خريطة طريق للإنقاذ والحفاظ على أموال المودعين

الإخفاقات طويلة وعديدة ولا داعي لذكرها الآن، بل ينبغي التركيز في هذا الوقت على الحلول التي يمكن للدولة أن تتبعها للخروج من أزمتها والمحافظة على مدخرات وتعويضات اللبنانيين في المصارف. وهناك نوعان من الحلول، آنية وطويلة المدى.

 

الحلول الآنية

 

أولاً: الإسراع في اعتماد خطة موحّدة بين الحكومة ومجلس النواب وجمعية المصارف، وطرحها أمام صندوق النقد الدولي. فنحن اليوم في أمسّ الحاجة الى كتلة نقدية كبيرة حتى نلتقط أنفاسنا، وأموال صندوق النقد هي خشبة الخلاص الأولى في هذه المرحلة. والخطّة الاقتصادية رغم كل محاذيرها، الّا أنّها أفضل حلّ بالنسبة لنا حتى نعيد إنعاش الإقتصاد.

 

ثانياً: بذل كافة الجهود لحماية القطاع المصرفي من الانهيار، بدل شنّ الهجوم عليه، لأننا بذلك نحمي أموال المودعين. فإفلاس القطاع المصرفي لا يعني خراب القطاع فحسب، إنما أيضاً خراب المودعين والاقتصاد بالدرجة الأولى. ورغم كل الملاحظات المحقّة على أداء المصارف في الفترة الأخيرة، لكننا اليوم أمام مشكلة، إما أن نعالجها أو نذهب جميعاً الى المجهول. كما يجب ألاّ ننسى أو نتناسى الدور الإيجابي الكبير الذي قدّمه هذا القطاع على مدى سنوات.

 

ثالثاً: التشجيع على دمج واستحواذ المصارف لبعضها، وذلك بالتعاون مع المصرف المركزي وجمعية المصارف، حيث أنّ هناك مصارف لديها سيولة وأخرى متعثرة، وهذه خطوة مهمّة للحفاظ على القطاع المصرفي وأموال المودعين.

 

رابعاً: إعادة جدولة القروض المتعثرة وإيجاد طرق مبتكرة لذلك. فمن المجحف أن تعتبر الحكومة القروض المتعثرة خسائر على القطاع المصرفي، لأنّها في الحقيقة مغطاة بضمانات (Collaterals) عالية.

 

خامساً: على الحكومة أن تعمل جاهدة على إعادة ثقة الاغتراب اللبناني ببلده، فالمغتربون لديهم الحصّة الأكبر من الودائع في المصارف، وهم رغم كونهم الأكثر تضرّراً من هذه المجزرة النقدية والمالية التي حصلت في حق الشعب، الّا أنّهم مستعدون لإعادة ضخ أموالهم والاستثمار في البلد، في حال برهنت الحكومة على جدّيتها في الإصلاح ومكافحة الفساد. والدولة لديها اليوم فرصة كبيرة لجذب السياح المغتربين، لأنّهم لن يتمكنوا من السفر بسهولة الى وجهات سياحية عالمية بسبب كورونا. وبتقديرات بسيطة، إذا دخل الى لبنان مليون مغترب حتى نهاية العام وكل واحد صرف بمعدّل 1000 الى 1500 دولار، يدخل الى البلد بين مليار الى مليار ونصف دولار.

 

سادساً: على الحكومة أن تضع آليات للعمل على النطاقين الاقتصادي والنقدي. حيث يجب على مصرف لبنان ان يدعم فقط المواد الاستهلاكية من دواء وطحين ونفط، ويترك دعم الزراعة والصناعة للمصارف، وذلك من شأنه أن يعيد تحريك العجلة الاقتصادية ويفتح إمكانيات التصدير وإدخال العملة الصعبة، أو على الأقل تأمين جزء كبير من حاجة السوق المحلي بدل الاستيراد والتفريط بالعملة الصعبة.

 

سابعاً: حصر طرح الدولار عبر المصارف بدل الصرافين، وهذا بالفعل ما قام به مصرف لبنان منذ بضعة أيام، عبر ضخ مبلغ الـ4 او الـ5 ملايين دولار لدى المصارف، من اجل تأمين الدولار للاستيراد. وهذه الخطوة نأمل أن تلحقها خطوات أخرى، بتحويل كافة عمليات شراء العملة للاستيراد وغيره الى المصارف التي لديها القدرة الاستعابية والبيانات الكافية عن جميع العملاء، للجم الأمور ومنع النزيف العشوائي للدولار.

 

ثامناً: أن يحوّل المودعون بالليرة اللبنانية ودائعهم الى الدولار على أساس سعر 1515، حتى ولو اضطروا لتجميدها لفترة طويلة (من سنتين الى 5 سنوات) لأنّهم بذلك يضمنون قيمة ودائعهم، التي إذا بقيت بالليرة يتآكلها التضخم. وهذه العملية ما زالت ممكنة حتى الآن، لأنّ المصارف ما زال لديها سندات آجلة بالدولار لدى المصرف المركزي، الذي يجب أن يدعم الكتلة النقدية بالليرة على مراحل، للمحافظة على أموال المودعين والمتقاعدين.

 

حلول طويلة المدى

 

أولاً: تشكيل حكومة إنقاذ وطني من أشخاص ذوي خبرة، لأنّه للأسف حكومة الدكتور حسان دياب فشلت في مهمتها. وهنا نريد حكومة لديها خطة إنقاذية مالية واقتصادية متكاملة، تقوم على دعم الإنتاج (زراعة وصناعة) والتصدير. على سبيل المثال، يجب تقديم كافة التحفيزات للنهوض بقطاعنا الصناعي، مثل تأمين الكهرباء المدعومة، وتقديم التحفيزات الضريبية بالتعاون مع وزارة المالية، وخلق أسواق جديدة للتصدير عبر سفراء لبنان في العالم، وحماية الإنتاج من المضاربة الشرسة التي عانينا منها كثيراً، عبر إلغاء بعض اتفاقيات التبادل التجاري الحرّ التي كان قد وقّعها لبنان مع أوروبا والبلاد العربية، حيث لا يمكن أن نقارن إقتصادنا باقتصاد السعودية أو مصر التي تُغرق أسواقنا بالبضائع، بينما صادراتنا اليها قليلة جداً.

 

ثانياً: استعادة الأموال المنهوبة، ورغم أنّه من الصعب جداً استعادة الأموال التي هُرّبت الى الخارج، الّا أنّه ما زال بإمكاننا استرجاع الأموال المنهوبة التي ما زالت موجودة داخل المصارف اللبنانية، وتقدّر قيمتها بين الـ 5 والـ 7 مليارات دولار. وهذه الأموال يمكن استخدامها في إعادة رسملة المصارف، عبر تسديد سندات «اليوروبوندز» أو سندات الخزينة وشهادات الإيداع، التي موّلت فيها المصارف الدولة اللبنانية ومنعتها بذلك من الإنهيار.

 

ثالثاً: توازن السياسات الخارجية، خصوصاً

 

مع أميركا، التي لا يمكننا معاداتها لأنّها يمكن أن تفرض علينا عقوبات وتقطع عنا الدولار ونظام «السويفت» (Swift) العالمي، الذي هو أساس التعامل مع العالم الخارجي. لذلك، الخطاب السياسي والتراشق الإعلامي اللذان لا جدوى منهما، يجب أن نضع لهما حداً، لأننا كمثال النملة التي تتحدّى فيلاً.

 

وعن التوجّه شرقاً أو غرباً، ليس من المستحب أخذ طرف محايد مع أي جهة، بل الحلّ الأنسب هو الانفتاح على كافة الجهات ودعوتها للاستثمار في البلد، عبر دفاتر شروط ومناقصات عالمية شفافة موحّدة، وليربح الأفصل بعيداً من المحاصصات والتنفيعات.

 

وأخيراً، كان قد أبدى السفير الصيني استعداد بلاده لتنفيذ 3 مشاريع في مجال الكهرباء وسكة الحديد، التي تربط الشمال بالجنوب وبيروت بالبقاع، والنفق الذي يربط بيروت برياق على طريقة الـ BOT. كذلك يمكن للصين أن تساعد في مجال إدارة النفايات وفتح البلد امام السيّاح الصينيين.

 

رابعاً: إنشاء مجلس نقد، وهذه الفكرة كان قد اقترحها الدكتور حسن خليل سنة 1997 على رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. وهكذا خطوة تساعدنا كثيراً في هذه المرحلة، لأنّه لا يمكننا الاستمرار بطبع العملة دون أي تغطية، لأنّ ذلك يؤدي الى التضخم وفقدان الليرة لقيمتها وتراجع القوة الشرائية.

 

خامساً: ضبط عمليات التهريب عبر الحدود، خصوصاً للمواد المدعومة مثل النفط والطحين والأدوية، لأنّ ذلك يشكّل خسائر كبيرة في احتياطاتنا من العملة المحلية.

سادساً: منع الإحتكارات على غرار العديد من دول العالم.

 

سابعاً: وقف الهدر في الكهرباء، وذلك عبر إطفاء كافة المعامل نهائياً والإعتماد لفترة على المولدات، وطرح مناقصات عالمية لإنشاء معامل حديثة على أساس الـ BOT.

 

ثامناً: وهذا الحلّ بيد الشعب اللبناني نفسه، حيث نأمل في الانتخابات المقبلة أن يحكّم كل إنسان ضميره وينتخب على أساس الكفاءة والجدّية في العمل لا أن ينتخب نفس الطبقة والأحزاب، لأنّه بذلك تكون نهايتنا على أيدينا.

 

تاسعاً: فتح خطوط ائتمانية عبر تغطية من الذهب (من دون المساس به) وقد تصل الى 5 أو 6 مليارات دولار تُضخ عبر المصارف وتكون حصراً لتمويل قطاعي الصناعة والزراعة، لإعادة إحياء العجلة الاقتصادية. وكل ذلك عبر خطط مدروسة بتقنية وشفافية عالية.

 

مع الأسف، ورغم كل ما يحصل للشعب اللبناني من إفلاسات وبطالة وجوع، وما قد ينتج منها من جرائم وتفلّت في الأمن، ما زالت الحكومة تتخبّط، والمحاصصات سارية والصفقات تُعقد، والمستقبل قد لا يكون مطمئناً، الّا إذا…

د. عطية المعلم.