العقارات ملاذ آمن للبنانيين

شهد قطاع العقارات في لبنان نشاطا مفاجئا منذ بداية العام الجاري بعد سنوات من الركود، رغم حالة الفوضى الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من تسعة أشهر.

وأكدت أوساط القطاع أن عددا كبيرا من المودعين في المصارف اتجهوا إلى تحويل أموالهم لسوق العقارات، وسط مخاوف من احتمال اقتطاع أو تجميد الودائع في ظل الأزمة المالية.

وفي ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، تجري الحكومة جلسات مفاوضات مع صندوق النقد الدولي على أمل الحصول على مساعدة مشروطة بتنفيذ إصلاحات ضرورية مختلفة.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال مؤتمر صحافي عقده الأربعاء إن “صندوق النقد سيوفر التمويل اللازم للحكومة اللبنانية إذا قدمت برنامجا إصلاحيا”.

وتعمل الحكومة على تنفيذ الإصلاحات للحصول على المساعدة من الصندوق أو تلك التي كانت أقرتها الدول والصناديق المانحة في مؤتمر (سيدر) الذي استضافته فرنسا في 2018 لتمويل مشروعات البنتية التحتية.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة محرم وعيتاني للتطوير العقاري مازن محرم في تصريحات لوكالة شينخوا الصينية، إنه “تم تحويل ما لا يقل عن ملياري دولار من المصارف إلى قطاع العقارات منذ بداية هذا العام”.

وأوضح محرم أن الناس يسحبون ودائع مصارفهم من خلال شيكات مصرفية لشراء شقق سكنية لضمان بقاء مدخراتهم طويلة الأجل آمنة في حالة لجوء السلطات اللبنانية إلى اقتطاع أو تجميد بسبب الأزمة المالية للبلاد.

ويمر لبنان بأزمة مالية فرضت خلالها المصارف قيودا على سحب النقد بالليرة والدولار، بينما توقفت عن تحويل العملة اللبنانية إلى الدولار.

وأثار ذلك الذعر بين المودعين الذين لجأوا إلى سحب بعض أموالهم وتخزينها في منازلهم أو استثمار أموالهم في قطاع العقارات.

وأشار محرم إلى أن مواقع الإنترنت التي تروج لمشاريع عقارية مثل أو.أل.أكس، وهي شبكة أسواق رائدة موجودة في أكثر من 30 دولة، شهدت عددا قياسيا من عمليات العقارات في لبنان منذ يناير الماضي.

وتفاقمت متاعب القطاع في السنوات الأخيرة لتنحدر إلى حالة من الركود في ظل استمرار الاضطرابات السياسية الداخلية التي أرخت بتداعياتها على الاقتصاد المحلي بشكل كبير، وزادت من منسوب المخاوف من انفجار فقاعة عقارية محتملة مستقبلا.

وتضاعفت الأسعار أكثر من 10 مرات منذ 2007، حيث تشير التقديرات إلى أن قيمة بعض العقارات قفزت من 100 ألف دولار إلى مليون دولار، خلال الطفرة التي شهدها السوق.

ويقول خبراء في قطاع العقارات أن تلك الذروة التي بلغتها أسعار العقارات، فرضت حدوث عملية تصحيح وأن موجة الهبوط كانت حتمية.

وأضافوا أن كبار المستثمرين الخليجيين في قطاع العقارات في لبنان وصلوا إلى قناعة بأن الاستثمار لم يعد مجديا، ولذلك تحولوا إلى بيع عقاراتهم بشكل ملحوظ، ابتداء من عام 2011.

وكان اندلاع الحرب في سوريا في ذلك العام، الشرارة التي أطلقت عملية التصحيح، التي نتجت عنها بداية هبوط متسارع لأسعار العقارات في لبنان، بسبب ما رافقها من تهديدات أمنية للرعايا الخليجيين.

ولكن مالك شركة رامكو للتطوير العقاري رجا مكارم، يؤكد أن الطلب زاد على العقارات بشكل كبير منذ يناير الماضي، وقد استفاد المطورون الذين كانوا مدينين للمصارف.

وأوضح أن العاملين في القطاع الذين كانوا مدينين للمصارف تمكنوا من تسوية مستحقاتهم عبر قبولهم شيكات المشترين وتقديمها للمصارف مقابل قروضهم.

وأشار مكارم إلى أن الشركات العقارية التي سددت جميع مستحقات المصارف، توقفت عن بيع العقارات والوحدات السكنية مقابل الشيكات المصرفية خوفا من فقدان أموالهم في المصارف.

ووضع معظم اللبنانيين في السنوات السابقة أموالهم في النظام المصرفي للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة على ودائعهم بدلا من شراء العقارات أو الاستثمار في المشاريع.

ولا يتوقع العاملون في القطاع أن تنطلق مشاريع جديدة في البلاد في وقت قريب بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في وقت يضطر فيه المقاولون إلى دفع ثمن مواد البناء بالعملة الأجنبية وسط قيود على التحويلات.

وأكد متعاملون أن العملة المحلية ارتفعت في السوق غير الرسمية، لتصل إلى 7300 ليرة للدولار الواحد بعد أن اقترب من 10 آلاف ليرة الأسبوعين الماضيين، لأسباب منها الزائرون الذين يجلبون معهم الدولارات الشحيحة منذ إعادة فتح المطار.

وقال محرم “لن نرى أي مشروعات جديدة قريبا بسبب الشح في الدولار وارتفاع سعره مما زاد بنسبة ثلاثة أضعاف أسعار المواد المستوردة المستخدمة في البناء”.

وأوضح أن مقاولي البناء الذين لديهم مشاريع غير منتهية يعانون حاليا لأنهم لا يستطيعون مواصلة البناء بسبب ارتفاع أسعار المواد إلى حد كبير. وقال إن “لبنان لن يشهد أي مشروعات جديدة قريبا حتى يتم حل أزمة الدولار على الأقل”.

وكان استهلاك الأسمنت الذي يعتبر مؤشرا على حركة البناء قد انخفض وفق آخر تقرير لبنك عودة بنسبة 55.7 في المئة في الربع الأول من العام الجاري بمقارنة سنوية.

ويعاني لبنان من تدهور معيشي متصاعد وشح في السيولة وقيود مصرفية على تسييل الودائع نقدا، ما دفع الحكومة إلى التوقف عن سداد الدين الخارجي في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين، الذي تجاوز 92 مليار دولار.

وتفاقمت الأزمة المالية بفعل تداعيات فايروس كورونا وتزايد البطالة وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 80 في المئة.