الوجوه السعيدة في «أرامكو»

سعادة الموظف هي كل شيء، ولشركة مثل «أرامكو السعودية» فإن إسعاد الموظفين ضرورة؛ لأن هؤلاء الموظفين هم الركن الأساسي في منظومة الطاقة العالمية؛ لأن إنتاج السعودية من النفط والغاز يعتمد عليهم، والعالم كله يعتمد على السعودية عندما يكون الحديث عن النفط والغاز.

خلال السنوات التي تعاملت فيها مع شركة «أرامكو» رأيت العديد من الوجوه، ولم تكن كلها سعيدة بطبيعة الحال، والسعادة أمر نسبي بمكان الشخص في السلم الوظيفي للشركة، والجيل الذي ينتمي إليه.

كان هناك جيل الرواد الذي ينتمي إليه من دخلوا الشركة في الخمسينات والستينات. هذا الجيل كان فقيراً في المعظم، وكان لـ«أرامكو» فضل في تعليمهم وتطويرهم وثرائهم. وكثير منهم تعلم الإنجليزية على يد «أرامكو»، ولكنهم عانوا من قلة الدعم لهم كسعوديين عندما كانت الشركة مملوكة بالكامل للشركات الأميركية الأربع التي أسست «أرامكو». وعندما انتقلت ملكية الشركة إلى الحكومة تدريجياً من السبعينات إلى منتصف الثمانينات، امتلك هذا الجيل الشركة وشعروا بالسعادة والفخر وهم يأخذون المناصب التي شغلها الأميركيون سابقاً، ويقررون مصير الشركة «بأيديهم لا بيدي عمرو»، ثم جاء جيل بعد جيل الرواد لم يعرف معاناة من سبقه، وعند انضمامهم للشركة كانت العقلية الأميركية بدأت في التلاشي، ولكن النظام الأميركي كان باقياً، ولهذا اختلطت عليهم الأمور نوعاً ما، فالمدير سعودي مثلهم والنظام أميركي صرف.

هذا الجيل دخل الشركة بعقلية سعودية صرفة، وكان إسعاده صعباً؛ لأنه في زمن الطفرة كان السعوديون يستقبلون الحياة بعقلية الثراء السريع، وما تقدمه «أرامكو» لهم لا يتماشى مع ما تقدمه الدولة من فرص؛ ولهذا خرج كثير من السعوديين من جيل الرواد من الشركة ليتعاملوا معها كرجال أعمال بدلاً من أن يكونوا موظفين، في حين كان جيل السبعينات والثمانينات يتعامل مع الوظيفة.

مرت التسعينات مروراً صعباً على الجميع، ولم تكن «أرامكو» تتوسع في أنشطتها وحقولها مثلما تتوسع اليوم. ولم تكن هناك برامج مثل «اكتفاء» و«نماءات» تدفع بالعنصر المحلي بصورة كبيرة في النظام الإيكولوجي للشركة.

ولهذا من دخل في التسعينات يشكلون عدداً كبيراً من الوجوه غير السعيدة التي قابلتها.

ومع هذا كانت «أرامكو» تقدم مميزات لا يقدمها أحد، مثل التأمين الصحي الفاخر، ونظام تملك المسكن في عقود كان السعوديون ينتظرون ما بين عشرة وعشرين عاماً في المتوسط للحصول على قرض من صندوق التنمية العقاري.

وفي العقد ما قبل الرؤية بدأت «أرامكو» تزيد من الفنيين في الشركة ولدى المقاولين، وهؤلاء كانت «أرامكو» مجرد وظيفة لهم، ولم تكن رحلة وظيفية الترقي بها أمر سهل، ثم جاءت الرؤية وسنوات ما قبل وبعد الاكتتاب، وبدأت الشركة تتعامل بعقلية مختلفة، وبدأت أرى وجوهاً سعيدة من الشباب، الذين جاءوا في وقت أصبح تطوير الموظف فيه رحلة من دخوله للشركة حتى خروجه منها.

لقد زرعت الرؤية تفاؤلاً وجودة حياة أفضل، وأصبح الشباب سعداء في بلدهم وليسوا مثل بعض من سبقوهم ممن كانوا يعملون في الظهران ويعيشون في البحرين. كيف لهؤلاء أن يكونوا سعداء وهم يعيشون حياة مزدوجة ويتنقلون يومياً مع زحمة الجسر التي لا تطاق؟!

شخصياً، أرى أن الجيل الجديد أكثر سعادة في الشركة وفي السعودية الجديدة، وحبهم للحياة في بلدهم هيّأهم للسعادة قبل أن يدخلوا الشركة.

هذه الوجوه السعيدة هي مستقبل هذه الشركة، ولا أراهم يختلفون كثيراً عن جيل الرواد أو «جيل الطيبين»؛ لأنهم يستقبلون الحياة بتفاؤل وسعادة وعالم جديد لم يرثوه، بل بنوه بأنفسهم.

وائل مهدي

الضرائب التخريبية V/S الضرائب الإنمائية

 

نذكّر ونكرّر ونشدّد على أن مشروع الموازنة المقترح من مجلس النواب يضمّ إصلاحات وهمية في العناوين، ومبني على ضرائب حيال شعب منهوب، وإقتصاد مهترئ. ينبغي التركيز على هدف الضرائب في البلدان المتمدّنة، مقارنة بين الضرائب التخريبية والتدميرية والضرائب الإنمائية والإنتاجية.

تأتي الضريبة عادة، من ضمن رؤية واستراتيجية، إقتصادية ومالية ونقدية، وتهدف مبدئياً إلى تمويل الكلفة التشغيلية، ودفع رواتب وأجور القطاع العام، والمتعاقدين في الدولة، وخصوصاً لتأمين إستثمارات بنّاءة تهدف إلى النمو وخلق فرص الوظائف.

إن أساس السياسة الضريبية تهدف إلى تأمين إحتياجات المواطنين، في الصحة والتعليم والأمن وتأمين البنى التحتية، وتحسين نسبة عيشهم، وتوفير حاجاتهم. بمعنى آخر إن الضريبة هي استثمار مع مردود لهذا التمويل. فإذا أعطى المواطنون بيد، يسترجعون أضعافاً من الخدمة والإنماء والفرص من جهة أخرى.

إذا نظرنا في مبدأ الضرائب في لبنان، نرى بوضوح أننا مرة أخرى نسير عكس القطار، فإذا كان هدف الدولة تمويل الكلفة التشغيلية، نتساءل عن أي كلفة تشغيلية عندما نلاحظ أن معظم إدارات الدولة مقفلة ومتوقفة عن العمل. أما إذا ركّزنا على رواتب وأجور القطاع العام فلا نستطيع أن ننسى أو نتناسى أن هناك قسماً كبيراً من موظفي القطاع العام يجهلون مكان عملهم، ويتقاضون رواتب من مصادر عدة، من دون أن ننسى أن جزءاً كبيراً من التوظيف عادة يكون سياسياً، حزبياً وطائفياً وليس إنمائياً.

من جهة أخرى ندرك تماماً أن قسماً من موظفي الدولة، لا يعيشون من رواتبهم، لكن يتّكلون أساساً على الرشاوى التي يتقاضونها أضعافاً مضاعفة بالدولار الفريش. أما إذا ركّزنا على البنى التحتية، فهناك أموال هائلة صُرفت، هُدرت وسُرقت على مشاريع وهمية، وعلى بنى تحتية متهالكة ومهترئة. أما الإستثمارات فإذا حصلت، فإنّ عمودها الفقري الفساد وتوزيع المشاريع لأهداف خاصة بعيداً عن الإنماء. أما فرص العمل فهدفها إذا خُلقت، يكون عادة إنتخابياً وليس إنتاجياً.

من جهة ثالثة، إذا ركزنا على مَن يدفع الضرائب ولمن: مَن يلاحق بالضرائب هو شعب منهوب، ومذلول ومنكوب، ومسروق من الذي يُطالبه ذاته. فهذا المواطن يُلاحق بضرائب عشوائية من دون أي مردود، ومن دون أي خدمة بالحد الأدنى، أكانت أساسية أو إنسانية: فلا طبابة، ولا تعليم، ولا كهرباء، وطرقات، ولا مياه، ولا إتصالات ولا بنى تحتية، وحتى يمكن أن نصل إلى لا أمن. أما الذين يطالبون بالضرائب فهم المسؤولون المباشرون عن أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في تاريخ العالم، وهم المسؤولون عن أكبر عملية نهب في الكرة الأرضية، وها هم اليوم يلجأون إلى ضرائب إضافية لتمويل فشلهم وتمويل عجزهم ولا سيما تمويل خساراتهم.

فها هي البدعة الجديدة، بأن الضرائب ستُستعمل لتمويل الخسائر وتسديد العجز. نذكّر ونشدد على أن الخسارة وقعت، من سوء إدارتهم ومن فسادهم ومن سرقتهم، وإستُعملت لتمويل أهدافهم السياسية وحملاتهم الإنتخابية وبناء قصورهم. أما العجز فوقع من وراء سوء إدارتهم أيضاً، وإن أساساً أي عجز لن يُسدّد بالضرائب لكن بالإنماء والإستثمار وإستقطاب المستثمرين والرياديين والمبتكرين، وليس تهريبهم وطعنهم يوماً بعد يوم.

أخيراً إنه من المعروف في لبنان أنّ أقل من 50% من الشعب اللبناني يسدّد الضرائب، وأقل من 50% يُجبى من الدولة. وأي رفع للضرائب يعني زيادة التهريب والتبييض والترويج وتحفيز الإقتصاد الأسود، وطعن الإقتصاد الأبيض. بمعنى آخر إنّ زيادة الضرائب عشوائياً، تضرب النمو الحقيقي، وتزيد النمو التخريبي، ولا تزيد مداخيل الدولة لا بل تُنقصها.

في المحصّلة، إننا في لبنان بعيدون عن مبدأ الضرائب الإنتاجية والإستثمارية لا بل إننا ملوك الضرائب التخريبية والتدميرية، متّبعين الحفر في الخندق العميق ذاته من جهة القعر وليس من جهة النور.

 

د. فؤاد زمكحل