1 — بائعو التوصيات استنادا الى برامج ميكانيكية ؟ – 22th December 2004 |
يكثر الحديث في الوقت الراهن عن البرامج الميكانيكية التي يروج لها البعض بكونها تتمتع بمقدرة فائقة على تحقيق الربح الطائل ، دون ان يكلف المتعامل نفسه اي مشقة ولا حتى مشقة البيع والشراء ، ذلك ان البعض منها يصار الى ربطه ببرنامج التداول بحيث يكون بامكانه ان يجري العمليات فتحا واقفالا دون الحاجة لاي تدخل من قبل العنصر البشري الذي تقتصر مهماته على إحصاء ارباحه بحسب زعم المبرمجين والمسوقين . . .
كثرت الاتصالات بنا مؤخرا ، استفسارا واستمزاجا ، حبا بالاستنارة قبل الاشتراك ، ورغبة بالاستنصاح قبل الوقوع في خطأ برامج مجهولة خفاياها على الكثيرين من حديثي المعرفة بهذا الباب . لذلك راينا المباشرة في التدقيق بهذا النوع من التوصيات ، وتقديم بحثه على غيره ، آملين التوفيق من المولى الى ما فيه الحقيقة والصواب .
ا – ان أول حجة يلجأ اليها المروجون لهذه البرامج ، هي كونه يوفر للمتعامل حظ التخلص من الانفعالات النفسية ، فلا يلجأ الى اقفال صفقة قبل موعدها ، أو الى فتح صفقة في غير موضعها ، تحت ضغط عامل الطمع بربح أو الخوف من خسارة . فما مدى صحة هذا الزعم ؟
من حيث المبدأ ، ومن الوجهة النظرية الصرفة ، أجد ان الكلام الوارد في هذه الحجة من الصحة بحيث يصعب نكرانه على صاحب القول . فالبرنامج لا أحاسيس له لتتأثر ، ولا مشاعر له ليخاف ويطمع ، بل هو قد لقّم بمعلومات محددة ، يقوم بالاعتماد عليها باتخاذ القرارات وتنفيذها ، بصرف النظر عن الحركة الحاصلة في السوق ، أسبابا ونتائجا ممكنة . وبهذا لا يخفى على احد تميّزه عن الكائن البشري الذي يجد نفسه فريسة لكثير من التجاذبات النفسية التي تعيق عليه دربه وتمنعه من تنفيذ ما خطط له في كثير من الحالات ، سيما ان كان في طور تعامله الاول . البرنامج لا يتردد امام قرار . هو لا يطمع بربح اضافي ، هو لا يعمد الى آغلاق صفقة قبل موعدها ، هو لا يراقب مواعيد البانات ولا يحلل نتائجها ، وهو قبل كل شيء لا يحتاج لقرار مبني على معطيات موضوعية مقنعة ومتخذ بعد تدقيق مبني على خبرة سنوات في هذا العمل الشاق .
رجل آلي بكل ما للكلمة من معنى ، يعمل لك وعنك ، حتى الارباح هو يحصيها ويسلمها لك مكدسة في حسابك . فهل هذا صحيح ؟
نعم ، قد يكون صحيحا ، هو يسلمك الارباح مكدسة في حسابك ، ولكن ، ان هو تمكن من تحقيقها .
وما المعوقات التي قد تمنعه من التغلب على الانفعالات النفسية التي توقع بك انت وتدفعك الى الخسارة ؟
انت هو المعوق الاكبر ، صديقي المتعامل ، واليك الدليل المبني على مثل بسيط :
لقد اشترى البرنامج المذكور صفقة يورو دولار على ال 1.3300 ، ووفق في شرائها بحيث ان السعر بلغ بحركة سريعة غير منتظرة حدود ال 1.3450 ، محققا بذلك ربحا محترما . وانت ّ اين انت في هذه الفترة ؟
انت تجلس أمام الجهاز ، تراقب الوضع بكل امتنان ، تكاد تصفق لهذا العبقري النادر الوجود ، تزيد نبضات قلبك مع كل ارتفاع ، تتناقص الى حد الانعدام مع كل تراجع تصحيحي ، توشك ان تتدخل في عمل العبقري المذكور ، تمسك انفاسك ، تودّ لو كان باستطاعتك ان تكلمه ، ان تسدي له النصح ، أن تقول له اقفل الصفقة ارجوك . يبلغ الربح القمة التي كنت لتحلم به لو انك تتعامل أنت بنفسك . 150 نقطة . تحولها الى دولارات . هي 1500 دولارا بعقد واحد . وان كانت عقودك 100 فالربح 150.000 دولارا . ربحت 150.000 دولارا ، تريد ان تجني ربحك ، تريد ان تغتنم الفرصة ، وكلك يقين من ان السوق في مثل هذه الحالات قد يرتد على اعقابه ، فيضيع منك ما تحقق . تبدأ بالتكلم مع البرنامج الاصم : اقفل الصفقة ايها المعتوه ، ما تراك تنتظر ؟ انت تريد ان تتدخل ، توشك ان تمدّ يدك لاقفال الصفقة ، ولكن صوتا داخليا يقول لك : دعه هو يعرف عمله . اما هكذا اوصاني بائع البرنامج ؟ اذن لانتظر ، العبقري يعرف ما عليه فعله .
والمعتوه لا يجيب ، هو أصمّ أخرس ، لا يأكل ألا من لون واحد ، ولا يفقه الا لغة واحدة ، لغة لقنه اياها مبرمجه ، وهو لن بتعلم غيرها على الاطلاق .
وما هي الا لحظات ، حتى يرتد السوق متراجعا ، فتضيع النقاط كما تحققت ، وتوشك ان تضيع ال 150.000 من الدولارات كانت منذ لحظات في يدك ، ها هي تتحول الى ربح هزيل لا يتجاوز ال 5000 آلاف دولارا بدقائق خمس . هنا يفيق الرجل الآلي من ثباته ويقرر اقفال الصفقة . لعنه الله ، غبيّ ابن اغبياء .
وتنتظر الصفقة الثانية فتاتي . انت في حسرة لا يسهل على امرئ تجاوزها ، وفي نقمة لا يمكن لمخلوق تخطيها . يقرر الآلي الشراء . تسير الصفقة في الربح . تبلغ ال 50 نقطة . يتملكك شعور غريب ، يملأ عليك نفسك ، يتحكم بكل خليّة من خلاياك ، يوجه كلّ ذرّة من كيانك . يتحول هذا الشعور الى صوت عميق يقول : لا تدع هذا المعتوه يتحكم بربحك وجنى عمرك ، هيا اقفل الصفقة الان ، وعاود الدخول فيها في التصحيح الاتي ، فتعوض ما سبق له ان ضيعه عليك .
وبحركة لا شعورية ، وبقرار غير متعمد ، تمتدّ يدك الى الجهاز وتقفل الصفقة . ولكن السوق يكمل دربه ، انه لا يصحح ، وتضيع عليك فرصة تحقيق 200 نقطة من الربح كانت لتساوي 200.000 دولارا لو انك لا تزال موجودا في السوق .
وتتملكك الحسرة ، ويملأك الحزن ، ولكن ما قدّر قد كان .
نعم صديقي المتعامل ، برنامجك هذا لا يتاثر بالانفعالات العاطفية والمعوقات النفسية الي تتعرض لها انت . نعم هذا صحيح ، ولكنك انت ستكون انفعالاته ، وستنقل العدوى اليه بتدخلك بين الحين والحين بقراراته . وبهذا ستنتفي حجة المسوقين للبرنامج ، فهو لم ولن يقوى على التغلب على الانفعالات النفسية ، وستكون انت عائقا اساسيا يمنعه واقعيا من تحقيق الربح الذي حققه من الوجهة النظرية ، هذا ان لم تكن انت قادرا على التغلب على انفعالاتك .
نعم صديقي المتعامل ، لا تعول على هذه النقطة ، ولا تصنفها في مصاف الايجابيات ، الا ان بتّ على يقين تام بقدرتك على امتلاك اعصابك ، وامتناعك عن التدخل في عمل عبقريك هذا . وان انت استطعت ، فيجب ان تكون قادرا ايضا على توجيه انفعالاتك النفسية حتى في الصفقات التي تبرمجها انت وفقا لاستراتيجية عمل ترسمها بنفسك . اما ان لم تستطع فعل ذلك ، فتكون الحجة الاولى والاهم قد تعرضت لازمة ثقة كبيرة ، تجعل الفرق بين الموعود وبين التطبيق شاسعا ، وهي بذلك تشكل عاملا مهما من العوامل التي ستحول دون قدرتك على تحقيق الربح الذي حققه – او يدعي انه حققه – مسوق البرنامج المذكور .
ب –
وفي الاجزاء القادمة للبحث معوقات اخرى سنعمد الى بحثها تفصيلا ، ان شاء الله وأذن .
|