عملت حكومات العالم خلال الفترة الماضية وما زالت تعمل، على إخفاء الأضرار الاقتصادية التي أحدثها الوباء من خلال الدعم الحكومي الضخم. لكن كل ذلك على وشك التغيير الآن وستكشف الأشهر القليلة القادمة عن التأثير الاقتصادي الكامن لفيروس «كورونا» في جميع أنحاء العالم بشكل أكثر وضوحاً مما رأيناه حتى الآن. ورهاني أنه بمجرد أن تشرع الحكومات في سحب دعمها المالي، فإن الصورة الاقتصادية ستبدو أسوأ مما هو متوقع تماماً.
يتطلب تكوين فكرة عما سيحدث قريباً أن نكون واضحين بشأن كيفية وسبب تأثير الوباء على الاقتصاد: هل لأن الحكومات طلبت من الناس البقاء في منازلهم، أم بسبب الفيروس نفسه؟ يُظهر بحث جديد أن الخسائر الاقتصادية جاءت بشكل رئيسي من الخوف، وليس من الإغلاق الحكومي. لذلك فإن إنهاء حالة الإغلاق دون التخلص من الخوف لن يؤدي إلا إلى القليل من التحسن.
يستند أحد التحليلات التي قام بها الباحثان أوستان جولسبي وتشاد سيفرسون من جامعة شيكاغو، إلى سجلات الهاتف الخلوي لزيارات العملاء لأكثر من مليوني شركة. فقد نظر الباحثون في التفاصيل لتقييم كيفية تأثير قواعد الإغلاق على النشاط مثلاً من خلال البحث في المقاطعات في منطقة تنقّل محددة ذات قوانين مختلفة. ووجدوا أن حركة المستهلكين انخفضت بنسبة 60% من بداية مارس (آذار) إلى منتصف أبريل (نيسان)، وأن أوامر الإغلاق الحكومية تسببت في نسبة لم تتخطَّ 7% فقط من هذا الانخفاض، وخلصوا إلى أن الدافع الرئيسي كان الخوف. أحد العوامل المتسقة مع هذه الفرضية هو أن الانخفاض في عدد زيارات العملاء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعدد الوفيات الناجم عن فيروس «كورونا» في المنطقة ذاتها.
قامت مجموعة ثانية من الباحثين بقيادة راج شيتي الأستاذ بجامعة هارفارد، بجمع بيانات تفصيلية من الشركات الخاصة، ووجدوا أن الأثر الاقتصادي في مارس جاء بشكل غير متناسب من الأسر ذات الدخل المرتفع التي خفضت إنفاقها بشكل حاد. وأشار الباحثون إلى أن «هذا الانخفاض في الإنفاق قلل إلى حد كبير من عائدات الشركات التي تلبّي احتياجات الأسر ذات الدخل المرتفع، لا سيما الشركات الصغيرة ذات الرموز البريدية التي توحي بالثراء. قامت هذه الشركات بتسريح معظم موظفيها من ذوي الدخل المنخفض، مما أدى إلى زيادة مطالبات البطالة في المناطق الثرية». وشأن شركات مثل «غوسبي» و«سيفرسون»، فقد خلص إلباث راج تشيتي إلى أن إلغاء أوامر الإغلاق الحكومية لن يكون له سوى تأثير ضئيل على العمالة المحلية.
لا شك أن بعض المراقبين سيتمسكون بإصرارهم على أن تعليمات الحكومة كانت هي المشكلة. لكنّ أولئك الذين يتبنون هذا الرأي ينطبق عليهم إلى حد كبير المقارنة الشهيرة لخبير الاقتصاد البريطاني جون كينيز، التي تقول إن «المقاييس الإقليدية (نسبة إلى إقليدس) في عالم غير إقليدي، هي أن تكتشف بالخبرة أن الخطوط المستقيمة المتوازية لا تلتقي، وأن التوازي هو الطريقة الوحيدة التي تمنع التلاقي أو الاصطدام».
بالنظر إلى أن مشكلة الصحة العامة الكامنة هي المحرك الرئيسي لانخفاض النشاط الاقتصادي وأن مجرد إزالة متطلبات التباعد الاجتماعي لن يعيد النشاط الاقتصادي، فإن تساؤلاً يطرح نفسه بقوة: هل يمكن أن يتبدد الخوف؟ هل يمكن أن يزول الخوف من تلقاء نفسه، هل سنحصل على علاج أو لقاح فعال يكفي للقضاء عليه؟
وفي ظل عدم وجود مثل هذا التغيير للأفضل في الأفق، فإن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكشف عن الألم الاقتصادي الأساسي بشكل أكثر وضوحاً من الأشهر الثلاثة الماضية لأن المساعدة المالية الضخمة التي قدمتها الحكومات عندما ضرب الوباء لأول مرة ستختفي قريباً.
جاءت البرامج الحكومية متفاوتة في مدى فاعليتها، حيث يشير أحد التحليلات التي أجراها «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي»، على سبيل المثال، إلى أن النهج المالي للحكومة الفرنسية كان أكثر فاعلية من حيث التكلفة بشكل كبير مقارنةً بالنهج الأميركي (أنا عضو بمجلس إدارة معهد بيترسون). لكن في جميع البلدان تقريباً، تصرفت الحكومات بقوة، إذ يقدر صندوق النقد الدولي أن الحكومات في المجمل خصصت 11 تريليون دولار للمعالجة المالية للوباء. وقد خففت هذه التريليونات من وقع الضربة الاقتصادية إلى حد كبير حتى الآن.
لكن في العديد من البلدان يجري سحب الدعم المالي بالفعل أو أن ذلك على وشك الحدوث. في الولايات المتحدة، يناقش الساسة وصانعو القرارات كيفية تمديد إعانات البطالة الموسعة التي تنتهي في نهاية يوليو (تموز)، وكذلك تقديم مساعدة إضافية لحكومات الولايات والحكومات الفيدرالية، لكن النتيجة المحتملة أن تقدم الحكومة تعويضات بدرجة أقل من السابق. وقد أعلنت حكومة المملكة المتحدة من جانبها عن خطة جديدة لإنعاش الاقتصاد تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار.
بيتراورساج.