“اليوروبوندز” يُحلِّق على وقْع التردّد الحكومي

“لعبة” الإحتمالات أتعَبَت المستثمرين وصعَّبت أخذ القرارات

بعدما شهدت أسوأ انخفاض في أسعارها، قبل نهاية شباط الفائت، عاودت سندات “اليوروبوندز” إرتفاعها. الظاهرة التي تتعارض مع نية الحكومة بالتخلف عن الدفع بعد أيام قليلة، لها مبرراتها القوية، التي قد لا تكون إيجابية.

 

دفع الحديث الجدّي عن إعادة هيكلة الديون مطلع هذا العام إلى تدهور قياسي بأسعار سندات “اليوروبوندز”، حيث تدنّى سعرها في الأسواق العالمية إلى 45 سنتاً للدولار، في حين ارتفع معدل العائد yield to maturity على سندات آذار البالغة 1.2 مليار دولار إلى 1000 في المئة. إنما مع الإقتراب أكثر من موعد الإستحقاق عاودت هذه السندات ارتفاعها حتى وصلت إلى حدود 60 سنتاً للدولار.

 

مبرّرات الإرتفاع

 

التفسير المنطقي بحسب المحامي المتخصص في القانون المصرفي والمالي عماد الخازن هو “استعادة المستثمرين الثقة بالسندات بعدما أصبح الجزء الأكبر منها في يد المستثمرين الأجانب وتحديداً صندوق أشمور، حتى لو اتخذت الدولة اللبنانية قرارها بالتوقف عن الدفع. فالصناديق الإستثمارية مثل أشمور وغيره لها باع طويلة في ملاحقة الدائنين، وتحصيل الأموال. وقد برز دورها بشكل كبير في أزمتي كل من قبرص واليونان”.

 

رأي آخر يقول ان “معلومات سرية internal information عن محاضر المناقشات في مجلس الوزراء وصلت إلى المستثمرين الأجانب، وتفيد باحتمال دفع فوائد الديون المترتبة على السندات مقابل التفاوض على أصل المبلغ المستحق في وقت لاحق، من دون إلحاق أذى بالغ في حقوق حاملي السندات.

 

الإحتمال الثالث هو اطمئنان المستثمرين إلى إمكانية مقاضاة الدولة اللبنانية ومصادرة ممتلكاتها العمومية بعدما تنازلت عن جزء من الحصانة السيادية Sovereign Immunity أثناء اصدار عقد الإكتتاب الأساسي بـ “اليوروبوندز” والمتعلق باستحقاق التاسع من آذار. فحسبما يشاع انه أثناء سعي الدولة إلى الاستحصال على العملات الاجنبية من خلال إطلاق عقود اكتتاب “يوروبوندز” وقروض الإستدانة قدمت الدولة بعض التنازلات “السيادية”، بهدف خلق الأمان للمستثمرين وتقديم ضمانات لهم في حال التخلف عن الدفع. ومن الحقوق التي تنازلت عنها عدم الاعتراض على الإجراءات التي تصدر عن محاكم نيويورك وعن أي من الحصانات التي من الممكن ان تتمتع بها، سواء كانت سيادية أم لا في معرض النزاع.

 

والإحتمال الرابع هو جدية رفع الدعاوى على الدولة في حال لم تتوصل إلى اتفاق مع الدائنين، إلا ان التوصل الى اتفاق جدي وصريح مع مالكي السندات يلغي مفاعيل الحجز على ممتلكات الدولة .

 

“تبدل الإحتمالات يتحكم بتغير أسعار السندات”، يقول الخبير الإقتصادي دان قزي. وبرأيه فإن “wisdom crowd أو ما يعرف بحكمة الأشخاص تؤشر إلى إرتفاع امكانية دفع الإستحقاق، لكن هذا لا يعني بالطبع ان الدولة ستدفع لانه في هذه الحالة كانت الأسعار لترتفع الى 100 في المئة”.

 

أسباب شراء السندات اللبنانية بسعر 60 سنتاً للدولار ما زالت غير واضحة، انما ما لا لبس فيه هو ان من اشترى هذه السندات بهذه القيمة ينتظر تحقيق ربح يفوق سعر الشراء. هذه العملية ممكن ان تتحقق نتيجة مقاضاة الدولة اللبنانية من قِبل صناديق دخلت حديثاً على خط شراء السندات وهي أشد “عدائية” من صندوق أشمور الذي أصبح يملك الربع المعطّل.

 

والسبب الآخر بحسب قزي الذي من الممكن ان يكون قد دفع الى شراء الاسهم هو “شعور المستثمرين بتردد الحكومة اللبنانية في ما خص الامتناع عن الدفع خصوصاً بعد توظيف كل من الإستشاري الإقتصادي لازار والقانوني كليري غوتليب، والشعور اكثر بالمسؤولية وحراجة المرحلة”. التردد لم يساهم وحده في رفع أسعار السندات في الأسواق العالمية، إنما أيضاً “عدم نية الدولة بإجراء إعادة هيكلة قاسية أو فجة، حتى لو تخلفت عن الدفع”، يقول الإقتصادي شادي حنا. وبرأيه فإن “إعادة الهيكلة ستكون قصيرة الأجل ومرنة، أقله بالنسبة إلى شهرَي آذار ونيسان”. ومن ناحية أخرى فإنه “من الممكن ان تكون المصارف أجرت call back أو عادت واشترت السندات التي سيّلتها بأسعار أقل واستطاعت ان تحقّق ربحاً مقبولاً من هذه العملية” يضيف حنا.

 

مع اقتراب الاستحقاق ترتفع المخاطر أكثر، فالدفع يعني استنزاف ما تبقّى من احتياطي، والامتناع عن الدفع من دون خطة جدية أو شراكة مع صندوق النقد الدولي من الممكن ان يعرّض الدولة للملاحقة ليس من جهة واحدة بل من جهات خارجية عدة أصبحت تملك الغالبية من السندات بحسب آخر المعلومات.​

خالد ابو شقرا.