يتذمر بعض الشباب في عالمنا العربي قائلين إن فرص الجيل السابق كانت أفضل من فرصهم سواء وظيفياً أو في عالم التجارة، وقد يكون هناك شيء من الصحة نسبياً، ولكن ذلك لا ينطبق على من لديه همة وطموح، فمع مشرق كل شمس هناك فرص جديدة تخلق وتحتاج من يقتنصها.
وعالمنا العربي واسع جداً، وتغيرت ظروفه من غنى إلى فقرٍ، ومع وجود الفقر في بيئة معينة فإنك تجد في هذه البيئة أغنياء، فمن أين أتتهم سعة العيش؟ أتت سعة العيش من همة هؤلاء وسعيهم في تطوير أنفسهم والبحث عن حياة أفضل، فمع وجود الفقر في الخليج بصفة عامة وقبل تدفق النفط، تاجر أهلنا في اللؤلؤ، وغاصوا لقيعان البحار للحصول عليه، أي أنهم لم يستسلموا للظرف، وخاضوا أعماق البحار لتحسين ظروف معيشتهم.
أما أهلنا في داخل الجزيرة العربية، فقد ركبوا ظهور الإبل في صحراء موحشة، وتاجروا في بغداد ودمشق والقاهرة والخرطوم وبيروت، وبحثوا عن الرزق في كل مكان، حتى وصل بعضهم سواحل نيويورك، ولتعرف أن العرب من الجيل الماضي لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام ظروفهم أياً كانت هذه الظروف، انظر إلى المهاجرين العرب في أميركا الجنوبية، فبعضهم أصبحوا رؤساء دول في أميركا الجنوبية، وبعضهم أثرى الثقافة العربية، مثل شعراء المهجر وأصحاب مدرسة أبوللو، أي أنهم جيل وقف في وجه الظروف، ولم يجعل الظروف يقف في وجهه، لذلك طوروا حياتهم من وضع لا يريدونه إلى وضع يريدونه.
سيحتج هذا الجيل عليّ أنني أقص عليهم قصصاً من الماضي، وهو وقت وظرف لا ينطبقان عليهم، ما دام الأمر كذلك، سأقص عليكم قصة معاصرة، من بضع سنوات كنت أعد وأقدم على الهواء مباشرة برنامج «العالم اقتصاد» ومدته ساعة لمصلحة الإذاعة السعودية، وقررت أن أجعل الحلقة عن الشباب الذين بدأوا من الصفر، ونجحوا في أعمالهم، فذكر لي شاب في المدينة المنورة على ساكنها – أفضل الصلاة والتسليم – للأسف أضعت اسمه الأول ولكني ما زلت أتذكر اسم عائلته «الحربي»، – المهم – اتصلت بالشاب لأعرف قصته، يقول الحربي: «تخرجت في الجامعة قسم آثار، وبحثت عن وظيفة في أي مكان في السعودية فلم أجد، وبصفتي من المدينة المنورة عدت إلى أهلي، وقررت أن عمل مرشداً سياحياً، واستدنت واشتريت حافلة جديدة، ووضعت عليها الستائر لتقي من حرارة الشمس، وأحضرت عصيراً وماءً بارداً أوزعه على الركاب، وبصفتي خريج آثار عملت مرشداً وسائقاً على الحافلة، وكثر زبائني، وذاع صيتي في المدينة المنورة، وبدأت الفنادق الكبرى تحجز حافلتي لزبائنها، وسددت ثمن الحافلة في وقت قياسي، وأضفت حافلة أخرى… وهكذا دواليك، حتى أصبح لديّ شركة، فاتصل بي المستثمرون أو ما يعرف «برأس المال الجريء»، واشتروا 50 في المائة من الشركة بخمسة ملايين ريال (1.3 مليون دولار)، وبدأنا نعمل معهم على أسس احترافية.
ألم أقل لكم إن مع مشرق كل شمس فرصة جديدة، هذا الشاب عرف من أين تؤكل الكتف؛ إذ سبق أن زرت المدينة المنورة، وذهبت مع مجموعة سياحية للتعرف على آثارها، وكانت الحافلة متهالكة، وكان أجمل ما في الرحلة المرشد السياحي الذي كان يعرف كل حجر زرناه. ودمتم.