في الوقت الحالي، يبدو أن الولايات المتحدة تقف في الجانب المهزوم في حربها ضد فيروس «كوفيد – 19».
لم ينتهِ منتصف العام بعد، والمؤكد أن تاريخ فيروس «كوفيد – 19»، والسبيل المثلى لمحاربته، لن تجري كتابتهما قبل وقت طويل من الآن. وحتى هذه اللحظة، شهد عام 2020 بالفعل ظهور تكهنات حول أن الوباء سيكتب سطور النهاية للنظام الشيوعي في الصين، وأن نظام الرعاية الصحية الذي يتسم بطابع اشتراكي أو وطني أثبت فشله المؤكد أثناء الكارثة التي ضربت شمال إيطاليا في الشتاء.
وأنا هنا أقول هذا كمقدمة للتحول نحو الحديث عن أزمة فيروس «كورونا» المستجد. في حقيقة الأمر، أنه في هذه النقطة من مسيرة الوباء، يبدو أن الولايات المتحدة ونموذجيها الاقتصادي والسياسي، هم من أخفقوا. والتساؤل الآن: هل هذا صحيح؟ وما التداعيات الاقتصادية والمالية لذلك؟
جدير بالذكر هنا أنه في مارس (آذار)، بالغ الرئيس دونالد ترمب كثيراً في الحديث عن حكمة قراره بمنع دخول الأفراد القادمين من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، وذلك على أساس السجل الرديء للاتحاد الأوروبي في التعامل مع أزمة فيروس «كورونا» المستجد. وحتى هذه اللحظة، لا يزال الحظر سارياً. إلا أنه بدءاً من الشهر المقبل، ربما يحين الوقت المناسب لاجتياح موجة من مشاعر الشماتة أرجاء العواصم الأوروبية، مع احتمالات أن ينقلب الموقف والحظر إلى العكس تماماً.
وفي تلك الأثناء، بدأت تداعيات الإخفاق الأميركي في التصدي للفيروس في الظهور على النشاطات الاقتصادية الجارية. والآن، تميل قدرة الأوروبيين على التنقل إلى الاقتراب من معدلاتها الطبيعية على نحو يفوق بكثير الحال مع الأميركيين.
والتساؤل الآن: هل يمكن أن يؤثر ذلك على الأسواق؟ بالتأكيد هذا أمر محتمل. جدير بالذكر أن أسواق الأسهم الأميركية لطالما فاقت وبفارق واضح في أدائها نظيراتها داخل الاتحاد الأوروبي على مدار أكثر من عقد. وبالنظر إلى نجاح الولايات المتحدة في إنتاج الشركات التي توفر حالياً المنصات المهيمنة بشبكة الإنترنت، وقدرتها على تعزيز نظامها المصرفي بكفاءة تفوق بكثير قدرة الاتحاد الأوروبي، لا يبدو هذا الوضع مثاراً للدهشة.
وينبغي هنا أن نوضح أنه ما من صلة مباشرة بين الوباء وأداء أسواق الأسهم، من الناحيتين النسبية والمطلقة. كما أن هناك كثيراً من العوامل المختلفة الأخرى المؤثرة على هذا الصعيد.
ومع هذا، ثمة مؤشرات توحي بأن مشاعر القلق حيال تفشي الوباء عبر ما يعرف بـ«حزام الشمس الأميركي» تخلق ضغوطاً على الأسهم الأميركية. وإذا نظرنا إلى كيفية أداء شركات الطيران والفنادق وشركات الرحلات البحرية – القطاعات الأكثر تضرراً من الوباء – مقارنة بباقي قطاعات السوق، سنجد أن هناك مشاعر قلق واضحة بدأت في التراكم إزاء فكرة أن إجراءات إعادة فتح الاقتصاد لا تجري وفق خطة واضحة المعالم. وتأتي مشاعر القلق هذه بعد فترة وجيزة في البداية ساد خلالها التفاؤل منذ ثلاثة أسابيع.
من ناحية أخرى، أبدت السوق بوجه عام تردداً إزاء الاستجابة للارتفاع الواضح في أعداد الحالات، الأمر الذي يحمل وراءه مبررات؛ منها أن أحد الأسباب وراء هذه الزيادة يكمن في إجراء الاختبارات على نطاق أوسع، وتراجع معدلات الوفيات بدرجة بالغة عما كانت عليه من قبل.
وبغض النظر عما يحدث من الناحية المطلقة، فإن من الصعب اليوم توقع كيف يمكن أن تحافظ السوق على أداء أفضل بكثير عن نظيرتها الأوروبية، في وقت أظهرت فيه أوروبا قدرتها على إنجاز ما تعجز الولايات المتحدة عن فعله، ونجحت في السيطرة على الفيروس.
ولننتقل الآن إلى مسألة أخرى: كيف سيؤثر هذا الوضع على الانتخابات الأميركية التي تقف اليوم على بعد أشهر قليلة؟ يكشف تحليل وضعه «معهد التمويل الدولي» أن أكثر الولايات المتضررة اقتصادياً هي تلك الواقعة تحت النفوذ السياسي للحزب الديمقراطي. وأوضح المعهد أن هذا التأثير كان كافياً للقضاء على حالة عدم توازن تاريخية استمرت لفترة طويلة بين الولايات الخاضعة لنفوذ الحزب الجمهوري والأخرى التي تميل سياسياً إلى الحزب الديمقراطي. في الواقع، عادة ما كانت معدلات التوظيف تميل لأن تكون أعلى داخل الولايات الداعمة للديمقراطيين، حتى ضرب وباء «كوفيد – 19» البلاد.
إلا أن هذا الوضع بدأ في التغير الآن. وكشف تحليل صدر حديثاً عن «دويتش بانك» أن الولايات الداعمة للجمهوريين أبدت قدرة أسرع على العودة إلى المعدلات الطبيعية لإمكانية التنقل، لكن هذا المسار بدأ في التحول في الاتجاه المعاكس الآن.
في الواقع، يبدو الواقع الاقتصادي قبيحاً في الوقت الراهن داخل عدد من الولايات الأكبر من «حزام الشمس»، في الوقت الذي تبدو فيه الأوضاع أشد سوءاً داخل بعض الولايات الجنوبية الأصغر، حيث تتعرض مجتمعات الأميركيين من أصول أفريقية لأضرار أكبر عمن سواها.
وينبغي هنا توضيح أن هذا الوضع لا يمكن إيعازه فقط إلى مسألة إجراء مزيد من الاختبارات. في الواقع، داخل أريزونا تبدو نسبة الاختبارات الإيجابية للإصابة بفيروس «كوفيد – 19» مخيفة، وتوحي أن ثمة موجة تفشي للوباء أخطر بكثير في الطريق.
والآن لم يعد من الممكن الشك في أننا نواجه مشكلة مثيرة للقلق. ومع انحسار معدلات الوفيات، وظهور حالات أكثر الآن بين فئات عمرية أصغر أقل احتمالاً لأن تتضرر بشدة من فيروس «كورونا»، فإن النبأ السار هنا أنه لا يزال من الممكن تجنب حدوث تكرار كامل للمشاهد التي سبقت لنا معاينتها داخل ووهان وميلانو ومدينة نيويورك. ومع ذلك، فإن إخفاق السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة وفشل قيادتها يبدو أنه قد أصبح نهائياً داخل أريزونا، التي كانت ذات يوم واحدة من معاقل تأييد الحزب الجمهوري، وطرحت مرشحين رئاسيين جمهوريين؛ هما باري غولدووتر وجون ماكين.
بجانب ذلك، تشهد أريزونا كذلك انتخابات لنيل عضوية مجلس الشيوخ هذا العام، حيث ستسعى السيناتورة الجمهورية مارثا مكسالي للدفاع عن مقعدها. ويرى موقع «بريديكتلت» المعني بالتوقعات أنها في حكم المهزومة بالفعل من الآن.
وفيما يخص معركة الرئاسة، يرى الموقع ذاته أن فرص إحراز الديمقراطيين للفوز أصبحت الآن قرابة من اثنين إلى ثلاثة، ما يعتبر أقوى معدل على الإطلاق. وبالنظر إلى حجم التغييرات التي طرأت على الساحة على مدار الشهور الأربعة الماضية، يبدو من المحتمل للغاية أن نشهد قدراً مكافئاً من التغييرات خلال الشهور الأربعة المقبلة. وفي تلك الأثناء، يبدو الرئيس في مأزق حقيقي.
والآن، كيف يمكن أن يؤثر هذا الوضع على الأسواق؟ بالتأكيد التأثير سيكون سلبياً. تجدر الإشارة هنا إلى أن الأسهم في الوقت الراهن تقدم مستوى أداء أسوأ بعض الشيء عما تحققه عادة خلال السنوات التي تشهد هزيمة الرئيس الموجود بالبيت الأبيض. ويوحي الأداء الرديء لسوق الأسهم بأن الرئيس سيجابه صعوبة أكبر في الترويج لحزبه خلال الانتخابات. وفي الوقت ذاته، فإن وجود مشكلات سياسية أمام الرئيس القائم يعني خلق مزيد من الشكوك، الأمر الذي لا يروق للأسواق بطبيعة الحال.
جون أوثرز.