متابعة قراءة الصين تدعم تمويل التجارة والقروض الاستهلاكية لتعزيز الاقتصاد
الأرشيف الشهري: مارس 2020
نايكي تقرر إغلاق فروعها في أمريكا وبلدان أخرى
معجزة الصين
هناك قول ينسب لنابليون : «دعوا الصين تنام فإنها إن استيقظت سوف تهز العالم»، وذكر فريد زكريا في كتابه «العالم بعد أميركا» قولا لـ(دينغ زياوبينغ) في عام 1978 وكان رئيساً جديداً للحزب: «ليس مهما إن كانت قطة سوداء أم بيضاء، ما دام أنها قادرة على الإمساك بالفئران فإنها قطة جيدة»، وكان في قوله إشارة قوية إلى البعد عن الآيديولوجيا والتركيز على الوقائع، فقد ركزت الصين في السابق كثيرا على نشر ثقافتها في الدول المحيطة، وتاريخها مليء بالحروب والكراهية والاحتلال بينها وبين دول مجاورة مثل كوريا واليابان وفيتنام وغيرها. ولعل خطابه ذلك كان نقطة تحول في التاريخ الحديث للصين.
فمن ينظر إلى الصين اليوم يكاد لا يصدق أنها ذات الدولة عام 1979، فمنذ ذلك الوقت وحتى الآن زاد متوسط النمو السنوي للصين عن 9 في المائة، وهو معدل غير مسبوق في التاريخ المكتوب، حتى أن الناتج الإجمالي في عام 2019 زاد على 14 تريليون دولار، بعد أن كان 178 مليار دولار فقط في نهاية السبعينات، أي أن الناتج الإجمالي للصين تضاعف 76 مرة، بينما تضاعف حجم الاقتصاد العالمي بين هذين العامين تسع مرات فقط! وخلال هذه الفترة استطاعت الحكومة الصينية انتشال أكثر من 400 مليون شخص من تحت خط الفقر، وتضاعف دخل الفرد في الصين 16 مرة، من ألف دولار في بداية التسعينات إلى 16 ألف دولار (وهو ذات المتوسط العالمي حاليا)، بينما تضاعف متوسط دخل الفرد على مستوى العالم 3 مرات فقط! كما ارتفع معدل الأعمار في الصين من 66 عام 1979 إلى 76، وزادت جودة التعليم وسنواته كذلك في الصين، واستحدثت الحكومة برامج ضخمة للابتعاث، ففي عام 2018، بلغ عدد الطلبة الصينيين خارج الصين أكثر من 660 ألف طالب، حتى مع علم الحكومة الصينية أن نسبة من هؤلاء الطلاب لا ينوون العودة للصين، إلا أنها استمرت في زيادة عدد الطلاب سنة تلو سنة بمعدل زيادة سنوية بلغ 9 في المائة. والصين استطاعت أن تحول نقطة ضعفها (وهي كثرة السكان) إلى نقطة قوة، فالمواطن الصيني ليس عبئا على العالم اليوم كما كان بالسابق، بل يمثل قوة اقتصادية من ناحيتي الإنتاج والطلب، والسوق الصينية نفسها تؤثر على كبريات الشركات العالمية، كل ذلك بفضل ارتفاع مستوى الدخل للمواطن الصيني.
والأثر الذي أحدثته الصين داخل حدودها، ما لبث أن وصل إلى جميع دول العالم، فالصين تصدر في اليوم الواحد الآن أكثر من مجموع ما صدرته طوال عام 1978! وكبريات الشركات العالمية لا تستطيع الاستغناء عن المنتجات الصينية. فشركة (وول مارت) الأميركية صاحبة المركز الأول في قائمة (فورتشن 500) بعوائد سنوية تربو على 500 مليار دولار تستورد ربع منتجاتها من الصين، وشركة (أبل) الثالثة في ذات القائمة تملك 12 مصنعا في الصين بعدد موظفين يفوق 250 ألف موظف. والكثير من الدول الآسيوية المحيطة بالصين تتغذى على قوة الطلب الصيني وارتكاز سلاسل التوريد العالمية عليها.
لم يأبه العالم يوما لما يحدث بالصين مثل ما يهتم الآن، ومصدر هذا الاهتمام أناني بحت، فمصلحة الصين هي مصلحة العالم في الوقت الحالي، وشلل الصين أدى فعليا إلى شلل عالمي. ولم تفعل الصين ذلك بالآيديولوجيا، بل فعلته بقوتها الاقتصادية التي جعلت كل دول العالم تعتمد على المنتجات الصينية. وكأن الصين أدركت أن الاقتصاد هو القوة الأكثر تأثيرا في العالم، فلم تكتسب الصين أهميتها اليوم من قوتها العسكرية – مع عدم إنكار هذه القوة – بل اكتسبتها من مواءمة مصالح الدول معها، وهي لم تزل على نفس المسار حتى هذا اليوم، فاستثماراتها في الدول الأفريقية في تزايد غير منقطع وملأت بذلك الفراغ الذي أحدثته دول الاستعمار، وهي ماضية كذلك في توحيد مصالحها مع مصالح بقية دول العالم، فطريق الحرير الجديد – حتى مع خدمته الواضحة للصين – إلا أن الكثير من الدول تسابقت على الانضمام للصين في هذا المشروع الذي ينشط مناطق اقتصادية في دول عدة. واتضح جليا أثر استمرار الصين في هذه السياسة على مدى العقود الماضية، فالكثير من الدول تأثرت سلبا بالحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، بل حتى الولايات المتحدة نفسها تضررت بشكل كبير – مع بقية دول العالم – من فيروس كورونا المستجد الذي تفشى في الصين، والذي أوضح بشكل لا يمكن الشك فيه، أن ما يؤلم الصين يؤلم العالم بأكمله.
د. عبدالله الردادي.
2020 والنفط عند 20 دولاراً؟
أكثر سؤال تردد خلال الأيام الماضية، هو هل سيصل سعر نفط «برنت» إلى 20 دولاراً في 2020، بعد انهياره إلى 35 دولاراً، أي بنحو الثلث، منذ أن فشلت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها في تحالف «أوبك +» في الوصول إلى اتفاقٍ الأسبوع الماضي؟
قبل الحديث عن سعر البترول، لنتحدث قليلاً عن ما جرى في اجتماع «أوبك +»، ولماذا اختلفت روسيا مع «أوبك»، وجرى ما جرى.
كلنا يعلم أن الاقتصاد العالمي الآن يواجه ظروفاً صعبة بسبب وباء «كورونا»، مما جعل «أوبك» تتوقع أن يكون النمو على الطلب في النفط عند مستوى صفر في المائة تقريباً هذا العام. وفي الوقت ذاته عند الأسعار السابقة قبل الاجتماع عند 50 دولاراً، فإن الإنتاج من خارج «أوبك» مرشح للارتفاع بنحو 1.76 مليون برميل يومياً عن مستوى العام الماضي. أي أن السوق يجب أن تشهد تخفيضات بنحو 1.5 مليون برميل على الأقل حتى تتوازن، ويتصدى التحالف لـ«كورونا».
لقد دخل الوزراء إلى الاجتماع في فيينا، وهناك اتفاق واضح بينهم على أن هناك حاجة لاستمرار الاتفاق الجاري بين الدول، والمعمول به حتى نهاية شهر مارس (آذار) الحالي. بموجب هذا الاتفاق، فإن الدول اتفقت في ديسمبر (كانون الأول) على أن يخفضوا إنتاجهم بنحو 1.7 مليون برميل يومياً. ولدعم الاتفاق، تعهدت المملكة بتخفيض إضافي فوق حصتها بنحو 400 ألف برميل، ليصل إجمالي التخفيض إلى 2.1 مليون برميل يومياً.
للأسف لم يتفق الجميع على تخفيض 1.5 مليون برميل يومياً، وانهار الاتفاق، وخرج الوزير الروسي ألكساندر نوفاك، ليعلن للصحافيين أنه ابتداءً من 1 أبريل (نيسان) يحق للجميع فعل ما يرونه مناسباً، وبيع ما يريدون بيعه. وبناءً على هذا، قررت وزارة الطاقة السعودية الطلب من «أرامكو» السعودية إغراق السوق بالنفط السعودي، وتقديم تخفيضات كبيرة للزبائن بواقع 4 إلى 6 دولارات لآسيا، و7 دولارات لأميركا. هذه التخفيضات تخدم هدفين؛ الأول هو الحفاظ على حصة السعودية السوقية، ودعم هوامش التكرير للمصافي التي تعاني من ضعف الطلب عبر الوقود.
قد يقول البعض ما المشكلة إذن؟ حيث إن الأرقام واضحة، وعلى الدول أن تستمر في الخفض. وإذا أضفنا 1.5 مليون برميل إلى 2.1 مليون، فإن الرقم المطلوب لتوازن السوق هو 3.6 مليون برميل يومياً. وسبق لـ«أوبك» في 2008 أن خفضت أكثر من هذا الرقم بدون الرجوع إلى روسيا، وغيرها، عندما اتفقت «أوبك» في وهران على خفض 4.2 مليون برميل يومياً في ذلك العام لتفادي تداعيات الأزمة المالية العالمية.
ما الذي تغير، ليجعل الدول تضحي بدخل كبير لها، وترك الأسعار تنهار؟ المشكلة هي أن بعض الدول لا تلتزم بالتخفيضات، وفي حالة الوصول إلى اتفاق جديد ستكون السعودية التي تتحمل كامل العبء. كما أن السوق تغيرت، ففي عام 2008 لم يكن هناك إنتاج مهم من خارج «أوبك»، وكانت «أوبك» هي صاحبة الطاقة الإنتاجية المؤثرة. أما اليوم فإن المنتجين زادوا، وأي تخفيض من «أوبك» لا يقابله تخفيض من خارج «أوبك»، معناه فقدان حصة سوقية لا أكثر، لأن الأسعار لن تتغير، وبهذا تفقد «أوبك» الأسعار والحصة مثلما حصل في منتصف الثمانينات.
لهذا لم يكن لدى السعودية ما تفعله في الاجتماع الماضي سوى أن تدافع عن حصتها. وفي ضوء هذا بدأ الجميع الدفاع عن الحصص، وإطلاق حرب الأسعار من خلال التخفيضات. لكن روسيا لا تستطيع الصمود في حرب حصص سوقية على الأرض مع السعودية، لأن روسيا لن تتمكن من إضافة أكثر من 200 ألف برميل في أبريل، حسب تصريحات نوفاك، أمس الجمعة، فيما ستضيف المملكة عشرة أضعاف هذا الرقم للسوق.
السؤال المنطقي هو: لماذا لم تشارك روسيا بعد كل هذا؟ الإجابة المنطقية الوحيدة هي أن روسيا لديها تصفية حسابات مع منتجي النفط الصخري في أميركا، الذين يتحكمون اليوم في السوق، وينافسون روسيا في آسيا، ولو بصورة بسيطة. ولو تمكنت روسيا من ضرب النفط الصخري، فسيكون لها ورقة تفاوض كبيرة مع الرئيس الأميركي، لأن غالبية شركات النفط الصخري في تكساس؛ وهي إحدى أهم الولايات في السباق الرئاسي الأميركي.
إن تكلفة إنتاج برميل النفط في روسيا بين 10 إلى 12 دولاراً (12 دولاراً لشركة «روسنفت» الأكبر هناك)، بينما تصل في السعودية ما بين 3 إلى 4 دولارات، ولكن المشكلة في أسعار تعادل الميزانيات هذا العام، حيث تحتاج روسيا 42 دولاراً للبرميل، وتحتاج السعودية وكثير من دول «أوبك» ضعف هذا الرقم… ولهذا فإن الهبوط لا يضر الإنتاج، ولكن يضر الميزانيات.
والآن هل سيصل سعر برنت إلى 20 دولاراً؟ لا، لأن أرضية الأسعار يحددها المنتجون الهامشيون، وهؤلاء اليوم تكلفة إنتاجهم تظل في حدود 35 دولاراً على الأقل. لكن مع التخفيضات الحالية، فإن سعر بيع السعودية لخامها العربي الخفيف إلى أوروبا وغيرها سيصل إلى العشرينات، وسيذهب كل هذا النفط الرخيص إلى المخزونات مع انخفاض الطلب.
وائل مهدي.