لا تتركوا عمالقة التكنولوجيا يخفون ما يفعلونه بنا

نحن نعيش عصر ثورة المعلومات. وقد استبدل بحراس بوابات المعرفة التقليدية – من أمناء المكتبات والصحافيين والمسؤولين الحكوميين – بدرجة كبيرة حراس البوابات التكنولوجية، ومحركات البحث، وروبوتات الذكاء الاصطناعي، ومغذيات وسائل التواصل الاجتماعي.

أيا كانت عيوبهم، فإن حراس البوابات القدامى، على الورق على الأقل، يدينون بالفضل لعامة الناس. وحراس البوابات الجدد مدينون بالأساس لتحقيق الربح فقط وللمساهمين في هذه الشركات. والآن، يوشك هذا الواقع على التغير، وذلك بفضل تجربة جريئة نفذها الاتحاد الأوروبي.

مع بدء سريان الأحكام الرئيسية في 25 أغسطس (آب)، فإن حزمة طموحة من قواعد الاتحاد الأوروبي، وهي قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، هي أكثر الجهود شمولا تجاه التحقق من قوة التكنولوجيا الكبرى (بعد الحظر الصريح في أماكن مثل الصين والهند). وللمرة الأولى، يتعين على منصات التكنولوجيا الاستجابة لعامة الناس بطرق لا تعد ولا تحصى، بما في ذلك منح المستخدمين الحق في الاستئناف عند إزالة المحتوى الخاص بهم، وتوفير خيار من الخوارزميات، وحظر الاستهداف الدقيق للأطفال والبالغين استنادا إلى بيانات حساسة مثل الدين، والعرق، والتوجه الجنسي. وتُلزم الإصلاحات أيضا منصات تكنولوجية كبيرة بمراجعة خوارزمياتها لتحديد كيفية تأثيرها على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والصحة البدنية والعقلية للقاصرين وغيرهم من المستخدمين.

سوف تكون هذه المرة الأولى التي يُطلب فيها من الشركات تحديد ومعالجة الأضرار التي تسببها منصاتهم. وللمساءلة، يتطلب القانون أيضا منصات تقنية كبيرة مثل «فيسبوك» و«تويتر» تزويد الباحثين بإمكانية الوصول إلى البيانات الآنية (في الوقت الفعلي) من منصاتهم. لكن هناك عنصر حاسم لم يُقرره الاتحاد الأوروبي بعد، ألا وهو ما إذا كان الصحافيون سوف يتمكَّنون من الوصول إلى أي من تلك البيانات.

كان الصحافيون تقليديا عند الخطوط الأمامية لإنفاذ القانون، يشيرون إلى الأضرار التي قد يُوسع الباحثون نطاقها، وقد تعمل الأجهزة الرقابية وفقا لها. كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» وصحيفة «الأوبزرفر» اللندنية عن فضيحة شركة «كمبردج أناليتيكا»، التي علمنا فيها كيف استغل المستشارون في حملة دونالد ترمب الرئاسية بيانات ملايين المستخدمين على موقع «فيسبوك» من دون إذنهم. وقد أوردت وكالة «باز فيد» الإخبارية تقريراً حول التعليقات المسيئة التي أوضحت دور «فيسبوك» في تمكين مذبحة الروهينغا في ميانمار. لقد كشف فريقي في موقع «بروببليكا» الإخباري كيف أن «فيسبوك» يسمح للمعلنين بالتمييز في إعلانات التوظيف والإسكان.

لكن الحصول على البيانات من المنصات أصبح أكثر صعوبة. وكان موقع «فيسبوك» عدوانيا بشكل خاص، حيث أغلق حسابات الباحثين في جامعة نيويورك عام 2021 بسبب «وسائل غير مرخصة» للوصول إلى إعلانات «فيسبوك». وفي ذلك العام، هددت «فيسبوك»، بشكل قانوني، مجموعة بحثية أوروبية تُدعى «ألغوريثم واتش» (المعنية بمراقبة الخوارزميات)، وأجبرتها على إغلاق مشروع مراقبة منصة «إنستاغرام». وفي وقت سابق من الشهر الحالي، شرعت شركة «تويتر» في الحد من قدرة جميع مستخدميها على مشاهدة التغريدات، فيما وصفته الشركة بأنه محاولة لمنع جمع المعلومات آليا من موقع «تويتر» بواسطة وسائل الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن الروبوتات، والمتراسلات الإلكترونية العشوائية، وغيرها من «العناصر السيئة».

من جهة أخرى، أغلقت شركات التكنولوجيا أيضا الوصول المرخص إلى برامجها. وفي عام 2021، فككت «فيسبوك» الفريق الذي أشرف على أداة التحليلات المسماة «كراود تانغل»، التي استخدمها الكثير من الباحثين لتحليل الاتجاهات. وفي العام الحالي، استبدلت «تويتر» بأدوات الباحثين المجانية نسخة مدفوعة الأجر باهظة التكاليف ولا يمكن الاعتماد عليها. نتيجة لذلك، صار الرأي العام أقل وضوحا من أي وقت مضى حول كيفية تصرف حراس بوابات المعلومات العالمية لدينا.

طرح السيناتور الأميركي كريس كونز، الشهر الماضي، «قانون المساءلة والشفافية»، وهو تشريع من شأنه مطالبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة المزيد من البيانات مع الباحثين، وتوفير حصانة للصحافيين الذين يجمعون البيانات للمصلحة العامة، مع حماية معقولة للخصوصية.

لكن في الوقت الحالي، تعتمد جهود الاتحاد الأوروبي للشفافية على الأكاديميين الأوروبيين، الذين سوف يتقدمون بطلب إلى هيئة تنظيمية للحصول على البيانات من المنصات، ومن ثم، نأمل أن يصدروا تقارير بحثية بعد ذلك.

هذا ليس كافياً. ولكي تتحمل هذه المنصات المسؤولية الحقيقية، يتعين علينا دعم الصحافيين الذين يقفون على الخطوط الأمامية في سرد الكيفية التي يُسلّحُ بها الطغاة، والمتصيدون، والجواسيس والمسوقون، وحشود الكراهية المنصات التكنولوجية، أو السماح لهم باستخدامها.

تدير ماريا ريسا، الحائزة جائزة نوبل للسلام، موقع «رابلر»، وهو موقع إخباري في الفلبين كان في طليعة القائمين على تحليل كيف استخدم القادة الفلبينيون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة.

كما تقول دافني كيلر، مديرة برنامج تنظيم المنصات في مركز السياسة الإلكترونية في ستانفورد، في تعليقاتها أمام الاتحاد الأوروبي، إن السماح للصحافيين والباحثين باستخدام أدوات آلية لجمع البيانات المتاحة للجمهور من المنصات من أفضل الطرق لضمان الشفافية، لأنه «شكل نادر من أشكال الشفافية التي لا تعتمد على المنصات نفسها التي تجري دراستها لتوليد المعلومات أو العمل كحارس للبوابات المعلوماتية».

بطبيعة الحال، كثيرا ما تُقاوم منصات التكنولوجيا طلبات الشفافية بزعم أنها لا بد أن تحمي خصوصية مستخدميها. وهو زعم مُضحك، لأن نماذج أعمالهم تستند إلى التنقيب وتحويل البيانات الشخصية لمستخدميها إلى أموال. ولكن إذا ما وضعنا ذلك جانبا، فلن نجد ضلعا في هذا السياق يتصل بمصالح الخصوصية للمستخدمين: فالبيانات التي يحتاج إليها الصحافيون علنية بالفعل لأي شخص لديه حساب على هذه الخدمات.

ما يفتقر إليه الصحافيون هو الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات العامة من منصات التكنولوجيا بُغية فهم ما إذا كان الحدث الواقع يمثل حالة شاذة، أو يمثل اتجاها أكبر. من دون ذلك المدخل، سوف نستمر في الحصول على ما لدينا الآن: الكثير من الروايات حول هذا الجزء من المحتوى أو ذلك المستخدم الذي تم حظره، ولكن لا معنى حقيقياً حول ما إذا كانت هذه القصص ذات دلالة إحصائية من عدمه.

الصحافيون يكتبون أول مسودة للتاريخ. إذا لم نتمكن من رؤية ما يحدث على أكبر منصات الخطابة في العالم، فإن هذا التاريخ سوف يُكتب لصالح المنصات – وليس الجمهور.

 

جوليا أنغوين

النفط في 2024

الطلب على النفط في 2023 مرشَّح للزيادة بصورة أعلى مما كان متوقعاً، ومع هذا قرر تحالف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وكبار المنتجين من خارجها، المعروف باسم «أوبك بلس» تخفيض إنتاجه النفطي هذا العام والذي يليه.

هذا التخفيض لا يتماشى مع توقعات وبيانات المنظمات الثلاث الكبرى («أوبك»، و«وكالة الطاقة الدولية»، و«إدارة معلومات الطاقة الأميركية») هذا العام، ولكنه يتماشى مع توقعاتهم للعام القادم.

حيث اتفقت الجهات الثلاث على تباطؤ نمو الاستهلاك العالمي للنفط العام المقبل، وإن كان هناك تباين بينها حول الكميات.

فمن جهتها توقعت «أوبك» يوم الخميس، في أول تقييم لسوق النفط لعام 2024 تباطؤاً طفيفاً في نمو الطلب العالمي على الخام، لكنَّ تقديراتها في الوقت نفسه تُعادل ضعف معدل النمو الذي توقعته وكالة الطاقة؛ كما تفوق بكثير تقديرات إدارة معلومات الطاقة.

هذه التقديرات المحافظة سببها توقع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وإن كانت الصين والهند ستزيد من استهلاكها للنفط.

وتتوقع «أوبك» أن ينمو استهلاك النفط بنحو 2.2 مليون برميل يومياً العام المقبل ليصل إلى مستوى قياسي جديد عند 104 ملايين برميل يومياً، مقابل توقعات نموه بنحو 2.4 مليون برميل خلال 2023.

من جهتها تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الاستهلاك العالمي للخام بنحو 1.2 مليون برميل يومياً في 2024، ليصل إلى 103.23 مليون برميل يومياً، في تباطؤ واضح عن تقديراتها للعام الجاري البالغة 2.2 مليون نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي.

بينما أبدت إدارة معلومات الطاقة الأميركية نظرة أكثر اعتدالاً، مع توقعات بنمو الطلب العالمي على النفط 1.6 مليون برميل يومياً في 2024، مقابل تقديرات زيادة الاستهلاك بنحو 1.8 مليون هذا العام، ليكون من المرجح أن يبلغ إجمالي الطلب العام المقبل 102.71 مليون برميل يومياً.

ولا أريد هنا الدخول في توقعات المعروض النفطي لأن الصورة واضحة للجميع، فمهما ضخ العالم من النفط سيحتاج إلى نفط «أوبك» وحلفائها، فهي مَن تعمل على توازن السوق.

ولهذا ترى «أوبك» أنها ستحتاج إلى ضخ 30.2 مليون برميل يومياً العام المقبل حتى تتزن السوق ويتماشى العرض مع الطلب.

لكن ما الذي يجعل السعودية وروسيا وبعض البلدان تزيد وتعمِّق من تخفيض إنتاجها النفطي هذا العام بشكل قوي رغم أن أساسيات السوق تشير إلى تحسن الطلب على النفط؟ وهل تمديد خفض الإنتاج لكامل العام المقبل مبرِّر في ظل هذه البيانات؟

إذا كان الاقتصاد العالمي سيتباطأ في 2024 كما تتوقع المنظمات الدولية، فمن المنطقي أن تتخذ دول تحالف «أوبك بلس» سياسة متحفظة وتُبقي الإنتاج منخفضاً.

أما فيما يتعلق بهذا العام، فالمسألة تتجاوز توازن السوق، لأن الوضع اليوم غريب إلى حد بعيد. فأسعار النفط إذا ما عُدّت مؤشراً استرشادياً على توازن العرض مع الطلب، فهي لا تعكس هذا التوازن.

وما نراه في السوق الفعلية من شح في الإمدادات لا نراه ينعكس في السوق المالية للعقود الآجلة أو السوق الورقية.

من هنا أتفهم هذه التخفيضات وتعميقها لإجبار السوقين على لحاق إحداهما بالأخرى بدلاً من التباين الكبير بينهما.

كمواطن من دول «أوبك»، أراه تصرفاً معقولاً ومنطقياً، ولكن كمواطن غربي يضارب في النفط أو يستثمر في عقوده، فما تفعله دول التحالف أمر غير مفهوم لي.

وهنا لا يوجد صواب أو خطأ، بل يوجد «وضع شاذ» لا بد من التعامل معه… ولا أحد يهتم به أو يحاول إصلاحه سوى «أوبك بلس».

 

وائل مهدي

أهمية المصارف المركزية ومعايير اختيار “الحاكم”

هناك أمثلة عديدة حول العالم، تُظهر كيف تأثرت البلدان سلباً بسبب عدم وجود محافظ للبنك المركزي. وقد يكون من المفيد إيراد بعضها، ومن أبرزها:

فنزويلا: تُعتبر تجربة فنزويلا حالة حَذِرة لعدم تعيين محافظ قوي في البنك المركزي. تعاني البلاد أزمة اقتصادية هائلة وتضخّماً مفرطاً، حيث ساد عجز في السياسة النقدية وتَلاعُب في قيمة العملة. وإن عدم وجود محافظ قادر على تنفيذ إصلاحات اقتصادية مناسبة سَبّب استنزاف الثقة في النظام المالي وتدهوراً في الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.

الأرجنتين: شهدت أزمة مالية خانقة في عام 2018 بعد استقالة محافظ البنك المركزي. لم يتم تعيين محافظ جديد في الوقت المناسب، ما أدّى إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم. وكان لتأخّر التعيين تأثيره الكارثي على الثقة في النظام المالي، وعَرّضَ البلاد لمخاطر اقتصادية كبيرة.

زيمبابوي: تُعدّ مثالًا آخر على التداعيات السلبية لعدم تعيين محافظ قوي للبنك المركزي. تعاني البلاد تضخماً مفرطاً وانهياراً اقتصادياً، حيث تُعزَى الأزمة جزئيًا إلى عدم وجود سياسة نقدية فعالة وقوية. فعدم تعيين محافظ قوي ساهمَ في تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير وفقدان الثقة في العملة المحلية.

الحالة في العراق خير مثال على خطورة عدم وجود محافظ للبنك المركزي وأهمية اختيار المحافظ وما له من تأثير، لا سيما انه لم يتم تعيين محافظ دائم للبنك المركزي العراقي، وهذا الأمر ساهم في تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد.

في العراق، لاحظنا تدهورًا متزايدًا في القيمة الشرائية للعملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم. تأثرت الاستثمارات والتجارة وحتى حياة الناس بشكل سلبي نتيجة لعدم وجود قيادة فعالة للبنك المركزي. بالإضافة إلى ذلك، شهد العراق تفشي الفساد المالي واستغلال الثروات الوطنية بشكل غير مسبوق، وهو أمر يمكن أن يَتفاقم في غياب محافظ مؤهل يسعى لتحقيق الشفافية والمساءلة.

ومنذ فترة طويلة يعاني لبنان أزمة اقتصادية ومالية خانقة. ويجب أن ندرك أن المحافظ يؤدي دورا حاسما في تطبيق السياسات النقدية والمالية السليمة وحفظ استقرار العملة والتضخم في البلد. ومع ذلك، فإنّ الانقسامات السياسية والتأخير في تعيين محافظ في لبنان ستؤثر سلباً في قدرة البنك المركزي على التصدّي للأزمة واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الاقتصاد.

إن الأمثلة المذكورة تُبرز أهمية تعيين محافظ قوي وكفوء للبنك المركزي، فقدرته على تحقيق الاستقرار المالي والنقدي وتنفيذ سياسات فعالة للحفاظ على قوة العملة والحدّ من التضخم أمر بالغ الأهمية. يجب أن يُولي لبنان أهمية كبيرة لتعيين محافظ قادر ومؤهل للبنك المركزي اللبناني لتجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي المنشود.

ومن المعروف أن المحافظ للبنك المركزي يلعب دورا حاسما في تنفيذ سياسات البنك ومراقبة النظام المالي والنقدي، وتقع على عاتقه مسؤولية تنفيذ السياسة النقدية السليمة وحفظ استقرار العملة ومكافحة التضخم الزائد. ومع ذلك، فإن عدم وجود محافظ قوي يؤثر سلبا في الثقة بالنظام المالي ويزيد من عدم اليقين الاقتصادي.

لذلك، يجب أن يتم اختيار محافظ البنك المركزي بدقة، وبناءً على الكفاءة والخبرة والنزاهة. وينبغي أن يكون قادرا على قيادة البنك المركزي بشكل فعال، واتخاذ القرارات المالية الحكيمة، وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي. وأيضاً يجب أن يتمتع بسمعة جيدة وأن يكون ملتزماً بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في عمليات البنك المركزي.

إنّ اختيار محافظ بعناية وتنفيذ سياسات نقدية سليمة، يُمَكّن البنك المركزي من أن يُسهِم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في البلد. ينبغي أن تكون هذه العملية محطةً للفحص والمراجعة الدقيقة للمرشحين المحتملين، وضمان أن يتم تعيين محافظ يتمتع بالكفاءة والنزاهة لتحقيق الأهداف المرجوة لمصلحة الاقتصاد الوطني.

وتُعتبَر معايير اختيار الحاكم مهمة حساسة ومن أهم المسؤوليات التي يتحملها القادة السياسيون والمسؤولون الاقتصاديون. فالمحافظ يؤدي دورا حاسما في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي وضبط السياسة النقدية في البلد. ولضمان اختيار محافظ مؤهل وكفؤء للبنك المركزي، هناك معايير عدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار:

الخبرة والكفاءة: ينبغي أن يتمتع المرشح بخبرة واسعة في الشؤون المالية والاقتصادية، وخاصة في مجال السياسة النقدية والنظام المصرفي. يجب أن يكون لدى المرشح معرفة عميقة بالأسواق المالية وقدرة على تحليل البيانات الاقتصادية واتخاذ القرارات الحكيمة.

النزاهة والشفافية: يجب أن يتمتع المرشح بسمعة جيدة ونزاهة عالية في مجال العمل المالي، وأن يكون قادرا على القيام بواجباته بكفاءة ونزاهة، وأن يكون على استعداد للمساهمة في تعزيز الشفافية في البنك المركزي والقطاع المصرفي بشكل عام.

القدرة على التواصل والقيادة: ينبغي أن يكون لديه قدرة فعّالة على التواصل مع الأطراف المعنية المختلفة، بما في ذلك الحكومة والمؤسسات المالية والجهات الرقابية. وأن يكون قائداً فعالاً يستطيع قيادة فريق العمل في البنك المركزي وتحفيزه لتحقيق الأهداف المحددة.

الاستقلالية: ينبغي أن يكون المحافظ مستقلاً عن التدخلات السياسية والضغوط الخارجية، وأن يتمتع بالقدرة على اتخاذ القرارات المستقلة وفقاً للمصلحة العامة والأهداف الاقتصادية والنقدية للبلد.

الرؤية الاقتصادية: ينبغي أن يكون لدى المرشح رؤية واضحة للتطورات الاقتصادية والتحديات التي تواجه البلد، وأن يكون قادراً على تطوير استراتيجيات وسياسات مناسبة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي.

يشكّل تَوَفّر هذه المعايير الأساسية إطاراً فعالاً لاختيار محافظ مؤهل للبنك المركزي. وينبغي أن يتم الاختيار بعناية ودقة، وعلى أساس المؤهلات والقدرات والخبرات، وليس على أساس المحسوبية السياسية أو العوامل الشخصية. إن اختيار محافظ مؤهل يُسهم في تعزيز الثقة في النظام المالي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للبلد.

بروفسور غريتا صعب

«البريكس» وأفريقيا والتخلي المرحلي عن الدولار

توقع «البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد» أن ينضم ما يتراوح بين 15 و20 دولة إلى نظام الدفع والتسوية الأفريقي، مما يسمح لها بالتخلي عن الدولار في معاملاتها الأفريقية، حيث إن نظام الدفع والتسوية الأفريقي يسمح للدول الأفريقية بالتداول فيما بينها باستخدام عملاتها المحلية، إذ أعلن رئيس البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد أن المنصة الجديدة بدأت عملياتها التجارية مع تسجيل أكثر من 9 دول، علماً بأن نظام الدفع والتسوية يستخدم أسعار صرف الدولار حالياً، في وقت تعمل فيه البنوك المركزية لتطوير آلية لسعر الصرف من شأنها أن تسمح للعملات الأفريقية البالغ عددها 42 عملة بأن تكون قابلة للتحويل فيما بينها.

والنظام الجديد للدفع والتسوية، الذي اعتمده الاتحاد الأفريقي باعتباره منصة الدفع والتسوية في أفريقيا، يدعم تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، إذ ينضم عدد كبير من الدول الأفريقية للنظام الجديد، نظراً للصعوبات التي تواجه الدول الأفريقية في توفير الدولار، مما زاد الزخم للانضمام لنظام الدفع الجديد، من أجل أن تقل الضغوطات المالية بالتحول للتداول بالعملات المحلية فيما بينها.

إن ارتفاع الدولار يزيد أسعار السلع والخدمات المقومة به على كل الدول من حائزي العملات الأخرى، ويخلق أزمات تمويلية للدول التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير، وهو ما انعكس على الدول الأفريقية بشكل واضح يصعب معه الاستمرار، ورغم توقف ارتفاع مؤشر الدولار، وتوقف الفيدرالي الأميركي في آخر اجتماعاته عن رفع الفائدة، فإن القوة الشرائية للدولار ما زالت مرتفعة وسط أزمة في طرق توفير الدولار للدول الأفريقية، مع شح السيولة في الأسواق الدولية.

أمام هذه التداعيات، تسعى جميع الدول لتقليل الضغوط المالية عليها من خلال التخلي عن جزء من معاملاتها التجارية بالدولار، في الوقت الذي تسعى فيه الصين وروسيا وفرنسا ومعهم دول «البريكس» والدول العربية والأفريقية والدول النامية، لتأسيس نظام مالي دولي جديد، لا يعتمد بالضرورة على الدولار الأميركي عملة رئيسية في التبادلات التجارية والمالية، إذ إن تراجع هيمنة الدولار الأميركي قريب مع صعود اليوان الصيني، فيما أعلن بنك جيه بي مورغان أن علامات تراجع الدولار تتكشف في الاقتصاد العالمي.

كما تدرك الصين أنها لن تصبح القوة الاقتصادية العالمية المنافسة لأميركا إذا احتفظت باليوان عملة غير قابلة للتحويل، إذ إنه من الخطر على الصين مواصلة الاستثمار باحتياطات في السندات السيادية الأميركية، حيث إن هناك بنوكاً كبيرة تراقب تراجع هيمنة الدولار على الصين وروسيا و«البريكس»، فيما يحذر الخبراء الاقتصاديون من المخاطر التي يتعرض لها الدولار، ومكانته كعملة احتياطية عالمية، فضلاً عن الآثار المحتملة على الاقتصاد الأميركي، إذ إن استمرار السياسة المالية الحالية سيؤدي في النهاية إلى تراجع سوق السندات، وسيتم تداول عدد أقل من المعاملات الدولية بالدولار، وستزيد البنوك المركزية الأجنبية من خفض حيازاتها من الأوراق المالية المقومة بالدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير وفقدان هيمنة الدولار في التجارة الدولية.

تجدر الإشارة إلى أن العالم يترقب استعدادات عقد قمة منظمة «البريكس» المقبلة في جنوب أفريقيا، حيث من المتوقع إنشاء عملة مشتركة، وهو أحد أهم الموضوعات الرئيسية على جدول الأعمال، حيث ناقش وزراء خارجية دول «البريكس» في كيب تاون بجنوب أفريقيا نهاية الشهر الماضي، الأدوات التي تمتلكها المجموعة لإقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، ومناقشة الاستخدام المحتمل للعملات البديلة لحماية بنك التنمية الجديد التابع للكتلة من العقوبات، وإزالة الدولرة في التجارة على نطاق أوسع، وطرح مفهوم عملة «بريكس» الموحدة، لأول مرة، مع أفكار تشمل ربطها بالذهب أو بسلة من السلع أو بعملات دول «البريكس».

في الختام، هناك عدد من العقبات تقف في طريق إنشاء مثل هذه العملة، وأعتقد أنه سيتم التغلب عليها في الفترة المقبلة، إذ يجب تسوية اللوجيستيات أو الجوانب الفنية المتعلقة بعملة «بريكس» أو المجموعة الأفريقية، حيث إن ذلك يتطلب التزاماً جاداً للغاية، ليس فقط من هذه الدول، ولكن من الدول التي تقدمت بطلبات الانضمام، إذ إن هذه الدول ترى العملة المشتركة ليس كأداة رد فعل للعقوبات، ولكن كعملة لتنمية التجارة داخل المجموعة، وبمجرد قيام «البريكس» بذلك أو المجموعة الأفريقية، ستجد العملة قاعدتها الطبيعية إلى حد كبير مثل اليورو.