التنويع الاقتصادي في «رؤية 2030»

تتباين مساهمات قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الإجمالي، استناداً إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023؛ إذ تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 2.4 في المائة في توليد الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، والصناعات التحويلية بمقدار 14.7 في المائة، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 33.1 في المائة، والتشييد 4.5 في المائة، والكهرباء والغاز والماء يمثل 1.06 في المائة، والتجارة والمطاعم والفنادق 8.2 في المائة، والنقل والمواصلات والتخزين 4.7 في المائة، والتمويل والتأمين والمصارف 4.4 في المائة، والإسكان والمرافق 5.2 في المائة، والخدمات الحكومية 14.2 في المائة، وأخيراً الخدمات الأخرى 2.4 في المائة. ويعدّ القطاع غير النفطي دافعاً أساسياً في النمو الاقتصادي، والذي يعكس نجاح السعودية في عملية التنوع الاقتصادي بعيداً عن النفط، وهو أحد أبرز مستهدفات «رؤية 2030».

وقد اتخذت السعودية إجراءات استباقية في ميزانية 2024 تحميها من الصدمات الاقتصادية الخارجية؛ إذ وجّهت إنفاقاً توسعياً يتجاوز 333 مليار دولار لتسريع تنفيذ الخطط الاستراتيجية القطاعية، حيث اتخذت إجراءات استباقية لتعزيز قدرة اقتصادها على مواجهة التحديات والتطورات وضمان الاستدامة المالية؛ وهو ما عكسته الأرقام الواردة في البيان التمهيدي لميزانية عام 2024، التي تستهدف من خلالها السعودية إيرادات بقيمة 312 مليار دولار، مقابل نفقات بنحو 333 مليار دولار، وبعجز محدود بقيمة 21 مليار دولار، أي ما يمثل 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتطورت مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، الذي ساعد على تحقيق الاقتصاد السعودي أعلى معدل نمو في 2022 بين دول مجموعة العشرين، كما سجل هذا القطاع ثاني أعلى معدل نمو في 2023 ضمن المجموعة أيضاً، كما أعلن صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد السعودي يشهد تحولاً، بعد تنفيذ إصلاحات عدة للحد من الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز القدرة التنافسية؛ إذ إن التحسينات الهيكلية التي تجريها الحكومة عززت نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، الذي انعكس إيجاباً على أداء الميزانية العامة للسعودية، حيث إن الإجراءات الإصلاحية عززت دور الأنشطة غير النفطية في أداء الميزانية، بفضل التنوع في مصادر الدخل، وعدم الاعتماد بشكل كبير على الإيرادات النفطية؛ إذ إن الاقتصاد السعودي طبّق سياسات إصلاحية فعّالة واحتوائية للأزمات مدعومة بوفرة مالية واحتياطيات نقد أجنبي مرتفع، حيث إن اقتصاد السعودية يقف على أسس صلبة ومتينة، انعكست على نتائج الميزانية العامة للدولة في 2024.

وترى مصادر مالية، أن العجز الذي يتوقع تسجيله يأتي بسبب زيادة الإنفاق على قطاعات مهمة؛ مثل الدفاع والتعليم والصحة، وتوقعت أن تزيد الإيرادات على تلك المتوقع لها بفعل التنامي الكبير للنشاط غير النفطي، وفي هذا الإطار، فإن الحكومة قدّرت الإيرادات لميزانية عام 2023 على أساس 82 دولاراً لسعر برميل خام برنت، وأفصحت السعودية في البيان التمهيدي لميزانية العام المالي 2024، عن الاستمرار في العمل على رفع كفاءة وفاعلية الإنفاق والضبط المالي، واستدامة المالية العامة، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتحقيق مستهدفات «رؤية 2030».

لقد حدد الاقتصاديون مصادر النمو؛ إذ تعود إلى خمسة متغيرات، هي التوسع في الطلب الاستهلاكي، والطلب الاستثماري، والتوسع في الصادرات، وزيادة إحلال الواردات، ومن ثم التقدم التكنولوجي من خلال الابتكار والإبداع والبحث العلمي؛ إذ إن هذه المتغيرات تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد السعودي، فقد أكدت خطط التنمية الخمسية التي بدأ العمل بها منذ عام 1970 أهمية توسيع القاعدة الصناعية لتصبح مصدراً أساسياً للدخل؛ إذ تعدّ الصناعة مصدراً أساسياً للنمو إذا كانت نصيبها في الناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن 25 في المائة، لكن البيانات تبين أن مساهمة الصناعة التحويلية في الإنتاج المحلي الإجمالي بلغت نحو 14.7 في المائة في السعودية عام 2022، استناداً إلى بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023، ومقارنة بالدول حديثة العهد بالتصنيع، مثل البرازيل وتايوان وماليزيا، فإنها منخفضة بالمقارنة مع هذه الدول، حيث بلغت في ماليزيا نحو 23.9 في المائة استناداً إلى بيانات الصندوق النقد الدولي 2022.

وفي الختام، واصلت الحكومة السعودية عملية الإصلاحات الهيكلية على الجانبين المالي والاقتصادي؛ بهدف تنمية وتنويع اقتصادها، ورفع معدلات النمو المستدام مع الحفاظ على الاستدامة المالية، من خلال مواصلة تنفيذ برامج ومشروعات «رؤية 2030»، بالإضافة إلى إطلاق كثير من المبادرات والاستراتيجيات التي تسهم في تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة، وتعزيز جذب الاستثمارات، وتحفيز الصناعات، ورفع نسبة المحتوى المحلي والصادرات غير النفطية، بجانب الدور الفاعل لصندوق الاستثمارات العامة، والصناديق التنموية، مع استمرار تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تعزّز من نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية بمعدلات مرتفعة ومستدامة، باتجاه التنويع الاقتصادي؛ كونه أحد أهم مستلزمات «رؤية 2030».

د. ثامر محمود العاني

كوب28: كل ما تريد معرفته

كونه حدثا يناقش قضية تتعلق بمستقبل كوكب الأرض، اهتمت CNBC عربية ليس فقط بحضور مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب28” التي تحتضنها مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن أيضا بتقديم ملخصاً يومياً لأبرز الأحداث، ليكون بمثابة ملفا مختصراً لتدوين تلك الوقائع من داخل أروقة الحدث.

وإليكم أبرز الأحداث:

اليوم الثاني:

شهد اليوم الثاني من “كوب28” الجزء الأول من كلمات الزعماء، الذين توالوا على منصة المؤتمر للتعبير عن مواقفهم ودعواتهم من أجل تحقيق إنجاز يتمثل في إنقاذ كوكب الأرض من مستقبل مظلم حسب تعبير كثير منهم.

بدأت الخطابات بكلمة لرئيس الإمارات محمد بن زايد، والذي أعلن عن إطلاق صندوق جديد لـ”الحلول المناخية” مختص بجذب الاستثمارات في مجال معالجة الأزمة المناخية.

وأشار الرئيس الإماراتي إلى إنشاء الصندوق الذي يطلق عليه “ألتيرا” بقيمة 30 مليار دولار، وأنه يستهدف جذب استثمارات بقيمة 250 مليار دولار بحلول نهاية العقد. ويخصص الصندوق 25 مليار دولار لاستراتيجيات المناخ، و5 مليارات دولار لتحفيز تدفقات الاستثمار إلى جنوب الكرة الأرضية.

وبحسب بيان صادر عن الرئاسة الإماراتية لـ”كوب28″، يستهدف الصندوق، بالتعاون مع شركات إدارة الأصول العالمية بلاك روك وبروكفيلد وتي.بي.جي، “توجيه أسواق القطاع الخاص نحو الاستثمارات المتعلقة بالمناخ والتركيز على التحول في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية” التي قال إن ارتفاع المخاطر المحتملة فيها أدى إلى عرقلة الاستثمار التقليدي.

وقالت شركة بلاك روك في بيان إن صندوق “ألتيرا” سيستثمر مليار دولار في استراتيجية الديون الخاصة المتعلقة بالمناخ التي تستهدف التحول. كما التزمت بتقديم مبلغ مليار دولار للاستثمار في أعمال البنية التحتية الخاصة بشركة بلاك روك أو المشاركة في الاستثمار معها.

وسادت نبرة إنقاذ الأرض على كلمات الزعماء، حيث حث الملك البريطاني تشارلز الثالث المشاركين في المؤتمر إلى اتخاذ خطوات سريعة وحازمة لحماية الكوكب، موضحا ان “آمال العالم ترتكن إلى رؤساء الدول والحكومات”، ومعربا عن رغبته في أن يكون كوب 28 “نقطة تحول مهمة باتجاه عمل تحولي حقيقي”.

ومن جانبه، حث رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي القادة على العمل معا وتزويد البلدان النامية بالتكنولوجيا والتمويل لمواجهة تغير المناخ. فيما قال الرئيس البرازيلي لويس إناسيو لولا دا سيلفا إن بلاده التي تضم معظم غابات الأمازون المطيرة، مستعدة لريادة الطريق في حماية المناخ.

وخيمت حرب غزة على أروقة قمة المناخ، حيث دان كثير من القادة الحرب، فحض عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني المجتمع الدولي على منع إسرائيل من “ارتكاب مجازر ونكبات” لا يمكن تحمل تبعاتها بعد تجدد القتال بين إسرائيل وحركة “حماس”، مشيرا إلى أن تغيّر المناخ يزيد صعوبة حياة الفلسطينيين في قطاع غزة.

كما أدان الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة وطالب المجتمع الدولي بوقفها. بينما اعتبرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أن استئناف الهدنة بين إسرائيل و”حماس” في غزة أمر “ضروري”.

وانسحب الوفد الإيراني من المؤتمر احتجاجاً على وجود ممثلين لإسرائيل، على ما ذكر الإعلام الرسمي.

اليوم الأول: 

فيما يوصف بأنه أكبر حدث من نوعه، افتتح مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب28” في دبي يوم الخميس، ليحقق اختراقا سريعا على غير العادة في المؤتمرات المماثلة، بالإعلان في اليوم الأول عن تفعيل صندوق الخسائر والأضرار المختص بتعويض الدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية.

ومع حضور رسمي في المنطقة الزرقاء يقدر بنحو 80 ألف شخص، وممثلين عن نحو 200 دولة، جرت مراسم التسليم والتسلم في افتتاح المؤتمر بين رئاسة القمة السابقة التي عقدت في مدينة شرم الشيخ بمصر.

والقمة الحالية التي تحتضنها دبي، ليعلن رئيس القمة “كوب28” سلطان الجابر سريعا تبني قرار تشغيل صندوق “الخسائر والأضرار”، قائلا: “أهنئ الأطراف على هذا القرار التاريخي. إنه يبعث إشارة زخم إيجابية للعالم ولعملنا. لقد كتبنا صفحة من التاريخ اليوم… السرعة التي فعلنا فيها ذلك غير مسبوقة، هائلة وتاريخية”.

وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتبني قرار تشغيل الصندوق، داعيًا المانحين الى تقديم “مساهمات سخية”.

وبدأت المساهمات المالية الأولى تتدفق: 225 مليون يورو (نحو 245 مليون دولار) من الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك مائة مليون دولار سبق أن أعلنت ألمانيا تقديمها)، مائة مليون دولار من الإمارات، عشرة ملايين دولار من اليابان، و17,5 مليون دولار من الولايات المتحدة، وأربعون مليون جنيه استرليني (نحو 50 مليون دولار) من بريطانيا.

وعلى مدار نحو أسبوعين، أو أكثر إذا ما تقرر تمديد أيام عمل المؤتمر كالعادة، يناقش الحضور من زعماء وقادة وسياسيين ومسؤولين، عدة موضوعات تتعلق جميعا بمساع خفض التهديدات المناخية وعلاج آثار التغير المناخي.

ويأتي المؤتمر في عام وصف بأنه الأكثر حرارة في التاريخ، وشهدت شهوره الماضية كوارث طبيعية واسعة النطاق وفادحة من حيث التكاليف البشرية والمادية.

وسيكون التمويل من أبرز القضايا التي يهتم بها المؤتمر، فيما يشهد للمرة الأولى مشاركة واسعة النطاق لقطاع النفط عبر الشركات والمؤسسات، والذي رأت الإمارات أنه أمر واجب لمحاولة علاج المشكلة من أحد أهم جذورها.

وبينما ستكون مسألة التخلي عن الوقود الأحفوري الأكثر حساسية على أجندته، لكن رئاسة المؤتمر عبر الجابر أكدت أنها لن تتزحزح عن النقاش ومحاولة بلوغ اتفاق، وقال الجابر: “نحن بحاجة إلى التأكد من إدراج دور الوقود الأحفوري” في الاتفاق النهائي للمؤتمر.

التهرّب الضريبي نموذج … أدنى من مرتبة “دولة”

الانتقادات التي يتعرّض لها مشروع موازنة العام 2024، تعود في قسمٍ كبير منها الى المناخ العام المرتبط باستمرار الانهيار الاقتصادي، وعجز الدولة منذ اربع سنوات عن إطلاق مسيرة التعافي، لإعادة الاقتصاد الى وضع طبيعي، يسمح بإقرار موازنات تتماهى مع الرؤية الاقتصادية. وبالانتظار، كل الموازنات ستكون ناقصة وغير مُجدية، في غياب التوافق على مسار التعافي العام.

من خلال الضرائب والرسوم، الجديدة منها والقديمة، التي تجري محاولة لزيادتها لتتماهى مع نسَب التضخّم التي شهدها البلد، يُلاحظ انّ الحكومة تجهد لتحسين الايرادات بأي ثمن. ورغم العورات الكثيرة الواردة في المشروع الحكومي، إلا أن الطامة الكبرى تكمن في الوضع الاقتصادي القائم، حيث بات 80 % من اللبنانيين في قائمة المحتاجين الى مساعدة، بسبب تراجع قدراتهم الشرائية الى مستويات متدنية.

في الموازاة، استعاد قسم من القطاع الخاص حيويته، بفضل عوامل عدة، من اهمها:

أولاً – الاستقرار الامني (قبل عملية 7 تشرين الأول في غزة) الذي سمح بعودة المواسم السياحية، وأدّى الى دخول العملة الصعبة الى البلد.

ثانياً – قرارات مصرف لبنان التي سمحت بإعادة القروض بالليرة او باللولار، الامر الذي سمح لقسم كبير من المؤسسات بتحقيق ارباح استثنائية غير متوقعة، ساعدتها على الصمود، وربما ازدهار بعضها.

ثالثاً – الكلفة التشغيلية التي انخفضت نسبياً عمّا كانت عليه قبل أزمة الانهيار.

هذه العوامل ساعدت القطاع الخاص على استعادة نشاطه جزئياً، الامر الذي أدّى الى وقف الانكماش الذي كان قد بدأ قبل اربع سنوات.

لكن هذا التحسّن في اداء القطاع الخاص بقي هشاً، وهو معرّض للانهيار بسرعة، بسبب عدم توفّر مقومات التوسّع والصمود. وما دام القطاع المصرفي في «صالة الانتظار»، بسبب تقاعس «الدولة» عن البدء بمعالجة الأزمة النظامية (systemic crisis) التي ضربت البلد منذ اكثر من اربع سنوات، سيبقى القطاع الخاص في غرفة العناية الفائقة، ومُعرّضاً لانتكاسات خطيرة في اية لحظة. على سبيل المثال، ما فعله اصحاب بعض المؤسسات السياحية، أنهم جمعوا الارباح التي حققوها في فترة الصيف، وهم يُنفقون منها منذ 7 تشرين لضمان صمود مؤسساتهم. هذا النمط من العمل لا يمكن ان يدوم، ولا يمكن ان يبني مؤسسات قادرة على التوسّع والمنافسة، وبالتالي لا يمكن ان يؤدّي الى اقتصاد طبيعي ومزدهر. ومن دون اقتصاد طبيعي وقادر على النمو بنسب جيدة، ستبقى الأزمة قائمة، لأنّ الدولة لن تعثر على ايرادات كافية للقيام بدورها المألوف. الاقتصاد بوضعه الحالي، لا يكفي لتحقيق استقرار اجتماعي، يمكن تأمينه من خلال نظام ضرائبي مهمته اعادة توزيع الثروة لضمان حد أدنى من العدالة الاجتماعية، وضمان مقومات البنية التحتية لتقديم الخدمات للفرد والمؤسسات والمستثمرين.

ما يقوله المنتقدون اليوم، في موضوع الموازنة صحيح، لكنه يعبّر عن فشل الدولة في صياغة وبدء مشروع الانقاذ، اكثر ممّا يعكس وجود أخطاء او شوائب في الموازنة. مَن رَسَم الخطوط العريضة للموازنة، يدرك ويعترف مسبقاً بأنّ الدولة عاجزة عن اتخاذ القرارات المطلوبة للاصلاح، لذلك لجأ الى مبدأ «اذا لم يكن ما تريد، أرِدْ ما يكون». إذ يكفي ان يتم خفض التهرّب الضريبي الذي يجري تقديره حالياً بحوالى 60%، لكي تتحسّن الايرادات العامة بنسبة لا تقل عن 25 الى 30%. لكن الدولة تعترف مسبقاً بعجزها عن تنفيذ مثل هذه القرارات الامر الذي يجعلها أدنى من مرتبة «دولة». وهذه هي المشكلة الحقيقية التي تنسحب على كل القرارات الاخرى التي لا تستطيع السلطات اتخاذها لأنها عاجزة عن تنفيذها.

في وضعٍ مماثل، لن يكون مُستغرباً تصدير مشاريع موازنة غير متّزنة، لأنّ الرؤية الاقتصادية التي نطالب بها جميعاً، لا يمكن حصرها بالموازنة، وإبقاء ما تبقّى على ما هو عليه. بمعنى، ان الموازنة قد تصلح لتكون بمثابة رؤية اقتصادية مستقلة الى حد ما، في الاوضاع الاقتصادية الطبيعية، لكن الامر يختلف بعض الشيء في وضع استثنائي كما هو في لبنان منذ اربع سنوات. الدولة تحتاج الى تحديد مسار التعافي والمضي به ضمن خطة خمسية او عشرية واضحة، ومن خلال هذه الخطة يمكن إيراد رؤية اقتصادية في الموازنة، تتماهى مع هذه الخطة. اما الاعتقاد انّ الموازنة لوحدها «بِتشيل الزير من البير»، فهو لا يقع في محله، وفيه الكثير من الاوهام او المزايدات او الشعبوية. مع الاشارة الى ان كل هذا الكلام لا يبرر صدور الموازنة بثغرات كالتي ظهرت في مشروع موازنة 2024، لكن هذه الثغرات يمكن للمجلس النيابي معالجتها، وهو يفعل حالياً، وهذا واجبه، ولكن الانقاذ والتعافي في مكان آخر لا يزال مغلقاً حتى الآن.

انطوان فرح