عقدت القمة السنوية للرؤساء التنفيذيين لمنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي أبيك، في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، في الفترة من 14 إلى 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وجمعت القمة الرؤساء التنفيذيين ورجال الأعمال وقادة الفكر وأصحاب المصلحة الآخرين مع كبار القادة السياسيين من منطقة آسيا والمحيط الهادي، للحوار حول الفرص والتحديات العالمية التي تشكل الاتجاهات الاقتصادية والبيئية والمجتمعية في المنطقة، وتضمن برنامج القمة التركيز على خلق الفرص الاقتصادية من خلال مجموعة من المتحدثين الذين سلطوا الضوء على إمكانات التعاون والتفكير الجديد لبناء المستقبل من خلال التركيز على الاستدامة والشمول والمرونة والابتكار، وسيتضمن معرض القمة المصاحب، حلولاً وتقنيات رائدة يمكن أن تساعد في دفع النمو الاقتصادي العادل المستدام.
إن أبيك منتدى حكومي دولي يضم 21 دولة عضوا في حافة المحيط الهادي، وهو يعزز التجارة الحرة في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادي، بعد نجاح سلسلة المؤتمرات الوزارية لرابطة دول جنوب شرقي آسيا التي بدأت في منتصف الثمانينات، إذ تأسست المنظمة الاقتصادية في عام 1989، تلبية للنمو الاقتصادي المتزايد واستجابة للاعتماد المتبادل المتزايد لاقتصادات المنطقة وظهور التكتلات التجارية الإقليمية.
وتسعى أبيك لرفع مستوى المعيشة والتعليم من خلال تحقيق نمو اقتصادي متوازن وتشارك العوائد بين دول آسيا والمحيط الهادي؛ حيث يشكل تعداد السكان للدول المطلة على المحيط الهادي ما يقارب من 40 في المائة من عدد سكان العالم، ويعد المنتدى واحدا من أعلى التجمعات المتعددة الأطراف وأقدم المنتديات في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وله تأثير عالمي كبير في الملفات الاقتصادية المهمة في العالم، ويتكون من 21 دولة وهي: أستراليا، البيرو، الصين، الفلبين، المكسيك، أميركا، اليابان، إندونيسيا، بابوا غنيا الجديدة، بروناي، تايلاند، تايوان، تشيلي، روسيا، سنغافورة، فيتنام، كندا، كوريا الجنوبية، ماليزيا، نيوزيلندا، هونغ كونغ.
ويعد هذا الاجتماع في المؤتمر السنوي، لزعماء الاقتصادات الـ21، فرصة تاريخية مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي في العالم، إذ يحظى بأهمية كبيرة من خلال مشاركة أميركا والصين بوصفهما أكبر اقتصادين في العالم يسعيان إلى إيجاد قدر من الاستقرار بعد عام صعب في العلاقات الأميركية – الصينية، إذ إن قادة دول أبيك طرحت رؤيتها الاقتصادية للمنطقة، إذ هم المحرك البارز للنمو الاقتصادي المستدام في آسيا والمحيط الهادي، الذي يجعل المنطقة ذات أهمية حاسمة للنمو الاقتصادي في العالم.
إن دول أبيك ترغب في رؤية حوار أفضل بين أميركا والصين لأنه يقلل من خطر الصراع الإقليمي، وفي الوقت نفسه، يعلمون أن الآخرين في المنطقة يشعرون بالقلق من أن المحيط الهادي يُنظر إليه في كثير من الأحيان من خلال منظور تقوم فيه مراكز القوى المهيمنة في واشنطن وبكين باتخاذ القرارات المتعلقة بالمنطقة من دون مشاركة الدول الأقل قوة، لتحقيق هذه الغاية، فإن قادة الدول قدموا مبادرات جديدة لتعزيز استثمارات الاقتصاد النظيف، وتطوير سياسات مكافحة الفساد والضرائب من خلال المنتدى الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادي، وهي استراتيجية اقتصادية أُعلنت بهدف مواجهة القوة التجارية المهيمنة في المنطقة.
إن معظم أعضاء المنظمة غير جديين فيما يتعلق بالمنتدى الدولي الذي يركز على البيئة والطاقة، إذ تراجعت الشراكة عبر المحيط الهادي في بعد الأوقات، إلا أن المنطقة شهدت اتفاقات تجارية كبرى في السنوات الأخيرة، شملت الصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الاقتصادات الإقليمية الكبرى، ولدى أعضاء أبيك بعض الاهتمام بجوانب «أبيف»، مثل الجهود الرامية إلى تعزيز مرونة سلسلة للتوريد واقتصاد الطاقة النظيفة، لكنهم يريدون رؤية الدول في إفساح المجال أمام المزيد من الوصول إلى الأسواق الأميركية والصينية وغيرها من دول أبيك في سياق التجارة الحرة.
تعد أميركا والصين القوتين الاقتصاديتين الرئيسيتين في العالم والمنتدى، وتنتجان معاً أكثر من 40 في المائة من إجمالي السلع والخدمات عالمياً؛ لذا، فعندما تنخرط واشنطن وبكين في معركة اقتصادية، كما حدث لخمس سنوات متتالية، فإن العالم بأسره سيعاني أيضاً، إذ إن التوترات بين البلدين تؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي، وإن اجتماع هذا العام، فرصة للحد من تلك التوترات وتعزيز التعاون الاقتصادي، وهذا ما يجعلها حدثاً بالغ الأهمية للاقتصاد العالمي؛ خصوصاً بعد أن عانى من سلسلة أزمات متتالية منذ عام 2020، مثل جائحة كوفيد – 19، وارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، والصراعات العنيفة في أوكرانيا ومؤخراً في غزة.
ويعتقد صندوق النقد الدولي أن هذا التباين الاقتصادي سيكون له تأثير سلبي على العالم؛ حيث من المتوقع أن يؤدي ارتفاع الحواجز التجارية إلى خسارة 7.4 تريليون دولار من الناتج الاقتصادي العالمي، كما زادت الحواجز التجارية بشكل حاد في السنوات الأخيرة، إذ إنه في عام 2022، فرضت الدول ما يقرب من 3 آلاف من القيود الجديدة على التجارة، مقارنة بأقل من 1000 في عام 2019. ونتيجة لذلك، فمن المتوقع أن تنمو التجارة الدولية بنسبة 0.9 في المائة فقط هذا العام و3.5 في المائة في عام 2024، بانخفاض حاد عن المتوسط السنوي 2000 – 2019 البالغ 4.9 في المائة.
ومن الجدير بالإشارة، ضرورة التعاون في ملفات عدة، بدءاً من التغير المناخي ومكافحة المخدرات إلى فرص وتحديات الذكاء الاصطناعي، وضرورة النظر إليها في سياق واسع من التحولات العالمية المتسارعة وأن تتطور بطريقة تعود بالنفع على جميع شعوب العالم، إذ لا يمكن للدول، أن تدير كل منها ظهرها للأخرى، إذ إن النزاع والمواجهة لهما عواقب لا تُطاق، كما أن التعافي الاقتصادي العالمي بعد جائحة كوفيد – 19 لا يزال بطيئاً، ولا تزال سلاسل الصناعة وسلاسل التوريد معرضة لخطر الانقطاع، وخطر الحماية بوصفها مشكلة خطيرة حسب وجهة نظر دول مهمة في الأبيك.
وفي الختام، تعهد زعماء أبيك، بدعم إصلاح منظمة التجارة العالمية، وإصرارهم على توفير بيئة تجارية واستثمارية حرة ومنفتحة وعادلة وغير تمييزية وشفافة وشاملة يمكن التنبؤ بها، والعمل على الإصلاح الضروري لمنظمة التجارة العالمية لتحسين جميع وظائفها، بما في ذلك إجراء مناقشات بهدف وجود نظام كامل وفعال لتسوية النزاعات التجارية، إذ إن تعزيز التجارة سيساهم في توحيد صفوف الدول المطلة على المحيط الهادي، إذ إن الأهداف المشتركة لدول أبيك هي خلق فرص متكافئة وعلاقات اقتصادية مستمرة وذات مغزى ومتبادلة المنفعة.
د. ثامر محمود العاني