الدولار يتراجع بفعل مؤثرات عدة. هذا سبب رئيسي يدفع اليورو والذهب وسواهما للارتفاع.

يتابع اليورو ارتفاعه اليوم الخميس مقابل الدولار الضعيف وبعد يوم واحد من بلوغه أعلى مستوياته منذ عامين.

هذا وان كانت قد استفادت العملة الأوروبية يوم الثلاثاء من الاتفاقية التي توصل إليها الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي بشأن خطة التعافي الأوروبية ، فقد استفادت ايضا منها اصول المخاطرة  مثل الكرونة السويدية أو عملات الدول الشرقية.
وبالتالي ، فإن ارتفاع اليورو يرجع على الارجح  إلى حد كبير إلى ضعف الدولار.
الدولار استمر في الضعف متاثرا على الارجح بانخفاض العائدات الحقيقية للسندات الأمريكية ، والتي لفتت انتباه السوق هذا الأسبوع.
وتميل قيمة العملة إلى تتبع تطور عائدات السندات ، بمعنى أن الأخير يعكس رأي السوق في المستقبل الاقتصادي المستقبلي.

انخفض العائد الحقيقي ، أي المصحح للتضخم ، من سندات الولايات المتحدة لمدة 10 سنوات اليوم الخميس إلى -0.88 ٪ ، وهو مستوى غير مشهود بعد منذ عام 2012.
وشهد الدولار الأمريكي  أسبوعًا سيئًا حتى الآن. في الواقع فقد تسبب الوباء في ارتفاع حاد لعملات الاحتياط بخلاف الدولار. لذا فقد ارتفع الدولار الأسترالي  والجنيه الاسترليني  واليورو مقابل الدولار الأميركي – بعدة أرقام كبيرة منذ أدنى مستوياته في مارس. وبالمثل ، يكافح زوج العملات USDCAD أو USDCHF أو USDJPY للعثور على مستويات تحد من التراجع.

فأين يذهب الدولار؟
تتحدث بعض الأصوات بالفعل عن انهيار الدولار ، معتبرة أن السلع مثل الذهب والفضة في ارتفاع أيضًا متأثرة بهذا التراجع المقلق.
بادئ ذي بدء ، يبدو أن مؤشر الدولار (DXY) قد وصل إلى الذروة عند المستوى 100. بالإضافة إلى ذلك ، بعد ثلاث محاولات للكسر صعودًا ، فإنه يختبر حاليًا خط الاتجاه الصعودي. بالإضافة إلى ذلك ، إذا انكسر خط الاتجاه ، يظهر مؤشر DXY قمة ثلاثية توحي بالمزيد من المخاطر من امكانية حدوث انهيار وشيك.

ومع ذلك ، وراء التحليل الفني البسيط وتفسيرات المؤشرات ، هناك دائمًا لاعبون كبار يجب متابعتهم. على وجه الخصوص ، غالبًا ما تتدخل البنوك المركزية للتلاعب بعملاتها. ليس الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة فقط هو الذي يجب مراعاته عند التفكير في الدولار ، ولكن كل البنوك المركزية الأخرى، لأن معظم الدين يهيمن عليه الدولار الأمريكي.

بناء عليه فان الاستسلام للتقنيات والتموضع في السوق على اساس ما توحي به يحمل في كثير من الاحيان مخاطر خفية يجب الاحتراز منها.

وماذا عن الذهب؟

المزيد من الارتفاع والتراجعات تبقى تصحيحية كما اشرنا دوما في تقارير سابقة. الارتفاعات تحفزها قبل كل شيء حاليا حالات ضعف الدولار دون التقليل ايضا من اهمية تدخل البنوك المركزية من خلال قرارات التحفيز وطباعة العملة.

خطة النهوض بأوروبا.. دروس للعالم ولبنان

لا بد من الاطلاع على محاضر اجتماعات القادة الأوروبيين، طوال 90 ساعة من المفاوضات، وعلى مدى أربعة ليالٍ حتى فجر يوم الثلاثاء 21 تموز/يوليو 2020. لماذا؟ لسببين رئيسين.

أولاً، لاستخلاص دروس جديدة في فن التفاوض. للتعلّم كيف يثابر صناع القرار، الشركاء، على المحادثات والتبادل مع الإصرار على تجاوز الخلافات للتوصل إلى اتفاق. كيف يوفّقون بين مصالح يكاد يستحيل التوفيق في ما بينها. كيف يصنعون الحلول معاً. كيف يقدمون التنازلات من أجل تسهيل إبرام تسوية مرضية للجميع. كتلك التسوية التي أبصرت النور أخيراً، وبعد طول انتظار، والمتمثلة في توافق الدول الـ27 الأعضاء على خطة “تاريخية” لدعم النهوض الاقتصادي بعد أزمة “كورونا”، بقيمة تصل إلى 750 مليار يورو.

نحج الأوروبيون إذاً في اختبار الوحدة. وأكدوا أنه يمكن للمصيبة أن تجمع بدلاً من أن تفرّق. ومن دون إنكار واقع أن أزمة كورونا كشفت عن ثغرات ونواقص في البناء الأوروبي، لجهة عدم استباق أزمة صحية بحجم جائحة “كوفيد ـ 19” وعدم الجهوزية لمواجهتها بأقل الخسائر، فضلوا تحمّل مسؤولية الفشل أو الإخفاق أو التقاعس معاً. وقرروا تغليب المصلحة المشتركة على المصالح الذاتية، إدراكاً منهم بأن غرق المركب الأوروبي يعني غرقاً وإضعافاً للجميع في عالم مضطرب. بمعنى آخر، أثبت الأوروبيون مقولة أنهم لا يتوافقون ابداً لكنهم ما زالوا سوياً، بحسب ما يردد الباحث الفرنسي في علم الاتصال والإعلام، مؤسس ومدير مجلة “Hermès La Revue” العلمية، دومينيك فولتون، الذي صودف صدور كتابه الأخير “Vive l’incommunication – La victoire de l’Europe”، في ربيع 2020، أي في أوج أزمة “كورنا”، والذي يحلل فيه أهمية المشروع الأوروبي على الرغم من الاختلافات بين الأوروبيين.

ثانياً، للاتعاظ من تجربتهم في التضامن. فبعدما أعطت الدول الأوروبية إشارات سلبية أثناء إدارتها لأزمة “كورونا” بكثير من الأنانية، عادت وسارعت إلى طي صفحة هذا السلوك المنافي لفكرة الاتحاد الأوروبي القائمة على التعاون والتضامن، وذلك بواسطة خطة النهوض الاقتصادي التي تضع أسساً متينة للتضامن الأوروبي في إدارة عواقب ما بعد أزمة “كوفيد ـ 19”. تنص الخطة على تخصيص مبلغ 360 مليار يورو، ستوزع كقروض، على أن تتولى كل دولة مستفيدة من قرض محدد هنا، تسديد الديون بنفسها. كذلك، تقضي الخطة توفير مبلغ قدره 390 مليار يورو، عبارة عن منح ومساعدات للدول الأكثر تاثراً بتداعيات الأزمة الصحية، لكنها مصنفة كديون مشتركة تتكفل الدول الأعضاء الـ27 بتسديدها بشكل جماعي، وهنا يكمن مغزى التضامن.

خطة النهوض الاقتصادي هذه، في السنوات القليلة المقبلة، لا تخفف من رمزية الإنجاز وأبعاده التضامنية. يتعلق الأمر بخطوة يمكن البناء عليها من أجل شق الطريق نحو خطوة اتحادية واندماجية أكبر، تتمثل في تشكيل حكومة أوروبية، أو على الأقل حكومة اقتصادية أوروبية، كما يطمح البعض

صحيح أن فرنسا وألمانيا ودولاً أخرى كانت تتطلع إلى أن تصل قيمة هذه المنح إلى حوالي 500 مليار يورو بدلاً من 390، لكن دواعي التسوية مع الدول الأوروبية، مثل هولندا والدنمارك…، التي تصنف باعتبارها “مقتصدة” في نفقاتها و”بخيلة”، والتي تتذمر من وضع النفقات العامة في دول مثل إيطاليا وإسبانيا وتحملها مسؤولية عدم ترشيد نفقاتها، اقتضت تقديم تنازل. وهذا التنازل لا يقلل من قيمة الإنجاز الذي حققه الأوروبيون بتحفيزهم لمبدأ التضامن. حتى أن كل الشروط المرافقة لتطبيق خطة النهوض الاقتصادي هذه، في السنوات القليلة المقبلة، لا تخفف من رمزية الإنجاز وأبعاده التضامنية. يتعلق الأمر بخطوة يمكن البناء عليها من أجل شق الطريق نحو خطوة اتحادية واندماجية أكبر، تتمثل في تشكيل حكومة أوروبية، أو على الأقل حكومة اقتصادية أوروبية، كما يطمح البعض.

من خلال حفاظهم على وحدتهم وتعزيزهم لمبدأ التضامن في ما بينهم، وجّه الأوروبيون أيضاً رسالتين، أولى سياسية موجهة إلى الشعبويين والمعادين للاتحاد الأوروبي، ومفادها أنه لا يمكن لدولة بمفردها مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين والأزمات المتوقعة وغير المتوقعة. من هنا، ضرورة الحفاظ على الاتحاد الأوروبي كأداة لتعاون بنّاء، على الرغم من أية ثغرات ونواقص يمكن ملاحظتها هنا وهناك. وكضمانة لسلام دائم في القارة التي شهدت حربين عالميتين في النصف الأول من القرن العشرين. وثانية دبلوماسية إلى الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، ومفادها أن رهانات القادة الحاليين لهذه الدول العظمى على تفسخ وانهيار الاتحاد الأوروبي ستبقى رهانات خاسرة!

ثمة رسالة جانبية ضمنية وجهها الأوروبيون إلى دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، ومن ضمنها لبنان، من خلال ذلك الاتفاق التاريخي، عنوانها العريض أنه لا يمكن لحكومات فاسدة، عاجزة عن تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والسياسية، وممتنعة عمداً عن وقف الهدر في نفقاتها العامة وعن وضع حد لنهب المال العام من قبل السياسيين والأوليغارشيين، أن تستفيد من التعاون مع الاتحاد الأوروبي. بكل ما يحمله هذا التعاون من فرص ونقاط قوة وجاذبية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنمائية والبيئية والتربوية والثقافية. سياق الرسالة نفسها، يشي بأن تعلّموا كيف تتحاورون بين بعضكم البعض وكيف تفاوضون الخارج لأجل مصلحة بلدكم ووحدة أرضه وشعبه ومؤسساته، بدل أن تناشدكم فرنسا وغيرها بأن ساعدوا أنفسكم حتى نساعدكم.

لا بد من الاطلاع على محاضر اجتماعات القادة الأوروبيين، طوال 90 ساعة من المفاوضات، وعلى مدى أربعة ليالٍ حتى فجر يوم الثلاثاء 21 تموز/يوليو 2020. لماذا؟ لسببين رئيسين.

أولاً، لاستخلاص دروس جديدة في فن التفاوض. للتعلّم كيف يثابر صناع القرار، الشركاء، على المحادثات والتبادل مع الإصرار على تجاوز الخلافات للتوصل إلى اتفاق. كيف يوفّقون بين مصالح يكاد يستحيل التوفيق في ما بينها. كيف يصنعون الحلول معاً. كيف يقدمون التنازلات من أجل تسهيل إبرام تسوية مرضية للجميع. كتلك التسوية التي أبصرت النور أخيراً، وبعد طول انتظار، والمتمثلة في توافق الدول الـ27 الأعضاء على خطة “تاريخية” لدعم النهوض الاقتصادي بعد أزمة “كورونا”، بقيمة تصل إلى 750 مليار يورو.

نحج الأوروبيون إذاً في اختبار الوحدة. وأكدوا أنه يمكن للمصيبة أن تجمع بدلاً من أن تفرّق. ومن دون إنكار واقع أن أزمة كورونا كشفت عن ثغرات ونواقص في البناء الأوروبي، لجهة عدم استباق أزمة صحية بحجم جائحة “كوفيد ـ 19” وعدم الجهوزية لمواجهتها بأقل الخسائر، فضلوا تحمّل مسؤولية الفشل أو الإخفاق أو التقاعس معاً. وقرروا تغليب المصلحة المشتركة على المصالح الذاتية، إدراكاً منهم بأن غرق المركب الأوروبي يعني غرقاً وإضعافاً للجميع في عالم مضطرب. بمعنى آخر، أثبت الأوروبيون مقولة أنهم لا يتوافقون ابداً لكنهم ما زالوا سوياً، بحسب ما يردد الباحث الفرنسي في علم الاتصال والإعلام، مؤسس ومدير مجلة “Hermès La Revue” العلمية، دومينيك فولتون، الذي صودف صدور كتابه الأخير “Vive l’incommunication – La victoire de l’Europe”، في ربيع 2020، أي في أوج أزمة “كورنا”، والذي يحلل فيه أهمية المشروع الأوروبي على الرغم من الاختلافات بين الأوروبيين.

ثانياً، للاتعاظ من تجربتهم في التضامن. فبعدما أعطت الدول الأوروبية إشارات سلبية أثناء إدارتها لأزمة “كورونا” بكثير من الأنانية، عادت وسارعت إلى طي صفحة هذا السلوك المنافي لفكرة الاتحاد الأوروبي القائمة على التعاون والتضامن، وذلك بواسطة خطة النهوض الاقتصادي التي تضع أسساً متينة للتضامن الأوروبي في إدارة عواقب ما بعد أزمة “كوفيد ـ 19”. تنص الخطة على تخصيص مبلغ 360 مليار يورو، ستوزع كقروض، على أن تتولى كل دولة مستفيدة من قرض محدد هنا، تسديد الديون بنفسها. كذلك، تقضي الخطة توفير مبلغ قدره 390 مليار يورو، عبارة عن منح ومساعدات للدول الأكثر تاثراً بتداعيات الأزمة الصحية، لكنها مصنفة كديون مشتركة تتكفل الدول الأعضاء الـ27 بتسديدها بشكل جماعي، وهنا يكمن مغزى التضامن.

خطة النهوض الاقتصادي هذه، في السنوات القليلة المقبلة، لا تخفف من رمزية الإنجاز وأبعاده التضامنية. يتعلق الأمر بخطوة يمكن البناء عليها من أجل شق الطريق نحو خطوة اتحادية واندماجية أكبر، تتمثل في تشكيل حكومة أوروبية، أو على الأقل حكومة اقتصادية أوروبية، كما يطمح البعض

صحيح أن فرنسا وألمانيا ودولاً أخرى كانت تتطلع إلى أن تصل قيمة هذه المنح إلى حوالي 500 مليار يورو بدلاً من 390، لكن دواعي التسوية مع الدول الأوروبية، مثل هولندا والدنمارك…، التي تصنف باعتبارها “مقتصدة” في نفقاتها و”بخيلة”، والتي تتذمر من وضع النفقات العامة في دول مثل إيطاليا وإسبانيا وتحملها مسؤولية عدم ترشيد نفقاتها، اقتضت تقديم تنازل. وهذا التنازل لا يقلل من قيمة الإنجاز الذي حققه الأوروبيون بتحفيزهم لمبدأ التضامن. حتى أن كل الشروط المرافقة لتطبيق خطة النهوض الاقتصادي هذه، في السنوات القليلة المقبلة، لا تخفف من رمزية الإنجاز وأبعاده التضامنية. يتعلق الأمر بخطوة يمكن البناء عليها من أجل شق الطريق نحو خطوة اتحادية واندماجية أكبر، تتمثل في تشكيل حكومة أوروبية، أو على الأقل حكومة اقتصادية أوروبية، كما يطمح البعض.

من خلال حفاظهم على وحدتهم وتعزيزهم لمبدأ التضامن في ما بينهم، وجّه الأوروبيون أيضاً رسالتين، أولى سياسية موجهة إلى الشعبويين والمعادين للاتحاد الأوروبي، ومفادها أنه لا يمكن لدولة بمفردها مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين والأزمات المتوقعة وغير المتوقعة. من هنا، ضرورة الحفاظ على الاتحاد الأوروبي كأداة لتعاون بنّاء، على الرغم من أية ثغرات ونواقص يمكن ملاحظتها هنا وهناك. وكضمانة لسلام دائم في القارة التي شهدت حربين عالميتين في النصف الأول من القرن العشرين. وثانية دبلوماسية إلى الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، ومفادها أن رهانات القادة الحاليين لهذه الدول العظمى على تفسخ وانهيار الاتحاد الأوروبي ستبقى رهانات خاسرة!

ثمة رسالة جانبية ضمنية وجهها الأوروبيون إلى دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، ومن ضمنها لبنان، من خلال ذلك الاتفاق التاريخي، عنوانها العريض أنه لا يمكن لحكومات فاسدة، عاجزة عن تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والسياسية، وممتنعة عمداً عن وقف الهدر في نفقاتها العامة وعن وضع حد لنهب المال العام من قبل السياسيين والأوليغارشيين، أن تستفيد من التعاون مع الاتحاد الأوروبي. بكل ما يحمله هذا التعاون من فرص ونقاط قوة وجاذبية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنمائية والبيئية والتربوية والثقافية. سياق الرسالة نفسها، يشي بأن تعلّموا كيف تتحاورون بين بعضكم البعض وكيف تفاوضون الخارج لأجل مصلحة بلدكم ووحدة أرضه وشعبه ومؤسساته، بدل أن تناشدكم فرنسا وغيرها بأن ساعدوا أنفسكم حتى نساعدكم.

نبيل الخوري.