعت في حسابك 100 الف دولار، وأردت التداول بها في نظام الهامش ( المارجن ) عليك أن تباشر التفكير بطريقة معكوسة، فتقول: ما هو المبلغ الذي يمكنني تقبّل خسارته إن سارت الأمور بغير ما أرسم لها؟ هل يمكنني أن أتقبل خسارة 10 آلاف دولار؟ إذا أشتري عددا من العقود يسمح بتحديد الخسارة عند مستوى ال 10 آلاف دولار فقط، مع أخذ الإستراتيجية المعمول عليها بالإعتبار.
وإن خسرت ال 10 آلاف دولار فاعلم إنك خسرتها من تجارة كان رأس مالك فيها مليون او خمسة ملايين او عشرة ملايين دولار، ( بحسب عدد العقود التي قررت شراءها ) ولم يكن فقط 100 الف دولار، وهو المبلغ الذي أودعته في حسابك. إن أنت علمت ذلك فسيَسْهُل عليك تقبّل الخسارة، على أنها أمر طبيعي يحدث لكل تاجر في أي مكان ويوم…
نصيحتي التالية أوجهها لمتقبلي النُصح والتنوير: إن دخلت الى هذا السوق، وأنت جاهل لخفاياه، فكنْ متواضعا في طموحاتك. ليكن هدفُك الأول، ولفترة من الزمن، عدمَ تكبّد الخسارة والحفاظ على حسابك متوازنا. إن نجحتَ في ذلك فهي الخطوة الأولى الى النجاح، وستليها خطوات…
لا تقلْ في المرحلة الأولى أنا لها.. بل قلْ أتدربُ فأصيرَ لها..
وإن صرتَ لها يوما، فاعلمْ يقيناً أن المخاطر موجودة دوماً.. الهمّ الأول والهدف الأسمى يجب أن يبقى الحفاظ على رأس المال. الطريق الى ذلك هو في اعتماد الواقعية سبيلا لبلوغ الهدف المطلوب والربح المرغوب.
كن واقعيا في كل خطوة تقرّرها. لا تحتسب أرباحك على المستوى اليومي أو حتى الأسبوعي. إحتساب الأرباح السنوية فيه اطمئنانٌ للنفس وراحةٌ للأعصاب. ألأرباح السنوية لا تكن خياليا في تحديد نسبتها المطلوبة. إنّ أولئك المُدّعين بتحقيق أرباح خيالية تصل الى حد ال500 بالمئة او أكثر لَهُم مُراؤون مُخادعون. لعلّهم ينجحون في ذلك، وفي مضاربات خطرة جدا، لفترة من الفترات، يماشي فيها السوق تخيّلاتهم وأوهامهم، ولكنّهم سيعاودون حتما خسارة ما حققوا، عندما يناقض السوق ما نسجوا من أحلام.
إن شئتَ المضاربة والمخاطرة مرة، فوُفقت في ما سعيت إليه، فاعلم أن للحظ في ما وُفقتَ اليه دورٌ كبير. إغتنم الفرصة التي أتيحت اليك. أشكر اللهَ على ما خصّك به. تحوّل فورا من المضاربة الى الإستثمار. كفّ عن المخاطرات واكتفِ بقدر معتدل من الأرباح السنوية. تحوّل فورا من مُضارب الى تاجر. تُرضي ربّك بحفاظك على رزقٍ وهبه لك.
من حقّ كلّ من أصيبَ بصدمة أن ينكفئَ ويقتنعَ بأن هذا العمل لا يناسب طباعَه أو لا يتماشى مع قدراته. من حقّه أن يكفّ عن ترداد أخطاء درجَ عليها. من واجبه أن يتفكّرَ جيدا بما حدث له ، فلا يرمي المسؤولية على سواه. من واجبه أن يحاولَ ترميمَ ذاته وإقناعَ نفسه بأن الله أودع له قسطا من نعمته في مجالِ عمل آخر، إن هو حجبها عنه في مجال العمل هذا. المهم أن يبحثَ عنها فيلقاها.
أن يعاودَ الكرّة. ينازل من جديد. سلاحُهُ اختباراتُه. جُرحُه أمثولةٌ له. هذا متروكٌ لقراره هو. شرطَ أن يكون بصيرا  بما حدث، عليما بما سيحدث.
أعرفُ كثرة ممّن فشلوا في التعامل مع السوق. أخطأوا وكانت لهم في أخطائهم أمثولات. عاودوا الدخولَ الى السوق. حققوا ما طمحوا اليه.
أعرف الكثيرين ممّن أخطأوا مرة، ثم قال الواحد منهم: أجرّب مرّة. جرّب مرّات. لم يحقّق سوى الخيبات.
في قولهم سرّّ فشلهم. ليست المسألة مسألة تجربة. من يريد التجربة فقد فشل، حتى قبل أن يبدأ.
ليكن معلوما ! يبدو لي العمل في هذه المهنة أحيانا اقسى مما هو على حَلَبَة المُلاكمة. وهل يظنّ أحدُنا أن مُلاكما ينازل خصمَه على خلفيّة التجربة، ويكون له بصيصُ أمل بالنجاح؟
تجرّبُ في لعبة من الألعاب؟ تجرّب في رهان من الرهانات؟ هذا مفهوم طبعا. إنه شأن شخصي ولكل القرار فيه… لكنْ أن تجرّب في سوق المال، ففي هذا منتهى السذاجة والتخلف الفكري…
هنا في هذا العمل لا مكان للتجربة. التجربة باب الفشل. إعمل في هذا السوق ان كنت متيقّنا من قدرتك على تحقيق النجاح، وإلا فدع البطولات لأصحابها…

 

صديقي وديع مراد..ا

أطال الله عمرَه.. وعمرَك.. 
لي فيه صديقان.. في واحد.. صديق في الحياة، وصديق في التجارة…
ليته صديقك أيضا…
 
صداقتنا تعود إلى عشر سنواتٍ ونيّف…
وَدِدت لو إني عرفتُه في عمر اللعب.. يوم كانت دُنيانا شجرا وزهرا وطيرا.. وبينها فراشة.. نلاحقُها، ولا نلحقُها.. تشغلنا عنها نحلة ترقصُ على فم من ياسمين…
 
هو يزعم إنه تعلّم مني بعضاً من شؤون السوق. يغبط نفسه على ما تعلّم..
أنا أؤكّد إني تعلّمت من وديع بعضاً من شؤون الحياة. أغبط نفسي على ما تعلّمت..
تآلفنا، أنا وهو، فجعلنا من التواصل بيننا عادة..
 
قلت له يوم لقيانا: ألا تتعب من عِشْرة الكتب يا رَجل؟ عليك بأمور الدنيا فهي كثيرة، وعدّدتها له. وكان يضحكُ عند تعدادي لكلّ ملذّة من ملذّات الفانية. يضحكُ ويضحك. أهِمّ لاستكمال تعدادي، ويسبقني بالضّحك، ولا يكفّ إلا وقد شبع منه.. خِلتُه في ذلك اليوم مشتاقا للضّحك، أو هو لم يضحك منذ ومنذ ومنذ…
أو هو يومٌ من أيامه الرابحة في السوق.. يفرح الواحدُ منّا بربح صَبا إليه، ووُفّق به، فكان ثمناً لجهدٍ لا يعرف مقدارَه إلا مَن جرّبه..
 
هو، ما عاد يحبّ الحديث في السياسة.. سئمها لشدّة ما فيها من رياء.. أو لأنه تحدّث فيها كثيرا. دون جدوى.. أو لأنه ذاق المرّ بسببها في لبنان.. أو لأنه ترك لبنان بسببها.. أو لأنه بات يتقزّز من بعض الملاعين من السياسيّين .. أو لكلّ هذه الأسباب مجتمعة..
 
نادرا ما التقيتُ وديعاً  إلا وقد حضّر لي كتابا. إن لم يكن إهداءً، فإعارةً.. الحقّ أقوله إني، ما قرأت أفيَد أو أمتع من الكتب التي انتقاها لي..
 
أبناؤه الثلاثة أُحِبّهم كما هو…كلّ واحد منهم أحبّ عليّ من الآخر.. أحبّهم لمحبتهم والدَهم، ولبرّهِم به. لتقليدِهم له في علمه وثقافته. لقبولِهم آراءَه في الحياة، واحترامِهم لها.. كبيرُهم، طلب العلم، فحصل على ما طلب. هو طبيب جرّاح. يجرحُ، فقط ليداوي.  أخواه، هامَ قلباهما بمهنتنا، فكانت لهما مهنة. يمارسانها، وبشرف.
 أقدّر ما قاله لي أصغرُهما. قال: أحبّ تأنيث السوق ( هذه السوق ). أعترض على تذكير البعض لها. ما هي سوى غانية عذراء. لا قدرةَ لفحول الكون على سلبها عذريّتها. يا لتعاسة من يُحاول. أشعر أن علينا احترامَها، وإلا استثرناها وأغضبناها ( يقصد السوق ). والويلُ ثم الويلُ لمن يُغضبُ السوق ويستثيرها… قلت له إني أشتمّ كلامَ وديع في ما تقول.. ما هذه الصوَرُ إلا من ذلك الخَيَال.. ردّ بضحكة كبيرة، أضحَكَت أباه وأضحكتني..
أنا أوافقه على ذلك. مَرَدّ نجاحِه المتدرّج إلى فهمه هذا السرّ..
عذريّة السوق مقدّسة.. إيّاك صديقي القارئ، ثم إيّاك.. لا تحاول معها ما ليس من حقك به..
 
لوديع مذهبٌ وطريقةٌ في التعامل مع السوق. أعجبتني. إقتبستُها عنه.. هو يسألُني أحيانا عن رأيي في عمليّة بيع أو شراء. أوافقه على أنها مستحِقّة للتنفيذ، بسعر محدّد، على نقطة معيّنة. ثم تبلغ  السوق ( أراني أؤنثها ايضا ) هذه النقطة. أراه لا ينفّذها. هو ينتظر.. أستحثّه. لا يُبالي. ثم تعطيه السوق سعرا أفضل. وهو ينتظر.. وسعرا أفضل جديد. وهو ينتظر.. يغيظني.. ثم ينتظر قليلا بعد ذلك كلّه. ثم ينفّذ العمليّة..
 
بعد تنفيذ العمليّة، يدافع وديع عن موقفِه، ويحاول تبريرَ ما فعل. يقول: ربحي هو ثمرة هذا الإنتظار الإضافيّ. لو نفّذت كلّ عمليّة عند موضع التحليل لما دخلت مرتاحا الى السوق. هذا يسهّل لي الصبر وانتظار تحقّق الرّبح.
 
أنا اُكبرُ فيه علمَه، وحسنَ نقله المبادئ النظريّة إلى التطبيق. هو مُحِقّ في ما يقول. الحَقّ يُقال. لقد أقتنعتُ بنظريته هذه. صِرت من مُقلّديه.
 
أنت أيضا صديقي القارئ. عندما تقرّر. إنتظر بلوغ السوق موضع القرار. ثم انتظر قليلا أيضا. فقليلا ثانيا. وقليلا إضافيا.. ثم ادخل السوق. هذا لن تندمَ عليه أبدا…
 
العزيز قارئي.. تمنيت صديقي لك صديقا…
 

وماذا الآن في رمضان ؟

وماذا الآن في رمضان ؟  – 22th October 2004

 
وهل رمضان أهل البورصة هو غير رمضان سواهم من الصائمين ؟
قد لا يكون كذلك ، ولكنه كذلك يجب أن يكون .
نحن قومٌ مميزون ، وشهرنا لا بد أن يكون على ما نحن عليه من تميز .
نعم ، واستنادا الى كلّ ما املك من مصادر ثقة ، وارتكازا على كلّ ما ادرك من منابع معرفة ، وعونا بكل ما يتوفر من وسائل تأكيد وبرهان وجزم ، أراني أقول : نحن قومٌ مميزون .
من المتميز إن لم يكن ذلك الذي امتلك حفنة صغيرة من المال ، فآثر أن يقتحم عالم المال الواسع بها ، على ان يزحف أمام ابواب متنفذين مستجديا وظيفة تمنّ بها عليه مصالحهم الذاتية ؟
من المتميز إن لم يكن الخائض في مخاطر سوق ، راكبا تقلبات لججه المخيفة ، مرتعشا لا خاشيا ، محجما لا مترددا ، مقدما لا متهورا ، آملا لا طامعا ، رابحا لا غانما ، خاسرا لا منهزما ، طالبا لا مستجديا ؟
من المتميز إن لم يكن ذلك الذي تزلّ قدمه مرّة فيكبو ، ثمّ ، لا تراه وإلا ، قد انتفض من جديد ، ومن جديد انتصب ، كمارد ، كعملاق ، وعاد يبني ما رسم .
اجل ، المتميزون هم نحن ، لا غيرنا ، فكيف تراه يكون شهرنا الفضيل ؟
دعوتي الاخوية المتميزة للاخوة المتميزين ، ألا يكون شهرنا فقط دعوات لله عزّ وجلّ بزيادة ربحنا ، ومباركة ملكنا ، وتعزيز سلطاننا .
دعوتي الاخوية المتميزة ألا يكون شهرنا – أو لا يكون فقط – مائدة وصحنا وشوكة وسكينا .
لذتي في ان يكون شهري تعبدا ، والتعبد صيام ، والصيام يتلوه قوت لا طعام ، وأستشعر فرقا هائلا بينهما …
هلمّوا إخواني نتقوت في رمضان فيتبارك بنا ولنا وعلينا .
هلمّوا نتقوت فيكون صيامنا بذلك اكثر تأهلا ، وصلاتنا اكثر اتصالا …
نتقوّت ؟
نعم .
وفي رمضان ؟
نعم ، وألف الف نعم .
تعالوا نتقوّت في رمضان . تعالوا نفكك حروف هذه الكلمة ، ونستشعر ، سوية ، أصداء متميزة منبثقة من واوها المشدّدة . اصداء مميزة لا يحسها الا من عرف نعمة مداواة جوع الصيام بجوع التقوت في الافطار !!
جوع الإفطار ؟
وهل يعقل أن يكون الإفطار جوعا ؟
نعم ، وإن لفي ذلك لذة لو احسها ملوك الارض لحسدوا عارفيها عليها .
وإن حصل هذا ، فماذا بعده ؟
إذ ذاك ، وإذ ذاك فقط يمكننا ان نحسها ، الحقيقة المثلى ، وأن نقولها :
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن إدخال فرحة إلى قلب يتيم حزين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن إدخال لقمة الى فم جائع مسكين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن إدخال نعمة الى نفس واحد من اليائسين التائهين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، إن لم يكن تسامحا بين الطوائف ، ولقاء بين الفرق ، وسلاما بين المختلفين ، وتقاربا بين المتباعدين ؟
أي فرح في الشهر المبارك ، ان لم يكن إعلان بداية معركة الجهاد الاكبر ، الجهاد اليومي الملازم لنا ، طيلة فترة إقامتنا على وجه البسيطة .
والجهاد الأكبر ، أي معنى له ؟ أي معنى له إن لم يكن معركة قمع  واغتيال وتفجير وتفخيخ يومي ، يمارسها كل واحد منا ، ضدّ أناه اللعينة ، أناه الحاملة لكل بذور الذات ، الذات الملتصقة بالتراب ، التراب المُضِع للشهوات ، الشهوات المؤتَمرَة للرغبات ، الرغبات المستحيلة شرورا وشذوذا . 
وما شأن البورصيّ في كل هذا ؟
شأنه كثير كثير !
البورصيّ الرابح شأنه ان يفكر الآن بالعطاء ، بالعطاء غير المشروط ، ولا ينغمس بالدعوات لمزيد من الربح .
شأنه ان يكون عطاؤه متجردا ، لا منّة فيه ولا طلب .
البورصيّ الرابح شأنه الآن ان يعطي مما أخذ !
شأنه ان يعطي ، لا ان يزرع انتظارا لمكافأة مقابلة لعطائه .
شأن البورصيّ الرابح ان يعطي ، ولا يهب .
دعوتي لكم إخواني الرابحين .
أعطوا كما تعطي الياسمينة شذاها ، هكذا دونما حساب ، دونما منة أو طمعا بتعويض العطاء .
أعطوا كما البلبل يعطي  شدوه ، كما الريحانة تنشر شذاها ، كما الساقية تنشد حداها ، في وادٍ من اأدية لبنان الجريح !
أعطوا ولا تنسَوا الى جانب فلسطين ، وطنَ النجوم ! دعواتُكم له بالخلاص !
والبورصيّ الذي عثر حظه ، وزلت قدمه ، فهو إن احتاج في الشهر الفضيل، فالى تأمل وتفكر ، إلى راحة وقتية ينصرف فيها الى ترتيب ما تعطل ، وتقويم ما تعثر ، انتظارا لمرحلة قادمة قد يكون له فيها ما لم يكن في ما سبقها …
كلّ واحد منا مرّ بخسارة او خسارات . كلّ واحد منا عرف خيبة أو خيبات . كلّ واحد منا واجه امتحانا أو امتحانات .
المهم ، ألا يسمح لقلبه بالانكسار ، ولعزمه بالانحسار .
المهم المهم ، ألا يخرج عن نطاق التحليل المنطقي الدقيق لواقع حاله ، مستسلما لهواجس وظنون وتقديرات ، لا جدوى منها ولا نفع .
المهم المهم ، ان يحلل وضعه ، ويتبصر في ما اودى به الى ما هو فيه ، وما منع الربح عنه او ما منعه عن الربح ، وان تكون له الجرأة في اتخاذ القرار .
قرار تغيير لطريقة عمل ونهج تصرف ومنهج اداء كان قد اتبعها . قرار مداوة عادة تحكمت بنفسه وفرضت عليها ما ليس محمودا  . قرار تطوير لما وضح الان انه لم يكن بكاف لتحقيق ربح مرغوب ، ونجاح محبوب .
وإن تعذر كلّ هذا !
إن تعذر كل هذا ، فدعوتي لكل من ثبت له إن هذا العمل بات عصيا عليه ، أن يتحلى بالشجاعة الكافية ، للانصراف عنه ، الى لا عودة ، أو لفترة ، قد يفتح الله له فيها بابا، كان في ما مضى موصدا .
 
 
 
 

 

 

إنتبهْ! ألغام! ما كلّ مَن سَلَكَ وَصَلْ ( 2 )ا

إستراتيجية عمل مبتَكَرة، لم يسبق أن وجدها أحد سواي، هو المبتغى والهدف إذا. هذا لسان حال كل داخل الى السوق وهدفه. يختطفه هذا الطموح، فيغرق شهورا، وقد أقول سنوات، في البحث والمقارنة والتركيب والتفكيك.  ألإستناد هو إلى رسم بياني تاريخي يمتد إلى سنوات مضت. هي مهمة فائقة السهولة ولا يخفق أحدٌ في بلوغها. هذا من الوجهة النظرية.
من الوجهة العملية يختلف الأمر وتبدو الخروقات ونقاط الضعف. تكون النتيجة فورا الخيبة وتسرّب الشك الى النفس والتخلي عن الاستراتيجية والعودة للبحث عن غيرها، إن لم يكن الإستسلام والتخلي عن المشروع برمته. هذا هو قانون الضعف البشري الذي لا ينهزم بسهولة في معظم الأحيان، ويؤدي الى مهالك الطموحات الرخيصة في معظم الأحيان.
مهالك الطموحات الرخيصة مَنبَتُها الغرور والجهل. ألغرور والظن بقدرات فائقة واستثنائية وغير مسبوقة. الجهل بواقع الأمر وبكون الملايين ممن قد يفوقونك مقدرة – أو على الأقل يساوونك – مروا قبلك على هذا الشارت ( الرسم البياني ) وأشبعوه تقليبا وتحليلا. نتيجة هذا الجهل وهذا الغرور هو مهالك مضمونة. مهالك الخطط الصغيرة، الرخيصة، المبنية على قانون الصُدَف الذي يصح الآن ولا يصح بعد حين.
ألحلول تأتي عادة من عند أهل الخبرة والتجربة. نادرا ما تكون وليدة صدفة يوفق في إيجادها مبتدئ في العمل. ألسبب بسيط جدا: إن ملايين العيون رصدت هذا الرسم البياني وقلّبته وفتحت كلّ نوافذه ثم أقفلتها. أقفلتها على قناعة محسومة: قانون الصدفة لا مكان له هنا. “أخوت شانيه” ظاهرة – قد تكون فريدة – وقد يكون بولِغ في تصويرها –  لا تتكرر كلّ يوم.
النظري غير العملي إذا في عالمنا هذا. لا بد من أخذ هذا الواقع بالإعتبار عند بناء كل خطة وتركيب كل استراتيجية عمل. ما تنجح برسم خطوطه على الورق قد لا تنجح – والأرجح انك ستلاقي صعوبات – في تطبيقه في السوق عملا وتحقيقا لربح.
أعذرني أخي القارئ على هذا الإسترسال، ولنعد الى خطة “رفيق بركة” نتفحصها سوية مرة جديدة.
قلت في المقالة السابقة إنه لا طائل من الإتكال على خطوط تلتقي على الشارت وتوفر لك إشارة شراء “مضمونة” عند كل التقاء ، او عند كل افتراق. هذا ما سميته خطة صغيرة فقيرة  – وهي حتما غبية – لا توصل الا الى مهالك مضمونة.
ألخطوط هذه يمكن أن تساعدك في اتخاذ قرار . لا نكران لذلك . أنت من يتخذ القرار . تبنيه على معطيات منطقية علمية وقوانين موضوعية لا لبس فيها. هكذا ترتفع حظوظك بالصمود وبالتحول من مُقامر الى مُتاجر.
“رفيق بركة” يريد أن يضع على الرسم البياني عملتين متباعدتين في سعرهما الحالي. وإن التقيا فالربح مضمون. واضع الإستراتيجية صار عَلَمَا في الإبداع. سأله واحد من تبّاعه: ولكنني أخسر دوما. لم يجد جوابا سوى : أنا أربح.
حسنا، لنأخذ أخي القارئ عملتين هما السترليني ين، واليورو سترليني على سبيل المثال. لنضعهما على رسم بيانيّ واحد. العملة الأولى في أسفل الشارت والثانيةفي أعلاه. أمر طبيعي فالسترليني تحت الضغط.
بعنا اليورو مقابل السترليني واشترينا السترليني مقابل الين. ننتظر نزول الفوقى وارتفاع السفلى. هذا كل شيء.
من حيث القوانين النظرية هذا صحيح . إن ارتفع خط وانخفض آخر لا بد أن يلتقيا. ما فات واضع هذه الخطة أمر في غاية الأهمية.
ما فاته هو النسبة المئوية – او عدد النقاط – التي يجب أن يرتفعها السعر السفلي ليصل الى الحد المتواجد عليه السعر العلوي. ما فاته هو مقارنة هذه النسبة بنسبة النقاط – او النسبة المئوية -التي يجب أن ينخفضها السعر العلوي ليلتقي بالسفلي. لو هو فعل هذا لتكشّفت له أسرار الفشل ومكنونات المخاطر.
على السترليني ان يرتفع 300 نقطة ليبلغ حدا يتواجد عليه اليورو .
على اليورو ان ينخفض 100 نقطة ليبلغ حدا يتواجد عليه السترليني .
اذا لنتابع هذا السيناريو:
السترليني تراجع ولم يرتفع بنسبة 700 نقطة أضيفت الى ال 300 فاذا الفارق بينهما ألف نقطة.
اليورو ظل في مكانه في المرحلة الأولى ثم بدأ بالتراجع. سيكون عليه تحقيق تراجع بنسبة 100 نقطة ليلتقي بغريمه. الهدف إذا قد تحقق: إلتقاء السعران حقق خسارة بلغت 700 نقطة على السترليني ، إستعاد منها اليورو 100 نقطة ، فاذا صافي الخسارة 600 نقطة. نتيجة كارثية لاستراتيجية جهنمية.
إنتقام  رفيق .
قرر رفيق الإنتقام لنفسه من ذاك الأفّاق الجاهل. قرر أيضا أن يلعبَ دورا في مهمة التنوير. دخل الى المنتدى المذكور. شرح ما اقتنع به من معطيات لا جدال في صوابيتها. فنّد للخاسر الأسباب التي لا يمكن إلا أن تؤدي الى الخسارة.
إختفى صاحب العقل المبدع منذ ذلك اليوم عن المنتدى. أو إنه غيّر جِلده على الأرجح بتغيير اسمه. وعاد في زاوية جديدة، وبإسم جديد، وباستراتيجية حمقاء جديدة، يجمّع حوله المريدين. هو يلقي مواعظ الصعاليك الفقيرة، وهم لا يبخلون عليه بعبارات الشكر والتبجيل.( ومن يدري – فقد يكون هو نفسه من يحاضر ومن يصفق – فالأسماء كثيرة والحظوظ مُباحة ومُتاحة…)
عزيزي القارئ.
هذا مثال واحد عن عشرات الخطط الغير موضوعية، والمنتشرة على مواقع يلتقي فيها غالبا قليلو الخبرة وكثيرو الإدعاء. حذارِ من الإستسلام لغرور هؤلاء وادعاءاتهم.
إن الشرط الرئيس الذي يجب ان يتحقق لتصنيف أية استراتيجية في خانة القبول او الرفض هو قيامها على معطيات منطقية ومُسلّمات علمية ثابتة.
اذا كنت لا تحسن الحكم علىى صوابية خطة قرأت عنها، فاستشر أولي العلم والتجربة والخبرة، قبل البدء باعتمادها.
إفعل ذلك حتى لا تستيقظ على بروق ورعود، فيكون نصيبك البَرْد، وترتعد، دون أن تعلمَ على ماذا تنام ولا على ماذا تقوم….

إنتبهْ! ألغام! ما كلّ مَن سَلَكَ وَصَلْ ( 1 )ا

إسمع يا رفيق…
“رفيق بركة” ليس بصديق بعد.. معرفتي به حديثة العهد.. قد تتطور المعرفة وتصير صداقة.. سيكون هذا مبعث فرح لي.  أحببت حضوره.. خفيف الظلّ.. مرِح المزاج. أمسيتُ ميالا الى رفقة المَرحين، قليلي التأفف، أصحاب البسمة. حتى الآن، رفيق هو مشروع صديق.
سارع رفيق  الى الإتصال بي مسترشدا برأيي – أو لعلّه في قرارة نفسه كان يريد أن يسدي لي خدمة بتعريفي على نصرٍ حققه -. قرأ بالانكليزية على واحد من المنتديات الغربية خبرا مثيرا . تملّكته مشاعر الفرح. أخذته أحاسيس النصر. ظنّ لتوّه أن صناعة الملايين ستكون في منتهى السهولة. الرجل ممن يبحثون عن العمل السهل. يريد استراتيجية تقول له فيها الخطوط: إشترِ هنا. بعْ هنا. لا يريد أن يُتعبَ نفسه بالبحث والتدقيق والمقارنة والإستنتاج…
إنتصحْ يا رفيق ممن يبغي لك الخير. من الصعب جدا تحقيق الربح بالسبل السهلة والطرق المريحة هذه… ما من خطان يلتقيان، او يتعاكسان، فيكون التقاؤهما أو تعاكسهما سببا للدخول في السوق دونما تفكير أو بحث وتدقيق…
الخبر الذي حمله رفيق لي يتحدث عن استراتيجية عمل “مضمونة”. مُكتشفها يعمل عليها منذ ما يقارب العام – كما يدّعي -. لم تعطِهِ إلا ربحا. فقط خمسة أو ستة بالمئة من عملياته يتم إقفالها بخسارة محدودة.
مُدّعي النصر هذا صار له مريدين وتبّاعا على المنتدى. ألكلّ ينتظر إطلالته الميمونة، في جعبة الواحد أسئلة واستفسارات. في جعبة الآخر تعابير شكر وإطراء.
ألإستراتيجية هذه سهلة الفهم، بسيطة التركيب، جديدة، ذكية، منطقية، واقعية – كل هذا بحسب تعريفات مكتشفها – .
في مُختصَرٍ لها إنها تقوم على اختيار رسم بياني ( شارت ) لعملة من العملات. ثم البحث لها عن عملة أخرى يُصار إلى إنزال رسمها في نفس النافذة مع الرسم الأول للعملة الأولى ( في ما يُسمى  overlay ) . الشرط الوحيد في العملية هذه يكمن في ألا يكون السعر الحالي للعملتين متطابقين متجاورين ( أي لا يكونان متواجدين على نفس المساحة . يجب ان يكونا بعيدين واحد الى الأعلى وواحد إلى الأسفل).
فلسفة الإستراتيجية بسيطة جدا : ليس عليك سوى أن تبيع العملة الموجود سعرها الآن في أعلى الشارت، وتشتري العملة الموجود سعرها في أسفل الشارت. ألرسمان لا بد لهما في وقت من الأوقات أن يلتقيا . إذا لم يرتفع السفلي فسينخفض حتما العلوي. النتيجة البديهية: لا تخسر في العملية الأولى وتربح بالثانية.
ألخسارة مستحيلة بحسب رأيه. ألربح مضمون. ألإكتشاف إستثنائي لعبقري لا يجود به الزمان في كل حين…
تفكّرت في الأمر برهة. بحثت لها عن حجة منطقية لتحقق ربحا. وجدتها.
الرجل مصيب في ما يدّعي – أو لنقلْ في جزء منه -.
إذا كان سعرا العملتين متباعدين لحظة الشراء ، فلا بدّ أن يأتي وقت – قريب أو بعيد – فيلتقيان. هذا صحيح.
إذا ارتفع سعر العملة السفلى وانخفض سعر العملة العليى فلا شك في كون كل واحدة منهما ستحقق ربحا وتكون العملية موفقة. هذا أيضا صحيح.
إذا تحركت واحدة من العملتين وثبتت الأخرى منتظرة إياها ليلتقيا في موضعها، فهنا أيضا يتحقق الربح. هذا أيضا صحيح.
إذا تحركت العملتان بنفس الإتجاه صعودا او نزولا فخسرت واحدة وربحت الأخرى – وبنسب مختلفة – فهنا قد يتحقق ربح ضئيل أو خسارة ضئيلة ( برأيه )، أو قد تتحقق خسارة كبيرة – كبيرة جدا – أيضا ( برأيي)، في حالات لم ينتبه لها صاحبنا فكلّفت كتاباته بعض تبّاعه الكثير من الخسارات التي كانوا يسألونه عن تفسير لها، وهو لا يستطيع  لهم جوابا – أو لا يريد – .
إنهم ضحايا بعض المكّارين المخادعين ، أو هم ضحايا العابثين الباحثين عن باب تسلية فيجدونها في قوم يبحثون بصدق عن باب رزق حلال، أو ضحايا بعض الأغبياء الذين يقدّمون أنفسهم على أنهم رواداً وينتفخون من كثرة ما يتلقون من الشكر والحفاوة ممّن هم أكثر غباء أحيانا…
عدت إلى المنتديات العربية اتصفّحها. وجدتها عاجّة بالخطط والإستراتيجيات. أوصافها مشوّقة. لا أدري سرّ العبقرية التي تجعل هؤلاء الناس بارعين في توصيف مهاراتهم وتسويقها.
الكلام في هذه الخطط كلّها سهلٌ، لكونه يعتمد على النظري من الأمور. التطبيق مختلف. هنا تظهر نقاط الضعف، إذ يحتاج العامل على كل واحدة منها – ودوما – إلى غربال يناسبها. العثور على الغربال المناسب هو لبّ المشكلة وسرّ العثرة.
أسديت نصيحتي ل “رفيق بركة”. قلت: وفّر على نفسك مآزق لا يمكن تقدير مسالكها ولا مَبالغها. إعتمد هذه الخطة فقط إن أنت وجدت لها غِربالا يفصل فيها الحَبّ عن الزؤان. هي كغيرها من آلاف الخطط التي يستحيل إطلاق العنان لها بثقة مُطلَقة.
سامح إجابتي المختَصَرة يا رفيق. ليسامحني العزيز القارئ أيضا. موعدُنا مع تفاصيل موجبات رفض الخطة وشروحاتها لن يكون في موعد بعيد. إن شاء الله لنا ذلك.

إنتبه ! عصفورية ! ما كلّ مَن نَطَقَ عَقَلْ

قبل نصف قرن ونيّف..
أنا ولدٌ لم أبلغ العاشرة بعد. بُنيتي لا تحتمل المهادنة. صحتي لا تبشّر بالخير.
لا نفعَ لي في القوات المسلحة. البارودة ستكون عبئا عليّ. ميلٌ مبكرٌ الى المسامحة. عداوة متأصّلة مع الحرب. إطلاق قذيفة مدفع ستضرّ بي أكثر مما تفعل بالعدو.
إرتأت أمي أن يتشدد أبي عليّ في العلم. تنازل هو هذه المرة عن حق له: (هو رب العائلة – هو يرتأي). وافقها الرأي في هذه. إذا المدرسة قدَري. ألقلم بارودتي. ألورق ذخيرتي والكتاب زادي.
في طريقي اليومية إلى المدرسة، ذهاباً إياباً، عليّ أن أجتاز مسافة كرهتها. لا زلت أخافها. دربٌ ضيقٌ. طويلٌ. سورٌ من الإسمنت على اليمين. يستحيل تسلّقه. سورٌ من قضبان الحديد على اليسار. يؤلمُ التحديق به. 
من بين القضبان تمتد عشرات الأيدي كلّ صباح. كلّها تلوّح لي. بعضُها تحييني. أخرى تريد لمسة ( حنان ) مني . بالنسبة لي، كلّها تريد الإمساك برقبتي، وجذبي الى الداخل.
هنا تجمّعت حشود من المرضى والمصابين بعاهات جسدية أو عقلية. كان العامة – ولا يزالون – يطلقون على هذا المكان إسم “العصفورية”. كنت لا أعرف سبب هذه التسمية. لا زلت أجهلها. لا أريد ان أسأل عنها. كلّ ما أعرفه أني كرهتها. أرعبتني لسنوات في طفولتي. لا زالت ترعبني حتى اليوم. كرهتها يومذاك. لا زلت أكرهها حتى اليوم.
مهلا أخي القارئ. لا تتعجل عليّ…  ليس هذا لبّ موضوعنا. سنصل إليه…
“ألعصفورية” وما أدراك ما العصفورية. وقاك الله شرّها، ولا جعلك من نزلائها. ولا من ضحاياها.
كان مفروضاً عليّ، اذا،ً أن أجتاز هذا الدرب في اليوم مرتين. وكنت أذوق المرّ أيضا في اليوم مرتين. صباحا، أبدأ التفكير بتلك الأيدي الممتدة، فور خروجي من باب بيتنا. أباشرُ الجريَ، إن بلغتُ أول حدود “العصفورية”. أحوّل جريي ركضاً، كلما رأيت يدا تلوّح لي. أحاول ألا أنظر إلا في الإتجاه المعاكس. لا أستطيع. كأن يداً سحرية تمسك برقبتي، وتدفع بعينيّ إلى اليسار، لأرى تلك العيونَ الجاحظة، والأنوفَ المفتولة، والأفواهَ المبرومة؛ أو لأسمعَ تلك الأصوات الناطقة بكلماتٍ لا مقدَرَة لي على فكّ رموزها. 
هذا المشهد اليوميّ كان بلوة صباي. هي كانت لتكونَ محمولة لولا تلك الأصوات التي لم يكن بمقدور فهمي استيعابُ معانيها، وتلك الأيدي الممتدة التي يخيّل لي أنها تريد سحبي إلى الداخل لمشاركة أصحابها نعيم الحياة.
كان ركضي يطولُ ويطول. أعبُر المسافة المحاذية لل “عصفورية” فلا أشعر. أستمرّ بالركض، إذا بي على باب مدرستي. أتنفسُ الصُعداء. أشكرُ ربي على نعمة الحياة. أدخلُ إلى صفي. معكّر المزاج. مكسور الجناح . راضيا بقدَري . ممتنا لنجاتي.
أليوم، بعد مضي أكثر من نصف قرن.
أل “عصفورية” لا زالت مكانها. تغيّرت الأيدي بشبيهات لها. والأصوات تبدلت بمثيلات لها. أنا لم أتبدل ولم أتغيّر. أخاف المرورَ في ذلك المكان. إن اضطررت إلى ذلك أراني أركضُ دون شعور مني. ثم أتنبه لما أفعل. أخفّف السرعة. أخشى من توجيه دعوة رسمية لي للدخول، وإجراء بعض الفحوص فيها…
أليوم، بعد مضي أكثر من نصف قرن على هذه الحوادث المأساوية في عقل ووجدان ولد لا حول له ولا… تراودني – في مناسبات ثلاث – ألمشاعر ذاتها. ألأحاسيسُ ذاتها. ألمخاوفُ ذاتها. تلك التي كانت ترعبني.
ذكرت من الثلاث واحدة. هي مروري في نفس المكان.
لا زال علي ذكر اثنتين:
ألمناسبة الأولى: إن اتصل بي أحد أصدقائي القدامى، أو معارفي الجدد، وطلب مني أن أتصفّح بعض المنتديات التي تتناول شؤون الفوركس، وأطلع على بعض الحدثان فيها.
أراني معتذرا لحين. لا أحب ان تعاودني تلك الذكرى. أخاف هذه الأمكنة. أتحاشى المرور بجانبها. أخاف الدخول إليها. أخشى العقاقير التي توَزّع فيها. وصفاتها تشعرني أذى. تذكّرني بالنكبة.
ذلك الطريق الضيق لا يزال مزنّرا صدري. وهذا في ميسرته حتى اليوم قلبُ ولدٍ دون العاشرة. ( قلت بعض المنتديات. وبعض المواضيع. لا أحب ان أعمم. لا أريد عداوات. ولو كان لي في هذه الأمكنة أيضا صدمات وصدمات – منها ما هو ناطق بالضاد – منها ما هو بلغات اخرى – . في هذه المصيبة يتساوى الجميع ) .
لا! ما كها تمارَسُ الأعمال…
ألمناسبة الثانية: إن وقعت في تجوالٍ مسائي على فضائية لبنانية تستضيف واحدا من أبطال الثامن، أو الرابع عشر من آذار. أو تستضيف اثنين في وقت واحد، شبلاً من هنا وشبلاً من هناك. أو تستضيف واحدا من سعادين المستقلين ( جددا وقدامى ).
لا! ما كها تبنى الأوطان…
هنا أيضا يتحوّل الصندوق الأسود المواجه لي إلى سور من قضبان حديد. أرى من خلاله تلك الأيدي الممتدة. تظهرُ أمامي تلك الأفواه المقلوبة. وتقفز إلى الشاشة تلك الأنوف المعكوفة. والأشرّ من كل هذا. تلك الألسنة التي تريد التنظير بالسياسة فتطلق صيحاتٍ، طالما جهدت في فهم شيء منها، فما استطعت.
وقانا الله شر العثرات…

المراسلة على:

khibrat-omr@boursa.info



( 3 ) مَن يصدّق مَنْ ؟ اذا خليتْ فنيتْ …ا

أكثرت في مقالَيّ الأخيرين من الشكوك، واستفضت في الإتهامات، ما سمح لبعض من معارفي بتوجيه اللوم لي على مواقف تزرع الخوف في النفوس، وتحفّز على الإحجام، عوض ان توطد الثقة في الرؤوس وتدفع الى الإقدام.
قلت في مقال سابق معظمنا يقيمون الآن في قباحات جارحة .. هم يعرفون بشاعاتِهم ويحاولون إخفاءَها .. هي جليّة وصارت تتآكلهم .. هم اعتادوا عليها .. ألِفوا نتانتها .. صارت هي هم .. وصاروا هم هي ..

ألكذبُ كثير… لا يعوز أحدا ذكاءٌ خارق أو تحليلٌ علمي ليلحظ أن الكذبَ كثير ….في السوق كذب كثير وكذابون كثر . أنا أعرف بعضا منهم، وأتحسس وجودهم جميعا.

لامني بعضُ معارفي، وأيدهم في ذلك بعضُ أصدقائي، ومنهم من دعاني بصدق الى تليين موقفي وتعديل أحكامي على من في السوق من بني أمتي، حجّتهم في ذلك أن السوق سوق، وأنه في بلاد الغرب لا يختلف كثيرا عما هو عليه في بلادنا.
أتقبل لومَ أصحابي وأشكرهم عليه.
أتقبله وأقول لهم ألا يخطئوا مرتين، وألا يظلموني مرتين. مرة عندما يعتبرون القسوة في إرادة التقويم وتصويب المسارخطأ، ومرة عندما يعتبرون تقليد أهل الغرب في الخطأ صوابا.
أنا أعرف كلّ المعرفة أن أهل الغرب نجحوا في جعلنا نحن تباعا لهم في ميادين كثيرة، ومقلدين لهم في مذاهب غزيرة. أعرف أيضا أننا مضطرون لذلك في كثير من الأحيان من أجل الإطلاع على الجهة التي تهبّ منها الريح، وعلى الوجهة التي تأخذنا فيها. أعرف أيضا أن الإستعماء وبالٌ والتبصر نعمة.
أنا أعرف أن في سوق الغربيين الكثير من المَكر – بل المَكر ذاته -. أعرف ان في سوقهم الكثير من الكذب – بل الكذب نفسه – . أنا أعرف ذلك وأقتنع به. ما أعرفه ولا اقتنع به هو أن وجود المَكر والكذب والخداع والغشّ هناك، هو مبرر كافٍ لتشريع وجوده هنا، عندنا، بيننا، وفي تعاملنا مع بعضنا.
نحن يجب ان نكون مختلفين عما هم فيه، حين يتعلق الأمر بالخطأ أو بالخطيئة أو بالضلال أو بغيرها من الآفات المُنكَرات. نحن يجب ان نكون مستحقين لما نحن عليه، وغير متنكرين لما وُهبناه.
بعد تفكري في انتقادات أصحابي، وفي محاولات بعضهم ثنيي عن خطي، ازددت تشبثا بروح الحق، وعشقا لنبض الحقيقة، ورغبة في البحث عن الكمال – حتى ولو في عالم الخيال – .
لربما كنت في مقالات سابقة لي شديد القسوة على البعض، ولكنني كنت شديد الشفقة على البعض أيضا. لربما كانت شفقتي على فئة هي ما أوقد فيّ نارَ الغضب، فجعلتني ثائرا في وجه كلّ مدّعٍ لا أرى في فيه سوى سمات الاستغلال والوصولية السريعة.
والآن بعد تفكري بما كتبت، وبعد تفحّصي لما سردت، أقف متأملا في مثلٍ يردده كثيرا أهلُ الريف فيقولون : إذا خليت فنيت.
نعم أعرف أن في السوق خبثاء محتالين نصّابين صانعي فخوخ وصالين لها. أعرف ذلك، ولكني أقرّ أن فيه شرفاء عصاميين ناصحين معلمين روّادا. أنا ما أنكرت وجودهم يوما، ولا نسيت فضلهم حينا، بل ثمّنت تضحياتهم أبدا، وانحنيت أمامهم دوما.
هؤلاء قد يخطئون حينا في نصيحة، ولكنهم لا يتعمّدون الخطأ في النصح من أجل مصلحة وغاية. هؤلاء قد يضيّعون أحيانا بعضا من مال ائتمِنوا عليه، ولكنهم لا يفعلون ذلك عن جهل وهوس .
هؤلاء صادقون حتى ولو أخطأوا. إذا خليت منهم فنيت.
أولئك مجرمون ولو صدقوا. إذا خليت منهم طهُرَت.
وكل عام وانتم بالف خير ….
وللكلام صلة…

( 2 ) مَن يصدّ ق مَن ؟ سلعة فاسدة في تجارة رائجة

أنا لست ضد أن يتولى أحدُنا إدارة حساب أحدِنا. أنا لست ضد أن يعطي أحدُنا رأيا عبر توصية أو اقتراح عمل لأحدِنا، ولكن  …
أنا لست ضد أن بتوزع المسؤولية شخصان، مالك المعرفة ومالك القدرة … لعل في الامر هذا افادة وايجابية.. مالك المعرفة يحلل ويرشد، ومالك القدرة ينفذ ويتابع.. ولكن …
أنا احاول ألا أكون جارحا في انتقادي، وعدم الاستشاطة غضبا أمام تجاوزات تحدث في عمل قد يكون لبعض جنباته إفادة غير منكورة، ولكن الحقيقة يجب أن تقال : هناك من يعتاش على تقديم توصيات يوهم الناس انها ستحولهم بين يوم وآخر الى أثرياء كبار؛ وهناك من يدفع ثمنا باهظا من ماله نتيجة عجزه عن تنفيذ شيئا مفيدا.
أنا لست ضد مبدأ تقديم المساعدة لمبتدئ طري العود، وتوفير الدعم له ليقوى على تحقيق خطواته الاولى… أنا ضد أن نستغل ضعف هذا الوافد الجديد فنتحين فرصة جهله للاستفادة منه وسلب ما في حوزته من مال.
هذه الخواطر تفرض بعضا من التساؤلات:
اذا كان الفشل في السوق يعود بالدرجة الاولى الى الانفعالات النفسية التي تترجم خوفا او طمعا، وتسلب العامل القدرة على تحقيق الهدف ، فهل مقدم التوصيات – ان أحس بالمسؤولية – تنتفي عنه هذه المؤثرات ويتحرر من هذه الانفعالات؟
المعوق الأساسي أمام كل مبتدئ هو الطمع بتحقيق الربح، أما من مصلحة لمقدم التوصيات بتحقيق النقاط ؟ ألا يعيدنا هذا الى نقطة البداية ؟
هل تحرره من الانفعالات يعني قدرة وصلابة ؟ أم أيضا عدم احساس بجسامة المسؤولية ؟
ألا يشعر معطي التوصية في وقت حرج بكونه ليس هو من يخسر ؟ أليس هذا الأمر بداية الإعتراف بانعدام المسؤولية ؟
التحرر من عاملي الخوف والطمع ممكن فقط عند التحرر من عامل المسؤولية عن الخسارة. هنا يمكن الوقوع في مطبات المخاطرات غير المحسوبة، فيكون البيع والشراء مزاجيا، وأحيانا غير مبرر منطقيا . قد يحقق هذا العمل ربحا ولكنه ربح الصدفة طبعا..
هل من يعطي التوصيات لغيره يستطيع التأكيد بان كل حالة من حالات السوق كانت مدروسة بالشكل الذي كانت لتكون عليه فيما لو انه يعمل بها هو شخصيا ؟
هل كل مقدمي التوصيات يعملون بتوصياتهم بأمانة تامة كما يقدمونها ؟ وان كان جوابهم بنعم، فهل يمكنهم ذلك فعلا ؟
فلنتمهل هنا ولنكن قليلي الخبث، كثيري المصداقية .
نأتي الى جانب آخر من الموضوع : لماذا يصير الانسان بائع توصيات ؟
– قد يصيرأحدنا بائع توصيات لأنه يملك المعرفة ( المعلومات ) ولا يملك الوسيلة ( المال ). هذا أمر غير منكور ..
– قد يصيرالواحد بائع توصيات لأنه يملك المعرفة والوسيلة ولكنه لا يملك الجرأة على تعريض ماله للخطر.. هذا أمر عليه تحفظ كبير.. إن خاف واحدنا من تعريض ماله للخطرفي توصيات يثق بها، فلماذا لا يخاف من تعريض أموال غيره ؟ ببساطة لأن أموال غيره ليست له .
– قد يصيره لأنه لا يملك المعرفة ولا يملك الوسيلة . هو يريد ان يتمرن ويجرب ويتسلى ويتحلى . ويجد دوما على المنتديات من يصغي له..
أرى ان القبول بمبدأ إعطاء التوصيات يصير أكثر شفافية ان كانت مجانية. هنا ننعتق من الكثير من مخاطر المصلحة الشخصية ونتحرر من روابطها. يمكن القبول بمبدأ التوصيات ايضا بصورة اقتراحات عمل قابلة للدرس من ناحية المتلقي فيزنها ويسترشد بها، فيأخذ منها ما يتناسب مع مبادئه ويترك ما يناقضها . بهذه الحالة تكون عامل تشجيع وتحفيزعلى تنفيذ عملية وليس عامل استعماء.
أرى ايضا ان التوصيات تصير أكثر مصداقية وأقرب الى الواقعية في حال نفذ المقدم لها كل توصية على حسابه الخاص فلا تكون كلاما بكلام. هكذا نقترب أكثر من الواقع ونقلل المخاطر والمطبات.
نأتي الان الى متلقي التوصيات. هل هو الطرف المنزه عن اي انفعال، والقادر على تنفيذ كل ما يُقال له دون تغيير أو تعديل؟
أشك في ذلك شكا عميقا. الماضي أثبت أن هذا الأمر مستحيل، والمتلقي شريك كبير في إفشال عملية تقديم التوصيات وإنجاحها. إن نجح المقدم في التخلص من المؤثرات النفسية فلن ينجو منها المتلقي حتما.
حتى ولو تمّم المعطي كل الشروط  الوظيفية والمعرفية ووفى بكل الواجبات المعنوية والاخلاقية  فان المتلقي لن يستطيع التحرر من المؤثرات الخارجة عن إرادته لألف سبب وسبب.
وأكاد أسمع من يسألني : إن كان هذا ما تراه، فما الحل برأيك؟
للبحث صلة…

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات