ألني ثقتك , أصنعْ منك صيّاد صفقات ! (2) ا

ألني ثقتك , أصنعْ منك صيّاد صفقات !  (2) –  – 25th  April  2006

 

لقد فشلت خطتي , ولم افشل انا !

بنيت خطتي في البحث عن الحقيقة على التجسس ولم أفلح في بلوغها !

لم أشكّ ابدا في قدرتي على بلوغ مرادي !

سرّ نجاحي قام على عدم إقراري بفشلي , وإصراري على تحميل النتيجة التي وصلت اليها لخلل في الخطة التي اعتمدت ، وليس لي شخصيا .

أنا صممت الخطة الفاشلة  ، أنا أصمم غيرها .

لو أقريت بأني أنا الذي فشل لكانت النهاية المحتومة ، أقريت بفشل خطتي . وثقت بقدرتي على الانبعاث من جديد .  من هنا كانت بدايتي الجديدة . الحل بسيط : علي استبدال الخطة  أو تعديلها ، والبحث عن الطريق الأسلم للوصول الى الهدف المنشود . 

بدايتي الثانية ، انطلاقتي المتجددة بنيتها على ضرورة إعادة النظر في موضع الخلل الذي اعترى خطتي الاولى ، وهكذا كان .

لماذا فشلت خطتي الاولى ؟

أعتقد ، واميل الى التاكيد بان فشل المحاولة الاولى يعود لكون المنطلق انجرافا وراء مشاعر جياشة تدفع باتجاه البحث عن نصر ما ، وتضغط من أجل تسجيل نجاح ما ، بأية طريقة ، وبأي ثمن ، وبصرف النظر عن الأسلوب والوسيلة . هذا هو الفخ الخطير الذي يجب تحاشيه ، هذه هي الحفرة العميقة التي يجب التنبه لها .

خطتي الاولى كانت نسيج اندفاع وتسرع ، كانت نتيجة رغبة الحصول على نصر رخيص : التجسس على صاحبي .

التجسس على صاحبي  . بكلام لائق مخفف منمق : إستعارة شيء من عندياته ، إقتباس اكتشاف وفق اليه ، اقتراض فكرة من افكاره .

 لنكن صريحين :  التجسس على صاحبي يعني سرقة ملك له وصل اليه بجده وتعبه .

المرعى وفير ، والجو فسيح . النبع غزير ، والساحة تتسع للجميع . علامَ التحاسد والتصارع ؟

 

 

المشكلة على المشرحة ، الرحلة الى الحقيقة .

في كل مرة يسود فيها العقل ، يتحقق النصر .

 

انطلقت في رحلتي  الثانية للبحث عن الحقيقة من قناعة أولية  ثابتة لا مجال للتشكك فيها : إن صاحبي لا يصطاد الطيور طائرة بل على شجرة . هذا سر اقتصاده في عدد الطلقات .

علي اذا ان أن أبدأ مسيرة الحقيقة من هذه النقطة وليس من البحث عن آثار قدم أو بقايا طعام أو طلقات نارية فارغة . عليّ أن أبحث عن شجرة  ، عن شجرة في غابة ، عن شجرة في غابة كثيفة الشجر ، عن شجرة مميزة عن غيرها من الشجر ، عن شجرة يقع عليها الطير اختيارا  ولسبب ما لا يزال مجهولا لدي .

ألخطوة الصحيحة الأولى في مسيرتي نحو الحقيقة قد تمت .

علي أن أبحث عن مكان الصيد ليس بالتجسس على صاحبي بل على الطير .

علي ألا أقتفي آثار صاحبي ، بل آثار الطير .

ألخطوة الصحيحة الثانية في رسم درب الحقيقة قد تمت أيضا .

يا لغبطتي ! أنا ذكيَ ، ذكيّ جدا ، هكذا قيّمت نفشي في هذه اللحظات الحرجة .  .

 

هي حربي أنا ويجب أن أربحها بعدتي . مسموح لي أن أتمثل بصاحبي ، وليس مسموحا لي أن أسرق ما حققه هو . إذا لا بد من درس الأرض جيدا ، من طرح  الاحتمالات كلها ، من حذف غير المنطقية منها ، من تصنيف المنطقية الى عادية ومهمة وشديدة الأهمية ، من التعامل معها بأولوياتها . 

وهكذا كان . 

صعدت الى مرتفع يشرف على الغابة دون أن يكون بعيدا عنها . وقفت على صخرة وفرت لي فرصة مراقبة كل كبيرة والتدقيق  في كل صغيرة  ، مسحت الغابة كلها بناظري فماذا رأيت ؟

رأيت شجرة واحدة ، بدت لي مميزة ، لا شبيه لها في هذه الغابة المترامية . شجرة زعرور نبتت على أكَمة صغيرة وسط شجرات من السنديان والملول والشربين ، تفصل بينها شجيرات من البطم  والقندول والوزال ، تشابكت مع بعضها بحيث أنها باتت توفر ملجأ صالحا لمبيت الطير ليلا ان أخذته الوحشة ، وللفيء فيه نهارا ان اشتدت حرارة الشمس .

كانت شجرة الزعرور مميزة بموقعها بحيث انها علت ما سواها من شجر وشمخت فوقه ، وكانت كذلك مميزة بشكلها بحيث أنها خلت من الأوراق كليا ، وان أغصانها  تعرّت بحكمة حكيم إلا من بعض حبوب الزعرور ذات اللون الأحمر القاني . 

قلت – وفي نفسي فرحة المستشعر بالنصر ، المستبشر بطلائعه ، المبصر لمدلولات لا بد أن تصيب – إن لفي الأمر سر ، وقد تكون فيه ضالتي . أراقب حركة الطير ، وقد يفتح الله لي من المراقبة بابا .

 

راقبت حركة الطير ساعة ، أو ربما ساعتين ، او ربما أكثر . أمعنت النظر في كل تحرك ، مررت كل فكرة على غربال الشك المنهجي  والنقد الايجابي . انتهت الساعة ، أو ربما الساعتين ، فإذا بصرخة الإنتصار المؤكد : وجدتها ، وجدتها !

 

كانت طيور السمن المرقطة وبعض الشحارير السوداء تجول فوق الغابة عند وصولها باحثة عن مدرج سهل مناسب تقع عليه ، وكانت بمعظمها لا تجد من شجرة الزعرور أفضل ، ولا منها أسهل ، فتستريح عليها برهة من الزمن تقصر أو تطول ، تحدد خلالها مكانا تنتقل إليه في عبّ شجرة أخرى ضمن الدبشة المحيطة بشجرة الزعرور .

 

رجحت عندي كفة على أخرى ، وملت الى الظن بأن ضالتي قد وجدت . قررت الاستمرار بالمراقبة لمزيد من اليقين .

 

كانت الشمس قد مالت الى المغيب ، وكان وقت الصيد المفضل عند صاحبي قد دنا ، وقت الصيد المفضل هو وقت مبيت الطيور ، وقت صيد الطيور عند مبيتها . رأيت الرجل يقبل من بعيد ، ثم يدخل الغابة من طرفها الغربي على درب تتلوى بين شجرة وصخرة ، وترتفع على اكمة فتنخفض وسط منزلق . رايته يقبل من بعيد  ليغيب أخيرا وسط الادغال فتستحيل رؤيته أو تحديد وجهته إلا تقديرا وترجيحا .

إستمريت متسمرا في مكاني وفي رأسي فكرة أتتبع مدلولات بَناتها ، وفي يدي رأس خيط استرشد بوجهته . عيني على شجرة الزعرور ، وفكري على التقدير الذي ارغب في ان اراه وقد تحول الى يقين .

مر الربع الأول من الساعة التي قررت أن أستمر فيها في عملية الرصد والمراقبة  . لم يحمل لي الربعُ الاولُ جديدا . كاد الربعُ الثاني أن ينقضي ايضا . عيناي على الشجرة ، أعصابي مشدودة كأوتار ، أملي كبير وخوفي أكبر . هذا شحرور أسود يحوم فوق الغابة حومة ، ها هو يجنح مائلا الى اليسار ثم ينخفض تدريجا ويتجه الى شجرة الزعرور . ها هو يغطّ على غصن من أغصانها . في هذه اللحظة تنطلق طلقة من بندقية صيد . تنفست الصعداء . إقتربت خطوة من الهدف المرجو .

قررت الاستمرار في المراقبة . تسمرت عيناي على شجرة الزعرور أكثر فاكثر ، إنشدت أعصابي الى اوتارها أكثر فأكثر . مرت خمس دقائق أخرى ، جنح طير سمن مرقط قاصدا شجرة الزعرور . وطئت قدماه غصنا من أغصانها . إنطلقت طلقة من بندقية . تنفست الصعداء مرة جديدة . أنا في الطريق الصحيح .

مكثت في مكاني ما يزيد عن ساعتين  فصلتاني عن المغيب . رفرف خلال هذا الوقت  فوق شجرة الزعرور ، وغطّ عليها ، خمسة عشر طيرا من أحجام وأنواع مختلفة  .  إنطلقت في نفس هذا الوقت خمس عشرة طلقة من بندقية صيد .

كانت كل طلقة تتبع نزول كل طير بما يقارب الثانية وقتا .

كانت كل طلقة  تحمل لي تأكيدا لما كان ترجيحا ، فأطرب لها ، وأهنأ بها ، وأغبط نفسي على نجاحها  وأهنئها  على فلاحها  ، فتمتلكني أحاسيس كل ما يمكن أن يقال فيها إن الملوك كانوا ليحسدوني عليها لو انهم شعروا بمثلها .

نعم أيها الأكارم ، لقد نجحت في مخططي . كان نجاحي ثمرة لجهدي الفكري التحليلي المصيب .

كان من حقي أن أفخر بما حققت .

كان من حقي أن افرح لما حققت .

 إفرحوا لفرحي ، فالآتي  لا يقلّ أهمية عما مضى .

 

 

أمضيت أمسية ليلتي هذه وسط حالة من الرضا والهدوء جعلاني أبيت على تصميم بأن يكون لي في الصباح يوم عمل وبحث وتخطيط جديد لا يقل أهمية عن سابقه .

بتّ الآن على يقين تام بأن صاحبي يكمن للطيور ولا يجري وراءها .

بتّ الآن على يقين بأن الطيور تأتي الى صاحبي ، ولا يذهب هو اليها .

بتّ على يقين بأنه يرمي رميات واثقة على هدف حدده مسبقا ، وليس على ريح كيفما هبّت الريح  .

 لقد حددت المكان الذي يتواجد فيه صاحبي ، وعرفت الوسيلة التي يأنس اليها لتحقيق ظفره ( ربحه )  في كل يوم صيد . لقد حققت نصرا عظيما ولكن هذا النصر لم يفدْني الا بالمجال النظري حتى الآن ؛ شجرة الزعرور هي شجرة صاحبي . هي اكتشافه هو . هي نتيجة سعيه هو ، سأكون من الجبن والحقارة والتفاهة بما لا يتناسب مع مبادئي إن انا سابقته عليها أو نافسته فيها .

الجو فسيح ، والمرعى وفير ، والنبع غزير . الساحة تتسع للجميع ، علامَ التحاسد والتصارع ؟

 

 معركتي مع ذاتي مستمرة اذا ، ولا بد من سعي مستديم . الهدف لم يبلغ بعد .

 

الهدف يُختصر بضرورة أن تكون لي شجرة زعرور كما لصاحبي ، لا أن تكون لي شجرة صاحبي . الهدف هو أن اصطاد طيورا كما يفعل صاحبي ، لا أن اصطاد طيور صاحبي .

طلع علي الصباح فعززت نفسي بزاد قروي متواضع ، قوامه عدد من الارغفة ، أدامها قطعة من الجبنة البلدية البيضاء ، وعقدت العزم  أن أضيف اليها حفنة من الجرجار (حبوب الزيتون الشديدة النضج ) ، والتي كان علي أن أجمعها طازجة من كرم زيتون لا بد من ان اعبر وسطه وصولا الى الغابة التي جعلتها اليوم ايضا مقصدا لي وهدفا  .

بلغت الصخرة المشرفة على الغابة – والتي كنت قد حولتها في اليوم السابق الى برج للمراقبة –  قبيل طلوع الفجر . ومن عليائي عاودت مهمة المراقبة والرصد  .

 

مسحت الغابة مرة اخرى بناظري – هذه المرة بواسطة منظار صغير حملته معي لهذه الغاية – ، ثم عاودت مسحها مرة ومرة ، فرأيت .

رأيت على الناحية الشمالية منها شجرة تتوسط مجموعة من شجيرات قزِمة تقصرها قامة وتقلها شموخا ، شجيرات تحيط  بالشجرة الأم كما لو كانت خادمات أمينات لملكة نحل . هنّ يتحلقن حولها ، ويقمن على رعايتها ، دون أن تطمح واحدة منهن للتجرؤ عليها أو التمثل بما فيها .

 

قلت : هذه هي ضالتي ، وهذا هو مقصدي .

قصدت المكان فبلغته بعد ساعة من الجهد ، غير آبه بما كان يصيبني من  وخزات تخصني بها دبابيس شجيرات القندول دفاعا عن حصونها  ، وغير مكترث لجروح تتلقاها يداي من حجارة كنت استعين بنتوئها في تسلق حائط أو قفز فوق منحدر . 

بلغت الموقع فعمدت الى دراسة جهاته الاربعة ، وحددت الموضع الأفضل لتكوين مخبأ أرى الطيور منه ولا تراني الطيور فيه .  كوّرت المخبأ وسط شجيرات كثيفة أوراقها ، وموهت مدخله بجذوع مورقة جمعتها من المكان . جعلته فسيحا وعاليا بحيث يكون فيه متسعا للجلوس والوقوف والاضطجاع . كان الوقت قد جاوز الظهيرة فاسترحت ساعة تناولت فيها شيئا من المؤونة التي كنت قد حملتها معي ، ثم جلست محدقا في الشجرة العملاقة التي جعلتها مقصدي ، مترقبا سقوط أول طير عليها ، ممنيا النفس بالظفر به .

 

ربع ساعة اول . ربع ساعة آخر . جناحان يرفرفان فوق رأسي . غصن يهتز على الشجرة المرَاقبة . طير سمن ذكر عليه .

 رفعت بندقيتي بحذر . ثبتتها على كتفي . صوبت على الطير . كدت أن أطلق الطلقة ، عاود طير السمن انطلاقه ، لعله قد رآني . الطير عين وجناح .

كمدت غيظي . واسيت نفسي . قلت : خيرُها بغيرِها .

ربع ساعة أخرى تمر . جناحان آخران . غصن آخر يهتز. طير سمن جديد على الشجرة . يا لحظي ! يا لسعادتي ! لقد احسنت في اختيار المكان .

عاودت الحركة ذاتها ، أطلقت طلقتي ، لم أوفق بالاصابة ، طار الطير في نفس اللحظة التي ضغطت فيها على الزناد . نجا بنفسه وتركني فريسة مشاعر الغضب والندم . ليتني عجلت وأطلقت قبل ثانية واحدة . لو إني فعلت لما كانت جعبتي الآن فارغة .

غضبت وثرت ولعنت حظي العاثر. لم يكن من الهدوء بدّ . هدأت  وواسيت نفسي بما يرضيها ، وانتظرت فرصة جديدة ، يحدوني الأمل أن تكون على أفضل من سابقتيها .

جاءت الفرصة الجديدة  وجاءت عديدات بعدها . لم أفلح في بلوغ مرادي . لم أوفق في الفوز الا بطائرين من السمن بين ما يزيد على الاربعة عشر طائرا نزلت كلها على الشجرة . كانت الطيور تنجو بنفسها قبل أن أضغط على الزناد بجزء من الثانية فتذهب طلقتي سدى ، أو كانت تغادر الشجرة في اللحظة التي أثبت البندقية على كتفي وأهم بإطلاق النار .

طائران من أربعة عشر طيرا . صيدٌ غير وفير ، وكان من الممكن أن يكون وفيرا .

اثني عشر طيرا نجت ، اثنتي عشر نوبة غضب وانفعال وشتم وندم ، لم تفدني شيئا ، ولم تزدني إلا توترا وشللا إضافيا لقدراتي التحليلية المنتجة .

حل المساء وكان علي أن أغادر المكان ، ولو قدر لي الخيار لما غادرت . لو قدر لي الخيار لمكثت في مكاني حتى الصباح مشغوفا بما حققت حتى الآن من انجازات ، ومدفوعا بنعمة وُهبت لي جعلتني أكره الإنهزام ، فأسعى بكل قواي الى حل يرضي طموحي ، حلّ لكل مشكلة تعترض تحقيق واحد من أهدافي . كان علي أن أغادر المكان ، ولو لم أفعل لكانت أرجاء الغابة قد رددت بعد أقل من ساعة أصداء صوت والد مشغول البال ينادي على ابن  غرّ لم يبلغ العشرين بعد ، خافت عليه أمه من مكروه قد يكون أصابه ، في غابة لا يعلم الا الله ما يخبئ المجهول فيها من خفايا .

كان علي أن أغادر المكان ، فغادرته وجل اهتمامي منصبٌ على الحل المنشود ، فما وطئت قدماي منزل والدي إلا وقد بلغته .

امسكت الخيط من طرفه ، تبعت كل تحركاته ، بلغت آخره ، وجدت الحلّ . وجدت الحل بالتحليل والتدقيق والمقارنة والاستنتاج . وجدته بعيدا عن الانفعال والتوتر والعناد والتهور والاندفاع .

قلت في سري : لقد اصطاد صاحبي اليوم على شجرته خمسة عشر طيرا . لقد اصطدت أنا على شجرتي طيرين .

لقد نزل على شجرتي أربعة عشر طيرا ، ولو أني اصطدتها كلها لكنت قد حققت نتيجة مساوية بالضبط لنتيجة صاحبي .

لو كانت نسبة اصابات صاحبي كنسبة اصاباتي انا – اي 2 الى 14 – لوجب ان يكون قد نزل على شجرته ثمانية وتسعين طيرا ليظفر بخمسة عشر منها . ان هذا مستحيل لان مراقبتي لشجرته في ما مضى حسمت استحالة هذا الامر .

النتيجة اذا : نزلت على شجرة صاحبي طيور مساوية بالضبط للطيور التي نزلت على شجرتي . ولكنه فلح في اصطيادها كلها . فلح في ما فشلت به انا .

 اذا النصر الاول لي قد تحقق من حيث ايجاد الشجرة  وتحديد المكان المناسب .

الخلل يكمن في ما تبقى من تفاصيل . الخلل قد يكون في المكمن الذي أختبئ  فيه وهذا أمر مستحيل لاني عملت على تمويهه بحيث انه بدا لكل عين كناية عن شجيرات تشابكت أغصانها فكونت ما يشبه دبشة يصعب الدخول الى وسطها .

الخلل يكمن اذا في يدي اللتين لا بد ان تكونا أشد سرعة ، وفي تصويبي الذي لا بد أن يكون أكثر دقة ، وفي حركتي  التي لا بد أن تكون اكثر عياقة .

هنا صرخت مرة جديدة : وجدتها وجدتها !

لقد كانت صرختي هذه محقة ،  صرخة المنتصر الذي استحق نصرا ، لقد وجدتها فعلا ، وكنت جديرا بجني ثمار ما وجدت .

الطير كما السوق تماما : عين وجناح .

عين يستكشف بها وجناح ينجو به .

انطلقت من هذه القاعدة لحل اللغز فماذا وجدت ؟

الطيور لا تنزل على الشجرة التي أكمن لهم تحتها للمبيت فيها بل يتخذونها خطوة اولى للانتقال الى مخبأ أكثر امانا ، فهي اذا تتخذها ممرا وليس مستقرا .

لحظة نزولها تعمد الى مسح المحيط المرئي بعينها الثاقبة يمنة ويسرة ، ولا بد انها ترى اية حركة حتى رفع البندقية بتؤدة وترو فائقين . هي ترى فتعمد الى الهرب قبل ان تبلغ البندقية الكتف أو قبل الضغط على الزناد .

الحل اذا ؟

يجب رفع البندقية الى الكتف في الفترة التي يكون الطير لا يزال بعيدا مترا او مترين عن الغصن الذي يهم بالنزول عليه . في هذه اللحظة تكون عين الطير مصوبة بشكل تام على الغصن وتكون حواسه مركزة على عملية الهبوط بنجاح ، فتنطلي عليه الخدعة ، وتمر الحيلة ،  في وقت لا يستطيع التفكير  بامكانية وجودها ، ويسهل تحقيق ( الربح )  والوصول الى ( الهدف ) بسهولة ندرت مثيلتها . 

يجب أن يتم الضغط على الزناد في اللحظة ذاتها التي يوشك فيها الطير أن يمسك غصن الشجرة باصابع قدميه ليثبت عليها ، ومع آخر رفة لجناحيه انتقالا للاتكال على قدميه . في هذه اللحظة تكون حركة الطير قد هدات ، وتكون قدماه قد لامست الغصن او كادت ، ويكون قد صار في وضع ثابت او كاد ، ويكون ثقل جسمه لا يزال بعهدة جناحيه أو يكاد . في هذه اللحظة بالذات ،  لحظة تسليم ثقل الجسم من الجناحين الى القدمين ؛ في هذه الوضعية بالذات ، وضعية التسلّم والتسليم بين الجناحين والقدمين ، النجاح مضمون مئة بالمئة .

 

هكذا عمدت الى تحليل الامر ، وهكذا وصلت الى الحقيقة الدامغة : صاحبي يحقق النجاح بهذه الوسيلة وانا ساحقق نفس النجاح ان شاء الله لي ذلك .

 

اليوم التالي : نجاح باهر .

ماذا كان في اليوم التالي ؟

ماذا أفدت من تجربتي ؟

هذا ما سياتي في الفصل القادم ، ان منّ الله علينا بقوة كافية للسرد والتفصيل ، وله الشكر على كل ما يكون قد من به علينا .