مستقبل الطاقة في «كوب 28»

تشير الأخبار الواردة من مؤتمر «كوب 28» في دبي، قبيل اختتامه المقرر اليوم الثلاثاء، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية تمديده كما حصل في معظم المؤتمرات السابقة، إلى استمرار التباينات حول الاهتمام بمدى الانبعاثات التي تنطلق من وقود معين، أو التركيز على أنواع الوقود المستعملة في سلة الطاقة المستقبلية لما بعد عام 2050، يعني ذلك في الآراء والمصالح استمرار النقاش حول قرارات المناخ في المؤتمرات المقبلة.

المداولات حتى الأيام الأخيرة من المؤتمر تعكس اختلاف وجهات النظر ما بين الأقطار النفطية التي تطرح صناعة تدوير الكربون بالتقاطه عند إنتاج النفط وتخزينه في الآبار والكهوف. من ثم، فإنه يصبح بالإمكان استهلاك النفط بانبعاثات منخفضة. ومن ثم إمكانية ضم هذا البترول المنخفض الانبعاثات في سلة الطاقات المستقبلية لما بعد عام 2050. بهذا، يصبح المعيار المعتمد منذ النصف الثاني من القرن هو كمية الانبعاثات المنطلقة وليس الوقود نفسه.

من جهة أخرى، لا تزال بعض الأقطار الأوروبية ودول الجزر المنخفضة في البحار والمحيطات تطرح الاستمرار في البديل المعتمد في المؤتمرات السابقة، بالذات مؤتمر باريس لعام 2015، الذي يدعو إلى الالتزام بأهداف طاقوية محددة تستوجب وقف استعمال الوقود الأحفوري، متأثرة بحملات سياسية هادفة.

في رسالة وجهها الأمين العام لمنظمة «أوبك» هيثم الغيص في 6 ديسمبر (كانون الأول) (نشرت مقتطفات منها في نشرة «بلاتس أويل غرام») إلى الأقطار الأعضاء والأقطار النفطية الأخرى، قال: «أود أن أنتهز هذه الفرصة لأطلب من جميع الأقطار المحترمة في منظمة (أوبك) وغير (أوبك)… رفض أي تعبير أو معادلة تستهدف الطاقة: أي الوقود الأحفوري بدلاً من الانبعاثات».

توصلت المباحثات ما بين الوفود في الأيام الأخيرة قبيل المؤتمر إلى صياغة 5 بدائل يتم الاتفاق النهائي على واحد منها في الجلسة الأخيرة للمؤتمر.

تتلخص البدائل الخمس إما في إعطاء الأهمية للانبعاثات، أو في الاستمرار بمعارضة استعمال الوقود الأحفوري بحلول عام 2050 من خلال تقليص استعماله منذ العقد المقبل تحضيراً لموعد منتصف القرن، مما يعني الالتزام الكامل بقرارات مؤتمر باريس لمكافحة تغير المناخ لعام 2015.

وفيما تستمر الدول النفطية داعية إلى تبني مقياس مدى الانبعاثات بدلاً من نوع الوقود المستعمل، مستندة بذلك على إمكانية اقتصاد «تدوير الكربون» في تقليص انبعاثات البترول من النفط والغاز، من ثم إمكانية ضمه لسلة الطاقة لما بعد عام 2050، فقد ساندت الدول النفطية العديد من دول العالم الثالث الفقيرة التي تعاني من عدم توفر الكهرباء وضغوطاً من الدول الصناعية الغنية بعدم الاستثمار في الصناعة النفطية التي تستطيع أن توفر لها الأموال اللازمة لتعزيز اقتصاد بلادها من كهرباء ومياه صالحة للشرب.

من ثم، فإن استمرار الفرق الشاسع ما بين الأطراف المتعددة سيعني صعوبة التوصل إلى اتفاق تاريخي في اجتماع دبي. والسبب في ذلك يعود إلى ضرورة الحصول على إجماع الـ197 دولة المشاركة في المؤتمر.

وليد خدوري

انقلب السحر على الساحر… وانكشفت هوية السارق

اسوأ ما يُقال اليوم، هو انّ الدولة لا تستطيع تسديد ديونها، وبالتالي، أي محاولة لربط إعادة الودائع بالديون السيادية، هو مضيعة للوقت، ولن ينجح. في الموازاة، يعرف من يقول هذا الكلام ان لا اموال في المصارف لإعادة الودائع، لأنّ هذه الاموال كانت مودعة لدى مصرف لبنان، وقد «سطت» عليها الدولة وبذّرتها. فهل تعني هذه المعادلة انّ الودائع لن تعود؟

السؤال كان مطروحاً منذ ان تظهّرت الحقيقة في شأن الطريقة التي أدّت الى تبدُّد الاموال، لكن هذا السؤال قفز الى الواجهة، بعد مذكرة ربط النزاع التي رفعتها المصارف في وجه الدولة، لمطالبتها بدفع ديونها والتزاماتها الى مصرف لبنان، لكي يتمكّن بدوره من تسديد التزاماته للمصارف، والتي تقارب الـ 80 مليار دولار، وصولاً الى أن تتمكّن المصارف نفسها من دفع الودائع الى اصحابها.

فهل صحيح انّ خطوة مقاضاة الدولة هي مجرد رفع عتب، ولذرّ الرماد في العيون، ولكي يعرف المودعون انّ الدولة هي من أنفقت اموالهم، وتبرئ المصارف ذمّتها، وكان الله يحب المحسنين؟
هذا الاستنتاج لا يقع في موقعه الصحيح. وإذا كان البعض يقيس وضعية الدولة من الناحية المالية استناداً الى ايراداتها الحالية، واستناداً كذلك الى اوضاع موظفيها الذين باتت معدلات رواتبهم لا تكفي لدفع فاتورة كهرباء، والى مشهد الادارات العامة التي تعجز عن إنجاز المعاملات بسبب افتقارها الى ادوات القرطاسية، فهو مخطئ حتماً. الدولة غنية وقادرة على دفع التزاماتها، او قسم كبير منها على الاقل. والدليل انّ هذه الدولة التي هبط موظفوها في مداخيلهم الشرعية الى مستوى الفقر المدقع، يوجد عدد كبير منهم في عداد الأثرياء الكبار. وهؤلاء لم يجمعوا ثرواتهم بالوراثة، بل بالفساد والرشاوى.

وبالتالي، اصبح معروفاً انّ تغيير إدارة الدولة بفسادها المستشري من الرأس حتى القعر، سوف يغيّر الإيرادات بنسب لا علاقة لها بالمستويات القائمة اليوم. لكن المشكلة انّ المنظومة السياسية لا تريد ان نصل الى نقطة تسليم ادارة مؤسسات واصول الدولة الى القطاع الخاص، لأنّ هذه الادارات هي مرتع لسرقة المال، وتوظيف الأزلام والمحاسيب، وتجميع الاصوات الانتخابية، وحماية الذات من السقوط.

الدولة اليوم، بما تملك من اصول، وبما تملك من مؤسسات، وبواسطة سلطة التوقيع على كل المعاملات والتراخيص والإعفاءات والامتيازات، قادرة على الانتقال من العجز السنوي الدائم، الى فائض محترم يمكن استخدامه في تسديد الديون، خصوصاً انّ المطروح جدولة طويلة الأمد قد تمتد الى عشرين سنة.

كذلك تملك الدولة الاحتياطي من الذهب والذي فاقت قيمته اليوم، بسبب ارتفاع اسعار المعدن الاصفر، اكثر من 18 مليار دولار. وبالمناسبة، هل يمكن النظر بإيجابية الى ملف الذهب، المحمي بقانون يمنع بيعه؟

المفارقة في هذا الموضوع، انّ المنظومة السياسية، تعترف من خلال هذا القانون، بعجزها عن حماية الثروات، وبعدم صلاحياتها لكي يتمّ ائتمانها على الاحتياطي الذهبي. وهذا الامر واقعي جداً، بدليل انّ الاحتياطي النقدي الذي كان موجوداً في مصرف لبنان قبل تشرين 2019، (حوالى 32 مليار دولار) تمّ تبديده، ولم يبق منه سوى 7 مليارات دولار.

المفارقة الثانية، انّ الدولة التي كانت تبحث عن السارق لتعرف اين ذهبت الاموال، وكلّفت شركة عالمية بإجراء تدقيق جنائي في مصرف لبنان، فوجئت بأنّ التقرير الجنائي يدينها دون سواها، ويشير اليها بالاصبع في عملية سرقة وهدر اموال الناس، التي كانت مودعة في مصرفها المركزي.

في كل الاحوال، الطرف الاول الذي استدرك هذه المعادلة ورفضها هو مصرف لبنان نفسه، بعد تسلّم وسيم منصوري مقدّرات ادارة المصرف مع المجلس المركزي. وكان اول قرار اتخذه في الاول من آب، اي في اليوم الاول لتسلّمه مهامه، هو وقف إقراض الدولة، ومنعها من مدّ يدها على اموال الناس. وكان هذا القرار بمثابة المواجهة الاولى التي قام بها منصوري مع الدولة. وبالتالي، فإنّ مذكرة ربط النزاع، والمقاضاة لاحقاً، التي قد تلجأ اليها المصارف، ما هي سوى استكمال لما بدأه مصرف لبنان نفسه. وبالتالي، فإنّ المصارف باتت تقف وراء منصوري وليس العكس. واصبح الاثنان في خندق واحد، لتحصيل الحقوق لأصحابها.

أما المغالون في رفض تحميل الدولة أية مسؤولية، رغم وضوح مسؤوليتها في الوقائع وفي التقارير، ومنها التدقيق الجنائي الذي طلبت إنجازه الدولة نفسها، ودفعت تكاليفه من الخزينة، لم يعد مجدياً النقاش معهم، لأنّه بات واضحاً انّ مواقفهم لا علاقة لها بالإنقاذ ومعالجة الأزمة، وإعادة حقوق الناس، بل تستند، على الأرجح، الى أهداف اخرى، يصعُب النقاش فيها.

انطوان فرح

 

«كوب 28» وصندوق الخسائر والأضرار

قرر مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 28) تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، والحرص على نهج جديد في مواجهة التغير المناخي.

فقد شهدت أعمال مؤتمر «كوب 28» أول قرار أساسي لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار، للدول الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ.

كما تم إعلان إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم لسد فجوة التمويل المناخي، وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة.

وركز منتدى المناخ للأعمال التجارية والخيرية المنعقد على هامش «كوب 28»، على تنفيذ حلول عملية ملموسة لتحديات المناخ والطبيعة على مستوى عالمي. وناقش الحلول التي تعالج القضايا ذات الأولوية المحددة في أجندة عمل مؤتمر «كوب 28»، مثل تحول الطاقة، وتمويل العمل المناخي، والحفاظ على الطبيعة والشمول، وحماية التراث الطبيعي لكوكب الأرض وتنوعه الحيوي، وتمويل خطط التكيّف، وتكوين أنظمة غذائية وآليات زراعية أكثر استدامة. والهدف الأساسي للمنتدى هو إتاحة المجال للقطاع الخاص لأخذ خطوة فعلية عملية تخرجهم من دائرة الاتفاقيات والتعهدات النظرية إلى عالم التنفيذ العملي والنتائج الملموسة.

وقد دعا رئيس مؤتمر «كوب 28» إلى نموذج جديد يقوم على العمل الملموس والتغيير الفعال بالاستفادة من الديناميكية ورأس المال وشبكات العمل التي توفرها الأعمال التجارية والخيرية التي نحن بأمسّ الحاجة إليها لتحقيق أهداف إدارة المناخ وحماية الطبيعة.

وسيشكل الحصول على التمويل من أجل التصدي للخسارة والأضرار، وبالأخص، توزيع التمويل المخصص للخسائر والأضرار، اختباراً حاسماً لمقياس مدى نجاح «كوب 28». ويكشف تقرير يتناول الخسائر والأضرار في النظم الزراعية والغذائية، تم إطلاقه خلال المؤتمر، عن أن أكثر من ثلث الالتزامات المناخية للدول، أي المساهمات المحددة وطنياً، تشير صراحة إلى الخسائر والأضرار. وبالنسبة إلى الدول التي تشير إلى الخسائر والأضرار، يتبيّن أن الزراعة بشكل عام هي القطاع الوحيد الأكثر تضرراً لديها.

من الضروري الالتزام بدعم الدول، من أجل تقييم مدى الخسائر والأضرار الناجمة عن آثار أزمة المناخ على قطاعات الإنتاج الزراعي والغذائي، وحجم تلك الخسائر، وتعبئة الموارد المالية الكافية التي يمكن التنبؤ بها لدعم تنفيذ إجراءات التصدي للخسائر والأضرار في القطاع، وتقييم المخاطر المناخية، والحد من الخسائر والأضرار في الزراعة، وتطوير تكنولوجيات وممارسات جديدة يمكنها أن تقلل من تعرض منتجي الأغذية ومستهلكيها للمخاطر المناخية، كالمحاصيل التي تتحمل الجفاف، ونظم الري المقتصدة في استخدام المياه، ونظم الإنذار المبكر.

ويذكر أنه لا يمكن الفصل بين أزمة المناخ وأزمة الغذاء، ومن شأن الاستثمار في حلول النظم الزراعية والغذائية لتغير المناخ أن يعود بمنافع جمّة على الناس وعلى كوكب الأرض. ولكن لا يمكن حتى لأكثر المزارعين قدرةً على الصمود أن يتكيّفوا مع جميع آثار أزمة المناخ، فيجب أن نضع صغار المزارعين والدول النامية المعتمدة على الزراعة في طليعة جهودنا الجماعية الرامية إلى معالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تلك الأوضاع.

وفي الختام، يمتلك العلماء المهتمون في موضوع التلوث، أدوات تراقب تتتبع مصدر غازات التلوث، وبالتالي لديهم القدرة على تحديد أكبر الدول الملوثة للبيئة في العالم. ووفقاً للإحصاءات الدولية والبحوث المنشورة في الدوريات العالمية العلمية المحكمة، فإن أميركا والصين والاتحاد الأوروبي والهند هي المسؤولة عن أكثر من 60 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. في وقت لا تزال فيه الدول الملوثة للبيئة في العالم بعيدة تماماً عن الوفاء بوعودها بشأن تمويل المبادرات المناخية حول العالم، رغم استثماراتها المحلية الضخمة في الطاقة النظيفة. وهي أخفقت في تقديم الضروري المطلوب الذي وعدت به منذ فترة طويلة لمساعدة الدول النامية على تبني الطاقة الخضراء، والتكيف مع العواصف الشديدة وموجات الحرارة الحارقة، والحد من الجفاف الذي تسبب في تفاقم المشكلة.

د. ثامر محمود العاني